قصة قصيرة
عادل كامل
عندما قرأت خبر وفاتي في أكبر الصحف، وعن مرض عضال، وتم تشييعي إلى مثواي الأخير، صدمت، في بادئ الأمر، لكنني هدأت نفسي وحسبت ان نشر الخبر محض مزحة أو خطأ من الأخطاء التي تحصل. على أنني توصلت إلى قناعة مفادها أنني لست المقصود .. فأنا أتنفس .. وأدخن .. ومازلت مولعا ً بقراءة الصحف والكتب الخاصة بالغابات، وما يخص المتحجرات، والفضاءات النائية، بعيدا ًعن اهتمامات زملائي، وما زلت أذهب إلى السينما أحياناً .. وأحلم عندما لا أكون مراقباً.
لكنني عندما راجعت تلك الصحيفة، والتقيت السيد المسؤول عن النشر، أكد لي صواب الخبر، وأكد بثقة عالية أنني أنا ـ هو ـ المقصود، وأن صحيفتهم لا تقع في مثل هذه الأخطاء.
- ماذا تقول؟
- هذا ما أقول .. وهذا هو الصواب.
غادرت الصحيفة، في ذلك الصباح، وذهبت إلى دائرتي.
فقالت موظفة الاستعلامات لي:
- تفضل ؟
- قلت متسائلاً:
هل منعوني من الدخول إلى دائرتي؟
- كلا !..
- حسناً .. لماذا .. أذا ً ..؟
قاطعتني:
- لكنك لم تعد على قيد الحياة ..
صرخت:
- من قال ذلك؟
- الخبر! ..
ثم أضافت، بهدوء:
- أنهم يتحدثون عن رحيلك .. جميعاً .. وليس الذنب ذنبي في الأخير.
غادرت الدائرة .. الدائرة التي عملت فيها أكثر من ربع قرن .. وذهبت إلى مقهى شعبي .. جلست وحيداً .. دخنت ..وشربت الشاي .. ورحت أسأل نفسي: لماذا حدث هذا كله؟ لم أجب. وصرت في حالة مربكة أن لم تكن مقرفة. فانا لم أمت. ولكنهم لم يسمحوا لي حتى بدخول دائرتي .. وحتى الصحيفة التي نشرت الخبر أكدت صوابه .. وكدت أصدق ما حدث .. بل كدت أستسلم للخبر الذي هزني. لقد كانوا يقولون أنني أعاني من كآبة غامضة، ومثيرة للضحك، أي الضحك الخيالي القاتل..وكانوا يقولون، بشماتة، أنني آخر من يرحل عن .. هذا .. العالم! وكانوا يقولون، بشماتة، أني سأعيش إلى الأبد.! وكنت أدرك، على نحو غامض، تلك السخريات المقصودة .. فأنا، منذ ربع قرن، كيفت حياتي .. وصرت أتنزه وحيداً مع نفسي، وأحيانا ً بمعزل عنها.
بالطبع لست خيالياً أو مصابا ً بمرض الوهم .. ، ولا بالفصام، حتى ان تلك اللحظات التي كنت أختنق فيها ليست سوى مشاعر معتمة تهبط عليَّ من المجهول، ثم بعدها، ترحل إلى مكان آخر .. فأعود إلى عزلتي العذبة وأرتب حياتي اليومية، مع العائلة .. والأهل .. وفي الغالب لا أتظاهر بالقناعة .. فأنا ولدت قنوعاً .. حتى أصبحت قناعتي مصدر إزعاج لعدد لا يحصى من زملاء العمل أو الجيران أو سكان الزقاق.
على كل، غادرت المقهى .. وذهبت إلى البيت. لم أفكر في شراء صحف جديدة. خفت، للحق، أن أطلع على أشياء أكثر فنتازيا .. ثم لماذا اقرأ وأنا قد مت. ضحكت ملء فمي .. وضربت الأرض وهرولت .. توقفت أتأمل الناس .. يا لهم من ظرفاء .. أتراهم يعتقدون بأنني رحلت إلى العالم الذي لم يعد منه أحد؟ تعرق جسدي كله .. فقد انتابني وسواس مرعب لو كانوا يشعرون، مثلي، بأني مجرد خيال أو ضوء أو ظل.
أسرعت. لقد شعرت بأنهم يفكرون بقتلي: يا للرعب .. فأنا لم أؤذ أحداً قط طوال حياتي. لماذا أؤذي غيري؟ لكني أسرعت .. باتجاه البيت. تخلصا من هذا الرهاب .. أو هذه الحالة التي أفسدت عليَّ سلامة التنفس .. فأنا في هذه الحالة أعاني من الاختناق وكأن هواء العالم نفد تماماً .. فأضطر لبذل جهد خارق كي لا أسقط. ربع قرن وأنا أتصّور أن شيئاً ما سيحصل .. مثل الموت الغامض الذي يحدث للمخمورين. وأرتج جسدي مرة ثانية .. وفكرت بحالة الموت .. أتراني مت حقاً؟ هرولت .. أن أفضل طريقة للتخلص من هذا الوضع ..هو الهرولة.. إنها رياضة تقلل من حالة الرعب..لكنها رياضة إنسانية! وأنا أحب الهرولة..لدرجة أني شاهدت البشر يهرولون، جميعاً.. يهرولون.. حتى كدت أنسى السبب..ربما يهرولون لأنهم موظفون.. أو ربما كان هناك قرارا ً ما أو توجيهات بهذا الصدد.. من ذا الذي يعرف.. ثم أنني رجل ميت!
على أنني
بدل ان اذهب إلى البيت، عدت إلى دائرتي.. فانا أحب الوظيفة حد الموت.. ولا استطيع
مفارقة غرفتي .. والكرسي العنيد الذي لم استبدله.. والناس.. والدخان... والثرثرة.
ومرة
أخرى كنت أتحدث مع موظفة
الاستعلامات:
ـ أنا السيد ..
ـ اعرف.. أنا اعرف انك السيد..
قاطعتها:
ـ حسنا ً.. دعيني ادخل إذا ً .. أرجوك..
لكنها قالت بهدوء:
ـ آسفة ..
وأردفت في الحال:
ـ ثم أني لست المسؤولة ..أبدا ً.. أيها السيد..
ـ من المسؤول إذا ً..؟
لم تجب..أو ربما قالت أشياء لا تحصى .. لكنها صفعتني
بقولها:
ـ هل تكذب الصحافة؟!
اهتز جسدي كله وصرت ارتجف ..لا .. كلا .. وأضفت: لا ..لا
.. لا.
ثم غادرت
دائرتي حتى أنني نسيتها.. بل نسيت أني كنت حيا ً بين الأحياء. أمس أو قبل شهر كان
صديقي البرفسيور الاثاري يسألني عن عالم ما بعد الموت.. فقلت له: ماذا عن هؤلاء
الذين لم يرجع منهم أحداً..لا شيء..لا أحد يحق له الكلام. ثم أنهم هناك..هل هم في
الفضاء أم في الأرض؟
لا أعرف..الذي أعرفه أني ما
أزال أتنفس. وأدخن. والذي أعرفه على نحو واضح، أنني ما زلت أهرول. هو ذا الرعب..كلا، عليّ أن أتحول إلى
مخلوق آخر..ماذا؟ كدت
أموت..نعم..نعم..ماذا تقول
لنفسك يا رجل؟ أهذا سؤال أم..أم.. ؟
وعاودني الدوار مرة ثانية، حتى حسبت أني غير قادر على المشي. هرولت. فعدت أرى، وأشم رائحة الأرض..بل كدت أشم رائحة الغيوم..وهكذا هرولت مرة ثانية، مثل الطوابير البشرية..دون أن التفت إلى جهة ما..كنت أشعر بسعادة غامضة..بل بمسرة لا أسباب لها..صحيح أنني لم اسقط، ولم أتحول إلى (فرجة) للناس، ألا أني لم أعد اعتقد ان حياتي أفضل من حياة البشر في العالم السفلي؛ العالم الذي لم يعد منه احد.دخنت، وتأملت المارة: فتاة تغازل فتاها، وعجوز وحيدة تمشي في الطريق، أطفال يرقصون، لكنني وجدت نفسي ابكي، لماذا طردوني من العالم؟ قلت لنفسي: أنا لا أحب إلا الأشجار، والأسماك، والمتحجرات، والنباتات التي علمتني لغتها ؛اجل، قلت قبل سنوات: أنا الوحيد، بين أقراني، الذي تعلم لغة الأغصان وهي تشكو من البرد، والبراعم عندما يحل الليل، أجل، وقد اكتشفت أنها تشعر بالخجل أيضا ً، من ذا الذي يعرف ذلك؟ ان هناك لغة للأعشاب البرية، وأخرى للورود، لغة لا يعرفها إلا رجل مخبول مثلي! وكدت أموت رعبا ً يوم سمعت النبات يكلمني، فخجلت، لكن البراعم كبرت، والأشجار شاخت، والمتحجرات تفتت، وأنا لم اهرم! صرخت فجأة:
وعاودني الدوار مرة ثانية، حتى حسبت أني غير قادر على المشي. هرولت. فعدت أرى، وأشم رائحة الأرض..بل كدت أشم رائحة الغيوم..وهكذا هرولت مرة ثانية، مثل الطوابير البشرية..دون أن التفت إلى جهة ما..كنت أشعر بسعادة غامضة..بل بمسرة لا أسباب لها..صحيح أنني لم اسقط، ولم أتحول إلى (فرجة) للناس، ألا أني لم أعد اعتقد ان حياتي أفضل من حياة البشر في العالم السفلي؛ العالم الذي لم يعد منه احد.دخنت، وتأملت المارة: فتاة تغازل فتاها، وعجوز وحيدة تمشي في الطريق، أطفال يرقصون، لكنني وجدت نفسي ابكي، لماذا طردوني من العالم؟ قلت لنفسي: أنا لا أحب إلا الأشجار، والأسماك، والمتحجرات، والنباتات التي علمتني لغتها ؛اجل، قلت قبل سنوات: أنا الوحيد، بين أقراني، الذي تعلم لغة الأغصان وهي تشكو من البرد، والبراعم عندما يحل الليل، أجل، وقد اكتشفت أنها تشعر بالخجل أيضا ً، من ذا الذي يعرف ذلك؟ ان هناك لغة للأعشاب البرية، وأخرى للورود، لغة لا يعرفها إلا رجل مخبول مثلي! وكدت أموت رعبا ً يوم سمعت النبات يكلمني، فخجلت، لكن البراعم كبرت، والأشجار شاخت، والمتحجرات تفتت، وأنا لم اهرم! صرخت فجأة:
ـ كفى، من ذا الذي يعذبني..؟
لم
أجد من يكلمني..لقد شعرت شعور المطرود من العالم. شعرت كأنني طردت من الفردوس بالرغم
من أنني لم احلم بالحصول على هذا الامتياز، ولماذا احصل عليه وباقي البشر يرسلون
إلى الجحيم! .بيد أنني أحسست وكأن الناس
لا علاقة لهم بي حتى لو كنت ميتاً، وقد أصبح وجودي
وعدمه سيان.
وكنت أقف أمام باب بيتي، مصادفة، واتجهت إلى الداخل، لكن السيدة زوجتي، وهي الوحيدة التي تعرف أنها فاقت زوجة سقراط نذالة، وخسة، وبلادة، وجهلا ً، ورداءة، فقد قالت لي:
- ماذا تفعل..؟
- لقد عدت..
- لا يمكن..لا أستطيع أن أصدق..لقد رحلت...
- ماذا أفعل؟
- عد إلى مكانك..لا ترعبنا...
- أين أذهب؟
- إلى عالمك..
- لكني لم أمت..
- لكنهم جميعاً يتحدثون عن موتك يا زوجي..
- وأنت ِ؟
- اتركنا الآن..
- متى نتكلم إذا ً؟
- في وقت آخر..
- متى؟
- في وقت آخر..
- متى؟
- في وقت آخر؟
وعدت أمشي وحيداً..ماذا أفعل؟ سألت نفسي، ثم هرولت مثل الجميع..مثلهم تماماً..على أني فكرت طويلاً في الذي حصل لي..كلا..وهل كنت أفكر؟ شعرت بدوار. وأتذكر أني سقطت أو كدت أسقط أو أني تعثرت وسقطت فوق أرض صلبة..صلبة جداً..ثم نهضت..لا أتذكر أين ذهبت..أو أين يمكن أن أذهب بعد أن ملأ الظلام المدينة. لم يسألني أحد عن هويتي أو يعترض طريقي لدرجة أني صدقت الخبر الذي لم يعد مزحة..إلا أن قناعتي جعلتني أصدق أن الخبر كان قد نشر قبل أكثر من ربع قرن..وليس يوم أمس..فأنا قد مت منذ..منذ.
صرخت: كلا.
لأن ثمة فكرة براقة، وغامضة جالت في خاطري..ومضت تلك الفكرة تتوغل في رأسي، وأنا أتأمل صمت الليل وهو يتلاشى مع أمواج النهر..النهر الذي أعرفه وأحبه منذ نصف قرن..أي منذ ولادتي تماماً، في سن المراهقة، يوم كان أعظم تسلية لنا..تلك الفكرة التي راحت تكبر، مثل بذرة آخذت تنمو..وتنمو..لتصبح، في لحظات، شجرة آن أوان قطاف ثمرها..المر..أو المر حد الحلاوة التي لا توصف..الحلاوة المستحيلة. كنت أتكلم مثل خطيب وحيد في جمهور ميت..أو مثل ميت كان يخطب في ملايين الأحياء، أو الذين سيولدون، أو الذين لا بد ان يولدوا في يوم من الأيام..تلك الفكرة ومضت من الظلام العميق للأزمنة ..من العمق السري الملغز للحياة والموت..من الوهم الأبعد..والخيال الخصب الممتزج بكراهية لا حدود لها..عفواً بالضجر المقدس الذي ينتابني إبان لحظات الإحساس بنشوة الحياة وغوايات جذلها النائي. سخف. للحق همست في نفسي: سخف أن يقتل المرء نفسه..و..ومجاناً..
وأخذت أضحك، للمرة الأولى، منذ يومين. كنت أضحك ملء صدري..ملء روحي. أضحك بلا أذى..أضحك وأنا أستعيد فكرتي بالتخلص من الحياة..من هذا الجسد..ومن الأشياء التي لا يمكن أن توصف ألا بالمذلة، والصماء..حسناً..قلت بصوت مسموع، أمام النهر الهادئ:
- حسناً..أنا الذي سيؤكد صواب الخبر..أنا، وليس أي إنسان آخر.
وكنت أقف أمام باب بيتي، مصادفة، واتجهت إلى الداخل، لكن السيدة زوجتي، وهي الوحيدة التي تعرف أنها فاقت زوجة سقراط نذالة، وخسة، وبلادة، وجهلا ً، ورداءة، فقد قالت لي:
- ماذا تفعل..؟
- لقد عدت..
- لا يمكن..لا أستطيع أن أصدق..لقد رحلت...
- ماذا أفعل؟
- عد إلى مكانك..لا ترعبنا...
- أين أذهب؟
- إلى عالمك..
- لكني لم أمت..
- لكنهم جميعاً يتحدثون عن موتك يا زوجي..
- وأنت ِ؟
- اتركنا الآن..
- متى نتكلم إذا ً؟
- في وقت آخر..
- متى؟
- في وقت آخر..
- متى؟
- في وقت آخر؟
وعدت أمشي وحيداً..ماذا أفعل؟ سألت نفسي، ثم هرولت مثل الجميع..مثلهم تماماً..على أني فكرت طويلاً في الذي حصل لي..كلا..وهل كنت أفكر؟ شعرت بدوار. وأتذكر أني سقطت أو كدت أسقط أو أني تعثرت وسقطت فوق أرض صلبة..صلبة جداً..ثم نهضت..لا أتذكر أين ذهبت..أو أين يمكن أن أذهب بعد أن ملأ الظلام المدينة. لم يسألني أحد عن هويتي أو يعترض طريقي لدرجة أني صدقت الخبر الذي لم يعد مزحة..إلا أن قناعتي جعلتني أصدق أن الخبر كان قد نشر قبل أكثر من ربع قرن..وليس يوم أمس..فأنا قد مت منذ..منذ.
صرخت: كلا.
لأن ثمة فكرة براقة، وغامضة جالت في خاطري..ومضت تلك الفكرة تتوغل في رأسي، وأنا أتأمل صمت الليل وهو يتلاشى مع أمواج النهر..النهر الذي أعرفه وأحبه منذ نصف قرن..أي منذ ولادتي تماماً، في سن المراهقة، يوم كان أعظم تسلية لنا..تلك الفكرة التي راحت تكبر، مثل بذرة آخذت تنمو..وتنمو..لتصبح، في لحظات، شجرة آن أوان قطاف ثمرها..المر..أو المر حد الحلاوة التي لا توصف..الحلاوة المستحيلة. كنت أتكلم مثل خطيب وحيد في جمهور ميت..أو مثل ميت كان يخطب في ملايين الأحياء، أو الذين سيولدون، أو الذين لا بد ان يولدوا في يوم من الأيام..تلك الفكرة ومضت من الظلام العميق للأزمنة ..من العمق السري الملغز للحياة والموت..من الوهم الأبعد..والخيال الخصب الممتزج بكراهية لا حدود لها..عفواً بالضجر المقدس الذي ينتابني إبان لحظات الإحساس بنشوة الحياة وغوايات جذلها النائي. سخف. للحق همست في نفسي: سخف أن يقتل المرء نفسه..و..ومجاناً..
وأخذت أضحك، للمرة الأولى، منذ يومين. كنت أضحك ملء صدري..ملء روحي. أضحك بلا أذى..أضحك وأنا أستعيد فكرتي بالتخلص من الحياة..من هذا الجسد..ومن الأشياء التي لا يمكن أن توصف ألا بالمذلة، والصماء..حسناً..قلت بصوت مسموع، أمام النهر الهادئ:
- حسناً..أنا الذي سيؤكد صواب الخبر..أنا، وليس أي إنسان آخر.
ثم
بدأت أدخن، فبعض المنتحرين
الكبار لا يجازفون بفعلتهم إلا بعد الاستمتاع بدخان سيكار
يتميز بمرارة سحرية!..فأنا كنت أريد أن أثار لحياة مضت..لهذا رحت أدخن..ما ألذ أن
يشعر المرء بأنه حر، في لمحة واحدة مسروقة من
الزمن، أنه يدخن.. بل يتنفس هواء الليل، ويشم رائحة النهر، ويرى الأشجار، والأشباح،
ذلك النخل..وتلك المخلوقات الأسطورية التي كفت عن حوارها معي..والأسماك
المنقرضة..أن الليل وحده كان يقدر مدى ما أعاني من صراخ مكث غاطسا ً في أعماقي..الليل
الذي شجعني، بنبل ساحر، على اتخاذ قراري.
تقدمت من النهر..كانت الضفة غرينية..تقدمت خطوة، خطوة..وبهدوء..ذلك لأنني كنت أريد البرهنة لنفسي على أنني لم افقد شجاعتي تماما ً..فتقدمت. يا أيها الكون كم أنا خفيف، مثل طيف، وشفاف مثل غيمة، ومثل نسيم هواء الفجر، مثل براعم ربيع لن أراها بعد هذا اليوم.
لكنني، فجأة، سمعت حركة من خلفي..فكدت ارمي بجسدي إلى الماء، لولا..لا أعرف ماذا حدث لي..وقبل أن استدر، أحسست بأصابع تمسك بي، من الجهات كلها، وتضغط عليّ.. تضغط عليّ وبقوة. لم أنطق..لم تتح لي فرصة الكلام..لأن تلك الأيدي، ولا أعرف عدد أصابعها، كانت قد قذفتني إلى الماء..قبل..قبل.. ان أتلاشى وأزول!
تقدمت من النهر..كانت الضفة غرينية..تقدمت خطوة، خطوة..وبهدوء..ذلك لأنني كنت أريد البرهنة لنفسي على أنني لم افقد شجاعتي تماما ً..فتقدمت. يا أيها الكون كم أنا خفيف، مثل طيف، وشفاف مثل غيمة، ومثل نسيم هواء الفجر، مثل براعم ربيع لن أراها بعد هذا اليوم.
لكنني، فجأة، سمعت حركة من خلفي..فكدت ارمي بجسدي إلى الماء، لولا..لا أعرف ماذا حدث لي..وقبل أن استدر، أحسست بأصابع تمسك بي، من الجهات كلها، وتضغط عليّ.. تضغط عليّ وبقوة. لم أنطق..لم تتح لي فرصة الكلام..لأن تلك الأيدي، ولا أعرف عدد أصابعها، كانت قد قذفتني إلى الماء..قبل..قبل.. ان أتلاشى وأزول!
16/3/1986