الاثنين، 3 فبراير 2014

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر-د. لبيب قمحاوي

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية
 وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر

بقلم                      
د. لبيب قمحاوي

        السوريون يقتلون السوريين وبوحشية ، والعراقيون يقتلون العراقيين وبوحشية ، وكذلك اللبنانيون والليبيون والمصريون واليمنيون والسودانيون ، هذا في الوقت الذي يستقبل فيه العديد من الحكام العرب ، ومنهم الفلسطينيون ، المسوؤلين الأسرائيليين بصدر رحب ، وفي بعض الأحيان بالعناق ! ماذا حصل لهذه الأمة ؟ وما الذي يجري حقيقة ؟ ولماذا ينجح العرب في قتل بعضهم البعض بكفاءة ووحشية ومثابرة منقطعة النظير ، ويفشلون في الدفاع عن أنفسهم ضد مخططات نابعة من رحم أعدائهم وتهدف إلى تدمير مصالحهم ومصادرة حقوقهم كما هو عليه الحال الآن ؟
       يتناسى الكثيرون في سعيهم المحموم نحو معرفة تفاصيل مايجري في جولات جون كيري والأفكار المتداوله بين أطرافها أن المشكلة هي في مبدأ المفاوضات نفسه أكثر منه في التفاصيل. المنطق يفترض أن لا يسعى أحد لصنع السلام وهو محتل ومهزوم ومأزوم ولا يملك قيادة تدافع عن حقوقه بالشراسة المطلوبة ، ناهيك عن استعدادها للأستسلام للباطل والأنحناء لمنطق القوة بسهولة .
       نقطة الأنطلاق إذاً في التعامل مع الهجمة الأمريكيه – الأسرائيليه الجديدة هي في التأكيد على أن لا مصلحه للفلسطينيين والأردن في الدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل بغض النظر عن التفاصيل لأنهم في وضع ضعيف مأزوم ومهلهل وبلا عمق عربي أو إسلامي مؤثر. ولكن هذا المنطق يفترض أمران : الأول ، أن يكون المواطنون الفلسطينيون والأردنيون قادرين على التأثير على من يحكمهم للأنصياع لرغبتهم تلك في الأحجام عن الدخول في مفاوضات نتائجها شبه محسومه ، وهذا أمر غير قائم . والثاني ، أن يتمتع الحكام المعنيين بدرجة من الحس الوطني تردعهم عن تقديم تنازلات في العمق لصالح أمريكا واسرائيل ، وهذا أمر غير قائم أيضاً . وفي كل الأحوال ، على الجميع أن يعي بأن اجترار الموقف التقليدي في معارضة مشاريع التسوية لقضية فلسطين أمر يتوقعه القائمين على تلك المشاريع وهو لن يَضُرﱠهم أو يُزعجَهم أو يثني من عزيمتهم على المضي فيما هم مقدمون عليه ما دامت تلك المعارضة تقليدية ومحصورة بالكلام والمسيرات والأجتماعات والشعارات ويسقط فلان ويعيش علان .
     الخطى الحثيثة نحو التسويات لم تأتِ فجأة أو من فراغ ، بل تعود لعقود مضت . والشاهد الأهم على هذا المسار هو المرحوم هاني الحسن - أحد مؤسسي وقادة حركة فتح البارزين - عندما أعلن في لندن عام 1991 بأن حركة فتح قد عملت لما يزيد عن عشرين عاماً حتى توصل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة القناعة الواقعية بالقبول بتسوية سياسية مع اسرائيل!
      لقد كان من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية مع اسرائيل الا بعد القضاء على نفوذ التجمعات الفلسطينية الرئيسية في الشتات وكسر ظهرها بحيث لا تعود قادرة على المعارضة الفعلية والمؤثرة لذلك المسار . وهكذا تم كسر ظهر التجمع الفلسطيني في الأردن عقب أحداث عام 1970 ، والتجمع الفلسطيني في لبنان خلال الحرب الأهليه التي ابتدأت عام 1975 وامتدت لمدة خمسة عشره عاماً ، انتهاءاً بالتجمع الفلسطيني في الكويت عندما انحاز ياسر عرفات عملياً تجاه العراق بعد احتلاله الكويت عام 1990 ، بالرغم من مطالبة القيادة الوطنيه الموحده للأنتفاضة  في ذلك الحين السيد عرفات بعدم اتخاذ أي موقف يمكن أن يُفَسَر بأنه انحياز لطرف ضد الأخر ، لأن الفلسطينيين يكافحون ضد الأحتلال وهم غير مُطَاَلبين بدعم أي طرف عربي ضد طرف آخر ، بل على جميع العرب دعم الفلسطينيين في انتفاضتهم . ولكن عرفات إختار أن يتجاهل تلك المطالب وكان ما كان وتم طرد الفلسطينيين من الكويت .
       وهكذا ، وتحت القيادة الحكيمة لحركة فتح ، تم كسر ظهر التجمعات الفلسطينيه الرئيسة الثلاث في الأردن ولبنان والكويت ، وأصبح الطريق ممهداً أمام الولوج في مسارات التسوية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو التي أسست السلطة الفلسطينيه .
        من المحزن والمؤسف حقيقة أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني المسلح هي نفسها التي اختزلته في أهداف انانية سلطوية متواضعه أدت إلى اختصار منظمة التحرير الفلسطينيه عقب اتفاقات أوسلو في " سلطة فلسطينيه " ، واختزلت هدف التحرير والأستقلال في حكم ذاتي برعاية وإشراف الأحتلال ثم تقهقرت في واقعها إلى الحد الذي تنازل فيه رئيسها ورئيس السلطة الفلسطينيه محمود عباس عن قبر والده في مدينة صفد الفلسطينية طوعاً ودون إكراه من أحد وبكل ما يحمله ذلك التنازل من مدلولات سياسيه كونه صادر عن رئيس السلطة الفلسطينيه .
        إن ثقافة السلام االمبنية على التنازلات هي إختراع فلسطيني فتحاوي تم تطويره مع الوقت ومع تطور الطموحات الأنانية السلطوية والفساد والأفساد ليصبح نهجاً بل وثقافة يؤمن بها معظم القائمين على الأمر الفلسطيني بعد أن تم استبعاد أو تصفية كل من يعارض ذلك النهج. وقد نتج عن هذه الثقافه الأستسلامية اختراعات وأفكار وشعارات تم طرحها وتسويقها بحيث أصبحت جزأ من الثقافة السياسية الفتحاويه الفلسطينيه . ومن أبرز هذه الأفكار ما تم استنباطه بخصوص القدس وذلك من خلال التلاعب بمسميات وحدود المدينه التي تم اختصارها أولاً وفي عهد ياسرعرفات في اصطلاح " القدس الشريف " الذي لا يعرف أحد معناه الحقيقي أو مدلولاته  السياسيه أو حدود ذلك " القدس الشريف " سوى أنه يمكن اختصاره عند الضرورة بالمسجد الأقصى . وفي عهد محمود عباس تم استعمال اصطلاح " القدس الكبرى " التي يمكن تقسيمها كيفما شاءت اسرائيل ويظل اسمها "القدس" حتى ولو كانت عبارة عن أحياء مثل " أبو ديس " مضافاً إليها المسجد الأقصى ، الى غير ذلك أفكار عجيبة غريبة تتشارك فيها أمريكا واسرائيل والسلطة الفلسطينيه والآن الأردن من خلال ولاية دينية غامضة الأهداف على الأماكن المقدسة في القدس .
       الآن وبعد أن إتضحت بعض معالم خيارات الحل الأمريكي – الاسرائيلي لقضية القدس ، تبقى قضية اللاجئين وحق العودة القضية الأكثر وعورة وصعوبة نظراً لأمتداداتها التي تشمل أكثر من دولة ، وأبعادها التي تغطي الشعب الفلسطيني أينما وجد في الشتات .
      يبدو أن الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الاسرائيلي تتمحور حول الألتفاف على هذه القضية من خلال تفكيكها قطعة قطعة ومعالجة كل قطعة على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي . والوسيلة تكمن في اتباع عدة خطوات ومسالك قد يكون منها طبقاً لما رشح عن الأفكار المتداوله بين أطراف المفاوضات ما يلي :-
أولاً : تجنب التعرض لقضية اللاجئين وحق العودة بشكل مباشر في اتفاق الإطار واعتبارهما لغماً يتطلب التعامل معه تفكيكه أولاً حتى لا ينفجر بمن يقترب منه .      
ثانياً : تفكيك قضية اللاجئين وتحويلها من قضية شعب الى مجموعات بشرية مقيمة في هذه             الدولة أو تلك ، وإفقادها بالتالي صفة الترابط الذي يجمعها كقضية تمثل شعباً فلسطينياً            واحداً فَقَدَ أماكن سكناه وأراضيه نتيجة لإنشاء دولة اسرائيل على جزء من أراضي فلسطين .
ثالثاً : تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية الى قضية إنسانية والعمل على حَلَها بالقطعة          وعلى هذا الأساس .
رابعاً : توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم بإعتبار ذلك خطوة انسانية وليس سياسية . وفي هذا         الأطار فقد يتم طرح ترتيب مشابه  للبطاقة الخضراء في أمريكا GREEN CARD )) بحيث يحصل اللاجئون ، كخطوة أولى ، على جميع الحقوق باستثناء السياسية ، وعلى أن يتم إعطاء كافة الحقوق في خطوة لاحقه . أي هضم الحقوق خطوة خطوة منعاً لردات الفعل .
خامساً : تسهيل وفتح باب الهجره الجماعيه لأعداد كبيره من اللاجئين الفلسطينيين الى دول غربيه قد يكون أهمها كندا ، مقابل تنازلهم بالكامل عن صفة اللجوء وما يترتب عنها من حقوق بما في ذلك حق العودة .
سادساً : السماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الى الأراضي الخاضعة لأشراف السلطة                  الفلسطينية واعتبار ذلك ممارسة نهائية لحق العودة الى فلسطين حسب القرار 194                الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحدة .
سابعاً : إعادة تفسير حق العودة بأنه يعني التعويض فقط بإعتبار ذلك أكثر واقعية نظراً                    لأستحالة عودة اللاجئين الى المناطق المحتله عام 1948 . وغالباُ أن ذلك سوف يتم               بموافقة السلطة الفلسطينية والأردن مضافاً إليها الدعم العربي المالي للتعويضات .
ثامناً : العمل على دفع التعويض الى حكومات الدول المضيفة للاجئين وليس للأفراد لتسهيل             عملية التنازل عن الحقوق في فلسطين وربط التوطين في ذهن حكومات الدول المضيفة          بقبض أموال التعويضات لجعل الأمر أكثر جاذبية وقبولاً .
تاسعاً : العمل على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن لشرعنة ما سيتم الأتفاق علية وبالتالي          إلغاء مضمون القرار 194 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحده والقاضي بالعودة           أو التعويض .
        ما نحن بصدده هو حل المشكلة الأسرائيليه من خلال تطبيع الوجود الأسرائيلي واعتبار اسرائيل دولة شرعية وليس كياناً غاصباً لأرض فلسطين ، وبالتالي إغلاق ملف القضية الفلسطينية بشكل نهائي .

       وعلى الشجعان السلام .....

غالب المسعودي - إلى طفلتي ألشقية.......

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / الزمن الجميل !!!

الجمعة، 24 يناير 2014

(يكولون غني أبفرح )- حامد كعيد الجبوري

(يكولون غني أبفرح )
                                      حامد كعيد الجبوري
        لم أجد أفضل من هذه العنوانة لموضوعتي التي أثارها أكثر من صديق تسائلوا  لماذا لا يزال المثقفون – شعراء وكتاب - لا يجسدوا بنتاجاتهم الأدبية التي يفترض أن تشيع البهجة والسرور لدى المتلقي ؟ ، ولربما أشاطرهم نفس الرأي وأضم صوتي لما يقولون ، ولربما أتقاطع معهم وبنفس درجة التأييد التي آمنت بها بطروحاتهم ، وهذا متأتي من حالة الصراع النفسي الداخلي للإنسان العراقي حصراً ، والسؤال إياه مكرر كثيراً ، وحينما سأل الشاعر الراحل (جبار الغزي) بنفس هذا السؤال أجابهم بهذه الكلمات التي أخذها منه الملحن (محسن فرحان) وأسندها بدءا للفنان ( قحطان العطار ) ومن ثم للفنان (حسين نعمه) ليطلقها لحنا لا تزال الذائقة تردده وباستمرار
                   أيكولون غني أبفرح     وآنه الهموم أغناي
                   أبهيمه أزرعوني ومشو    وعزوا عليّ الماي
                   نوبه أنطفي ونوبه أشب  تايه أبنص الدرب
                   تايه وخذني الهوه        لا رايح ولا جاي
                                         أيكولون غني أبفرح
                                  ******
                   دولاب فرني الوكت    وخميت الولايات
                   والغربه صاروا هلي      وخلاني الشمات
                   مابين شوك وصبر       ضاعن أسنين العمر
                                           أيكولون غني أبفرح
                               *************
      والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا هذا الحزن المتجذر الذي منفكَ ملازماً للعراقيين إلا ما ندر ، أللهواء الملوث بالحقد والضغينة والاستئثار بكل شئ له علاقة بذلك ؟، وهل أن الماء الذي نشربه وتستقيه جداولنا يحال لحزن وألم دائمين ؟، وهل أن التربة العراقية تنتج الهموم لنحصدها كما الحنطة والشعير ؟،ويروي التاريخ  أن الشاعر (الفرزدق) ذهب حاجاً لبيت الله الحرام ، وهناك التقى الأمام (الصادق ع ) ، فقال له أنشدني يا ( فرزدق ) ما قلته بجدي (الحسين ع) ، فبدأ (الفرزدق) يقرأ أشعاره للأمام ، فستوقفه الأمام قائلاً لا يا ( فرزدق ) بل أتلوها عليّ كما يتلوها العراقيون وبطريقتهم ، وكان له ما أراد وجرت عيونه حزناً لجده (الحسين ع) متأثراً بالطريقة التي تليت به القصيدة إياها كما يزعمون ،ومنهم من يقول أن الحادثة إياها جرت مع الأمام زين العابدين (ع) ، وأخر يقول أنها مع الأمام الرضا (ع) والشاعر دعبل الخزاعي ، ولتكن الحادثة مع أي منهم عليهم السلام فهذا يؤكد ما أذهب أليه من أن الحزن العراقي متأصل فينا حد النخاع ، وأشيع عنا هكذا في كل البلدان العربية ولم نستمع لأغنية تطربنا إلا إذا كانت حزينة
               عاش من شافك يبو حلو العيون      صار مده أمفاركينه وماتجون
             لا خبر والبعد طال ألمن أنودي السؤال كلنه مدري أشلون عشرتنه تهون 
ولو أردتُ السؤال قائلاً لو أنكَ استمعت للفنانة اللبنانية الكبيرة (فيروز ) وهي تردد (دخلك ياطير الوروار ) أو (حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي) ترى هل تثير لك هذه الأغنيات هما ووجعا  ؟ أم تترك لك حيزاً من الفرح والنشوة  وهي على النقيض من الأغاني العراقية ؟ ، علما أن الأغاني العربية أكثر رقة وجمالية بالمفردة المستعملة ، ومثلاً متواضعاً لذلك (شتريد) ومعناها واضح ولكن ألا تلاحظ معي قسوة وحدة السؤال مقارنة باللهجة الشامية (شو بتريد سيدي ) التي أجدها أكثر رقة من لهجتنا الدارجة، ولا أعرف لماذا أعتقد أن الآلات المستعملة بالغناء العراقي أكثر إيلاماً وحزناً من الآلات الموسيقية الأخرى ، ومثل ذلك (الناي والربابة) اللتان لهما ذلك الإيحاء الخفي لاختراق شغاف القلوب ، ولا أنكر أن البحبوحة المفتعلة التي أرادها النظام السابق حقبة السبعينات خلقت لنا نصوصاً مميزة دالة على الفرح وأشاعته ( ياطيور الطايره ردي لهلي  ياشمسنه الدايره أبفرحة هلي سلميلي ومري بولاياتنه ) أو ( تانيني ألتمسج تانيني يهنا يم طوك الحياوي ) ، أو (يا خوخ يازردالي بذات مالك تالي ، تانيتك ومن حومرت صار الجني العذالي) والأمثلة كثيرة ، ويضاف سبب لما قلناه غير الصراع السياسي الذي شهده العراق ، وتحوله من احتلال بغيض لآخر أبغض ، ومن ظلم الحكام المتعاقبون ظالم يعقب ظالماً آخر (فالوطن العربي الممتد من البحر الى البحر سجان يمسك سجان) كما أطلقها الرمز العراقي الأبي ( مظفر النواب ) ، والسبب الذي أعنيه هو الفقر وشفيعي لذلك ما قاله سيد البلغاء (علي ع) (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) لقناعته التامة ما يؤله الفقر على المجتمع عامة والفقير خاصة ، ولدي أكثر من شاهد لذلك متحدثاً عن نفسي بداية ، أنا من عائلة أقل من معدمة فكل الأطفال بعمري – حينها - ينتظرون عيد الله الذي سيحل عليهم – رمضان وعيد الحج – إلا أنا فماذا سألبس في هذا العيد ووالدي لا يملك من دنياه إلا كرامته ، لذا كنت ألتحف حزني ولا أغادر موضعي أيام الأعياد ، وليس لنا بيت إلا غرفة واحدة مستأجرة لا يستطيع دفع إيجارها البالغ دينار واحد سنوياً ، لم أتناول فطوراً طيلة طفولتي إلا الخبز والشاي ، وبعد أن أشتد عودي وأصبحت بالثالث ابتدائي اصطحبني جاري رحمه الله (رديف البنه) معه للعمل في البناء لقاء أجر مقداره (260) فلساً فقط أيام العطل الصيفية لأنفقها على عائلتي ولأوفر منها ملابسي وملابس أخوتي المدرسية ، طفل في الثالث ابتدائي لا يستطيع حمل ( طاسة ) البناء فأوكلوا لي مهمة حمل ( الطابوق ) على قدر استطاعتي ،ورغم فقر آباؤنا وعدم تمكنهم من إعالة أبنائهم فهم ينجبون التسعة والعشرة من الأبناء متأسين بقول الرسول الأعظم ( ص ) الذي يقول (تناكحوا وتكاثروا لأباهي بكم الأمم) ، ولست على قناعة بأصل هذا الحديث ورواته فبأي أجساد عارية سيباهي (محمد ص) الأمم الأخرى ،وأن صح الحديث فيقع اللوم على الميسورين لأنهم لم يخرجوا من أموالهم الصدقات المفروضة ، ولأني الكبير بين أخوتي فكنت الوحيد الذي لا تصبغ ( دشداشته ) بصبغ النيلي أيام العيد أكثر الأحيان ،لأن والدي أضطر لشراء ( دشداشة ) لي بسب أن ( دشداشتي )  السابقة أصبحت أقل من قياسي ولا أعرف من أين أقترض مالها ،  أما ( دشداشتي )  الحالية ستؤول لأخي الأصغر ، والأوسط من أخوتي للأصغر منه وهكذا ،  وسبب صبغ ( الدشاديش ) بصبغ النيلي لنوهمّ أنفسنا على أنها جديدة ، وبعض العوائل تصبغ ملابسها بالأسود أيام عاشوراء لعدم تمكن تلك العوائل من شراء الملابس السوداء الجديدة ، ولكم أن تتصوروا ما يتركه صبغ النيلي على أجسامنا الغضة الطرية ولقد جسدت ذلك شعراً و أقول
             معاميل الحزن فصل علينه أهدوم      ما ماخذ قياس وراسها أبعبه
           وذا ثوب الحزن يطلع كصير أطويل    تبادل ويّ أخوك وبالك أتذبه
وأن أضفت للفقر اليتم المبكر وفقدان المعيل وترك والدك لك حملاً ثقيلاً (كوم لحم) كما يقول المثل الشعبي وبخاصة أن كن إناث فماذا سيكتب الشاعر عن ذلك ولم أجد لذلك أجمل مما كتبه الشاعر الكبير ( كاظم إسماعيل الكاطع) مصوراً نفسه بحلم تسائل معه (أبو الطيب المتنبي) عن أحواله وأحوال الناس فيقول
     سألني عن جديد الشعر هالأيام   والناس أعله ظيم الصابها أشتكتب
       أشتكتب والجديد البي فرح جذاب   والكلك جديد أيفرحك يجذب
      أمي من الزغر تنكل حطب للنار    ويفوّر جدرها ومدري شتركب
     مصباح اليتم صبتلي بالماعون       ومن ضكت الحزن شفت الحزن طيب
 ملحه أهدومنه مالات عشر أسنين  موسمران بس هنه علينه ألوانهن تكلب
  مبعد يا قطار الشوك وين أتريد  إخذنه أوياك بلجي أبدوستك وياهم أنجلب
   أخذني وياك شاعر كل رصيده أجروح  يفتحلك أحساب أبأي مدينة طب
كيف يكتب (الكاطع) للناس وهذا هو حاله والأكثر من ذلك حينما يكبر ويتزوج وينجب يفقد زوجه وأبنه البكر بعام واحد فكتب قصيدة (بير المنايا) يقول فيها
             تغطيت وبعدني الليلة بردان   لأن مويمي أنت فراشي بارد
             وينك يادفو ياجمر الأحزان   أحس أبدمي بالشريان جامد
             يامهر الصبر ماكضك عنان    نسمع بس صهيلك وين شارد
            كل ساع وتكضني جفوف بطران   وأنا جلد العليه أقماشه بايد
وخير من جسد الحزن والألم والمعانات العراقية الشاعر الكبير (عريان السيد خلف) ، ومعلوم أن (عريان) من عائلة شبه ميسورة ووالده سيد قومه ويملك (علوة) لبيع وشراء الحبوب إلا أن صروف الدهر مجتمعة أفقدته أمه رضيعاً ، فكفلته أخته الكبرى وسرعان ما فقدها أيضاً ، وأخذته زحمة العمل السياسي وتصدعاتها ، فنظر للمآساة العراقية بعين شاعريته الكبيرة مطلقاً قصائد عصماء تجسد الواقع العراقي المتردي بكل مفاصل الحياة ، واضعاً نصب عينيه ألآم العراقيين مبتدءاً من ستينات القرن المنصرم وصولاً للانتفاضة الشعبانية -(الحيطان منخل والدروب أحفور ،..... هنا مصحف جلالة هنا حمامة بيت/ هنا وصلة جديلة أبجف طفل مبتور)- ومابعدها ،ولكني سأورد أبياتاً من قصيدة (صياد الهموم) لعلاقتها بموضوعتي
  ضمني أبليل ثاني وحل حلال الخل شحيحه أفراحنه ودكانها أمعزل
البسمه أنبوكها من الآه والياويل      وصياد الهموم أبدفتره أيسجل
حاطنك ضواري أمهذبات الناب      ولا مخلص يعينك لو ردت تجفل
مصخت والضماير غبراها الغيض     وأمتد الدرب وأم الفرح مثجل
 مدنف فوك وكري إبطارف الصعبات  وصكور الروابي العالية أتزبل
مشكلتي الفرح ماعرف بابه أمنين    وبثوب الحزن من زغر متمشكل
ناورني الدمع بأول مدب عالكاع    وناغمني الحزن وّي رنة الجنجل
ضميت الصداقه أجروح تدمي أجروح وحرزت الوفه ولن مايها أموشل
دحل شعرك حبيبي الليل خل أيطول تره خيط الفجر يستعجل أمن أيهل
        وتساؤلكم المشروع هذا لماذا لا يغادر الشعراء القصائد الحزينه واستعاضتها بقصائد مبهجة ؟ ، أتعلمون أن مثل هذا  الطرح أثار حفيظة الشاعر المرحوم (صاحب الضويري) وشنها حرباً ضروس على شاعر كتب قصيدة ناغى بها ما تريدون فقال له مؤنباً وموجهاً وعاتباً عليه لأنه كتب هذا النص فيقول له
         إي يمسعد تضحك بكل السنون    ومن زمان أحنه الضحج ناسينه
         ومن زمان أمشجل وأبره الضعون     واليكع ماليه مهجه أتعينه
        ياعيوني الماجرت مثلج أعيون        وياجفن يركه الدمع صوبينه
        خاف غصن الشوك ينهيه الهلاج    أحنه منحر للهوه أمخلينه
        أذكر الله وحوبت الوادم وراك      المحمي لابد ما تزل رجلينه
        ومن حقي وحقكم أيضاً أن نتساءل ونقول ، هذا الذي أوردناه كان في عهد نظام شمولي دكتاتوري عسكر كل شئ ، ولكم أن تتصوروا الحروب الرعناء التي أقحم فيها الطاغية المقبور العراق والعراقيين ،وأورثهم الضحايا والفقر والقبور الجماعية ، وما أنتجته من قصائد مجدت الموت والظلاميين حتى وصلت هذه العسكرة لكرة القدم (هاي مو ساحة لعب ساحة قتال) ، وبما أن هذه الشرذمة لفظت أنفاسها ورحلت فلماذا تصرون على البقاء على هذه القصائد المليئة بالدماء والموت والذبح ؟ ،وجواباً لهذا التساؤل أقول ، نعم لقد تغيرت الحالة الاجتماعية والمعاشية للشعب العراقي وأصبحنا نمارس الديمقراطية التي لم نعرفها سابقاً ، ولكن هل أن الديمقراطية إياها يمارسها السياسي وهو مؤمن بها ؟ أم أنها مطيته الجديدة لقيادة البلاد والعباد ؟ وبعض من المسئولين الجدد يقول كنا وقت الطاغية (اليحجي أيموت) والأن (إحجي حتى تموت) وهذه مفارقة عجيبة ، فالنظام السابق كمم الأفواه والقادم الجديد سد أذنيه كي لا يستمع لنا ، فلم يبقى للأديب إلا التنديد المباشر او المبطن لتوعية الجمهور لذلك ، والكل يعرف الشاعر الراحل (رحيم المالكي) الذي رآى القادم الجديد غير مكترث بما يريد الشعب ، مانحاً نفسه المميزات التي لم يحصل عليها أغلب الساسة في دول العالم ،ولم يجد الشاعر إلا (حسنه ملص) وهي أشهر من أن أعرف بها ليخاطبها متخذاً من المثل الشعبي (أياك أعني وأسمعي ياجاره) فيقول
       ياهو المنج أشرف حتى أشكيله    ياحسنه ملص دليني وأمشيله
وشاعر آخر (علي الربيعي) يقول (وين أتروح وعدمن تنزل / الخوف أرحم من أبن آدم / أبروحك يتشظه وما يكتل / كلها أبمنجل عمرك تحصد / محد بين أسنينك يشتل ) ، ومرة أخرى يقول (ها ياوطن يابو المراجيح / كل مره ترسم شمس وبحضنك أتطيح / ذابل وصوتك يصيح / لا تطيح ، لا تــــــطيــــح / خشبه أنت أشورطك صرت المسيح) ، ولأن الشاعر (الربيعي) فقير  ولديه ما يسد قوته فقط لذا خاطبه الآخرون ليحسن من حالته المعاشية ولم يجد إلا الدماء ليبيعها ودلالة الدماء هنا الحياة ولكونه أراد الحياة لمواطنيه ووطنه لذا بدء يبيع الدماء لهم فمنع من ذلك لسبب( كالوا نفحص / ردوا بعد أشويه وضحكوا / رجعوه ما ينفع للناس / هذا الصنف إيهبط السوك / نسبة دمكم كله أحساس ) وهذا الدم الحساس لا ينفع مصالحهم ومآربهم الشيطانية ، وشاعر آخر (عماد المطاريحي) إمام الفقراء يقول (آنه أحس نفسي نبي هذا الزمان / معجزاتي هدومي بيض / أبوسط وادم كلها غيم / وماكو ضير من تطالبني أبكتاب آنه قرآني ضمير ) ، ولم يقل هذا إلا بعد تأكده القاطع من أن جيوب الكثير من  الساسة والقائمون على أمور الدولة ملأت بأموال بطرق أغلبها غير شرعية وعن طريق السرقة والشركات الوهمية التي أبتكروها ، وحتى الغالبية من الأحزاب العلمانية والدينية شيعية أو سنية اتخذت من الدين غطاءاً لمصالحها ولكم أن تتصوروا أن النظام سقط منذ سبعة سنيين أي سبعة حجج لبيت الله الحرام وصاحبنا المسئول في الأحزاب الدينية الإسلامية شيعية أو سنية حج بيت الله ثمان مرات ضارباً عرض الحائط فتاوى من أوصله لهذا المكان الذي لم يصل أليه بشهادة جامعية ، وأن أمتلك تلك الشهادة الجامعية فأغلبهم قد زورها على الطريقة الإسلامية  .
        سأختم موضوعتي بالقول مجدداً أن هذه الأرض العراقية لا تلد إلا الألم والعناء وها هو الشاعر (رياض النعماني) الذي غادر العراق هرباً من الدكتاتورية قال لنا نفس مقولتكم (علينا أن نذبح الظلام بالضياء وعلينا زرع شجرة جديدة بدل البكاء على شجرة ذابلة وعلينا أن ندحر الموت بالحياة وأن نوقظ القلوب بالحب لنبني للأطفال سعادة دائمة) وكان يكتب نصوصه الشعرية وهو بعالم الغربة بعيداً عن المعاناة العراقية فيقول ، (من تكبل القداح كله إيهب علي / وثيابي زفة ألوان / عبرتني الشناشيل وهلال المناير والنخل / للكاظم أتعنيت / وأعبرت الجسر / خبرهم أبات الليلة ويّ أمكحل الشمام / وخيار الشواطي  / صفكه وهلاهل / والفرح طول النهر / يامدلول تانيتك عمر / حنيت باب البيت / وبوستك حدر التراجي من الزغر) بهذه الشفافية كتب الشاعر (النعماني) قصائده بالغربة ، ولكنه عندما عاد للعراق مستقراً به ثانية كتب ما نصه (أتباوع على بغداد تبجي ويبجي ليها البجي / بيها الليل حفره والبيوت أكبور / واحد على واحد ميت ومنتجي / كابوس راكس غارك أبكابوس / ياناس وين الناس / وين الهوى وذاك العمر / جنيت يابغداد أدور بيج عنج / تمشي الكهاوي أتدور أبكل درب / أتريد واحد يكعد ومالكت / وحدج وحيده والأحزاب أشكثر) .  


الأربعاء، 22 يناير 2014

ما كل ما يُعرف يُقال؟ العرب في خدمة الأمن الإسرائيلي-بقلم: د. لبيب قمحاوي

ما كل ما يُعرف يُقال؟ العرب في خدمة الأمن الإسرائيلي
بقلم: د. لبيب قمحاوي
lkamhawi@cessco.com.jo

         حماية أمن إسرائيل من الفلسطينيين قد تصبح مهمة أردنية بغطاء عربي . ومع أن الحكمة الدارجة تقول بأن "ما كل ما يُعرَف يقال "، إلا أنه في حالة البيع والشراء الجارية الآن في المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، بإطلالة أردنية تحولت إلى مشاركة كاملة، فإن كل ما يُعرف يجب أن يُقال في محاولة استباقية لدرء المخاطر . وهذا المقال، كالذي سبقه، يهدف إلى قرع ناقوس الخطر قبل أن يقع الفأس في الرأس .
        ما هو مطروح على الفلسطينيين والأردن في المفاوضات الجارية الآن هو إغلاق ملف القضية الفلسطينية وليس حلها. وهنا تكمن خطورة ما نحن مقبلون عليه خصوصاً وأن جميع الأطراف المعنية في المفاوضات تتصرف كأنها في عجلة من أمرها ولأسباب مختلفة، ابتداءً من السلطة الفلسطينية ومروراً بأمريكا والأردن.
       تشير المعلومات الواردة من داخل أروقة المفاوضات إلى أن خطة جون كيري تعتمد على صياغة فضفاضة غير حاسمة وتحتمل التأويل والتفسير لأربعة ملفات فرعية تشكل صلب اتفاق الإطار الذي يُفتًرضْ أن يؤدي إلى إغلاق الملف الرئيسي وهو القضية الفلسطينية . والملفات التي يقترحها كيري ويدور البحث حولها  هي :-
      أولاً : ملف المستوطنات و تبادل الأراضي بين المناطق المحتلة عام 1967 والمحتلة عام 1948. وهذا الموضوع يهدف إلى استبدال أراضي المستوطنات الرئيسية في الضفة الغربية بأراضٍ في منطقة المثلث المحتلة عام 1948 والمزدحمة بالسكان العرب الفلسطينيين ، والذي يعني تغييراً ديموغرافياً في الاتجاهين يساهم مساهمة فعالة في دعم "يهودية دولة اسرائيل" من خلال افراغها من سكانها الفلسطينيين العرب .
      ثانياً : ملف القدس : ويهدف إلى القبول بفكرة القدس الكبرى تمهيداً لاقتسامها كعاصمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بحيث يُعطى الفلسطينيون ضاحية أبو ديس والمناطق المحيطة بها مع جسر موصل إلى المسجد الأقصى والصخرة باعتبارها جزءاً من القدس، ويأخذ الاسرائيليون القدس الحقيقية وكل ما تبقى .
     ثالثاُ : ملف اللاجئين : حيث يتم إعطاء معاني وأبعاد جديدة لطبيعة الحلول لمشكلة اللاجئين باستعمال إصطلاحات مثل "الحلول المريحة" والتي لا يعلم أحد ماذا تعني وإلى أين ستؤدي بقضية اللاجئين .
   رابعاً : ملف الأمن : ويتعامل مع الحدود ووادي الأردن وأماكن تواجد القوات الإسرائيلية والأمريكية والأردنية والدور الأمني المناط بالأردن في الأراضي الفلسطينية والمناطق الحدودية .
        إن حالة التهالك والتكالب الرسمي الفلسطيني و الرسمي الأردني على اتفاق نهائي سوف يضع إسرائيل في أفضل موقع يمكن أن تحلم به . فإسرائيل تتفنن في وضع الشروط للقبول وللاستمرار في المفاوضات دون أن تلتزم بأي تنازلات حقيقية ، بل والأهم من ذلك أنها انتقلت من الشروط السياسية والأمنية إلى الشروط التاريخية . فهي تريد تغيير التاريخ من خلال اعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية الدولة العبرية ، وهي تريد تزويرالشرعية والإرادة الدولية من خلال إرغام الفلسطينيين والعرب على القبول بإلغاء "حق العودة" . كل هذا مقابل إعادة تسمية الاحتلال  بشئ آخر قد يكون عبارة عن "حكم ذاتي مُطَوَّر" ، واستعمال إصطلاحات مطاطة توحي بشيء ولكنها لا تعني أي شيء، مثل أن تنص الوثيقة النهائية للمفاوضات الجارية على (احترام رغبة الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لهم)، أو (تـَفـَّهُم رغبة الفلسطينيين في أن تكون لهم بالنتيجة دولة ذات سيادة قابلة للحياة ...) إلى آخر ذلك من جمل غير مفيدة . نحن إذاً أمام احتمال أن تؤدي هذه المفاوضات إلى استبدال أدوات الاحتلال والقهر من اسرائيلية إلى عربية وقد تكون أردنية تحت غطاء عربي وبتكليف عربي ، خصوصاً وأن دور الأردن في المفاوضات لن يتعدى تعبئة الفراغات كما تحددها إسرائيل وأمريكا ، وهي في الغالب فراغات أمنية تهدف إلى استبدال الدور الأمني لقوات الاحتلال الإسرائيلي بدور أمني لقوات أردنية .
       إن بقاء الأمور على حالها وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية مثل "احتلال" و"قوات احتلال" أفضل ألف مرة للفلسطينيين وقضيتهم من بقاء الاحتلال فعلياً وإعطاءه صفة آخرى وبشكل يوحي كذباً وكأن الاحتلال قد زال ، وهذا ما يسعى إليه الأمريكيون والإسرائيليون من وراء المفاوضات الجارية حالياً. هذا بالضبط ما هو مطروح الآن على الفلسطينيين .
      أما فيما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل حق العودة فالمطروح هو إستبداله بالتعويض فقط ، ودفع ذلك التعويض للحكومات مع أن هذا لا ينسجم مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 1948/12/11 والقاضي بما يلي :-
 أولاً : إعطاء كل لاجئ فلسطيني الحق بالعودة إلى منزله في المنطقة التي هُجِّرَ منها في فلسطين عام 1948، ولم ينص على العودة إلى فلسطين بشكل عام كما هو مطروح الآن من عودة بعض الفلسطينيين إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة حصراً . من خَرَجَ من يافا يعود إلى منزله في يافا ومن خَرَجَ من حيفا يعود إلى منزله في حيفا ومن خرج من صفد يعود الى منزله في صفد ....... الخ .
“... the refugees wishing to return to their homes [in Palestine] and live at peace with their neighbours should be permitted to do so at the earliest practicable date”.                                  
ثانياً : التعويض المنصوص عليه في القرار المذكور هو ذو شقين :-
الشق الأول : يدفع التعويض للشخص الذي يختار أن لا يمارس حقه في العودة وذلك عن ممتلكاتـه وما يعود إليه في فلسـطـين ولـيس مقابـل التنازل عـن حقه في فلسطـيـن كوطن ولكـن عـن تـلك الممتلكات تحديداً ، أي أن بيع حق اللاجئ الفلســطيني في وطنه فلسطيـن غير مشمول في  مبدأ التعويض ، وهذا الحق لا يملك أحد التنازل عنه.
الشق الثاني : يـُدْفَعُ التعويض للاجئين الفلسـطينيين عن أي تلف أو ضرر أو تدمــير أصاب ممتلكاتهم في فلسطين وذلك لإعادتها كما كانت. ولا يشمل هذا الشق التعويض عن مصادرة تلك الممتلكات ، وبالتالي لا تعترف الجمعيـة العامة للأمم المتحدة في هذا القرار بحق حكومـة اسرائيل في مصادرة ممتلكات اللأجئين الفلسطينيين طبقاً لقانونها المتعلق بأملاك الغائبين .
 “... compensation should be paid for the property of those choosing not to return and for loss of or damage to property....”
ثالثاً : ما علاقة الحكومات إذا بالتعويض ومَنْ طرح المقولة اللئيمة بأن " التعويض يدفع للحكومات "؟ التعويض حسب قرار 194 يُدفع فقط عن الأملاك الشخصية في فلسطين لكل لاجئ فلسطيني وهو اذا تعويضٌ للأشخاص مقابل أملاكهم الشخصية اذا اختاروا عدم العودة ، أو مقابل صيانة واصلاح أملاكهم إذا أصابها ضرر. التعويض لا يشمل بيع الحق في الوطن . وفي كل الأحوال، ما علاقة الحكومات بقبض التعويضات عن أملاك شخصية إلا إذا كانت النية المبيتة هي الالتفاف على القرار 194 بالتآمر مع قوى مثل أمريكا واسرائيل لبيع فلسطين نفسها وليس الأملاك الشخصية.
       تـُوَفِرُ الأوضاع السائدة حالياً في العالم العربي البيئة المثالية لفرض تسوية مجحفة بحق الفلسطينيين . مصر الدولة العربية الأكبر منشغلة تماماً في ترتيب أمورها الداخلية، وسوريا تخوض حرباً أهلية مدمرة ، والسعودية خائفة ومرعوبة ، والعراق مخلخل الى حد التفكيك ودماؤه تسيل يومياً، ولبنان وليبيا واليمن عيونها إلى الأمام ولكنها تسير إلى الخلف، والجزائر في غيبوبة . هل من وقت أفضل من هذا لفرض تسوية جائرة وبائسة على الفلسطينيين خصوصاً ، وعلى العرب عموماً، في ظل وجود استسلام مخجل لدى القيادة الفلسطينية المهترئة للقيام بدور ما يبرر وجودها ، وقيادة أردنية مستعدة لقبول الأمر الواقع والثمن معاً ؟ مَنْ مِنَ العرب يقبل أن يحمل وزر بيع فلسطين من خلال المساهمة في مثل هذه التسوية وأن يكون طرفاً فيها؟
       يَعْتـَبِرُ الكثير من الفلسطينيين أن البلاء الذي يتعرضون له الآن هو في الأساس من صنع السلطة الفلسطينية وسياساتها في إعطاء التنازلات المجانية إلى الحد الذي أفقد عدوهم الإسرائيلي الرغبة في التوصل إلى حل عادل معهم أو، في حقيقة الأمر، أي حل على الإطلاق. ولكن السلطة لا تعترف بذلك بل على العكس هي تبرر هرولتها نحو المفاوضات، وحسب الشروط الأمريكية والإسرائيلية ، من خلال المنطق القائل بعدم وجود خيار آخر أمامها وأن عدم القبول بما هو مطروح عليها الآن من قبل أمريكا وإسرائيل سيؤدي إلى الفوضى وانهيار الوضع في المناطق الخاضعة لأشرافها !!
      إن التفاعلات على مسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية تبدو أسرع من قدرة الكثيرين على الاستشراف والتحليل . كل أطراف التسوية ابتداء من السلطة الفلسطينية ومروراً بالأردن وأمريكا يتصرفون وكأنهم في عجلة من أمرهم ، وان كان لأسباب مختلفة، خصوصاً وأن السلطة الفلسطينية على ما يبدو قد حسمت أمرها لصالح الموافقة على إغلاق ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إنطلاقاً ، وكما أوضحنا سابقاً ، من الفرضيات الخاطئة بأن الخيارات تكاد تكون معدومة وأن ما هو مطروح الآن ، في حال رفضه، قد يصبح عزيز المنال لاحقاً ، متناسين أن هذه الروح الانهزامية الاستسلامية للسلطة الفلسطينية هي التي أوصلت وضع الفلسطينيين إلى ما هو علية الآن . أما اسرائيل فيبدو أنها راغبة في إغلاق ملف الصراع العربي – الإسرائيلي (ولا أقول حل الصراع) بأرخص الأثمان, حيث أن الطرف الاسرائيلي في عجلة من أمره لخلق وقائع جديدة على الأرض لتعزيز مكاسبه وزيادتها, وهو يكاد لا يصدق أن الفلسطينيين والعرب قد وصلوا إلى هذه الدرجة من الاستسلام والخنوع والانحطاط السياسي.
       ولكن يبقى السؤال الكبير ، لماذا يريد الأردن أن يكون طرفاً في مثل هذه المفاوضات ؟ ولماذا يخرج علينا عبدالله النسور ، رئيس حكومة الأردن ، كل يوم بحديث وفتوى عن حق حكومة الأردن في التفاوض نيابة عن اللاجئين المقيمين في الأردن وحقها في قبض قيمة التعويضات عن الممتلكات الخاصة بهم مفترضاً بذلك أن لا أحد يريد العودة وأن الجميع يريد التعويض وهذه نقطة الخطر الذي أشرنا إليها مسبقاً.
        الحديث بهدوء عن موضوع ملتهب أمر صعب ولا يمكن التحكم بنتائجه . ولكن دعونا نبدأ بالسؤال الأهم الذي يطرح نفسه ، ما هو المقصود "بمصالح الأردن العليا" عند الحديث عن مفاوضات السلام مع إسرائيل ؟ وما هي مصالح الأردن العليا التي تتطلب من الأردن الدخول في عملية مفاوضات مهزومة ومنهزمة سلفاً ؟
       هنالك محاولة واضحة من قبل النظام الأردني لابتزاز مواطنيه من خلال ربط "مصالح الأردن العليا" بحتمية ووجوب الدخول في المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ، والايحاء بأن كل من يعارض ذلك إنما يعمل ضد مصالح الأردن !! ولكن هل يستطيع أي مسؤول أردني أن يخاطب الشعب بصراحة موضحاً ما هي تلك المصالح العليا ؟ لا أحد يعرف ماهو المقصود بهذا الأصطلاح العاطفي والغامض . دعونا نَعْرِفْ ونـُعَرِّف تلك المصالح حتى نستطيع أن نخلق موقفاً وطنياً عاماً منها . فالمطلوب هو حوار وطني ليس بين شخصيات الحكم الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً ، وإنما بين مكونات المجتمع الأردني دون أي إقصاء لأحد ، حتى يتم التوافق على تحديد ماهية المصالح الوطنية الأردنية ويتم الاتفاق عليها ، ولتصبح هي الإطار الحامي والمحدد للمفاوض الأردني ، لمنعه من الانفراد والتفرد والتسيب والشطط والبيع والشراء وتنفيذ إرادة الغير القادمة من خارج الحدود. ولكن وللأسف فإن ما يجري الآن في الأردن في هذا السياق هو عبارة عن دعوات بعضها معلن وبعضها غير معلن،  محصورة بنخب مختاره وعلى شكل ندوات ومؤتمرات ومجالس عصف فكري هي أقرب إلى "حلقات الذِكرْ" التي يردد فيها الحاضرون نفس الكلام ، وتهدف إلى محاولة خلق رأي عام أردني يقبل بمزاعم الدولة وتبريراتها للدخول في المفاوضات على أساس حماية " مصالح الأردن العليا" دون أي محاولة جدية لايضاح معنى وطبيعة تلك المصالح .
         لماذا يريد الأردن أن يكون طرفاً في مثل هذه المفاوضات ؟ نريد أن نعرف لماذا وهل يريد الأردن أن يقبض ثمن فلسطين ؟ أم أن يده مغلوله وأمره في يد آخرين ، وفي هذه الحالة عليه أن يقر ويعترف علناً بذلك ؟ مرة أخرى وبصراحه نريد أن نعرف ما هي مصالح الأردن العليا التي تتطلب من الأردن الأنزلاق طوعاً في هذا المستنقع ؟

الثلاثاء، 21 يناير 2014

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / ( داعش ) حقيقة أم خيال !!!

نبوخذنصر-هنري و. ف. ساكس ترجمة مشتاق طالب محمد/ بغداد

نبوخذنصر

هنري و. ف. ساكس
ترجمة مشتاق طالب محمد/ بغداد

ولد نبوخذ نصر حوالي سنة 630 . توفي حوالي سنة 561 ق.م .
هو ثاني ملوك السلالة الكلدية التي حكمت بلاد بابل ، وهو أشهر ملوك هذه السلالة ، حكم من حوالي سنة 605إلى حوالي سنة 561 ق.م . اشتهر بقوته العسكرية ، وبروعة عاصمته مدينة بابل ، وبدوره الهام في التاريخ اليهودي .
نبوخذ نصر الثاني هو أكبر أولاد نبوبلاصر وخليفته ، ونبوبلاصر هو مؤسس الإمبراطورية الكلدية . تأتي معلوماتنا عنه من الكتابات المسمارية ، ومن الكتاب المقدس ، والمصادر اليهودية المتأخرة ، ومن الكتـّاب الكلاسيكيين . اسمه باللغة الأكدية نابو- كودورّي - أوصُّر ، ومعناه " نابو يحرس وريثي " .
بالرغم من أن والده لم يدعِّ أن له نسبا ً ملكيا ً ، لكن نبوخذنصر ادعى أن نرام – سين ، الحاكم الأكدي الذي عاش في الألفية الثالثة ، هو جده الأعلى . ولم تُحدد سنة ميلاده بدقة ، ولكن من غير المرجح أن يكون قد ولد قبل سنة 630 ق.م ، إذ تقول إحدى الروايات أنه بدأ حياته العسكرية شابا ً في حوالي سنة 610 ق.م ، حيث ظهر باعتباره مديرا ً عسكريا ً . وأول من ذكره هو والده ، الذي أشار إلى مشاركته في أعمال ترميم معبد مردوك ، الإله الرئيسي لمدينة بابل والإله الوطني لبلاد بابل .
في سنة 607 / 606 ، عندما كان نبوخذ نصر وليا ً للعهد ، شارك والدَه في قيادة جيش في الجبال الواقعة في شمال بلاد آشور ، وتولى بعد ذلك قيادة عمليات من أجل الاستقلال وذلك بعد عودة نبوبلاصر إلى مدينة بابل . و بعد هزيمة البابليين على أيدي المصريين في سنة 606 / 605 ، تولى قيادة الجيش بدلا ً من والده وتمكن بقيادته الفذة من تحطيم الجيش المصري في كركميش و حماة ، مما أدى إلى إحكام سيطرته على سوريا كلها . و بعد وفاة والده في 16 آب 605، عاد نبوخذ نصر إلى مدينة بابل و ارتقى العرش خلال ثلاثة أسابيع . و هذا التثبيت السريع لولايته و كونه تمكن من العودة إلى سوريا بسرعة يعكسان سيطرته القوية على الإمبراطورية .

في حملاته على سوريا و فلسطين ابتداءً من حزيران إلى كانون الأول سنة 604، قدمت الدويلات المحلية و من بينها مملكة يهوذا ، خضوعها لنبوخذنصر ، كما إنه احتل مدينة عسقلان . و خلال السنوات الثلاثة التالية شن نبوخذ نصر المزيد من الحملات لتوسيع السيطرة البابلية على فلسطين ، و كان في جيوشه مرتزقة يونانيون . و في آخر تلك الحملات ( 601 / 600 ) اصطدم نبوخذنصر بجيش مصري ، و كانت خسائره كبيرة ؛ و أدت هذه الهزيمة إلى ارتداد دويلات معينة عن التبعية له ، من بينها مملكة يهوذا . كما أدت إلى انقطاع في سلسلة الحملات السنوية خلال سنة 599 / 600 ، حيث بقي نبوخذنصر في بلاد بابل لتعويض خسائره في العربات . و استؤنفت العمليات لاستعادة السيطرة في نهاية سنة 598 / 599 ( من كانون الأول حتى آذار ) . و قد تجلت مقدرة نبوخذنصر على التخطيط الاستراتيجي بهجومه على القبائل العربية شمال غرب الجزيرة العربية ، تمهيدا ً لاحتلال مملكة يهوذا . ثم هاجم مملكة يهوذا بعد سنة و احتل القدس في 16 آذار 597 ، و نفى الملك يهوياكين إلى مدينة بابل . و بعد حملة أخرى قصيرة على سوريا في 595 / 596 ، كان على نبوخذنصر العمل في شرق بلاد بابل لصد غزو ، ربما كان من عيلام ( الواقعة حاليا ً جنوب غرب إيران ) . و يمكن الاستدلال على شدة الضغوط التي تعرضت لها بلاد بابل من حدوث تمرد في أواخر 593 / 595 تورطت فيه عناصر من الجيش ، و لكن نبوخذنصر تمكن من القضاء على التمرد بقوة و تمكن من القيام بحملتين أخريين على سوريا خلال سنة 593 .
ثمة المزيد من النشاطات العسكرية التي قام بها نبوخذنصر ، لم تذكرها الحوليات التاريخية التي وصلت إلينا بل ذكرتها مصادر أخرى ، و خصوصا ً الكتاب المقدس ، الذي يذكر هجوما ً آخر على القدس و حصارا ً لمدينة صور ( استمر 13 سنة ، طبقا ً للمؤرخ اليهودي فلافيوس يوسفيوس ) بالإضافة إلى تلميحات عن غزو مصر . انتهى حصار القدس باحتلالها في سنة 586 / 587 و سَبْي ِ مواطنيها البارزين ، مع حدوث سبي آخر في سنة 582 . و في هذا المجال اتبع نبوخذنصر الأساليب التي كان أسلافه الآشوريون قد اتبعوها من قبل .
كما اتبع نبوخذنصر ، و هو مدرك تماما ً لما يفعل ، سياسة توسعية ، متأثرا ً بالتقاليد الإمبراطورية الآشورية ، مدعيا ً أنه مخوَّل من الملكوت العالمي لمردوك ، و مصليا ً من أجل " أن لا يكون له معارض من أفق الأرض حتى السماء " . و تذكر بعض الرُقـُم المسمارية أنه حاول في سنة 567 / 568 غزو مصر ، الأمر الذي مثل ذروة سياسته التوسعية .
بالإضافة إلى كونه مخططا ً تكتيكيا ً و استراتيجيا ً بارعا ً اشتهر نبوخذنصر أيضا ً في مجال السياسة الدولية ، كما يتبين ذلك من إرساله سفيرا ً ( لعله نبونائيد ، أحد خلفائه ) للتوسط بين الميديين و الليديين في آسيا الصغرى . و توفي في حوالي سنة 561 و خلفه ابنه أويل – مردوك (المذكور في سفر الملوك الثاني) .

وفيما عدا كونه قائدا ً عسكريا ً ، كان النشاط الرئيسي الذي مارسه نبوخذنصر هو إعادة إعمار مدينة بابل . إذ أتمَّ ووسَّع التحصينات التي كان والده قد بدأ بإنشائها ، وبنى خندقا ً كبيرا ً وسورا ً دفاعيا ً خارجيا ً ، وعبَّد بحجر الكلس شارع الموكب المخصص للاحتفالات ، وأعاد بناء وتزيين المعابد الرئيسية ، وحفر القنوات . كما إنه زعم أنه " الرجل الذي علَّم الناس كيف يقدسون الآلهة الكبرى " ، واحتقر أسلافه الذين بنوا لهم قصورا ً في أماكن أخرى غير مدينة بابل ولم يزر تلك الأماكن إلا في أعياد رأس السنة .
لا يُعرف الكثير عن حياته العائلية إلا تلك الرواية التي تذكر أنه تزوج من أميرة ميدية ، دفعه حنينها إلى موطنها الأصلي أن يبني لها جنائن تشبه التلال . ولم يُحدَّد بدقة موضع البناء الذي يمثل هذه الجنائن المعلقة لا في النصوص المسمارية ولا في البقايا الآثارية .
وبالرغم من الدور الفاجع الذي لعبه نبوخذنصر في تاريخ مملكة يهوذا ، غير أن الروايات اليهودية نظرت إليه نظرة إطرائية في الغالب . فقد زُعِم أنه أمر بحماية إرميا ، الذي اعتبره أداة الرب لمعاقبة العصاة ، وعبَّر النبي حزقيال عن وجهة نظر مشابهة بخصوص الهجوم على مدينة صور . و في الأبوكريفا([3]) في الفصل الأول من سفر عزرا هناك موقف مماثل من نبوخذنصر ، حيث اعتـُبـِر أداة الرب ضد الخاطئين ، وفي سفر باروك اعتـُبـِر الحامي الذي تجب الصلاة لأجله([4]) . وفي سفر دانيال (في العهد القديم ) في قصة بال والتنين ( وهي من الأبوكريفا ) يظهر نبوخذنصر باعتباره رجلا ً يحبذ انتصار الحق والدفاع عن الرب ، ولكن المستشارين السيئين يضللونه .
ليس ثمة تأكيد مستقل للرواية الواردة في سفر دانيال و التي تحدثت عن إصابة نبوخذنصر بالجنون لسبع سنوات ، ولعل هذه الرواية نشأت من تفسير مبني على فهم خاطئ للنصوص المتعلقة بما حدث في أيام نبونائيد ، الذي أبدى انحرافا ً واضحا ً بهجره مدينة بابل لعقد من الزمن قضاه في بلاد العرب .
في أيامنا هذه يُنظر إلى نبوخذنصر باعتباره فاتحا ً ملحدا ً ؛ وتعقد المقارنات بينه وبين نابليون . وقصة نبوخذنصر هي الأساس الذي بنيت عليه أوبرا " نابوكو " التي وضعها جوزيبي فيردي ، كما إن جنونه المفترض هو الفكرة الأساسية في لوحة " نبوخذنصر " التي رسمها وليم بلايك .

4) ورد في سفر نبوءة باروك ( 1 : 11 – 17 ) : " وصلُّوا من أجل حياة نبوكدنصر ملك بابل وحياة بلشصَّر ابنه لكي تكون أيامهما كأيام السماء على الأرض . فيؤتينا الرب قوة و ينير عيوننا و نحيا تحت ظل نبوكدنصر ملك بابل و ظل بلشصر ابنه و نتعبد لهما أياما ً كثيرة و نحن نائلون لديهما حظوة . و صلوا من أجلنا إلى الرب إلهنا فإنـَّا قد خطئنا إلى الرب إلهنا و لم يرتدَّ سخط الرب و غضبه عنا إلى هذا اليوم ( .... ) و قولوا : للرب إلهنا العدل و لنا خزي الوجوه كما في هذا اليوم كرجال يهوذا وسكان أورشليم و لملوكنا ورؤسائنا وكهنتنا وأنبيائنا وآبائنا . لأنا خطئنا أمام الرب و عصيناه "



1) منشور على القرص المضغوط " الموسوعة البريطانية 2004 " .
2) الأستاذ الفخري للغات السامية ، الكلية الجامعة ، كارديف ، جامعة ويلز . مؤلف كتاب " عظمة بابل " و غيره . { كتاب " عظمة بابل " ترجمه إلى العربية الدكتور عامر سليمان ، و نشرته مؤسسة دار الكتاب للطباعة و النشر ، الموصل ، 1979 } .
3) هي عدد من أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس ، أو فصول من يعض الأسفار موجودة في الترجمة اليونانية أو اللاتينية و غير موجودة في الأصل العبري ، والمسيحيون مختلفون حولها ، إذ لا يعترف بصحتها البروتستانت بينما يعترف الكاثوليك و يقرون بها.

گلگامش