السبت، 4 أغسطس 2018

احتفالية مقهى ورقة وقلم





اليوم احتفالية مقهى ورقة وقلم معرض كتاب معرض تشكيلي امسية موسيقية قرآت شعرية شكرا للشاعر ذياب شاهين والشاعر ولاء الصواف لجهودهم المباركة ابداعيا

الخميس، 26 يوليو 2018

الاستماع الى أجراس همنغواي=صائب خليل


الاستماع الى أجراس همنغواي

صائب خليل
25 تموز 2018
تتحدث رواية "لمن تقرع الاجراس" عن الحرب الاسبانية الاهلية. وكالحرب الروسية الأهلية ومعظم ما يسمى بـ "الحروب الأهلية"، كانت هذه الحرب، حرباً شنتها قوى عدوانية على شعب ذلك البلد، بمساعدة الطبقات المستفيدة المتحكمة فيه.
كان روبرت الأمريكي، قد تطوع مثل الكثيرين من اليساريين من مواطنيه الامريكان والأوروبيين، من روسيا ومن مختلف انحاء العالم قد تطوعوا لدعم الحكومة الجمهورية التي انتخبها العمال والشيوعيون والفلاحون الاسبان، ضد هجوم الجيش الاسباني المتمركز في المغرب بقيادة الجنرال فرانكو وبمعونة هتلر والفاشية الإيطالية. وقد استمرت الحرب منذ 1936 إلى 1939 حيث بدأت الحرب العالمية الثانية، وخسرت فيها اسبانيا نصف مليون انسان على الأقل. ومما اشتهر عن هذه الحرب، لوحة بيكاسو الشهيرة الجورنيكا، التي صور فيها القصف الجوي النازي والإيطالي لمدينة جورنيكا، الخالية من القوات العسكرية وتدميرها إرهابا للسكان بهدف اسقاط الجمهورية الفتية.
ذهب همنغواي الى اسبانيا بعد سنة من اندلاع تلك الحرب، لتغطيتها كصحفي مع زميلة له. وكانت مشاهداته الأساس لروايته "لمن تقرع الاجراس" و مسرحية "الطابور الخامس".
في روايته، يصف همنغواي على لسان المتطوع الأمريكي روبرت المتخصص بتفجير الجسور، حياة "الجمهوريين" المتخفين في الغابات ويلقي الضوء على مخاوفهم وآمالهم وافكارهم، وبشكل انساني لا يسهل نسيانه.
لقد استمعت الى القصة (باللغة الإنكليزية) ككتاب صوتي، واحتفظت منها بهذه اللقطات الجميلة، ادرجها حسب تسلسل ورودها في الرواية ابتداءاً من وصول روبرت إلى المكان الذي سينفذ فيه مهمته، ومعايشته للثوار في ذلك المكان. ارجوا ان تثير هذه السطور المختارة فيكم الرغبة لقراءة الرواية، وفي كل الأحوال، قراءة ممتعة:
- عليك ان تثق بالذين تعمل معهم بشكل كامل، او ان لا تثق بهم على الإطلاق
-
تفجير الجسر بحد ذاته ليس شيئا. مجرد تفجيره هو الفشل. تفجير الجسر في الوقت المناسب هو القضية
-
اجمع ما تحتاج من الرجال واستعمل منهم اقل عدد كاف، ولكن يجب ان يكون كافيا.
-
القلق كالخوف، أنه لا يفعل شيئا سوى ان يجعل الأمور اصعب
-
كان في صوته حزن اقلق روبرت. انه يعرف ذلك الحزن.... انه حزن سيء.. هو الذي يسيطر عليهم قبل ان يهجروا، أو يقوموا بالخيانة!
-
ربما كان من ذوي المزاج العكر أصلا.. لا.. لا تخدع نفسك، فانت لا تعرفه.. يجب ان انتبه عندما يفعل شيئا لطيفا، لأنه يحاول عندها إخفاء أمر ما. إذا قال شيئا لطيفا، فهذا يعني انه قد عقد عزمه على قرار ما
-
ان تكون مرحاً أمر جيد... لم يبق الكثير من الذين كانوا مرحين. أن تكون مرحاً يبدو وكأنك ستعيش الى الأبد.
-
لقد كان حريصاً على ان لا يحدق بها وأن لا ينظر بعيدا، فكلاهما يثير الشكوك.
-
انتبه فجأة إلى انه لم يكن لوحده مع الفتاة. وادرك انه ليس من السهل عليه ان ينظر اليها مباشرة لأن ذلك يغير صوته ويفضحه. ادرك أيضا أنه قد خالف النقطة الثانية من النقطتين الاساسيتين في التعامل مع الشعوب الناطقة بالإسبانية: اعط الرجال التبغ، واترك النساء لشأنهم
-
إنهم لا يعلمون ما هي الحرب، ولا لماذا نحارب. انهم يعرفون فقط أن هناك حرب وانه يمكن للناس ان يقتلوا من يشاءون دون ان يحاسبوا على ذلك، كما في الماضي.
-
هل تريدين ذلك حقا؟ نعم اريد ان نفعل ذلك.. أرجوك. لنفعل كل شيء معاً.. لكي يمحى ما حدث سابقا. بيلار قالت لي ذلك... قالت أيضا ان لا شيء يحدث للإنسان ما لم يقبله. وإذا أحببت احداً، فسوف يزيله كله..
-
في العاصفة الثلجية يمكنك ان تقترب من الحيوانات في الغابة ولا تخاف منك، بل تقترب منك... في العاصفة الثلجية يبدو العالم وكأن ليس لك أعداء
-
لقد حاربت كل ذلك الخريف وذلك الصيف من اجل كل الفقراء وضد كل المتسلطين في العالم.. وفي تلك الأيام امتلكت الفخر العميق بالغيرية، وهذا ما سيجعل المدينة مكانا مملا لك بعد الآن.
-
كان كاركوف في مدريد...كانت تلك الأيام التي عاشوها معا، حين بدا فيها ان كل شيء قد ضاع... وفيها تعلموا كيف يجب التصرف عندما يشعر المرء ان كل شيء قد ضاع
-
لقد ابتعدت كثيرا عما كنت تشعر به في السييرا.... انت تفسد سريعا.. فكر مع نفسه.. لكن هل كان الأمر فساداً أم انك فقدت السذاجة التي كنت تتمتع بها في ذلك الوقت؟
-
أنا افضل الجبهة، قال روبرت.. كلما كنت اقرب الى الجبهة كلما كان الناس افضل.
-
لقد راهنت بالكثير على هذه الحرب، فإن خسرنا الحرب، ستخسر كل هذه الأشياء.
-
وهناك شيء آخر: لا تخدع نفسك بشأن حقيقة الحب ابداً.. معظم الناس لم يتح لهم الحظ الكافي ليحصلوا عليه. لم تحصل عليه في الماضي، والآن انت تملكه. ما تملكه مع ماريا، وسواء استمر لهذا اليوم ولجزء من الغد فقط، أو أن يستمر لحياة طويلة، فهو اهم ما يمكن ان يحدث في حياة أي انسان. الكثيرون سيقولون دائما، أنه ليس موجوداً، لأنهم لم يتمكنوا من الحصول عليه يوما. لكني أقول لك إنه حقيقي، وأنت تملكه الآن، لذلك فأنت محظوظ حتى لو مت غداً.. لكن دعنا نتوقف عن الحديث عن الموت.... فكر مع نفسه.


الاثنين، 16 يوليو 2018

صبية السوق-تصوير وكتابة الفنان ناصر عساف







                            عذراً لك أيتها الصبية المكافحة
في كل دول العالم من حق المواطن العمل في وطنه ، لمواصلة الحياة والعيش بسلام وأمان من خلال مهنة شريفة أو حرفة يقدم من خلالها  عطائه خدمة للآخرين أو الإنسانية بشكل اوسع0 لكن من المخجل والمؤلم عندما تقيد كونك تعمل في مجال الثقافة والفنون أو الصحافة والأعلام ، أو تحاصر وتلاحق بالممنوع وغير المسموح . كون الشكوك الأمنية تحوم حول المواطن العراقي في وطنه . وهذا أصبح سلوكا مهنيا عند إفراد الأجهزة الأمنية ومما يثير غضبك واستفزازك عندما تؤدي عملك الصحفي أو ألأعلامي أو اهتماماتك الفوتوغرافية ضمن واجبك الأخلاقي والإنساني ، تواجه بالممنوع بالرغم من التعرف على بطاقتك المهنية ، يطلب منك إذنا بالموافقة الرسمية من (حركات الشرطة) وهذا يتطلب روتينا رسميا لمخاطبة تلك الجهة من قبل جهة اعلي التي تعمل معها كي تحصل على موافقة لالتقاط صورة لاتخل بأمن البلد وبصفتي فنانا فوتوغرافيا ومصورا صحفيا واهتمامي توثيق هموم ومعاناة وبؤس وحرمان العراقي في زمن الديمقراطية والتحرير من الأنظمة الدكتاتورية التسلطية والقمعية ، سواء كان الموطن طفلا أو امرأة أو رجلاً اومشهدًا مأساويا من واقعنا الحالي بدافع وطني وإنساني محايد ومستقل وضمن واجبي الأخلاقي والمهني ، لعلي أقدم شيئا أو أشارك في تضميد جراحنا النازفة منذ زمن وإمام الملأ .
في ساحة الاحتفالات وسط مدينة الحلة التي تكتظ بالباعة وعرباتهم منذ الصباح حتى المساء ، وتتحول هذه الساحة ليلا إلى مراب لخزن عرباتهم بعد حزم بضاعتهم فوقها . شدني مشهد بين هذا الحشد من البشر وعلى اختلاف أصنافهم ، شخصية بعمر الصبا تقف مساء كل يوم مرتدية ملابس ذكورية وعلى رأسها (كاسكيتة) يتدلى من تحتها شعرها الطولي الأنثوي . عربتها مليئة بالخضار . سألت احد الباعة القريبين منها لأعرف شيئا عن هذه الشخصية المزدوجة بين الذكورة والأنوثة . تسمى (زينب) امتهنت مهنة أمها التي لاتزال تبيع الخضار قرب جسر الحلة القديم . تمكنت وبصعوبة إن التقط لها ثلاثة لقطات عن بعد وبسرية مختبئا بين اثنين من الباعة لكني لم احقق هدفي بسبب كثافة حركة الناس المزدحمة والتي تصبح عائق بيننا مع حذري وقلقي من الشرطة المتجولة في المكان ضمن واجبها الأمني فأجلت ذلك لوقت أخر . وبعد أكثر من أسبوعين دخلت إلى نفس المكان فكانت الصبية (زينب) تقف إمام عربة خضارها . ومن زاوية أخرى وقفت بين بائعين مجاملا وموضحا لهم طبيعة عملي وغايتي لتصوير تلك الصبية مع بضاعتها تعاطفا وإعجابا بكفاحها ، أخرجت كإمرتي بحذر وتخفي وبين مراقبتي لها ومحاولتي لاقتناص لقطة تحمل مضمون ودلالة مقروءة للمشاهد والمتلقي . (زينب) تلميذة في الصف السادس الابتدائي تختلف بأسلوب تعاملها مع الآخرين كل حسب عمره وجنسه . تكون مع النساء كامرأة ناضجة ومع الصبية والمراهقين صلبة وبكبرياء وثقة بالنفس ومع الشباب متحفظة وحذرة تتعامل مع الكبار بشيء من الاحترام والتهذيب والأخلاق .ألا يستحق هذا النموذج المكافح الاحترام والتقدير والاهتمام ومثال رائع للطفولة0 أليس من واجبي أن تكون زينب موضوعاً يقتدي به من أبناء جيلها0 ألا تستحق هذه الصبية أن تكون نموذج للطفولة العراقية يفتخر بها أمام أطفال العالم 0 ويستفيد العالم من تجربتنا في بناء أجيال المستقبل المجهول0 لكني أقول ( لزينب) عذراً لك فقد منعت من تصويرك بسبب وشاية من احد الجهلة والمتخلفين لأحد منتسبي الشرطة والذي منعني من أداء مهمتي الإنسانية وعدم استخدام كإمرتي لكوني لا احمل معي موافقة من شعبة حركات الشرطة، وان بطاقة عملي الشخصية والرسمية لم تشفع لي لولا تدخل البائع الذي وقفت بجانبه حيث طلب من الشرطي قائلا :- (اتركه لخاطري) وبتوسل وترجي ، فأفرج عني 0 فأعلمي أيتها الصبية حاولت مشاركتك همومك بما استطيع فلم يسمح لي بذالك ، ربما في كإمرتي سلاحاً يهدد امن العراق وسلامته ، لكن مسموح لنا أن نقتل بطرق متنوعة أو يقتلنا همنا ببطء والغاية تبرر الوسيلة 0     

الأربعاء، 4 يوليو 2018

محبط؟ ربما ما تحتاج اليه قراءة نيتشه!-صائب خليل


محبط؟ ربما ما تحتاج اليه قراءة نيتشه!
صائب خليل
1 تموز 2018
حين تعرفت على نيتشه لأول مرة في "هكذا تكلم زرادشت"، لم افهم كل ما يقول ولا الربط بين مواقفه، لكن الغموض زال تدريجيا. عرفت ان نيتشه لا يصلح كمرشد للمواقف الاجتماعية والسياسية، ولا اية مواقف ربما، لأنه مليء بالمتناقضات والادعاءات التي لا يصعب تفنيدها. إلا ان عظمة الرجل تكمن في كونه "شاعراً" وطبيباً للنفس من الكثير من عللها. وهكذا أحببته ووجدت نفسي اقرأه المرة تلو الأخرى بتمتع بالغ، ساعدني على هضم مقولاته وتمثلها.
نيتشه ثري الفكر للغاية وشاعري إلى درجة قادرة على انزال الدموع لقارئه، لكن اخطر وأهم ما فيه، قد يكون تحليله للنفس البشرية. وقد وجدت فيه مصلاً واقياً من الخنوع والاستسلام للضعف، وتقمص روح المحارب البعيد عن المسكنة والمشمئز منها.
لقد ساعدني نيتشه كثيراً وما يزال، وربما يكون عوناً لك أيضاً. لذلك اقدم لك طبقاً من غذائه لأفتح شهيتك لقراءته، أو إعادة قراءته إن كنت قد فعلت في الماضي ولم تنتبه لكنوزه.

·         لقد طلبت الجمال فما وجدته إلا حيث تنصب الإرادة بأكملها نحو المراد.
·         المعرفة مسرة لمن تعززه إرادة الأسد. وما المتعب الذي تسيره إرادة سواه، إلا قطعة عائمة تتقاذفها الأمواج.
·         لا يطمح الناس من تجاربهم إلا التمييز بين من له ان يأمر ومن عليه ان يطيع
·         لتكن فضيلتكم تعبيركم عن ذاتكم.. ولتكن ذاتكم متجلية في عملكم كتجلي الأم في طفلها، وليكن هذا التعبير ما تعرفون الفضيلة به.
·         إن شرفكم في الخطوة التي تندفعون فيها للتفوق على أنفسكم واجتياز حدودها.
·         أحيطوا أنفسكم بهذه الأشياء الصغيرة المتكاملة فإنها تنيل قلوبكم الشفاء بنضوجها، فلا شيء يعلمنا الأمل إلا ما بلغ الكمال.
·         إنكم تتساءلون عن الخير، وما الخير الا الاتصاف بالشجاعة، فدعوا لصغار الأطفال القول بأن الخير في اللطف
·         لا قيمة لخير الأشياء في العالم إن لم يكن لها من يمثلها
·         ما الجواهر إلا أشياء أرادها تقديركم ان تكون جواهراً. ما التقدير إلا الإيجاد بعينه.
·         إني لأنفر من اقتصاصكم إن لم يكن حقاً تؤدونه للمعتدي..
·         إن من يسند الخطأ إلى نفسه، لأنبل ممن يعلنون في كل حين، إن الحق في جانبهم. وأخص منهم من كان على صواب. إن اغنياء الروح لا يفعلون ذلك.
·         وخير للإنسان ان يسيء عملاً من ان تستولي المسكنة على تفكيره.
·         فلتحطم الحقائق التي نجهر بها ما تحطم، فإن هناك ابنية عديدة توجب رفعها.
·         ما يمشي الهر إلا متجسساً، اما خطوات الرجل الصريح فإنها تستنطق الأرض.
·         وللشجاعة فضيلة ردع الدوار المستولي على الرؤوس حين تحدق في الأعماق.
·         هنا تسترجل النساء لقلة من اتصف بالرجولة من الرجال.
·         من لا قبل له بحكم نفسه، وجبت عليه الطاعة
·         ولقد يكون الإقدام الأوفى في الإحجام احياناً وفي الاحتفاظ بالقوة لما يستحق ان تبذل له.
·         أنا زارا المتوج نفسه ملكاً على الضاحكين بإكليل ضفرته من الورد يداي، وليس سواي يقوى على تطويب ضحكته كما فعلت.
·         وللإحباط أن يجعل المالك في غفلة عما يملك، ويعمي أصحاب الكنوز طويلا عن مثاويها
·         إن ما تبذلونه لأصدقائكم يمكنني ان ابذله لأعدائي دون ان ازداد فقراً! فمتى تسود الصداقة بينكم؟
·         وإذا ما انزلت بكم مظلمة كبيرة، فبادروا المعتدي بمثلها مرفقة بخمس مظالم صغرى، لأنه ما من أشد قبحاً من مشهد من لا يخضع إلا للظلم.
·         وما اهميتك أنت؟ قل كلمتك وتحطم!
·         لقد قال القطيع: من فتش فقد تاه، ومن انعزل فما أمن العثار. وانت قد عشت طويلا بين هذا القطيع وسوف يدوي صوته ملياً في داخلك.
·         من أراد ان يتبعني فلتقسو عظامه وتخف رجلاه.
·         إن كان لك صديق يتألم، فكن ملجأً لآلامه، لكن لا تبسط له فراشاً وثيراً، بل فراشاً خشنا كالذي يتوسده المحاربون، وإلا فما انت مجديه نفعاً.
·         ليس من محارب يطلب ان يعامل بالمراعاة!
·         افيق كل صباح للمشاكسة، فأبدأ بالاستحمام بالماء البارد لأهزأ من الشتاء.


الخميس، 14 يونيو 2018

لماذا سقطت الثورات الاشتراكية؟ - دوي القطيع الرأسمالي في آذان الاشتراكيين-صائب خليل


لماذا سقطت الثورات الاشتراكية؟ - دوي القطيع الرأسمالي في آذان الاشتراكيين
صائب خليل
13 حزيران 2018
 “لا حقد في العالم يشبه الحقد الذي يحمله النخبوي على من «سرق» منه، أو من جدّه، أملاكه وامتيازاته.”
تشرح مقالة عامر محسن"زفرة ماو الأخيرة: عن الثورة الثقافية في الصين" في جزئيها الأول(1) والثاني (2)، والتي تعتمدها هذه المقالة مصدراً، نقطة مهمة جدا في تفسير هزائم التجارب الاشتراكية في بلادنا وفي العالم، وبشكل اكثر اقناعاً بكثير مما تفعل النظريات "الرغبوية" التي يحاول دعاة الرأسمالية تأكيدها، بأن تلك الهزائم دليل على "خطأ" أو "فشل" النظرية الماركسية، دون محاولة تقديم توضيح لتلك العلاقة بين تلك النظرية وفشل التجربة، والتي تبرر ذلك التفسير.
في مقالته القيمة واقتباساته، يشرح عامر محسن كيف تعود المشاعر الفردية الكامنة، والتي تأسست في المجتمع الرأسمالي، إلى البروز بين الافراد، وخاصة بين كوادر الحزب الحاكم، وكيف تجد مصلحتها في "الطريق الرأسمالي"، لتصبح تهديدا خطيرا للثورة، وكيف ان هذا التهديد ربما يكون المسؤول الأول عن فشل تلك التجارب، وهو ما يجب ان تحسبه أية ثورة قادمة، إن كتب لها النجاح باستلام السلطة. فـ " لا يكفي أن «تنتصر الثورة» أو أن تقيم نظاماً اشتراكياً حتّى تتحقّق العدالة أو الاشتراكيّة على الأرض. التناقضات والتباينات في المجتمع لا تنتهي بمجرّد وصول طاقم حكمٍ جديد، يزعم تمثيل «الطبقة العاملة»، ولو جاء أصلاً من بين صفوفها ونفّذ سياسات تقدمية لوهلة. «المجتمع القديم» - يظلّ موجوداً بأشكالٍ كثيرةٍ بعد أن «تنتصر الثورة»، مهما كانت راديكالية، وموروثاته وتقاليده لن تزول من العقليات والمجتمع قبل عقودٍ طويلة- وليام هنتون.

"وانت قد عشت طويلا بين هذا القطيع، ولسوف يدوي صوته مليّاً في داخلك" – نيتشه: "هكذا تكلم زرادشت"

«المجتمع القديم»، يشرح هنتون، يظلّ موجوداً بأشكالٍ كثيرةٍ بعد أن «تنتصر الثورة»، مهما كانت راديكالية، وموروثاته وتقاليده لن تزول من العقليات والمجتمع قبل عقودٍ طويلة. ستظلّ، حتى في «المجتمع الاشتراكي»، تمايزاتٌ في الفرص والحياة.. وسوف تتشكل هذه بأشكال «عقدٍ» للمصالح داخل المجتمع وتتحوّل الى حوافز لتشجّع الفرديّة والمنافسة والانتهازيّة، فالجميع سيفضّل أن يكون على الجانب الرابح من المجتمع؛ ليعود نظام الامتيازات هذا فيقسم المجتمع قسمة «طبقية»، معيداً إياه إلى ما يشبه ما كان عليه قبل «النّصر» عام 1949: طبقة عاملة، هي فعلياً حشود الناس الذين لا تملك الامتيازات، وأخرى تسيطر على الدولة والحزب باسم تمثيل الطبقة العاملة. هذا ما حاول ماو منعه بـ "ثورته الثقافية". فيجب أن نتذكّر أنّ المقياس الأساسي لنجاح أي «ثورة» هو في تأسيس العدالة، وليس في رفع مستوى الإنتاج أو أرقام النموّ، وهذا ما يجب أن يكون المعيار الأساسي لتطوّر الأمور، وأن التسابق على النموّ والإنتاج، يصبح هدفاً «عاجلاً» ومركزياً لأي دولة أو حركة لأسباب الحرب والتنافس العسكريّ .....

ويرى آلان باديو أن الثورة الثقافية الصينية كانت أهمّ حدث سياسي في العقود الأخيرة، والتي طمست بشعارات وصراخ عن «التوتاليتارية الشيوعيّة» و «أرقام ضحايا» لتجهيل الناس وردعهم عن مراجعتها والاستفادة من دروسها.
ونلاحظ هنا أن ليس المقصود بـ «ثقافية» انها متعلقة بالآداب والفنون ومجالات المثقّفين والكتّاب، بل إنّ معناها في الأصل الصّيني هو «حضاريّة»، تتعلق بالأيديولوجيا وتحويل العقليات الموروثة وأشكال السّلطة في المجتمع.

أهم عوامل البقاء على قيد الحياة للثّورة عند باديو، هو ما يسمّيه قدرتها على أنجاز «الابتكارات السياسيّة» لتكوين هياكل ديمقراطية جديدة للسلطة البديلة الوليدة التي امتلكتها.
فحين قام ملك فرنسا، خلال أزمة مؤتمر 1789، بمنع ممثّلي «الطّبقة الثالثة» من الدخول الى قاعات «فرساي» والمشاركة في المؤتمر، سارع النوّاب الى ملعب تنسٍ في القصر، ليقرّروا بأنّهم أصبحوا «مجلساً وطنيّاً» يمثّل الشّعب، وأنهم سيقرّون دستوراً، فهذا الفعل مثالٌ على «ابتكارٍ سياسيّ». حين قام الثوريّون الفرنسيّون، بعدها بقليل، بتعيين عمدةٍ لباريس (وهو منصبٌ لم يكن موجوداً أصلاً)، وكومونة في المدينة، وتأسيس «حرسٍ وطنيّ» في العاصمة، واعتبار أنّهم يملكون مصدر شرعيّةٍ يتيح لهم خلق هذه المؤسسات ومعها مفهومٌ جديدٌ عن السّياسة، فهذا مثالٌ على «الابتكار السياسي» الذي يأخذك من طورٍ تاريخيّ الى طورٍ آخر. كذلك الأمر في تشكيل مجالس "السوفييت" من قبل القوى التقدمية المختلفة التي وجدت نفسها تقود البلاد، ونشرها في كافة أنحاء روسيا بعد سقوط القيصر في مارس سنة 1917. ويرى عامر محسن أن نظريّة ولاية الفقيه في إيران، أنتَجت هي الأخرى مفهوماً جديداً بالكامل عن الشرعيّة والسياسة ومصدر السّلطة، هي تحديداً ما جعل تجربة ايران «ثورة»، بالعكس تماماً عن سرديّة مثقّفي طهران التي تعتبر أن ولاية الفقيه قد «سرقت» الثورة منهم.

وهكذا طلب ماو من الطلّاب والعمّال أن يتنظّموا بأنفسهم، في جامعاتهم ومصانعهم ومراكز عملهم، ومن خارج الإطار الحزبي، وأن ينشئوا منظّماتهم وينتخبوا ممثليهم بأنفسهم وينتزعوا السّلطة إن لزم الأمر، وهو ما يذكرنا بمحاولات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لتقليد هذا الاتجاه، كما فعل غيره، ربما بشكل غير ناضج.
أعلن ماو أنّ التجربة الاشتراكية في خطر وأنّ تصحيحها لن يكون الّا بثورةٍ داخليّة «من تحت»، لا تخاف من النقد والمواجهة، وأنّ هؤلاء الطلّاب والعمّال اليساريين هم وحدهم من يمكنه أن يمنع سقوط الصّين في يد (أمثال)«أنور السّادات». : انتخبوا ممثّلين ومجالس عبر تنظيمٍ عفويّ، انشأوا كومونات وسيطروا على مدنٍ وجامعات وبلديات عبر «وضع اليد»؛ اختبر العمّال مفهوم «الادارة الذاتية» وأصبحت تنظيماتهم هي التي تقرّ السياسات وشروط العمل، وليس الكادر الحزبي أو مدير المصنع أو التعاونية، الذي جرى كشف فساده وقسوته أمام الجميع، وفضحه وتقريعه علناً من قبل العمّال، بل وإهانته وضربه في كثير من الحالات (يقول باديو إنّ «طقس الإهانة» هذا لم يكن أمراً عابراً، بل هو مستوحىً مما كان يفعله الشيوعيون خلال الحرب، حين كان يتمّ استعراض الاقطاعي السابق أمام فلّاحيه، الذين يسردون مظالمه وجرائمه في حقّهم، ويجري إذلاله وهو يتوسّل العفو، قبل أن يعود «مواطناً» مثل غيره. حالة الكادر الحزبي هي كحالة الارستقراطي، يحاجج باديو، لا يمكن للصيني العادي بأن يتغلّب على رهبته منه، وأن يشعر بأنّه قد صار فعلاً مساوياً له وخارج سلطته، لولا هذا «الطّقس»).
انتشرت هذه الحركة بسرعةٍ، بين 1966 و1967، من الجامعات الى المعامل (بعد أن كان الحزبيّون يأملون بأن تظلّ حدثاً «طالبياً»، محصوراً في الحرم الجامعي)، ثمّ بدأت عمليّات «الاستيلاء» على السّلطة والمصادمة، وهو ما توّجته الكومونة في شانغهاي. هنا، فهم «المركز الحزبي» بأنّ لا أمل من احتواء الثورة وبدأ بمواجهتها. كانت للحزب ايضاً قدرة تحشيدٍ كبيرة، بينما أنصار ماو لا يملكون سوى التنظيم الذاتي والحماسة. انشأ جناح ليو ودِنغ ميليشيات لهم في الرّيف، وتنظيمات عمّاليّة مناصرة للقيادة الحزبية؛ واجهوا الحرس الأحمر وقاموا ايضاً بـ«الاستيلاء» على مصالح ومدن، وقد وصل التصعيد الى أقصاه خلال المواجهة في ووهان وغيرها، حين بدأ عدد الضحايا بالتصاعد وأصبحت الحرب الأهلية احتمالاً قائماً.

كشفت الثّورة الثقافيةً الصينية، فيما كشفت، عن صعوبة التصدّي لهيمنة فكرة «الطريق الرأسمالي» بين النخب الحاكمة، حتّى في بلدٍ «اشتراكي». وفي الصين، تمكن الجانب المقابل من احتواء انفجار الثورة بعد اقل من سنتين (1966 – 1968) وتحويلها إلى حرب خنادق مستقرة بين الجانبين، لتستمر عقداً من السنين فيما يشبه الحرب الأهلية.
كان ماو يريد لمؤيديه وللجماهير، عبر الثورة، أن يكسروا احتكار الحزب للسياسة، فأعطى الثوريين إذناً بتشكيل تنظيمات (وسلطات سياسية) على نحوٍ حرّ طالما أنها ديمقراطية ومنتخبة. ولكنه اشترط أن لا يكسروا الحزب نفسه، فاتّخذ اليمين «المركز الحزبي» متراساً، وأوصل الثورة الى طريقٍ مسدود.
ووفق الباحث وليم هِنتون، كان الحزب الشيوعي الصيني، فعلياً حزبان تكوّنا في وقتٍ متزامن: الأوّل، ويتزعّمه ماو، كان الحزب «العلني» في المناطق المحرّرة، وكان يحكم أقاليم ويحشد الفلّاحين، ويقيم سياسات اصلاح زراعي وتعاونيات وتصنيع (والكثير منها كان ناجحاً للغاية)، وهذا الحزب كان له طابعٌ «بروليتاريّ». أما الحزب الثاني فهو حزب ليو ودِنغ، فهو «الحزب السريّ» الذي يعمل بين المثقفين والناشطين المسيّسين خاصة في المدن الكبرة كشانغهاي وكانتون.

ومع تحوّل الثّورة الصينية الى سلطة، ومع تحوّل «الطليعة» الحزبية الى نخبة حاكمة، كان المسار الطبيعي للأمور هو في أن يزداد حجم جناح دِنغ وليو ونفوذه تدريجياً، وأن يتحوّل الماويّون الى أقليّة. الفاسدون وأصحاب الامتيازات يتكاثرون على طريقة الزومبي، فكلّ فاسدٍ يحوّل خمسةً من حوله الى شيءٍ يشبهه، وهو ما لم يكن متاحاً للجانب المقابل. هذه النّخب لا تكتفي بتعزيز مواقعها وصفوفها، بل تذهب الى حدّ تخريب أيّ بديلٍ اشتراكيّ ومقاومته حتّى يبدو «الطريق الرأسمالي» هو الوحيد والمنطقي بالنسبة الى العقلاء. ويلاحظ عامر أن هذا كان تحديداً، سلوك الكثير من النخب التي أشرفت على هدم الاشتراكية في بلادنا: نشر الفساد ووقف الاستثمار في القطاع العام، حتى تصبح الدولة والاشتراكية في أذهان الناس نظيراً للفشل والحرمان وانعدام الفعالية. وفي النهاية، سأم أكثر الصينين من اضطرابات «الثورة»، فاستقبلوا ضرب اليساريين وتتويج دِنغ من جديد وعودة الاستقرار، بارتياحٍ. وهكذا فأن الامبراطورية الصينية، بتراثها البيروقراطي الممتدّ أكثر من عشرين قرناً، تمظهرت على شكل حزبٍ وانتصرت في نهاية الأمر.

وقد يقول قائل أن ما حققته الصين اليوم، لا يبرر تشاؤم هنتون وباديو، وقد يكون لهذا الاتجاه في التفكير بعض الحق، لكن الأمور أيضاً ليست كما تبدو من الخارج، فالفوارق الطبقية اليوم شديدة في الصين، ومازالت تعتمد في اقتصادها إلى حد بعيد على انخفاض أجور عمالها، كما أنها تبدو مشلولة أمام النزف المستمر لثرواتها بتحمل حصة كبيرة من نتائج طبع الدولار، ولا تمتلك استقلالية مالية تقيها ضربات الازمات وتطمئنها على مستقبلها وسيادتها.

يكتب عامر، أن الردّة التي تنبّأ بها ماو، وحاول منعها في بلاده، قد جرت علينا واكتسحت نخبنا منذ زمنٍ بعيد. دعك من الحكومات التّابعة، بحلول السبعينيات، وفي أغلب الأنظمة العربيّة «الثورية» (أي مصر وسوريا والعراق)، كانت السلطة قد سقطت بشكلٍ محكم في أيدي نخبٍ تشبه تماماً مثال ماو عن «أصحاب الطريق الرأسمالي»: ليبراليون اقتصادياً ومع الإصلاح والانفتاح بدلاً من هدف بناء الاشتراكية، مقتنعون ــــــ على عكس جيل الخمسينيات ــــــ بأنّ الاشتراكية الى هزيمة على مستوى العالم وأن الرأسمالية ستنتصر، ويحاولون التقرّب من الحلف الغربي وفتح علاقاتٍ معه. هذه «الردّة»، التي لم يكن هناك من صادٍّ لها، هي الجذر الحقيقي لأكبر هزائمنا ولتفكيك بلادنا وتدميرها منذ ذلك الزمن، وإغلاق كوّة الأمل أمام الشعوب والفقراء على هذه الأرض.

كما في الصّين أيام الثورة الثقافية وما بعدها، هناك في بلادنا «أصحاب طريق رأسمالي»، وطبقة تكنوقراط طفيلية، وأرستقراطية وأحفادها، وهؤلاء جميعاً يتوافقون على كراهية من رفع راية الاشتراكية في وجههم يوماً ولا يكلّون عن تعميق قبرها، حتى بعد عقودٍ على فشلها واندثارها.
السياسة السودانية.. ظلّت ــــــ لعقودٍ ــــــ مسكونةً بهاجس عودة الشيوعيين لأنهم وصلوا يوماً الى الحكم وخلقوا عندهم «صدمة» وردّة فعلٍ عنيفة ضدّ اليسار. الكراهية المرضية التي تكنّها النخب المصريّة لعبد الناصر وما يمثّله، والتي لا تموت أو تخفت مع الزمن، ولا تجد مثيلاً لها تجاه السادات الذي أذلّ مصر وأفلسها، أو حتّى حاكم مصر الحالي....
"هنا في بلادنا، أنت لا تواجه (أمثال) ليو ودِنغ، بل أحفادهم الفاسدين، الذين أصبحوا أكثر ثراءً وفوقيّة وشراسة، ولن تكفينا اليوم ــــــ إن أردنا القيامة من حالتنا ــــــ «ثورةً ثقافيّة» على منهج ماو، ناهيك عن «ثورة بورجوازيّة» على الطريقة الغربية، بل سنحتاج الى ما هو أشدّ وأعنف بكثير."- عامر محسن.

إلى هذا يجب ان يضاف عامل "الاحتلال" الشديد الأهمية في حالة العراق، فاليمين الفاسد يعيش تحت حمايته، وعلى اية "ثورة" أن تحسب حسابه أولاً، فهو يقبع كعنكبوت هائل على البلد ويخترق كل المؤسسات السياسية والعسكرية ومعظم الدينية، وبشكل خاص، الإعلام، الذي يقوم بنجاح بتوجيه بوصلة الشعب إلى "الخطر الإيراني"! فما يصلح لتحليل الصراع في الصين أو في بلدان مستقلة نسبياً، قد يساعدنا على فهم العالم والتاريخ والفرص الضائعة للشعوب، لكنه لا ينفع كثيراً في فهم الحالة الحاضرة. ففي البلد المحتل، لا تعود المشكلة مشكلة دوي قطيع "الرأسمالية" في إذن الثوري الاشتراكي، بل في واقع لا يجرؤ أي تيار فيه بأن ينطق كلمة "إشتراكية". 

 (1) عامر محسن"زفرة ماو الأخيرة: عن الثورة الثقافية في الصين"، الجزء الأول
https://www.al-akhbar.com/Opinion/251848
(2) عامر محسن"زفرة ماو الأخيرة: عن الثورة الثقافية في الصين"، الجزء الثاني