الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

رافد علاء الخزاعي - يوم المرحاض العالمي عراقيا

سومريون لكننا في مقبرة أخرى-كاظم فنجان الحمامي

سومريون لكننا في مقبرة أخرى


كاظم فنجان الحمامي

ما لا خلاف عليه ولا جدال فيه أننا نحن أحفاد السومريين, الذين أسسوا أول الحضارات البشرية جنوب وادي الرافدين, فحققوا في الألف الثالث قبل الميلاد ما لم يحققه غيرهم في العلوم والفنون والآداب.
وما لا يصدقه العقل ولا يقبله المنطق أننا وعلى الرغم من مرور آلاف السنين نعيش الآن عند مقتربات العاصمة السومرية (أور) وتعني بالسومرية (نور), ونقطن في الأماكن التي استوطن فيها أجدادنا, من دون أن نحقق عشر معشار التحضر والتمدن الذي توصلوا إليه في الأزمنة الغابرة.
نعيش الآن في قرى بائسة خارج أسوار (ذي قار), المدينة التي زعموا أنها (جنة المستثمرين), فعلقوا لوحات الجنة المزعومة على حافات مكبات القمامة خلف جسر (الواحة) عند تقاطع طريق شيوخ والناصرية, ثم نشر الأمريكان ثكنات غربانهم حول مدرجات (الزقورة) المهجورة, فنبشوا الأرض المقدسة بمخالبهم الخبيثة, وغادروها مكرهين بعدما طمسوا اسم (تل اللحم), فصار اسمه (طليل).
لو اطلع القارئ الكريم على ما كتبه الدكتور (صاموئيل نوح كريمر Samuel Kramer) عن ابتكارات أجدادنا في عصورهم الذهبية, لسقط مغشياً عليه من هول الصدمة بسبب هذا البون الشاسع, بين ما توصل إليه أجدادنا قبل مئات القرون في الطب والهندسة والبناء والزراعة والصناعة والملاحة والتجارة والإدارة والتنظيم, وبين مراحل تخلفنا وتقهقرنا وتراجعنا في العصور المظلمة.
لقد كتب (كريمر) قائمة طويلة, شملت نحو (39) اكتشافاً وابتكاراً وانجازاً من الانجازات العظيمة, سبقوا فيها الشعوب والأمم. تطرق لها (كريمر) في كتابه الموسوم (التاريخ يبدأ بسومر History begins at Sumer), نذكر منها:
أن السومريين أول الأقوام الذين ركبوا البحر, وصنعوا السفن العملاقة والزوارق الكبيرة, وغلفوها من الخارج بالقار, ومن الداخل بالجلود السميكة. وأول من صنعوا المرساة (مخطاف السفن), وهم الذين أطلقوا عليه (أنكر), وأول من رسم المسالك الملاحية في عرض البحر, وأول من تعلموا فنون الغوص والغطس تحت الماء بالاستعانة بأكياس الهواء المصنوعة من جلد الماعز, وأول من تعلموا مبادئ علم الفلك, فدرسوا حركة الكواكب وعرفوا النجوم والمجرات, ورسموا القبة السماوية بدقة متناهية وصلت إلى 60% بالمقارنة مع صورتها الملتقطة الآن بواسطة التلسكوبات الالكترونية العملاقة, وأول من وضعوا التقويم الشمسي والقمري, ورصدوا مواعيد الخسوف والكسوف, وشخصوا الأبراج السماوية, وتبثوا مواعيد الفصول الأربعة.
فالسومريون أول الأقوام الذين صنعوا العدسات المقعرة والمحدبة, وصنعوا المرايا العاكسة من الكريستال والرمال البركانية, وهم أول الأقوام الذين اكتشفوا المعادن, وصنعوا منها فؤوسهم ومعاولهم وأدواتهم وأسلحتهم, وسكّوا السبائك الذهبية والفضية, وتفوقوا على بقية الأقوام في صياغة الحلي المرصعة المجوهرات, وصنعوا السيوف الفولاذية البتارة بأجمل صورها, وصنعوا الرماح والخناجر والدروع والأصفاد والسلاسل والبدلات الحربية المنسوجة من الحلقات الفولاذية الصغيرة, وتفننوا في صناعة الأواني النحاسية والفولاذية والمواسير والسلالم.
السومريون أول من وضع أسس علوم الطب, وأوجدوا مبادئ طب الأمراض النسائية, ومعالجة العقم, وطب الأسنان, وجراحة الجملة العصبية, والأمراض النفسية, وطب الأعشاب, وشيدوا المستشفيات التخصصية المنفصلة: للأطفال والنساء, وعرفوا الحجر الصحي.
والسومريون أول الأقوام الذين رتبوا المقامات الصوتية, ووضعوا درجات السلم الموسيقي (دو – ري - مي – فا – صو – لا – سي), وأول من شكل فرق الإنشاد لأداء التراتيل والترانيم في المعابد والاحتفالات.
والسومريون أول من صنع الساعة, وضبطوا التوقيتات الزمنية, ثم صمموا الساعات اليدوية بنقوشها المثبتة في ساعة اليد لسرجون الأول, والإله أينكي. ويؤكد صاموئيل كريمر أنهم أول الأقوام الذين عرفوا الطيران والتحليق في الفضاء, فصمموا الطائرات, واستعملوها في مسوحاتهم الجوية, ثم صنعوا الطائرات الحربية, وقصفوا بها حصون أعدائهم بقنابل مصنوعة من البارود المضغوط في الجرار الخزفية السميكة.
والسومريون أول الأقوام الذين دجنوا الطيور والأبقار والأغنام والجاموس, وأول من دبغوا الجلود وصنعوا الأحزمة والسروج والأحذية والحقائب, وأول من عرفوا غزل الأصواف الحيوانية, وابتكروا معدات الخياطة وصناعة السجاد.
السومريون أول الأقوام البشرية الذين سنوا الشرائع, وكتبوا القوانين, وأرسوا قواعد العدل والإنصاف, ونظموا عقود البيع والشراء, وعقود الإيجار والاستئجار, وأول الذين أبرموا الاتفاقيات الثانوية وبروتوكولات التعاون المشترك مع الأقوام المجاورة لهم, وعندهم أول حكومة ديمقراطية منتخبة في الفترة من 2674 قبل الميلاد إلى 2665 قبل الميلاد, وأول من أسسوا صناديق الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي, وأوجدوا النظام المصرفي, وشيدوا ملاجئ الأيتام, ومنتجعات النقاهة لكبار السن¸ وهم أول من سجلوا البيانات الشخصية للناس, وأول من أصدروا شهادات الميلاد للمواليد الجديدة.
السومريون أول من كتبوا القصائد الثنائية المختصرة (الدارمي), وكتبوا القصائد الرباعية (الأبوذية), وظهرت فيهم أول شاعرة, هي الشاعرة (آن هديوه آنا), التي كتبت أولى قصائدها الوجدانية للتعبير عن حبها لأمها (حنونة) أو (أينونا).
السومريون أول الأقوام الذين نظموا قنوات السقي, وعمقوا ترع الري, وصمموا قنوات تصريف المياه الخفيفة والثقيلة, وأول من شيدوا خزانات حفظ المياه الصالحة للشرب, وأول من استخرجوا المياه الجوفية من باطن الأرض, وأول من اكتشفوا أنظمة العوازل الحرارية والمائية, وأول من حددوا مواعيد البذار في الحقول والمزارع, وحددوا توقيتات حرث الأرض وإعدادها, ومواعيد الحصاد والتسويق.
صفحات خالدة من ماضينا التليد, كتبها المؤرخ الكبير (صاموئيل نوح كريمر) بخط يده, وأعادت نشرها المراكز العلمية الدولية مرات عدة.
هذا هو ماضينا المشرق, وهذه هي انجازات أجدادنا وابتكاراتهم قبل أكثر من ستة آلاف عام, فأين نقف نحن اليوم من عجلة التحضر والتمدن والتطور والرقي, وكيف يعيش أحفاد السومريين الآن في مدن (الفجر), و(القلعة), و(سيد خيل), و(الإصلاح), و(الطار), و(البطحة), و(كرمة بني سعيد), و(الفضلية), و(الغراف), و(الشطرة), و(الجبايش), و(الرفاعي), و(الدواية), و(سوق الشيوخ), و(الفهود), و(النصر) إذا ما قورنت مدنهم البائسة بالمدن الأوربية, التي ظهرت بعد مدنهم بمئات القرون ؟. أو إذا ما قورنت بالمدن الخليجية التي ظهرت على سطح الأرض قبل بضعة عقود فقط؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين




سقوط العرب والعروبة- بقلم : د. لبيب قمحاوي


تم نشر هذا المقال الجديد في جريدة "رأي اليوم" اللندنية 
raialyoum.com)) اليوم الأربعاء الموافق 20-11-2013  .


سقوط العرب والعروبة

                                                                                         بقلم : د. لبيب قمحاوي
التاريخ:19/11/2013
lkamhawi@cessco.com.jo
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         
        مياه كثيرة تجري الآن بين أقدام العرب وهم إما غافلون عنها أو منغمسون في قضاياهم الصغيرة وتبعات الأهداف الأصغر لحكامهم والمحصورة في الاستمرار في الحكم بأي ثمن مهما يكن باهظاً ومهما تضمن من تنازلات مجانية على حساب الوطن،  إلى الحد الذي هانت فيه الأمة على نفسها واستبيحت كرامتها ولم يعد العدو أو الصديق يكترث لما تريد أوما لا تريد.
       إن فشل العرب في تجاوز أوضاعهم السيئة واستسلامهم القدري لواقعهم ساهم بالتأكيد في تخفيف كلفة قهرهم واستغلالهم إلى الحد الذي أفقد القوى الدولية الشعور بالحاجة إلى بذل الجهود إما لإرضائهم أو قهرهم. هذا الوضع شجع تلك القوى على الاهتمام بمناطق أخرى في العالم نظراً للقيمة المضافة التي تشكلها في ميزان المصالح الدولية مقارنة بالعالمالعربي المقهور والمستسلم والمستنزف والمستباح بشكل كامل وآمن.
        علينا الاعتراف أن ما نحن فيه هو من صنع أيادينا ولا جدوى من إلقاء اللوم على الآخرين. إن الاستعداد للقبول بالذل والاستكانة قد لا يكون أمراً موروثاً ولكنه بالتأكيد نتاج طبيعي للموروث الثقافي ولسلوك إنساني تراكمي أساسه الفردية والأنانية وغياب روح الانتماء للمجموع والأرض والوطن وبالتالي غياب الاستعداد للتضحية وترك هذه المهمة للآخرين. وقد فهم حكام العرب ذلك وقاموا باستغلاله على الوجه الأكمل وبشكل بشع أخضع المجتمع إلى حد الاستسلام الكامل وذلك من خلال تنمية عوامل الخوف والخضوع والخنوع والأنانية والفردية الكامنة فيه.
        لقد تجاهل العرب أو تناسوا الحقيقة الأساسية بأن الفرق بين الأمم الصاعدة والأمم الهابطة يكمن في قدرتها على استكشاف مكامن القوة فيها والعمل على تنميتها وتعزيزها بشكل يسمح لها بالنهوض بشكل مستمر. والعرب في العقود الأخيرة نجحوا في قتل كل ماهو جميل وناجح فيهم وقبلوا بالاستكانة والخنوع والتذلل لاسترضاء الحاكم الظالم بدلاً من التصدي له منذ البداية وقبل استفحال الخراب إلى الحد الذي جعل الظلم هو الحقيقة والعدل هو الخيال.
        تشير التطورات الأخيرة إلى حدوث تغييرات إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، تمس مصالح العرب ومستقبلهم ولكنها لن تكون في صالحهم. ولو استعرضنا الوضع العربي الآن لوجدنا معظم الإجابات دون الحاجة إلى الخوض في التحاليل واستقراء الغيب ، فمعظم التطورات تؤكد تفاقم حالة التفكك والانهيارالدخلي والانتقال الحثيث من حالة الخلاف السياسي إلى حالة الاختلاف الديني كأساس للصراع .
       الوضع السوري الخطير هو المسمار الأخير في نعش النظام العربي. فالأمور هناك تسير باتجاه مَد أَمَد الصراع إلى أجل غير منظور وتقديم البعد الديني المذهبي كأساس للصراع عوضاً عن البعد السياسي، مما أدى إلى تدخل أطراف غير سورية وقوى إقليمية غير عربية في الصراع من منطلقات مذهبية وبشكل علني. وابتدأت دول الإقليم الرئيسية وكذلك القوى الدولية بالتعامل مع سوريا باعتبارها دولة شبه فاشلة قيد التقسيم سواء أكان ذلك التقسيم رسمياً أم واقعياً.    
       أما الفلسطينيون، ونتيجة لتكالب السلطة الفلسطينية على المناصب والمكاسب وتنازلاتها الطوعية المجانية ، فقد أفقدوا إسرائيل أي رغبة أو اهتمام لمفاوضتهم أو إعطائهم أي تنازلات بعد أن أخذت من السلطة الفلسطينية كل التنازلات الهامة مقابل مكاسب إجرائية تافهة. وقد فاقم هذا الوضع الفلسطيني السيء إنكفاء حركة  حماس على نفسها وتحولها من حركة مقاومة للاحتلال إلى حركة حاكمة ذات برنامج سياسي عقائدي يمتد خارج الحدود ويتصدر الأولويات الفلسطينية.
         والعراقيون استبدلوا حكماً وطنياً دكتاتورياً قاسياً ومجرماً بتبعية بلهاء لأمريكا وإيران مقابل لا شيء حتى الآن سوى المكاسب والأطماع الشخصية والانصياع لولاية الفقيه وعلى حساب وحدة العراق وشعبه.
       والليبيون تخلصوا من نظام دكتاتوري فاسد ومجنون وانتقلوا إلى حقبة من الاقتتال الداخلي ومحاولة الاستئثار بالثروة النفطية من خلال تقسيم البلد وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
        ومصر التي حاربت الفساد والاستبداد والخضوع لإرادة القوى الخارجية في عهد مبارك ونجحت في الخروج من ذلك النفق لتدخل في حقبة انتقالية من الديمقراطية غير الناجزة أدت إلى وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة ومن ثم حتمية إسقاطهم قبل أن ينجحوا في اسقاط مصر وأخونتها . وعوضاً عن أن ينصب جهد إخوان مصر على الاستفادة من أخطاءهم والاتعاظ من التجربة والعمل على إصلاح المسار ، اختاروا العمل بكافة الوسائل على محاولة استعادة السلطة حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير مصر.
       أما السودان ، فإن نظام الحكم الدكتاتوري هناك وبعد أن دمر اقتصاد البلد وبدد مواردها قام بحل مشكلة جنوب السودان من خلال التنازل عنه وفصله عن الوطن الأم عوضاً عن تلبية مطالب سكان الجنوب من خلال منظومة ديمقراطية تشكل ضماناً للجميع. ولكن ذلك كان يعني بالضرورة نهاية نظام عمر البشير الدكتاتوري ، وكان الثمن الأسهل للنظام تدمير البلد وتقسيمها وبقاء النظام!
       أما اليمن فقد شارف على حرب أهلية كان الدكتاتور علي عبدالله صالح مستعداً للقبول بها مقابل البقاء في السلطة. ولولا مصالح السعودية ودول الخليج والضغوط والإغراءات التي مارسوها مقابل صفقة أبقت النظام دون حكم عائلة علي عبدالله صالح، لكان اليمن الآن يمنان. ومع ذلك، فإن مساعي الرئيس المخلوع ما زالت مستمرة في محاولة للعودة إلى الحكم ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية أو تقسيم اليمن .
       ولبنان المشتت بين إقطاعيات طائفية وسياسية كل منها يتبع لجهة خارج لبنان، ما زال قائماً كعنوان لدولة واحدة بالإسم ودويلات متعددة بالفعل.    
        وتونس ما زالت تركض في مسعى تائه بين الديمقراطية ومكاسب الدولة المدنية التي بَنَتْ تونس الحديثة من جهة ٬وبين الإسلام السياسي الذي يسعى إلى إعادتها قروناً إلى الخلف من جهه أخرى.
         أما السعودية ودول الخليج فهي تخوض حروبها وصراعاتها وتسوي حساباتها وخلافاتها من خلال الآخرين. الصراعات التي تشهدها معظم دول المنطقة الآن وراءها أموال النفط السعودي والخليجي ومصالحه.
         نحن الآن إذاً أمام واقع عربي انتقالي يبدو أنه يسعى إمَّا إلى إعادة استنساخ ما سبقه من أنظمة وأمراض، أو انتقاء الخيارات الأسوأ للخروج من وضع سيء. منطق عجيب لمعالجة الأمور يعكس حالة من الهزال السياسي وتراكم الأمراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى الحد الذي لم يعد فيه الجسم العربي قادراً على الشفاء وفي الوقت نفسه غير قادر على الاستمرار.
       ما نحن فيه ليس موتاً بطيئاً وليس انتحاراً، لأن الانتحار يحمل مضمون الخيار حتى ولوكان ذلك الخيار هو الموت. ما نحن فيه هو حالة ذهنية حضارية ثقافية تعتبر التضحية سلوكاً أهوج .
       العرب لم يتعلموا دروساً من الماضي القريب، ونسوا أو تناسوا أن الفلسطينيين نجحوا في هز ضمير العالم وزلزلة أركان إسرائيل فقط عندما قدموا آلاف الضحايا. وعندما توقفوا عن التضحية تمت هزيمتهم . كما نسوا أو تناسوا أن منطق الرفض والمقاومة والتضحية هو الذي حرر قناة السويس عام 1956 وهزم العدوان الثلاثي. وفي حرب 1973 هزم المصريون التفوق العسكري الإسرائيلي بالرغم من السموم السياسية التي رافقت وأعقبت تلك الحرب.
        ماذا لو قدم العرب مائة ألف شهيد في حرب مع إسرائيل عوضاً عن ذبحهم في وطنهم سوريا؟ ولماذا ننسى عشرات أو مئات الآلاف الذين قتلوا في لبنان والجزائر والعراق. لماذا نحن أقوياء وجبارين على بعضنا البعض حتى الثمالة ٬ وضعفاء وغير راغبين في التضحية أمام العدو؟ هل هو تراث وذهنية وسلوك الأعْراب، أم غياب الحس الوطني العام لصالح الأنانية والانتماء الضيق المتزمت؟ أم الإثنين؟
       إن إحياء منطق التضحية بأشكالها المختلفة هو الجواب على حالة الموت السريري التي يعيشها العرب. لا يوجد انتصار بدون تضحية. وإن أكبر هزيمة يمكن أن تـُمْنَى بها أي أمة على وجه الأرض هي هزيمة الذات.



الخميس، 14 نوفمبر 2013

حمى الإيفادات وفيروسات جنون السفر-كاظم فنجان الحمامي

حمى الإيفادات وفيروسات جنون السفر
 
 
كاظم فنجان الحمامي
 
حتى ابن بطّوطَة الذي سجل أعلى الأرقام القياسية في السفر والترحال لم يصل إلى عشر معشار ما سجله كبار المسؤولين المصابين بحمى الإيفادات المتلاحقة, فابن بطوطة الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي, ونال لقب أمير الرحالين, خسر ألقابه كلها أمام أصغر موظف من بطانة أصحاب المناصب العليا.
لقد عاش ابن بطّوطة في الزمن, الذي لم تكن فيه جوازات السفر متداولة بشكلها الحالي, ولم تكن المنافذ الحدودية ملزمة بمطالبة الناس بتأشيرات الدخول, فطاف وحده في بلاد المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتهامة والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان والهند والصين وبلاد التتار وأواسط أفريقيا من دون جواز سفر, ومن دون تأشيرات, لكننا إذا افترضنا أنه كان يحمل وثائق السفر المعمول بها هذه الأيام, فأننا سنكتشف أن عدد الأختام الرسمية المثبتة في جوازه أقل بكثير من عدد الأختام المثبتة في جوازات الحاشية المقربة من كبار المسؤولين وبطانتهم, آخذين بنظر الاعتبار الفوارق الكبيرة بين تنقل ابن بطّوطة على الطرق البرية الوعرة بالأساليب البدائية, وبين السفر الفوري المريح على أجنحة الطائرات, التي تفوق سرعاتها سرعة الصوت, وتمتلك قدرات فائقة لعبور البحار والمحيطات, واختزال المسافات, فتقطع في سويعات ما عجز عن تحقيقه ابن بطّوطة في سنوات.
افحصوا جوازاتهم وشاهدوا أختام المطارات الدولية التي هبطوا في مدارجها, وأحصوا عدد المرات التي سافروا فيها, ودققوا مدد الزيارات والإقامات, والفترات الفاصلة بين رحلة وأخرى, لتكتشفوا أنهم أمضوا معظم أوقاتهم في الرحلات الجوية والبحرية والبرية.
مسكين ابن بطّوطة, أفنى زهرة شبابه في رحلاته الطويلة المرهقة, وطاف على نفقته الخاصة من أجل أن يضع لنا كتاباً واحداً يصف فيه رحلاته وأسفاره, هو: (تُحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار), بينما لم يكتب لنا أحفاده من عرب الشيخ فرهود سطراً واحداً عن رحلاتهم المجانية المريحة المربحة, واكتفوا بالتقاط الصور التذكارية في الفنادق والمطاعم الفاخرة وأطباقها الشهية.
صارت اصطلاحات (الإيفادات) من المفردات الإدارية المشرعنة لتبرير سفر كبار المسؤولين إلى البلدان التي يرغبون بزيارتها على نفقتنا الخاصة (من المال العام), أو على نفقة المقاول أو المتعهد, الذي سبق له التعاقد مع مؤسساتهم لتجهيزها بسلعة معينة أو لتنفيذ مشروع ما.
لسنا مغالين إذا قلنا أن المدة التي أمضوها خارج البلاد, أطول بكثير من المدة التي أمضوها في مكاتبهم, ولسنا متحاملين عليهم إذا قلنا أن رحلاتهم المكوكية إلى مكة المكرمة صارت من الثوابت الموسمية المتكررة, لإكمال مستلزمات التظاهر بالورع والتقوى, حتى أصبحوا أدرى من أهل مكة بشعابها.
كسروا الأرقام القياسية كلها في رحلاتهم الجوية المفرطة, تفوقوا على أسراب الطيور المهاجرة, تحدوا خبراء مجلة (ناشيونال جيوغرافي) في معرفة أدق التفاصيل الجغرافية المرتبطة بمعالم الغابات الطبيعية والمنتجعات السياحية والأماكن الترفيهية.
إيفادات متكررة, غير مثمرة, أثقلت ميزانية الدولة, وتسببت في تعطيل أعمالها. يعود الموفدون بعد رحلاتهم المتلاحقة ليحدثوا الناس في كل مرة عن جمال الجنس اللطيف في المخادع الأوربية, ويحدثونهم عن نظافة الملاهي الآسيوية, وجلسات المساج الزيتي بلمسات الحسناوات, ويتحدثون كثيراً عن الزواج السياحي المباح في الليالي الملاح. إيفادات متوالية يعود فيها المسؤولون وهم أكثرة شراهة نحو المزيد من الإيفادات, للاشتراك بدورات تعليمية مضحكة ليس لها أي مردودات إيجابية, يتعلم فيها المهندسون مبادئ الإسعافات الأولية, ويتعلم القانونيون تشغيل أنظمة الصرف الصحي, ويتعلم الإداريون فنون صيانة المحركات الثقيلة, ويتعلم الصناعيون أساليب زراعة الخيار في الغرف الزجاجية, في تناقض عجيب يتعارض مع أبسط قواعد التوصيف الوظيفي. تناقض أقل ما يقال عنه أنه من أعراض الإصابة بفيروس جنون السفر.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين
 

الأحد، 10 نوفمبر 2013

الإبجرام يفضح طبائع الإجرام-كاظم فنجان الحمامي

الإبجرام يفضح طبائع الإجرام
 
 
كاظم فنجان الحمامي
 
الإبجرام أو الإبيجرام أو الإبيغرام: فن شعري قديم عرفه الشعراء الأوائل في اليونان القديمة, ثم تعلمه الشعراء العرب وبرعوا فيه, فكتبوا أجمل قصائدهم النقدية الساخرة, التي تهكموا فيها على الطغاة والجبابرة.
الإبجرام (Epigram) كلمة مركبة في اللغة اليونانية من كلمتين, هما: (Epos), و(Graphein), وتعني الكتابة على شيء ما, أو النقش على الحجر في المقابر لإحياء ذكرى الموتى, أو نقش لوحة كتابية مختصرة تحت تمثال لأحد الشخوص, ثم تحول الإبجرام في القرن السابع عشر الميلادي إلى فن شعري قائم بذاته على يد الشعراء (جون دن), و(أوسكار وايلد), فقصيدة الإبجرام قصيدة ذكية ساخرة ترسخ في الذاكرة, متميزة بتركيز عباراتها وإيجازها, ومتميزة بكثافة معانيها واشتمالها على المفارقات, ومتميزة بتأنقها الشديد في اختيار الألفاظ, ولها سماتها ومعاييرها, أما الشعراء العرب الذين كتبوا قصائدهم السياسية الساخرة في شعرنا العربي القديم فلم يكونوا يقصدون الإبجرام, لكنهم كتبوها في عصور التألق الأدبي المتجدد, فاشتهر بينهم (جحظلة البرمكي) بمقطوعاته الشعرية الساخرة, التي كانت تحمل رسائل سياسية هادفة لما تحتويه من حكمة وهجاء لاذع, تصل بسرعة إلى المتلقي, فنجده يقول:
سجدنا للقرود رجاء دنيا
حوتها دوننا أيدي القرود
فلم ترجع أناملنا بشيء
رجوناه سوى ذل السجود
وقال في مناسبة أخرى:
غلط الدهر بما أعطاكم
وفعال الدهر جهل وغلط
وقال في موضع آخر:
ولا عن رضا كان الحمار مطيتي
ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
وقال أبو العتاهية مخاطباً أحد الطغاة:
كُلُنا في غفلةٍ والموتُ يغدو ويروح
نُح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لست بالباقي ولو عُمِّرت ما عُمِّرَ نوح
وربما كان الشاعر الأندلسي (أبو القاسم خلف بن فرج الألبيري) المعروف بالسميسر, صوتاً قوياً في عصره, حمل الجرأة في تصوير السلبيات السياسية بإبجرامات مختصرة تراوحت بين الحدة والإقذاع حيناً والموضوعية حيناً أخرى, وكان السميسر من أقوى أصوات المعارضة في دوحة الشعر الأندلسي, وهو الذي أطلق صرخته بوجه أمراء الطوائف قبيل سقوط طليطلة, عندما قال هذه الأبيات المختصرة:
أسلمتم الإسلام في أسر العدا وقعدتم
لا تنكروا شق العصا فعصا النبي شققتم
أما أبرز شعراء العصر في هذا المضمار فهو الشاعر العراقي المغترب (أحمد مطر), الذي سجل في لافتاته أجمل قصائد الإبجرام, فكشف زيف الحكومات الضالعة في الإجرام, قال أحمد مطر في إحدى إبيجراماته:
يا أيها الناس اتقوا نار جهنم
لا تسيئوا الظن بالوالي
فسوء الظن في الشرع محرم
با أيها الناس أنا في كل أحوالي سعيد ومنعم
ليس لي في الدرب سفاح ولا في البيت مأتم
ودمي غير مباح فأنا لم أتكلم
لا تشيعوا أن للوالي يداً في حبس صوتي
بل أنا يا ناس أبكم
قلت ما أعلمه عن حالتي والله أعلم
وقال في إبجرامة أخرى:
نزعم أننا بشر لكننا خراف
ليس تماماُ إنما في ظاهر الأوصاف
نُقاد مثلها ؟. نعم
نُذعن مثلها ؟. نعم
نُذبح مثلها ؟. نعم
تلك طبيعة الغنم
وقال في إبجرامة أخرى:
نموت كي يحيى الوطن
يحيا لمن ؟.
من بعدنا يبقى التراب والعفن
نحن الوطن
وقال في إبجرامة أخرى:
قال أبي: في أي قُطرٍ عربي إن أعلن الذكيُ عن ذكائهِ فهو غبي ؟.
 

الأحد، 3 نوفمبر 2013

كتاب جديد يكشف صراع كاسترو والأخوين كينيدي

كتاب جديد يكشف صراع كاسترو والأخوين كينيديPDFطباعةأرسل إلى صديق
الإثنين, 11 شباط/فبراير 2013 14:31
كتاب جديد يكشف صراع كاسترو والأخوين كينيديalt
أضاف برايان لاتل 375 صفحة جديدة إلى أرشيف جهاز الاستخبارات الأميركية (السي آي إي) المتضمن خمسة ملايين صفحة سجلات تـتعلق فقـط بالتحقيق في حادثة اغتيال الرئيس الأميركي جـون كينيدي ظهر 22 تشرين الثاني  1963 في دالاس.

ولاتل مؤلف كتاب "ما بعد فيدل" ( أي فيدل كاسترو)، وضع مؤلفه الجديد بعنوان "أسرار كاسترو- وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إي وجهاز المخابرات الكوبي دي جي آي"، وقد نقله إلى العربية وليد شحادة وصدر عن دار الكتاب العربي- بيروت.

ينتهي تحقيق لاتل الذي أجراه منقِباً في وثائق أرشيفية ذات صلة باغتيال كينيدي سمح بها الكونغرس بعد إصداره قانوناً وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون العام 1992، وبلقاءات مثيرة مع منشقين عن نظام كاسترو، وأخطرهم أسبلاغا، إلى ما انتهت إليه لجان تشكلت للغاية نفسها وما لبثت أن خُتمت في الأدراج، وتحريات علنية وسرية، و جهود أفلحت وأخفقت ولم تحسم بالأدلة الدامغة والقطعية بعيداً من الظنون والكلام غير الموثقّ في تحميل كاسترو مسؤولية اغتيال الرئيس جون كينيدي.

يحوي الكتاب وقائع الستينات السياسية، ومنها تصارع الأخوين كينيدي، جون الرئيس وروبرت وزير العدل، مع الأخوين كاسترو، فيدل رئيساً وراؤول وريثاً للرئاسة حالياً، تناقلت معظمها وسائل الإعلام عن خطط الكراهية المتبادلة والسعي لإسقاط نظام كل منهما للآخر، وتبودلت حوادث أمنية دامية بين الطرفين، واشتد الصراع الاستخباري والعسكري على أرض جمهوريات أميركا اللاتينية وفي أنغولا وأثيوبيا الخ، وحصل أثناءها اغتيال كينيدي، فختم لاتل (مدير مركز دراسة الاستخبارات في السي آي إي ما بين 1994-1998) تمنياته "بأن يخرج كوبي يحمل دلائل تؤيد ما قاله لي أسبلاغا في شأن ما يتذكره عما حدث صبيحة 22 تشرين الثاني 1963 والمتعلقة بمعرفة كاسترو بنوايا أوزوالد لقتل الرئيس كينيدي".

إلى جانب اعترافات منشقين كوبيين لجأوا إلى الولايات المتحدة (حوالى عشرة تحدثوا إلى المؤلف)، يعتبر "فلورنتينو أسبلاغا لومبارد المنشق الأكثر أهمية والأغلى ثمناً بين الهاربين من الأجهزة السرية التابعة للأخوين كاسترو" كما يذكر لاتل،( انشق العام 1987)، إذ تتمحور حول إفادة أسبلاغا والتي استند إليها لاتل وتفيد بأن كاسترو كان على معرفة باغتيال كينيدي. وما قاله له حرفياً: "كنت أعمل في مركز لاكتشاف عملاء السي آي إي والفرق المتسللة في مكان قريب من مجمع عائلة كاسترو عندما تلقيت في الصباح أوامر بتوجيه الهوائيات نحو تكساس وأن أستمع إلى راديو أو أي وسيلة بث وأصغي لأي شيء قد يحدث وإعلامنا به. ويضيف: وبعد أربع ساعات سمعت أصوات أربع طلقات نارية في مدينة دالاس.

أسبلاغا لم يغير إفادته المتكررة حول هذه الواقعة، جازماً أن كاسترو كان يعرف بحادث الاغتيال بناء على الطلب الذي توجه إليه. أما ماكس هولاند المتخصص بشؤون لجنة وارن للتحقيق بحادث الاغتيال فقد نقل عن الرئيس الراحل ليندون جونسون ما قاله "لصحفي وقور" قبل تركه البيت الأبيض: "سأخبرك بشيء عن الاغتيال وسوف يصدمك. كان كينيدي يحاول النيل من كاسترو لكن كاسترو نال منه أولاً".

ينتمي الكتاب إلى تلك السلسلة من الكتب التي صدرت قبل وأثناء وبعد انتهاء الحرب الباردة بين القوتين العظميين يومذاك الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي منتصرة لقوة هذا الطرف الاستخبارية أو تلك.

لكن ما يلفت في كتاب لاتل، تقصيه شبه المتوازن أعمال جهازي الاستخبارات الأميركي والكوبي، فقارب في الوقائع التي أوردت سلوكات الجهازين المذكورين، وخططهما في الغلبة و "التمريك" ( تأمين انشقاق خوانيتا شقيقة كاسترو العام 1964 إلى واشنطن وتعاملها مع السي آي إي) والتخريب ( يذكر أن عملاء السي آي إي كانوا يغطسون الهررة بمادة البنزين ويشعلونها بالنار فتنطلق مسرعة بين حقول قصب السكر لإحراقها)، لكن يقول: " كانت عمليات الاغتيال دوماً من اختصاص فيدل الشخصي" ومنها قتل قاتلي رفيق نضاله تشي غيفارا، واغتيال رئيس نيكاراغوا سوموزا الذي ساعد الأميركيين أبان أزمة خليج الخنازير، وأيضاً قتل أبرز المقربين منه، ومنهم نييرو ذو اللحية الحمراء في العام 1998 لأنه كان يعرف أكثر مما ينبغي، وعدم ثقته حتى بوالدته لينا روز غونزاليس التي نقل طبيبها عنها قولها إن فيدل مسؤول عن القتل بالجملة والقمع الحاصلين الخ...)، فيستنكر لاتل بعض ممارسات السي آي إي "وثقتها الزائدة بقوتها لأن الكوبيين المحبين للمرح لن يكونوا جواسيس قادة وفق تقييمهم" ويلمح إلى تساؤلات حول تقصيرها في بعض المواقف الضرورية ومنها استبعاد تحقيقها مع منشق كوبي بارز قبل أن تختتم لجنة وارن تحقيقها، كما نقرأ اعترافه بقوة الاستخبارات الكوبية "تباً لهم لقد تفوقوا علينا"، أو ما قال ضابط السي آي إي له عن كشف أسبلاغا بعد انشقاقه عن وجود خمسين عميلاً مزدوجاً يعملون لمصلحة الاستخبارات الكوبية، وكانوا يعملون لسنوات مع السي آي إي من دون أن يشتبه بهم أحد"، واصفاً له وقع الخبر "كرفسة الحمار على البطن"...ولكن يبقى هدفه الرئيس من الكتاب تقصي اغتيال كينيدي، والتأكد من رسالة كاسترو "الهرمجدونية" إلى الرئيس السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف أثناء أزمة الصواريخ في خليج الخنازير العام 1961 التي يدعوه فيها إلى رمي الترسانة النووية السوفياتية على أميركا!