الاثنين، 10 مارس 2014

ما العمل ؟ عندما تصبح العَمَالةُ وجهة نظر والأهداف صغيرة والهزائم كبيرة- بقلم د. لبيب قمحاوي



ما العمل ؟ عندما تصبح العَمَالةُ وجهة نظر والأهداف صغيرة والهزائم كبيرة



  بقلم د. لبيب قمحاوي                

lkamhawi@cessco.com.jo



     "خوفي أن يأتي يوم تُصْبِحُ فيه العَمَالَةُ وجهة نظر" , جملة خطيرة قالها كمال ناصر في عام 1972 اقتربت في مدلولاتها من النبوءة لما نحن فيه الآن .

       ترى ما الذي يجعل شخصاً قيادياً مُؤسّساً في حركة فتح أن يطلق ذلك التحذير/ النبوءة في تلك المرحلة المبكرة من انطلاقة الثورة الفلسطينية ؟ هل كان ذلك استيعاباً مبكراً لعوامل القوة والهزيمة داخل المجتمع الفلسطيني ؟ أم كان فهماً حقيقياً وإطلاعاً نادراً على مكنونات تفكير حركة فتح والأهداف غير المعلنة لقيادتها المُؤَسِسَة ؟ أم كانت شكاً في نوايا ووطنية بعض القيادات الفلسطينية؟ أم كانت جملة عابرة تحولت مع الزمن إلى حقيقه مُرﱠة مؤلمة ؟  

       لا شك أن هنالك العديد من الحقائق المرﱠة والتحديات المستحيلة التي تعصف الآن بضمير المواطن العربي وتتحدى ارادته , في الوقت الذي يعاني فيه من تناقص مضطرد في قدرته على استيعاب طبيعة التطورات والتحديات التي تجتاح وطننا العربي , ناهيك عن قدرته على استشراف المستقبل .

      الحقيقة الأساس والأهم هي أننا لا نستطيع أن نحسم خيارات الكفاح والنضال من منطلق الهزيمة أو خيارات السلام من منطلق التنازل والاستسلام . فهزيمة الذات قد تكون أقسى الهزائم وأكثرها خطورة على مستقبل الأمة . فهي تنبع من داخلنا دون أن نكون قادرين على رؤيتها , وتجلياتها تأخذ أشكالاً مختلفة . وقد يكون أخطر تلك التجليات هو ما يجري الآن من محاولات لإغلاق ملف القضية الفلسطينية بتعاون عربي وفلسطيني من خلال مفاوضات "الإطار" التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . وهذه المفاوضات تستند إلى واقع الضعف الشديد والتشتت الذي تعيشه دول المنطقة بإستثناء اسرائيل , وكذلك حالة الإنكفاء وهزيمة الذات التي أصابت الشعوب العربية, وحالة الاستسلام الفلسطيني الناتج عن تراجع مستوى الالتزام الوطني للقيادة الفلسطينية وتآكل إرادتها الوطنية منذ اتفاقات أوسلو . وهكذا , فإن أخلاق الهزيمة وثقافة التنازل والاستسلام قد ابتدأت تصبغ السلوك العربي وتسيطر على منظومة الأهداف التي نسعى إليها والتي تَقَلّصَ سقفها وتواضع الى الحد الذي أصبحت فيه مدعاة لسخرية الأعداء وشفقة الأصدقاء.

      إذا كان هذا هو واقع الحال باختصار, فما العمل ؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ وماذا علينا أن لا نفعل ؟

        منطق الأمور يفترض أن الواقع العربي والفلسطيني الحالي يتطلب الابتعاد عن أي مفاوضات سلام مع إسرائيل كونها تستند إلى الضعف والتشتت العربي والتنازلات الفلسطينية . فالمضي في مسلسل المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاقية إطار مُصَاغَة بلغة مطاطة سوف يؤدي بالنتيجة إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية عوضاً عن حلها , كون الجهة التي سوف تفسر اللغة المطاطة في النهاية هي الطرف الأقوى وليس الطرف الأضعف. وبلغة أخرى التفسير سوف تقوم به اسرائيل , في حين أن التنازلات سوف يقدمها الفلسطينيون لوحدهم .

       هذا بالإضافة إلى أن امريكا لا تفاوض في الحقيقة إلا الإسرائيليين . فالمعلومات الواردة من دوائر المفاوضين تؤكد على أن الجهة المُرْسِلَةُ هي اسرائيل وباقي الأطراف وهم الفلسطينيون والأردنيون مستقبلون . أمريكا تفاوض الإسرائيليين على حجم الخسائر الفلسطينية ولا شىء آخر. المطروح الآن للتفاوض هو حجم الخسائر الفلسطينية والتي تعني حقيقة حجم المكاسب الإسرائيلية . والأردنيون يساهمون من خلال وجودهم في تليين الموقف الفلسطيني , وهم بذلك لا يساهمون إلا بالقدر الذي يُضفي حضورهم لبعض الجلسات سراباً خادعاً بأن هنالك فعلاً مفاوضات حقيقية متعددة الأطراف . هذا مع العلم أن الهدف الحقيقي للحكومة الأردنية من المشاركة في المفاوضات هو مراقبة الفلسطينيين وبرنامجهم التفاوضي على أساس أن العدو الحقيقي للمصالح الأردنية هم الفلسطينيون وليس الإسرائيليون ! ومن هنا الإصرار الأردني المتواصل على رفض وجود قنوات اتصال فلسطينية – إسرائيلية جانبية والإيحاء المتواصل بأن الإتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي قد يأتي على حساب المصالح الأردنية.

        الأمريكيون يتصرفون على أساس أن الفلسطينيين والأردنيين في الجيب والجهة الوحيدة التي تقول نعم أو لا هم الإسرائيليون . صحيح أن الفلسطينيين قد يعترضون على هذا, أو يطالبون بذاك , ولكنهم لا يفاوضون وهنالك فرق كبير بين الاعتراض والتفاوض . وما دام هذا هو واقع الحال , وهو فعلاً واقع الحال , فأي مصلحة للفلسطينيين في الاستمرار في هذه العملية شبه التفاوضية والبائسة .

        إن رفض مبدأ المفاوضات يجب أن يرافقه رؤيا جديدة بديلة تضع الفلسطينيين في مسار ايجابي رافض للتنازل حتى ولو كان ذلك المسار يفتقر في الوقت الحالي إلى القوة اللازمة  لدعمه , عوضاً عن وضعهم في مسار سلبي استسلامي ينطلق من واقع الضعف والتشتت . أما معالم هذه الرؤيا الفلسطينية الجديدة فهي تتكون من خمسة محاور سبق وإن تم التعرض لبعضها.

المحور الأول :-   إعتبارالمفاوضات المستندة الى واقع الضعف والتشتت الفلسطيني خطراً على المصالح والآمال الفلسطينية وبالتالي رفضها كونها تهدف إلى استجداء الموافقة الإسرائيلية على حلول شكلية وليس الوصول إلى سلام عادل متكافئ يستجيب للحقوق والثوابت الفلسطينية , وبالتالي اعتبار أي قيادة أو جهة أو تنظيم يسعى إلى مثل تلك المفاوضات معادياً لآمال وتطلعات ومصالح الشعب الفلسطيني .

المحور الثاني :-   إعلان الفلسطينيين عن رفض مبدأ تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين ,     فالدولة المخصصة للفلسطينيين , فيما لو تحققت , سوف تكون شبه دولة , منزوعة السلاح والسيادة الفعلية , ومنزوعة الدسم بشكل عام , وعباره عن  أشلاء هنا وهناك مقدرٌ لها أن تعيش إلى الأبد في ظل الدولة الأكبر والأقوى وهي اسرائيل . منطق الأمور إذاً يفترض أن لا يطالب الفلسطينيون أو يوافقوا على تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين . فذلك لو تم فإنه يعني الموافقة الضمنية الفلسطينية على أن اسرائيل سوف تبقى قائمة إلى الأبد وأن فلسطين , بالتالي, سوف تبقى مقسمة إلى الأبد . وهذا أمر يصب في مصلحة الإسرائيليين . هل الحل يكمن في تقسيم فلسطين الطبيعية بيننا وبين الإسرائيليين بنسبة مجحفة لا تسمح للفلسطينيين إلا بأقل من 25% من الأرض في أحسن الأحوال حتى وإن وافق الإسرائيليون . الموضوع ليس موضوع نسب مئوية بقدر ما هو خيار استراتيجي . هل يريد الفلسطينيون تقسيم فلسطين بينهم وبين الإسرائيليين إلى الأبد ؟ أم أنهم يريدون استرجاع الوطن المغتصب السليب بأية وسيلة ومهما طال الزمن ؟          

المحور الثالث :-  المطالبة بدولة ديمقراطية علمانية واحدة على أرض فلسطين التاريخية          الموحدة , بغض النظر عن مُسمى تلك الدولة في المرحلة الأولى , يتمتع  فيها كافة المواطنين بحقوق مدنية وسياسية ودستورية كاملة ومتساوية في النص والممارسة , تحكمها حكومة ديمقراطية برلمانية ينتخبها المواطنون بشكل دوري . وعلى أية حال ونظراً لأهمية هذا الموضوع وضرورة الحد من التطورات السلبية المتلاحقة التي تعيشها القضية الفلسطينية , فإن فتح باب الحوار بين الفلسطينيين حول هذا المحور يعتبر أمراً هاماً ومجدياً ومطلوباً . وكل من يرفض ذلك عليه أن يتقدم بأسبابه وتبريراته . صحيح أن أغلبية الإسرائيليين والفكر الصهيوني المطالب بدولة يهودية نقية, هم ضد ذلك , والمعظم يعرف لماذا . ولكن لماذا يكون أي فلسطيني ضد ذلك ؟

 المحور الرابع :-  إعلان الفلسطينيين من طرف واحد بأن الأحتلال لم يعد قائماً وأن الفلسطينيين يعيشون على أرضهم وفي وطنهم فلسطين . إن هذا الطرح قد يتضمن كماً كبيراً من التساؤلات والاستفسارات والتحفظات المشروعة والتي قد لا يمكن الحصول على إجابات عن معظمها. ولكن تبقى الحقيقة أن هذا الإعلان يهدف إلى تحويل العلاقة بين الفلسطينيين واسرائيل من علاقة احتلال إلى علاقة تمييز عنصري يرفضها العالم ولا يقبل باستمرارها . هذا مع أن طبيعة العلاقة بين الفلسطينيين واسرائيل هي في واقعها علاقة تمييز عنصري كون الاحتلال الإسرائيلي احلالي يهدف إلى احلال الإسرائيليين مكان الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم الأساسية تمهيداً للاستيلاء على أرضهم بعد أن تم احتلالها .

        وهكذا , فإذا كان من غير الممكن حالياً استرجاع الوطن المحتل بالوسائل العسكرية , فعلى الفلسطينيين العمل على منع تقسيمه أولاً , والنضال من أجل قيام دولة واحدة ديمقراطية  بهدف تحويل النضال من أجل التحرير إلى نضال ضد سياسة التمييز العنصرية وكل أشكال التمييز الأخرى . وإذا كان الإسرائيليون لن يقبلوا هذا الطرح وهو أمر متوقع , فعليهم أن يتقدموا بحلول بديلة و مقبولة فلسطينياً لمشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم . فالفلسطينيون لن يغادروا فلسطين لأي سبب وتحت أي مسمى . والاستيطان الإسرائيلي , وهو غير قانوني وغير مشروع, سوف يفاقم الأمور أكثر وأكثر ويخلطها بشكل يجعل إمكانية فصل السكان على أسس دينية أو عرقية شبه مستحيل .

       قد يجادل البعض بأن لا جديد في هذا الطرح وأن موضوع الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة في فلسطين قد طرح في بدايات العمل السياسي للثورة الفلسطينية (حل الدولة الواحدة مقابل حل الدولتين ) . هذا واضح , وإن كان ذلك لا يعني ولا يجب أن يعني أن هذا الطرح غير صحيح . فالمهم والجديد أن هذا الطرح الآن مبني على أنقاض فكرة "الدولتين" التي يجب أن يصبح نفيها ورفضها بشكل كامل وقاطع جزءاً من برنامج العمل الوطني الفلسطيني الجديد . وهذا الطرح قد يخلق بدوره حالة من الفزع في الأوساط الإسرائيلية والصهيونية المطالبة بنقاء الدولة العبرية باعتبارها دولة لليهود فقط . إن المطالبة الفلسطينية بدولة واحدة ديمقراطية علمانية على أرض فلسطين الموحدة هي الرد الفلسطيني الصحيح والمؤثر على المطالبة الصهيونية بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية وهو شعار عنصري حتى النخاع .

المحور الخامس :-   إعلان حل السلطة الفلسطينيه والمؤسسات التابعة لها حيث أن تبني هذا البرنامج وخلق إجماع وطني فلسطيني حوله سيؤدي حتماً إلى وجوب إنهاء دور تلك السلطة والتي تقوم حالياً , بالإضافة إلى واجبها الأول كمؤسسة تشغيل للفلسطينيين , بواجب تبييض صفحة الاحتلال في عملية مشابهة بالضبط لعملية تبييض الأموال القذرة وجعلها شرعية ومشروعة . إن ما تقوم به مؤسسات السلطة الفلسطينية حالياً لم يساهم على الإطلاق في إزالة الاحتلال , بل على العكس خلق وهم الاستقلال لدى بعض الناس من جهة , وجعل الاحتلال يختبئ خلفها من جهة أخرى . وهذا جعل مطلب إزالة الاحتلال ينحسر من أولى الأولويات إلى ثاني الأولويات بعد هدف المحافظة على بقاء السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وبالطبع رموزها. وبموت ياسر عرفات اختفى الرمز التاريخي بثقله وما له وما عليه , وانتهت القيادة بأيدي البعض من بواقي القيادة الفلسطينية التاريخية , وتقلصت مطالب هؤلاء لتناسب حجمهم السياسي وطموحاتهم الذاتية , وأصبحت التنازلات الفلسطينية تتوالى مثل تساقط أوراق الشجر في يوم خريفي عاصف . وتولد لدى الأسرائيليين قناعة قوية وموقف واضح بعدم ضرورة تَوَصُل أي مفاوضات مع الفلسطينيين إلى أي نتيجة لأن القيادة الفلسطينية في مسارها العجيب منذ اتفاقات أوسلو قد أعطت انطباعاً لجميع الأطراف بأن التنازلات الفلسطينية قادمة سواء تنازل الإسرائيليين عن شيء أم لم يتنازلوا . وضع عجيب لم يُفْرَض على السلطة الفلسطينية إلا بالقدر الذي وضعت تلك السلطة نفسها فيه .    

          إن حل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها واختفائها عن الوجود سوف يؤدي إلى إرغام الإسرائيليين على ممارسة دورهم ومسؤولياتهم كسلطة احتلال مباشرةً وعلناً وأمام المجتمع الدولي عوضاً عن الاحتماء خلف السلطة الفلسطينية ومؤسساتها والإدعاء بأن الاحتلال هو قيمة مضافة وليس واقعاً سلبياً نظراً لعدم قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمور في المناطق الخاضعة لنفوذها , أو هكذا تدعي إسرائيل .    

        وفي الختام , فإن هذا برنامج عمل مقترح ومفتوح للنقاش البَنّاء والتعديل والتغيير بما يسمح بإعطاء الفلسطينيين بارقة أمل بأن هنالك بديل أو بدائل لما نحن فيه من نهج مبني على التنازلات والاستسلام لإرادة القوي بعد أن نجحت السلطة الفلسطينية في تحويل القضية الفلسطينيه من قضية تحرير إلى مشكلة دفع الرواتب لموظفيها في نهاية كل شهر .                             

حلة الله-وداعا أهلنا شهداء مجزرة الحلة صباح يوم 9 / 3 / 2014-حامد كعيد الجبوري

حلة الله
وداعا أهلنا شهداء مجزرة الحلة صباح يوم 9 / 3 / 2014 م
******
لا أم لا أبو لا خوه لا خيات
كرابه ما الج  بس الهظيمه
تعلمتي الحزن من هزة الكاروك
ترضعين الصبر سم وحريمه
على مر الزمن  ما مرج العيد ؟
توابيت الزمن تكطر ظليمه
محد مسح راسج والكلوب حجار
 تحفرلج كبر أيد اللئيمه   
خاويتي الجثث بالواحد وتسعين
 المنيه اتصيرلج خل ونديمه
الموت أشكد صلف يتخير الشبان
 ولا أنمدت ألج أيد الرحيمه   
يا ( حله ) أشعجب من فوكج يعبرون
 السياسة السوت أبولدج وليمه
كرت عينكم موت ويخلف موت
 عاشور ولطم غيمه أعله غيمه
غبره وجوهكم يهل الكراسي السود
بالخضراء محمي والشعب هيمه  
يا ( حلة ) الكرم عندج بلايه حدود
 حتى بموت ويلادج كريمه
يا أم الترافه والنهر والطيب
 يتيمه ومن بجه الحال اليتيمه
**********
حامد كعيد الجبوري



الجمعة، 7 مارس 2014

أجمل قراءة لقصيدة المتنبي أرق على أرق عبدالمجيد مجذوب لوحات فنية عالمية

شعوب “مخ مافي” !!-محمد بتاع البلادي


شعوب “مخ مافي” !!

محمد بتاع البلادي


في العام 2007 أطلقت الهند (الدولة النووية التي لا يعرف عنها البعض إلا أنها مصدر الحلّاقِين و أرز بسمتي) أول مركباتها نحو الفضاء.. و اللافت أن المركبة الفضائية والصاروخ بل وحتى العلماء والباحثين وعمال الشاي والقهوة في قاعدة (اندرا براديش) كلهم هنود 100% .. أي أنها عملية (هنودة) على وزن (سَعْوَدة) مكتملة الجوانب، وليس كما نفعل نحن العرب عندما نذهب (بفلوسنا) إلى قاعدة (بايكونور) في كازاخستان، أو إلى قاعدة (غويانا الفرنسية) لتناول المرطبات و الاستمتاع بالفرجة على إطلاق قمرنا الصناعي الذي ليس له من العروبة إلا اسمه، والأدهى أنه لا يضيف للعالم إلا المزيد من (الكليـبّات) التافهة وقنوات الشات والدردشة الرخيصة..
الهند التي يتلذذ بعضنا بالتقليل من شأنها حين يُضرَب بها المثل في كثرة الكلام، والتي بدأت برنامجها الفضائي في العام 1963 حين أسست لجنة الهند للأبحاث الفضائية (INSCOSPAR) ستبقي مركباتها في الفضاء لعامين كاملين، تجري خلالهما تجارب وأبحاثاً غير مسبوقة تدرس فيها طبقات الجو، وسيبحث علماؤها عن مصادر طاقة فضائية بديلة للبترول العربي بالإضافة إلى آلاف الأبحاث التي ستفيد كل البشرية دون استثناء.
وفي حين سنكون نحن السعوديين منشغلين خلال العشر سنوات القادمة باجترار قضايانا المزمنة (قيادة المرأة للسيارة، الصراع الفكري السعودي المعروف، تصريف مياه السيول، عدم تأهل المنتخب لكأس العالم 2020) فإن الهنود – الذين يصورهم البعض بأنهم شعب محدود الفهم (مخ ما في) - سينشغلون في ذات السنوات العشر بإطلاق 12 رحلة فضائية في كل عام، أي ما مجموعه 120 رحلة، وستكون بلادهم من أكثر الدول تقديماً لخدمة إطلاق الأقمار الصناعية، بعد أن نجحت عام 2008 في إطلاق عشرة أقمار صناعية بصاروخ واحد.. كما سيتمكنون وكما هو معلن من إطلاق أول رحلة مأهولة إلى الفضاء بحلول 2016.
مَنْ يعرفُ اهتمامَ الهند بالعلم والعلماء لا يستغرب تحقيقَها كل هذا التقدم المذهل.. فالدكتور أبو بكر عبد الكلام أحد أبرز علماء الهند أصبح الرئيس الحادي عشر للدولة منذ العام 2002 وحتى 2007 تقديراً لدوره العلمي في البرنامج النووي والصاروخي الهندي.. الأمر الذي دفع عالماً عربياً كبيراً كفاروق الباز للقول: حين كبرت وعرفت حقيقة الهند تمنيت أن أكون هندياً.. وقد جمع عبد الكلام الكثير من تصوراته في كتابه (الهند 2020) والذي وضع فيه مخططاً لتطوير الهند وتحويلها إلى قوة عظمى تقوم على المعرفة بحلول العام  2020. إذا كان (عبد الكلام) و الساسة الهنود قد نجحوا في تحويل بلادهم من واحدة من أكثر بقاع الأرض فقراً و ازدحاماً وجهلاً و خرافة إلى دولة حديثة تنافس على الصدارة في علوم الفضاء وتقنية الأقمار الصناعية رغم شح الموارد.. فإن المفهوم العربي لعلوم الفضاء والأقمار الصناعية لا يزال يراوح بين إنشاء قنوات الردح والشتائم التي تفرق أكثر مما تجمع، وقنوات (الشخلعة) التي لا تقدم إلا التافه والهابط من البرامج والأغاني والمسلسلات الرخيصة.. وكلها لم تزد العرب إلا غرقاً في بحور الجهل والغفلة والإخفاق والعنصرية البغيضة.

هل عرفتم الآن من هو الذي.. مخ ما في؟


--

هل تديننا حقيقي أم صناعي؟-د. جاسم المطوع


هل تديننا حقيقي أم صناعي؟


د. جاسم المطوع
هل تديننا حقيقي أم صناعي؟
(بطاقة للفقير وبيوت للقطط وفريق خاص للمعاقين وحاويات جميلة بالطرقات والعاب ترفيهية للأطفال عند كل بناية)، هذا ما لفت نظري في زيارتي الأخيرة لتركيا، فقد زرنا مدينة (باشاك شهير) وهذه المدينة كانت مشهورة بكثرة أماكن اللهو وبيع المخدرات وكثرة الجريمة، وقد وضعت لها البلدية خطة تطويرية منذ خمس سنوات، فتحولت المدينة إلى أجمل مكان سياحي بتنظيم بنائها ونظافة طرقها وجمال حدائقها وبساتينها، وفيها وادٍ كان يسيل فيه مياه المجاري، والآن تراه جميلا بالألعاب الرياضية والحدائق المعلقة والمطاعم التركية الشهيرة، وبعد هذه الجولة الجميلة في المدينة، زرنا رئيس بلديتها لنتعرف علي تجربتهم في كيفية تحويل المدينة، من مدينة كانت رمزا للجريمة والمجرمين، إلى أشهر مدينة سياحية تمتاز في التكافل الاجتماعي بين الجيران والاهتمام بالفقير والمعاقين،
هذه المشاريع الاجتماعية من أشخاص حريصين على خدمة الناس
وبعد شرح الخطة التطويرية ذكر لنا ابتكارا عملته البلدية للتعامل مع الفقراء، يحفظ لهم كرامتهم ولا يشعرهم بذل السؤال، وذلك من خلال صرف بطاقة لكل فقير يشتري بها ما يحتاجه شهريا من الأسواق، وقد تفاعل معها الفقراء وشعروا باحترام وتقدير لذاتهم، ثم تحدث معنا عن تشكيل فرقة تطوعية تتكون من 50 شابا وفتاة، يجلسون علي الكراسي المتحركة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويجوبون كل أسبوع في شوارع المدينة وسككها، فيكتشفون الطرق التي لا تصلح لسير كرسي المعاق فيرفعون فيها تقريرا ليتم تسويتها واصلاحها، ثم سألناه عن سبب كثرة ألعاب الأطفال التي رأيناها ونحن نمشي بالمدينة، فقال: إن قانون البلدية في تركيا لا يسمح لأي تاجر يبني بناية تجارية ليس فيها حديقة ومكان مخصص لألعاب الأطفال، وإلا لا يسمح له بالبناء ولا يرخص له، وحسب ما أفاد أن بالمدينة أكثر من ألف بناية تجارية للسكن.
كرر لنا رئيس البلدية أكثر من مرة أن شعارهم هو (خدمة الناس ودعم العمل الاجتماعي وتطويره)، ولهذا فإن البلدية تتبنى مثل هذه المبادرات الاجتماعية، بل ومن جميل ما رأيت على الأرصفة وأنا أمشي بالطرقات بيوت صغيرة علي شكل مثلث، فسألت صاحبي: ما هذه الأكشاك الصغيرة ؟ فقال: هذه بيوت جديدة  للقطط الضالة بالشوارع، تحتمي فيها ليلا أو وقت البرد، وقد تم توزيع هذه البيوت في كل شوارع استانبول.
مثل هذه المشاريع الاجتماعية من أشخاص حريصين على خدمة الناس وكسب قلوبهم؛ ليحققوا لهم العيش الاجتماعي الآمن ذكرني بما كان يفعله عمر الفاروق - رضي الله عنه - لتحقيق الأمن الاجتماعي، وذلك بفرض مبلغ لكل رضيع وتحديد مدة سفر المجاهد حتي لا يطيل علي أهله، وقد زرت أكثر من مؤسسة اجتماعية في تركيا، ولمست حبهم للدين وخدمته من خلال المشاريع الاجتماعية، وتلمست التدين الحقيقي عندهم، على الرغم من أننا نتعامل مع أشخاص أحيانا لا يوحي شكلهم أنهم متدينون، ولكنهم ذوو أخلاق عالية وملتزمون بصلاتهم ويسعون لخدمة الناس ومجتمعهم، فتذكرت كلمة جميلة للأديب والمؤرخ المصري أحمد أمين (متوفى 1954)، عندما قال (هل تعرف الفرق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي، وبين الأسد وصورة الأسد، وبين النائحة الثكلي والنائحة المستأجرة ... فإذا عرفت ذلك عرفت الفرق بين التدين الحقيقي والتدين الصناعي) تذكرت هذه الكلمات وأنا أرى تدين الأتراك، فالمشاريع التي يقيمونها مستمرة لا تتوقف وهم منطلقون في خدمة الإسلام والمسلمين، بل إنني زرت أكاديمة الفاتح واجتمعت مع مديرها وهو (د.آدم) فعلمت أن من أهدافه تعليم اللغة العربية لخمسة مليون تركي، وقد حقق حتي الآن ثلث هدفه، فسألته عن سبب ذلك فقال: إن اللغة العربية هي لغة القرآن وهي هويتنا، كما أنها جزء من عقيدتنا، وهي وسيلة الخطاب والتفاهم بين كل المسلمين.
إن هناك فرقا واضحا بين من يحمل الدين برأسه ومن يحمله بقلبه، وهناك فرق بين من يكثر الكلام في الدين ومن يكثر العمل به، وهناك فرق بين المتدين الفاضي الذي يجوب الأسواق ويقلب صفحات النت، ويدمن على شبكات التواصل الاجتماعي، والمتدين صاحب المشروع الذي يعمل من أجله، كما أن هناك فرقا بين المتدين الحقيقي والصناعي، إن النموذج الديني التركي العملي نموذج يستحق الدراسة والتأمل.







مهزلة البطانيات الانتخابية-كاظم فنجان الحمامي

مهزلة البطانيات الانتخابية


كاظم فنجان الحمامي

أي عقل هذا الذي يحمله المرشح الطارئ, الذي يظن كل الظن أن البطانيات الرديئة هي الطريق الديمقراطي الأمثل للفوز في الانتخابات المحلية ؟, وأي ديمقراطي هذا الذي يرى في البطانيات ضالته المنشودة لإحراز المراتب التنافسية العليا في صناديق الاقتراع, وأي وطني هذا الذي رسم صورتنا المستقبلية ببطانيته الرديئة ؟.
حتى الشعوب المنكوبة بالكوارث الكونية, والمدن المدمرة بالفيضانات والحرائق تأنف من استلام بطانياتكم الانتخابية, وحتى القبائل المذبوحة بخناجر الجوع والتخلف ترفض الذين يتعاملون معها ببطانيات الذل, ولا تحترمهم أبداً.
أحياناً أتساءل. هل يحسبون أنهم بتوزيعهم البطانيات يستطيعون أن يغطوا بها سوءاتهم ؟, ألا تباً لهم ولأفكارهم الضيقة. لا ريب أن الذين يفكرون بهذه الطرق الدنيئة, ويتبنون هذه الأساليب الرخيصة, إنما يعبرون عن خستهم ونذالتهم وضحالتهم, وإلا بماذا تفسرون استغلالهم لضعف الناس وفقرهم؟, وبماذا تفسرون مخططاتهم المخزية التي يتحايلون بها على أبناء جلدتهم ؟.
عندنا في العراق مضايف عشائرية عريقة, وأخرى شعبية, وظيفتها توفير الملاذ الآمن, والغذاء الساخن للضيف والهارب واللاجئ والتائه, وعندنا في العراق مساجد كبيرة مجهزة بمخازن عامرة بآلاف البطانيات والوسائد وأجهزة التكييف المحمولة ومعدات الطبخ, ومئات الأطنان من قناني المياه العذبة, وفيها أكداس هائلة من المواد الغذائية الجافة والطازجة, متاحة على مدار الساعة لزوار العتبات المقدسة, فأي لوثة دماغية أصيبت بها رؤوس الذين وضعوا البطانيات جسراً هشاً للتقرب من الناس ونيل رضاهم.
ربما لا يعلم هؤلاء أن فكرة البطانيات الانتخابية صارت من أشهر مواضيع السخرية والتندر بين رواد المجالس والمقاهي العامة, وصارت من المهازل الموسمية, التي تسببت في إحراج أصحابها, وبالتالي خسارتهم المريعة في الانتخابات.
من المفارقات المضحكة أن البيوت العراقية تقتني رزم كبيرة من أجمل وأثخن البطانيات المستوردة من أرقى المعامل الأوربية واليابانية والروسية والصينية والكورية, وأن وحداتنا العسكرية مجهزة بأفضل الأنواع, ولسنا مغالين إذا قلنا أن السجون العراقية تمتلك نوعيات راقية من البطانيات والوسائد والأسرة, بينما نرى هؤلاء, الحالمون بالفوز السريع, يحملون أرخص البطانيات, ويطوفون بها في القرى والأرياف, ليوزعونها على الفلاحين, ظنا منهم أنهم بهذه الخطوة يقدرون على شراء أصواتهم, فيستلمها منهم الفلاح من باب الشفقة عليهم, حتى لا يكسر بخاطرهم, لكنه يستعملها في تدفئة أبقاره وأغنامه, أو يغطي بها حصانه النحيف, أو يضعها فوق ظهور ثيرانه المنتشرة في العراء وسط الحقول الفسيحة.
قد تنحسر ظاهرة البطانيات الرديئة في الجولة الانتخابية القادمة, لكن حقيبة الدهاء لم تفرغ بعد, ففي جعبة الأيام القادمة الكثير من المفاجئات.
والله يستر من الجايات

الثلاثاء، 4 مارس 2014

مصر : الماضي يحكم المستقبل ولو إلى حين- بقلم : د. لبيب قمحاوي


مصر : الماضي يحكم المستقبل ولو إلى حين
                                                                          بقلم : د. لبيب قمحاوي
lkamhawi@cessco.com.jo

          مصر كبيرة وهَامَّة ومِحْوَرَّية إلى الحد الذي لا يسمح لأحد بالتعامل معها ومع مشاكلها باستخفاف , كما لا يسمح لأحد بالقفز إلى استنتاجات وتوقعات تطال مستقبلها بخفة ورعونة وسذاجة . إن حركة الدول الكبيرة هي في العادة بطيئة , ولكنها ما إن تبدأ بالحراك فإن حركتها تصبح أكيدة ومستمرة دون تَسَرُّعْ أو تَهَوُّرْ .
       مصر الآن على مفترق طرق , والخيارات أمامها ما زالت في معظمها قيد التشكيل. هنالك دروس قاسية ومؤلمة تعلمتها مصر خلال العامين الماضيين , وهي بصدد إعادة تقييم أولوياتها وتحالفاتها حتى تستخلص العبر وتعيد تشكيل نفسها على ضوء تلك التجارب . ومن أهم تلك الدروس ثلاثة , وهي وإن كانت لا تشكّل مجمل ما تعلمته مصر من تلك التجارب , إلا أنها تبقى من الأهم والأكثر أثراً على مستقبل مصر المنظور .
      الدرس الأول الذي تَعَلَمهُ المصريون أن الديموقراطية ليست مقتصرة فقط على صندوق الاقتراع وأنه ليس بالديموقراطية وحدها يحيا الإنسان . هذا الدرس كاد أن يودي بالدولة المصرية ويدمر أسسها ومؤسساتها الوطنية . فخلال فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر, أدت محدودية خيارات إنقاذ الدولة المصرية من تبعات برنامجهم العقائدي , إلى وضع المصريين أمام الخيار الحاسم بين الواقعية والرومانسية . فالديموقراطية التي أدت إلى استلام الإخوان المسلمين للحكم في مصر من خلال رئاسة محمد مرسي كان مقدراً لها الزوال على أيدي الإخوان أنفسهم فيما لو استمروا في الحكم كونهم لا يؤمنون بتداول السلطة مع أية قوى أخرى , قومية كانت أو يسارية أو ليبرالية وإنما - ربما -  مع قوى إسلامية أخرى  . وبعد وضوح طبيعة وأبعاد البرنامج السياسي والعقائدي للإخوان المسلمين والسعي الحثيث لتطبيقه , جاء رد فعل الدولة المدنية في مصر حاسماً في اللجوء إلى الجيش لوضع نهاية لحكم الأخوان , رغم وجود جدل حول ما إذا كان ذلك هو الخيار الوحيد الممكن . المصريون لم يبنوا خيارهم هذا على مبدأ القبول بعودة حكم العسكر , بقدر ما بنوه على رفضهم لحكم الإخوان . والفرق بين القبول الناتج عن اللاخيار والقبول الناتج عن الاختيار واضح في هذه الحالة . وهكذا , فإن الرغبة في انقاذ الدولة والمجتمع قد وضع المصريين أمام خيار من اثنين : إما السماح بعودة العسكر إلى الحكم حتى ولو تم ذلك بطلب جماهيري واسع , أو زوال الديموقراطية وتحويلها إلى ما يسمى "شورى إسلامية" وتدمير الدولة المدنية المصرية معاً . خيار مؤلم حقيقة خصوصاً وأن ثورة 20 يناير قد طالبت بالتخلص من حكم العسكر وتبعاته والذي دام لأكثر من ستة عقود امتدت خلال رئاسات عبد الناصر والسادات ومبارك .
       وبالمقياس نفسه فإن الشعبية الجارفة التي يتمتع بها عبد الفتاح السيسي , وزير الدفاع المصري وقائد الجيش , لا تعكس رغبة مصرية حقيقية في العودة إلى حكم العسكر , بقدر ما تعكس شعوراً شعبياً حقيقياً بأن السيسي يشكل ضماناً لاستمرار المجتمع المدني وقوة الدولة الوطنية وحماية الاستقرار والأمن , أكثر منه أي شيء آخر .
       الدرس الثاني يتعلق بالعلاقة الخاصة مع أمريكا والتي أثبتت التطورات الأخيرة                                    أنها ليست الحل السحري لمشاكل مصر , كما أنها ليست الوسيلة المثلى لبناء الدولة المصرية الحديثة . فهذه العلاقة التي وضع أسسها أنور السادات آملاً أن تشكل بديلاً للعلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل , أو في أسوأ الأحوال أن تكون موازية لها في الأهمية , قد فشلت , كما اتضح عندما تم تحريك المياه الراكدة عقب سقوط نظام حسني مبارك .
        فقد اتضح أن المصالح الأمريكية وخياراتها تتعارض وبشكل فاضح مع المصالح الوطنية المصرية . وقد تجلى ذلك أكثر ما يكون في ثلاث قضايا هي الإسلاميون وسد النهضة في اثيوبيا وإسرائيل . فأمريكا , وتحت ستار احترام الديموقراطية , كانت وما زالت تؤيد بقاء حكم الإخوان المسلمين لمصر, مما يعني موافقتها الضمنية على برنامج الإسلاميين في إضعاف الدولة المصرية وربما إلحاقها مستقلاً بدولة الخلافة الإسلامية . لقد وَلّدَ هذا للموقف الأمريكي شعوراً بالصدمة لدى أوساط عديدة من المصريين الذين كانوا ينظرون إلى العلاقة الأمريكية - المصرية باعتبارها إنجازاً استراتيجياً منسجماً مع المصالح المصرية إلى أن ثبت لهم عكس ذلك بعد التطورات الأخيرة التي تبين فيها مدى دعم أمريكا للإخوان المسلمين . فالبرنامج السياسي والعقائدي للإخوان المسلمين والذي جاء كصدمة للكثيرين لم يشكل أي رادع للأمريكيين لوقف أو حتى تخفيف تأييدهم لهم بل زاد من اصرار أمريكا على وجوب بقاءهم في السلطة خلافاً لمصالح الدولة المصرية التي تربطها بها علاقة خاصة . هذا الموقف دفع الكثيرين في مصر الى إعادة النظر بجدوى خصوصية العلاقة مع امريكا .
         وقد ساهم دعم أمريكا وإسرائيل ومباركتهما لمشروع بناء سد النهضة في اثيوبيا , والذي سيلحق أضراراً بالغة بمصالح مصر المائية في نهر النيل في ازدياد هذا الشعور. وفي الواقع , فإن قرار اثيوبيا المضي في هذا المشروع جاء منسجماً مع رغبة إسرائيل في إضعاف مصر بأي طريقة ممكنة وبمباركة أمريكية ومساهمة عربية في التمويل !
         أما بالنسبة لإسرائيل , فإن مصالحها تبقى في أعلى سلم الأولويات في السياسة الأمريكية في المنطقة . والعلاقة الخاصة بين مصر وأمريكا , على أهميتها , تأتي في أعقاب تلك العلاقة وليس قبلها أو حتى بشكل موازٍ لها . ودور اسرائيل الإقليمي في المنظور الأمريكي يحظى بالأولوية على دور مصر التاريخي في الأقليم . ومن الواضح أن أمريكا تعمل على إضعاف مصر ودورها حتى تبقى إسرائيل الدولة القائدة في الإقليم دون منازع ودون أي اعتبار لمصالح مصر الأقليمية .
         وبالرغم من كل ذلك وعند دراسة معادلات القوة داخل المؤسسة العسكرية والمؤسسة الإقتصادية في مصر , يتضح أن أي حديث عن تخلي مصر عن علاقتها الخاصة مع أمريكا , أو استبدالها بعلاقة خاصة جديدة مع روسيا هو كلام ساذج سياسياً وغير واقعي ولن يحصل . وأقصى ما يمكن أن يحصل هو قيام مصر بإعادة بعض التوازن لعلاقاتها الدولية من خلال تقوية التعاون مع روسيا بهدف إرسال إشارات لأمريكا لتشجيعها على إعادة بعض التوازن لعلاقتها الخاصة مع مصر واحترام المصالح المصرية . أمريكا تعلم ذلك وروسيا تعلم ذلك ولا داعي لبناء الأحلام على أوهام .
       الدرس الثالث هو أن ما يجري من تطورات في مصر قد تسبب في إعادة                                       النبض إلى شرايينها العربية بعد طول جفاف . فقد تولد شعور عام لدى معظم المصريين بعد أزمة حكم الإخوان المسلمين بأن العروبة ليست عبئاً أو حمولة زائدة على مصر, بل يمكن أن تكون قيمة مضافة قد تعطي لمصر أكثر مما تأخذ منها , وأن هنالك نهجاً ثالثاً بين نهج عبد الناصر المندفع نحو العروبة ونهج السادات ومبارك المبتعد عن العروبة .
        تتلمس مصر الآن طريقها العربي ودورها العربي ببطء , ولكن بثبات , خصوصاً وأن الموقف العربي الداعم لمصر مالياً وسياسياً ضد العدوان الإخواني والغضبة الأمريكية التي تلته دفاعاً عن الإخوان كان واضحاً وقوياً وملموساً في الشارع المصري . وبغض النظر عن الأسباب والدوافع خلف هذا الدعم العربي والتي يفسرها البعض بأنها جاءت رداً سعودياً وإماراتياً على التقارب الأمريكي – الإيراني , إلا أن الأمور تقاس بنتائجها والمصالح المشتركة والمتبادلة قد تكون البديل الأقوى للعلاقة الرومانسية والعقائدية التي سادت في الحقبة الناصرية.
        التعبير المصري , الرسمي والشعبي , عن هذا التحول نحو العروبة ما زال في بداياته . ومن الخطأ توقع المعجزات والقفز إلى النتائج في زمن قياسي , خصوصاً وأن مدى هذا التحول وكيفية التعبير عنه قد يأخذ أشكالاً مختلفة بين طبقات وقطاعات الشعب المصري .
       فالطبقات الشعبية والأقل حظاً اقتصادياً هي الأكثر استجابة وبشكل عفوي لهذا التحول .  وغالباً ما يترجم هذا الشعور من خلال الحنين إلى عهد الناصرية واستذكار أمجاد مصر في عهد عبد الناصر وقيادته للعالم العربي وافريقيا ورعايته لطبقات العمال والفلاحين ورفعه لشعار العدالة الإجتماعية , متناسين قضايا الديموقراطية والحريات باعتبار أن وضعهم فيما يتعلق بالديموقراطية والحريات لم يتحسن خلال عهدي السادات ومبارك , في حين أنهم خسروا الكثير من الامتيازات التي حصلوا عليها في عهد عبد الناصر . إن رد الاعتبار لعهد عبد الناصر يشمل كذلك الرؤيا الناصرية للعروبة والارتباط القومي والعداء للإخوان المسلمين.  
         أما الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة وطبقة رجال الأعمال فهي تميل إلى ترجمة علاقة مصر بالعالم العربي من منظور مصلحي بحت يسعى إلى إبعاد مصر عن أي مسؤولية تجاه بؤر التوتر العربي , بما في ذلك القضية الفلسطينية . وهم أقرب الى قبول فكر السادات وسياساته ومواقفه تجاه درجة العروبة التي يجب أن تتمتع بها مصر وما قد يترتب على ذلك من مسوؤليات .
        لذا فإن الحالمين من العرب الذين يتوقعون أن تعود مصر للعب نفس الدور القومي الذي لعبته خلال حكم عبد الناصر واهمون . فعقارب الزمن لا تعود إلى الوراء أبداً , والتاريخ لا يعيد نفسه . نعم , مصر سوف تلعب دوراً عربياً أكثر نشاطاً في المرحلة المقبلة ولكن من منظور مصري مصلحي وليس من منظور فكري أو عقائدي أو رومانسي .
        وأخيراً , قد نكون الآن أمام مصر مختلفه بعد أن خرجت من مخاض عسير كاد أن يودي بها . مصر ترغب بتغيير نفسها نحو الأفضل , لكن مشاكلها أكبر من قدرة أي حكومة على حلها, ومن حقها على الجميع أن تأخذ فترة لألتقاط الأنفاس وهي تستحقها . على العرب أن  يساعدوا مصر على أن تكون أكثر إقداماً نحو عروبتها وذلك بعدم الطلب منها ما هو فوق طاقتها, وعدم الطلب منها بالهرولة نحو المجهول عوضاً عن اتخاذ الخطوات الصحيحة المتأنية, وعدم الطلب منها أن تفعل ما هي غير قادرة عليه أو راغبة فيه وهو أن تضع مصالح الآخرين قبل مصالحها , وعدم السماح للكيانات الهامشية الصغيرة جداً من الأعراب بطعن الأخ الكبير من الخلف .