الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

د.شوقي الموسوي-فنان وناقد تشكيلي-4× حوار




4× حوار
 د.شوقي الموسوي
فنان وناقد تشكيلي
    ثمة شراكة حداثوية في انتاج النص البصري بين مؤلف النص (الفنان) ومفسره (المتلقي) ساعدت على اعادة انتاج المعنى .. فتعددت التأويلات بفعل تعددية القراءات لحظة الاشتباك مع النص التشكيلي ...؛ حيث نجد ان هذه الشراكة اعتمدت على قدرة الفنان العراقي على وجه الخصوص على الابتكار ومن ثم الابداع فضلاً على قابلية وفاعلية المتلقي على تفكيك وتركيب المعنى وإعادة صياغته وفق مايمتلكه من تراكمات الامس معرفية كانت ام بصرية ،لأجل استرداد المعنى الغائب . هذه التعددية في القراءات وجدناها حاضرة في معرض أربعة فنانين عراقيين ينتمون الى جيل واحد ، جمعتهم قاعة حوار ببغداد (2012) فقدموا تجارهم المحتفلة بالشحنات العاطفية الذي احتواها فضاء معاصر اعتمد الرؤية الذاتية في طرح الافكار فتعددت الامكنة وتكاثرت الأزمنة  وتوحدت موضوعياً بحدود تداعيات الجسد والانفلات من المعاني الظاهرة باتجاه الاعماق .
أسامة حسن : ملامح وأقنعة
      حيث تمسك الفنان أسامة حسن بطاقات اللون الرمزية في تجربته الاخيرة في المعرض عندما التزم بتأكيد الايقاع الحركي في بنية التكوين العام لأجساده الحالمة لأغلب مشاهده التصويرية المحتفلة بالتعبير والتعبيرية على حساب التقرير أو التشبيه .. فنلاحظ ان الجسد بشكل عام وملامح وجوهه بشكل خاص قد هيمن على تجربة الفنان ؛ اذ تم استنطاق الصمت اشارياً والبوح عن المسكوت عنه ، فانتج تكوينات محتفلة بالرومانسية والتعبيرية ذات النزعة الانسانية الخالصة ، تترجم المعاني والقيم الانسانية الجوهرية القابعة خلف الاقنعة الى ملامح دراماتيكية ترفض النسيان . هذه التراكيب الوجدانية التي يتجاور بها الرجل مع المرأة في جسد واحد في أغلب اعمال الفنان أسامة حسن وجدناها قد أعطت ثمارها في البوح بالذكريات البكرية وبمختلف الابعاد السايكولوجية (الحب – الخوف – العشق – الحياة – الموت – الامل ..) للكشف عن الاسرار والمشاعر المؤجلة التي تؤكد الامساك بالفكرة او القيمة الجمالية لمعنى الوجدان بعيداً عن تأثيث الجسد المادي لانتاج فضاءات رحبة للآخر تسيح به الى مناطق الاعماق .
حيدر صدام : اشارات الجسد بين التجريد والتعبير :
      بعيداً عن التفسيرات المباشرة نجد الفنان حيدر صدام في تجربته الاخيرة في قاعة حوار قد انتج أسئلته النبيلة التي امتلكت مشروعيتها جمالياً  في اللحظة المعاصرة ، محاولاً استنطاق أجساده زمانياً  عندما احتكم الى التجريد والتعبير والترميز لترسيخ مبدأ الشفافية في الحوار مع الآخر والمنطلقة بفعل التسطيح والتحزيز والتلصيق والتخريم والتكثيف في اللون والخط على المستوى التقني والاظهاري من أجل تشييد جماليات ذات دلالات رمزية تمتلك خصائص حضورها فتكشف عن الاعماق . الفنان حيدر صدام بانتهاجه الاسلوب التعبيري التجريدي وجدناه قد عمق أفكاره المثالية الى حد ما والتي أطاحت بقوانين المرئي المادي المحتفظ بالتفاصيل منذ ادراكه لوحدة التعبير فنلاحظ ان موضوعة الجسد العاري (رجل وامرأة) ذات الطابع الحركي (الرقص) قد تسيدت في تجربته المتأخرة ؛ حيث حاول التعبير عنها رمزياً من خلال تسطيحها لاجل تطهيرها من اللواحق المادية للتعبير عن الحالات الوجدانية المحتفلة ايضاً بالرومانسية التي تخرج من الشيئية باتجاه الشمولية .فالفنان حيدر سعى الى تبسيط مشاهده بقصدية واعية تتبنى مهمة توسيع النظام العلاماتي المتمرحل بالذاكرة البكرية من الطبيعي الى المجرد ..كمحاولة من قبل الفنان الى اضفاء بعض اشارات المثال والمثالية على مرئياته المفعمة بالحركة بحثاً عن الحريات .
زياد جسام :طقوس وانطباعات وجدانية 
    ثمة خطاب رومانسي واضح المعالم في تجربة الفنان زياد جسام قد تواجدت بقوة في المعرض ، منح الآخر صوراً للروح بفعل تداخل فعل الانطباع مع التعبير ، فأكسب مشاهده قيماً جمالية تعتمد تشكيل فضاءات لونية هارمونية تحتضن الاجساد المتعانقة (رجل وامرأة) بفعل لحظة القـُبلة التي وجدناها تتكرر فتخترق الافكار وجدانياً  فيتم احالة المُعلن (الايقون) المتمثل بالاجساد الى قيمة وجدانية تستنشق حالة الوجد والهيام وبعض من الفرح برغم الاحتلال !! فتلامس الروح هذه اللحظات فترتقي بالوجدان الى مستويات الوطن .هذه الغنائية التي استعان بها الفنان زياد جسام في تأثيث تكويناته قد امتلكت عفويتها أدائياً وجمالياً وثقافياً فيصبح الجسد هنا الوسيط الذي يحوي الانفعالات باعتباره جسداً انفعالياً متفاعلاً برمته مع المحيط بحثاً عن لحظة التوازن ؛على اعتبار ان الفنان قد تيقن بان حواس الجسد تتجه بالذهن الى المحيط الخارجي لأجل الشعور بالحالة الوجدانية التي تدرك وجودها لحظة الوجد .فالفنان في هذه التجربة قد اطلق العنان لمخيلته بحثاً عن التكوينات التي تمارس طقوسها لمقاومة الصمت الذي يحيط به .
مراد ابراهيم : ذاكرة المدينة
     تمحورت تكوينات الفنان مراد ابراهيم حول الاحتفال بمرئيات الرؤية ذات الصلة الحميمية بالواقع المعاصر ليصبح الفن لديه بمثابة ذاكرة توثيقية تمتلك مشروعيتها في الحضور ، تقترب من مظاهر التمثل الذي يًناهض القطيعة مع الطبيعي او الثقافي بالرغم من تمسكه بفعل الاختزال والتبسيط في بعض فضاءات اشكاله التصويرية ... إلا انه حافظ على ملامح مرئياته (تفاصيل) ولكن بتعبيرية حالمة ترصد افكار الواقع فتمنح اعماله انتقادات للآخر الداخلي الذي يعبث بعالمه الجميل بفعل الاحتلال .الفنان هنا وجدناه قد استغرق في الذكريات كامتداد لذاته المعاصرة منحت تكويناته طاقات التعبير وجماليات الانطباع التي تهتم بمفردات الواقع والطبيعة الجغرافية المحيطية (مدن – أزقة – شناشيل – اسواق بغدادية – طرق مزدحمة – أجساد – وسائط نقل – طبيعة ...) التي لاتغادر أمكنتها وأزمنتها الواقعية المرتبطة بمدينته العصرية (بغداد) ، محتفلة بالنزعة الانسانية التي وجدناها حاضرة في أغلب مشاهده التصويرية تعمل على ايصال خطابها الذي يرفض النسيان .
    من خلال هذا المعرض الذي احتوى اربعة تجارب في فن الرسم ، اشتركت في الاستعانة باليات وجماليات التعبير في حدود موضوعة الجسد كذاكرة وكثقافة عصر جديد ، نجدها مشحونة بطاقات اللون الرمزية التي استحوذت على المشهد العام للمعرض باتجاه المعاني الوجدانية المحتفلة بالجوهر والمنبثقة من تصورات الفنانين للواقع الانساني مابعد الحرب والمقترن بالقيم المستورة وراء المرئيات والتي تمسكت بمفهوم الحرية في طرح الافكار بحثاً عن الاطياف .
   

الدكتور حسين غباش – من دولة الإمارات العربية المتحدة- عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض

اختلال الخليج
الدكتور حسين غباش – من دولة الإمارات العربية المتحدة
 يتأكد يوما بعد يوم أن المجتمعات الخليجية الصغيرة قد دخلت، بسبب من تعاظم الوجود الآسيوي فيها، في أتون مأزق تاريخي يصعب تصور امكانية الخروج منه. لم يعد الأمر يهدد الهوية الثقافية التي همشت، والثوابت الوطنية التي اهتزت، بل يشكل خطرا مستقبليا على ما تبقى من الوجود البشري العربي ذاته. بعيداً عن المشهد الخارجي المبهر، فإن الصورة من الداخل تثير القلق، بل الريبة. الشوارع تعج بكل الجنسيات، إلا بالمواطنين، وبشكل خاص في الإمارات وقطر. الأغلبية هندية، تليها الباكستانية، البنغالية، الأفغانية، الفيليبينية، والإيرانية، ولحقتها مؤخرا الهجرة الصينية.
 هناك اليوم 16 مليون آسيوي تقريبا في بلدان مجلس التعاون الستة، ومن المرشح أن يصل إلى 30 مليونا في عام 2025 تبين الاحصائيات الرسمية وشبه الرسمية لعام 2006 ـ 2007، الخارطة الديموغرافية كالآتي: تصل نسبة العمالة الأجنبية في الكويت إلى 60%. البحرين 50%. السعودية 40 إلى 50%. عمان 30%. أما في قطر فتصل إلى 85%. وتصل نسبة المهاجرين في الإمارات إلى 90%. هناك اليوم قرابة سبعة ملايين آسيوي في الإمارات وحدها. تشكل نسبة الهنود 60% من مجموع تعداد السكان، أي قرابة أربعة ملايين، مقابل 800 ألف مواطن فقط. يتبين من هذه الأرقام الناطقة، إذاً، أن خلف المباني الشاهقة وبريق الثراء ثمة مأساة وطنية وقومية في طور التحقق.
 إذ لم تعد المسألة، كما جرى وصفها سابقا، مسألة «خلل» في التركيبة السكانية، بل تحولت، بعد ثلاثة عقود من الوجود الفاعل، النشط، إلى مسألة استيطان آسيوي واضح وطاغٍ. لا جدال في أننا أمام مشهد مقلق جدا. يقول مجيد العلوي، وزير العمل البحريني السابق، «إن الهجرة الأجنبية تهدد وجودنا...
 وإذا لم يتحقق هذا التهديد اليوم فسيتحقق في الجيل القادم». والجيل القادم يعيش بيننا الآن. إذاً، لم يعد التغيير السياسي إلا مسألة وقت قصير. إنه داهم على الأبواب تمثل الإمارات وقطر أضعف حلقتين في المنطقة، تليهما الكويت والبحرين. على الأقل توجد في الكويت جالية عربية كبيرة. هناك استثناءان. عُمان تبدو محصنة بثقافتها وتاريخها العريق، وربما يحمي المملكة السعودية مركزها الديني المميز من المصير المجهول. بيد أن الوجود الأجنبي ينخر في الجسم العربي الخليجي، وأي تغيير سياسي في أي بلد من بلدان المنطقة سيكون له تداعيات كبيرة على الأقطار الأخرى.
 لن يسلم الخليج كله من ذلك. كانت الأسئلة المؤرقة للإنسان الخليجي، هي: كيف وصلت بلدان الخليج العربي إلى هذا المأزق التاريخي؟ من هو المستفيد الأول من هذا التحول الديموغرافي الدراماتيكي؟ كيف تم كل ذلك بصمت محير؟ هل الأمر نتاج تطور طبيعي أم إن ثمة محركا خارجيا؟ لكن تلك كانت أسئلة الأمس، سؤال اليوم هو: هل ثمة مخرج؟ تُساق جملة من العوامل تسببت، في مجملها، في إيصال المجتمعات الخليجية إلى هذا المأزق التاريخي. أهمها، كما قيل، تعداد السكان الصغير، والثروة الهائلة. بيد أن هذه الادعاءات، على حقيقتها، لا يمكن ان تمثل عوامل سلبية، بل على النقيض، هي عوامل إيجابية لتحقيق التنمية الوطنية. هي عوامل تضمن، منذ البدء، نجاح التنمية. ستكون الإشكالية حقيقية لو كان العكس صحيحا. كما ان الثروة الوطنية لا يجب، في الظروف الطبيعية، ان تتسبب في تهميش المجتمعات الصغيرة وتلغي هويتها. لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في التوجهات التنموية، في الفكر التنموي ذاته. إذ شكلت السياسات التنموية، التي طبقتها الحكومات الخليجية طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى نحو متفاوت، الإطار العام الذي أحدث هذا التحول الكبير. فالتركيز الكلي على قطاع البناء والإعمار وتشجيع الاقتصاد الريعي والحداثة الزائفة، أهمل حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ. لم تأخذ هذه «التنمية» في حساباتها حاجات المجتمعات المحدودة في المنطقة. فتنمية هذه المجتمعات الصغيرة لا تحتاج إلى هذه الملايين من العمالة الأجنبية. فضلا عن ذلك، لم ترافق هذه السياسات «التنموية» رؤية تنموية اجتماعية وثقافية. لم تراعَ مسألة الهوية الوطنية والثقافية. لم تأخذ في الحسبان مسألة الأمن الوطني والاستراتيجي للمنطقة ككل.
 والنتيجة، اليوم، نرى هذا التراجع في الحضور العربي والتهديد الجاد والماثل للمستقبل العربي في المنطقة بأكملها. المستقبل بطبيعته مجهول، مشحون بالتحديات، وفي عالمنا العربي، ملغم بكل صنوف العثرات. ومن أهم أهداف التنمية هو أن تؤسس لمستقبل آمن ومستقر. يبقى ان أي «تنمية» لن تكون تنمية وطنية ما لم تتمحور حول الإنسان كوجود وقيمة. المفترض منها ان تبني الذات الوطنية، ان تثبت حضور الإنسان على أرضه، أن تعزز لغته وهويته، تصون تراثه وثقافته. وأخيرا، تحصن السيادة وتحمي الاستقلال الوطني ذاته. والتنمية، كما يقال، خطوة في الحرية. بالطبع، لم تقتصر الهجرة على العمال، بل شملت مهنيين وحرفيين في مختلف المجالات. كما ضمت التجار من كل المستويات. وقد تمكنت شرائح واسعة من الهنود والباكستانيين من الإمساك بمفاصل الاقتصاد. فهم اليوم مدراء البنوك وشركات التأمين، وهم التجار المتربعون على كل أنواع التجارة الكبيرة منها والصغيرة، ومنها تجارة الأغذية والأدوية والملابس والالكترونيات وغيرها. وأخيرا، فتح لهم مجال التملك العقاري في بعض الإمارات الخليجية. هذه إجراءات نوعية تفتح على دعوتهم للاستيطان، ووضع الأسس لضمان مستقبل أجيالهم القادمة. ونعلم، ان الاقتصاد والتجارة هما من شرايين الحياة، ولهما منطقهما القاهر. فمن بيده مفاتيح الاقتصاد يملك، بالضرورة، تأثيرا مباشرا على القرار السياسي، وهو بالتأكيد قادر على تحديد مسار المستقبل بالطبع، لكل وجود استحقاقاته. وإذا أخذنا الإمارات وقطر كنموذج، فسنجد أن التغيير الاجتماعي قد تم، ولا زال يتثبت ويقنن يوما بعد يوم. الثقافة الآسيوية سادت. والفضاء الثقافي العربي تراجع كثيرا. لم يبقَ من الثقافة إلا الفولكلور للسياح. اضعفت اللغة العربية الركيكة اصلا، وأصبحت الرابعة أو الخامسة. وهمشت الثقافة العربية الضامرة، ومزق النسيج الاجتماعي الهش هو الآخر. حطمت ثوابت المجتمع ومناعته، وبدأت مرحلة الانقراض. ألا تمثل نسبة المواطنين، التي تتراوح بين 2 و3 و4%، أو قل حتى 10%، في بعض الإمارات سوى بقايا عرب؟ أما عن السياسة فهي مسوقة، بحكم قوة الواقع، بأن تتبع التحول الاجتماعي والاقتصادي. أليست السياسة تعبيرا عن الواقع؟ الواقع السياسي يتبع الواقع الديموغرافي. والتغيير السياسي هنا ليس الا تحصيلا حاصلا، ذلك انه عندما تتغير القاعدة البشرية للسلطة تضعف السلطة ذاتها وتكون عرضة للسقوط.
 من يهمش قاعدته يُهمش. ومن يُضعف شعبه يضعف معه. أليست قوة النظم والحكومات من قوة وتماسك شعوبها؟ أم إن هذه المعادلة قد تغيرت؟ إذا كانت الشعوب قد تم استبدالها في غضون ثلاثة عقود سريعة، كم سيحتاج تغيير الحكومات؟ عقدا أم عقدين؟ العقد القادم هو إذاً، عقد الهوية. عقد أن نكون أو لا نكون. إنه آخر عقد لعرب الخليج. إما ان يعود الخليج عربيا كما كان، أو أن يكون آسيويا. بعض مراكز الأبحاث الأوروبية، والفرنسية تحديدا، تتوقع ان يتم التغيير خلال العقد القادم، وتوحي بأن بعض الحكام العرب المعاصرين هم آخر حكام عرب للمنطقة. وقد وضعت فعلا السيناريوهات التي يمكن ان يتم من خلالها تحويل المسألة الديموغرافية إلى مسألة سياسية. وعناوين التغيير حاضرة. أهمها حقوق العمال والمهاجرين. وفعلا لقد طرحت الهند ذلك في أكثر من مناسبة. فإعطاء المهاجرين حق التجنس ومن ثم فرض الديموقراطية، سيفضي حتما إلى حكم الأغلبية. إنها معادلة حسابية لا تقبل المكابرة أو الإنكار. وإن شاءت الولايات المتحدة وقدرت أن الوقت قد حان لاستبدال المشهد السياسي، فستجد ان الأرضية البشرية والثقافية جاهزة ومهيأة. المسألة هنا مسألة توقيت وحسابات استراتيجية دقيقة. فعندما نضجت الأمور في سنغافورة عام 1964، فصلت عن ماليزيا وسلمت للغالبية الصينية المهاجرة إليها. وهكذا الأمر في فيجي، التي يحكمها اليوم هنود جلبتهم بريطانيا للعمل فيها، وهم للمناسبة لا يشكلون إلا 50% من تعداد السكان الأصليين. أي أقل من هنود الخليج لا شك أبداً، بأن ضرب الهوية العربية في هذه المنطقة الهامة كان هدفاً في ذاته. هو مؤشر على مخطط إستراتيجية واضحة يهدف إلى السيطرة الكاملة على مخزون النفط الخليجي. فحكم أقليات آسيوية يلغي الوحدة الخليجية العربية، ويسحب قرار النفط إن كان لا يزال مستقلا. باسم الديموقراطية، إذاً، تمزق العراق، وباسم التنمية، وفي غفلة من الزمن، وبصمت محير، يتحول الخليج العربي إلى خليج هندي.
 الخليج أمام أزمة تاريخية مركبة ومعقدة.
 والمعالجة أضحت أكثر من ملحة. أولها، بالطبع تغيير التوجهات التنموية. ومن ثم فتح الباب واسعا للعمال والمهنيين العرب، فهم كثر وعاطلون، وبشكل خاص من عمان واليمن، مخزن الخليج البشري، ومصر. وسيمثلون جميعاً خشبة نجاة لعروبة الخليج وأمنه ثم لماذا لا يجنس العرب المقيمون في الخليج، والذين خدموا المجتمعات الخليجية منذ عقود وفي أكثر من مجال. الجيل الأول الذي شيد دويلات الخليج تخرج من الجامعات المصرية والعراقية، وكان تعليمهم مجاناً. قبل ذلك، عبد الناصر أرسل البعثات لتعليم أبناء الامارات (ساحل عمان سابقاً)، على حساب مصر الناصرية. ولماذا لا يستفاد من الطاقات العربية المميزة والمشتتة في كل أصقاع الأرض؟ في الختام، إن الاصرار على النهج والتوجه التنموي ذاته، الذي شوه الروح العربية للمنطقة، لن يبقي المنطقة امام مفترق الطرق، بل يفرغها مما تبقى من هويتها الوطنية والثقافية، وينتزعها بالتالي من عالمها العربي.

السبت، 15 ديسمبر 2012

حقائق اليونيسيف المرعبة:


9 ملايين و600 الف طفل يتعرضون للعنف الجسدي في العراق! أظهر مسح اجرته منظمة اليونيسيف بالتعاون مع عدة وزارات عراقية معنية، عن وضع الاطفال والنساء في العراق، حقائق مرعبة عن تفشي ظواهر وامراض وسلوكيات تهدد الطفولة والاسرة العراقية. وجاء في نتائج المسح العنقودي متعدد المؤشرات،ان 37 طفلاً من كل 1000 ولادة حية يموتون دون سن الخامسة، 20 منهم يموتون قبل ان يكملوا الشهر الاول. واظهر المسح ان 1 من كل 4 اطفال يعاني من التقزم، و7% من الاطفال تحت سن الخامسة يعانون من هزال حاد او متوسط. واشر المسح تفشي ظاهرة الزواج المبكر في المجتمع العراقي، متوصلاً الى ان واحدة من كل خمس نساء بعمر 15- 19 سنة، اي نحو 21% متزوجات حالياً. وفي مجال عمالة الاطفال افادت نتائج المسح الى ان 500 الف طفل باعمار 5-14 عاماً منخرطين في العمل اغلبهم في المناطق الريفية. اما العنف ضد الاطفال فقد قدم المسح حقائق مرعبة بالارقام، اذ أظهر ان 9 ملايين و600 الف طفل اي 80% بعمر 2- 14 سنة يتعرضون الى شكل من اشكال العنف كأسلوب للتأديب او ضبط السلوك كالضرب والصفع، مشيراً الى ان 1 من 3 اطفال اي نحو ثلاثة ملايين و300 الف منهم يتعرضون للعنف الجسدي الشديد كالعض والحرق. وفي ما يتعلق بوضع المرأة، لاسيما العنف المنزلي او العنف ضد المرأة، اظهر المسح ان 56% من النساء بعمر 14- 49 سنة يتعرضن للعنف الجسدي سواء على ايدي الزوج او الاب او الاخ. وبحسب مسح (MICS)، فان المعلومات الديموغرافية عن العراق اشارت الى ان عدد الاطفال واليافعين يبلغ 16 مليون و600 الف نسمة، منهم 5 ملايين و 600 الف نسمة هم اطفال تحت سن الخامسة. --

الاثنين، 10 ديسمبر 2012

غالب المسعودي - في الذكرى الحادية عشر لتأسيس الحوار المتمدن: الاعلام الالكتروني الى اين؟

سمير المبارك.. في ذمة التاريخ






سمير المبارك.. في ذمة التاريخ


     نتقدم ببالغ الحزن، والمواساة للروائي والكاتب العراقي الرائد الأستاذ عدنان المبارك، برحيل ولده ـ احد المشرفين على موقع (القصة العراقية) سمير المبارك، تغمده الله برحمته، وللأستاذ عدنان المبارك الصبر بهذا المصاب الأليم.
أسرة: سومرينيت

قراءات نقدية-السرد الذاتي .... قلق وألم أم مناجاة لإشراك الآخر .-مؤيد داود البصام





قراءات نقدية
السرد الذاتي .... قلق وألم أم مناجاة لإشراك الآخر .
مؤيد داود البصام

(عربة الحصان الميت) كتاب من مجموعة كتب أصدرها الفنان والناقد عادل كامل ، وهي مجموعة قصصية ، أشتهر عادل بوصفه ناقداً تشكيلياً له وجهات نظر نقدية في الفن إلى جانب ما أصدره من روايات وقصص قصيرة ، ووجهة نظره النقدية في الفن العراقي تمثل الجهد الأكبر في تصوراته النقدية ، أكثر من كتاباته في الأدب مقالة او قصة أو رواية .
تضم المجموعة القصصية (عربة الحصان الميت) ثمانية عشر قصة ، ضمنها قصة غروب وقصص قصيرة جداً ، وتقع المجموعة في (272) صفحة من القطع المتوسط ، وصدرت عن دار الشؤون الثقافية في بغداد .
الكتابة عن مجموعة قصصية لكاتب قدم العديد من المؤلفات للمكتبة العراقية والعربية ، ليس من السهولة ، فلابد من تتبع تجربته الثرة، فهو أحد مثقفي العراق جدية في متابعة الحركة الفنية والثقافية العراقية ، ومن الذين ساهموا في وضع بناء وتطور النقد الفني ومرتكزاته النظرية والعملية ماقبل ومابعد تجربة الرواد في العراق، بغض النظر عما أذا كنا متفقين او مختلفين في وجهات النظر معه، فقد عرفت عادل كامل منذ كان طالباً في معهد الفنون الجميلة في منتصف ستينيات القرن الماضي، ومازلنا نتناقش ونتخاصم ولكل واحد منا رؤاه وافكاره التي نتفق عليها او نختلف في الفن والادب والاجتماع والسياسة ، وهو ما يجعلنا نأخذ كتاباته بجدية ، وقراءتها بعناية وتركيز، ففي متون كتاباته وقصصه ورواياته تجد الاشارات الفلسفية عن الانسان والكون وجوداً او صيرورةً وكينونة ، وفيها رموز من رؤاه المستقاة من دراساته وقراءاته في الأسطورة والفن ، يضعها في متونه الحكائية الى جانب الاشارات والدلالات التي تشترك فيها معاناته الشخصية مع معاناة ابناء جيله وآلام وطنه، وكل الذين وقع ويقع عليهم الهم والحيف والظلم .

السرد بين الواقع والتخييل
مجموعة (عربة الحصان الميت) القصصية ، تجمع في ثنايا قصصها مناقشات لأكثر من فكر وموضوع ، تناقش الواقع والسمات الاساسية التي تحكمه، تكشف بواطن الاشخاص، وتعيد تركيب الواقع عبر مخيال ملاصق لأرضية الواقع من حيث بناؤه ولكن بقوة سرد تحمل دلالاتها الجمالية ، وبلغة سلسة وجمل رقراقة مملوءة بالحزن والألم والتأمل والدهشة، يستخدم الجمل البرقية ولكن بروية وتأني، فلا يخلط بين رؤياه الفلسفية وبين الحوادث بواقعيتها او بمخيالها الذي يبتدعه.
         تتصدر المجموعة قصة (عربة الحصان الميت) التي أخذت المجموعة اسمها، وتشكل الخمس من صفحات الكتاب ، ويمكننا القول ، انها قصة طويلة اكثر منها قصة قصيرة ، وقد سبقنا الكاتب في ذلك ، فلم يضع إلاَّ كلمة (قصص) على ظهر الغلاف ، أي ان التجنيس قابل للقصيرة والطويلة ، وهو يعي ذلك ، فقد وضع من ضمن المجموعة التسمية التي يريد ، (غروب وقصص قصيرة جداً)، لنعرف أن الذي نواجهه قد استمل عدته في فهم ما يريد، ويختار السلة التي يضع بضاعته فيها، عنوان القصة الاولى في المجموعة، (عربة الحصان الميت) كناية عن لا وجود لموجود كان في الوجود ، مابقى منه كلمات ينثرها " مع ذلك اعتقد ان الحلم هو الذي يؤسس الواقع " ، ص 43 ، المجموعة .
والعنوان للقصة الذي أخذت المجموعة اسمها منه ، سيرة ذاتية او مذكرات حصان ، عنوان فيه تورية لوجود ميت ضمن وقائع الحياة المريرة " هكذا أصبحت أحمل أوزاري بيسر وطيب خاطر ، ثم أنني لم أعد اتشكى او أتحدث ، لأي سبب من الاسباب عن الجور أو المجاعة أو الأذى " ص 5 ، المجموعة  وجع إنساني يتكلم عنه هذا الحصان ، وأي ألم ممزق الذي ألغى شكواه من الجور والجوع والأذى الذي يلقاه، فماذا بقى ليشكو منه ؟  إنه القدر الضاغط الذي يجبرك على الاستسلام والذي لم يصنع بيده " الوضع الذي لا ظلام ولا نور فيه ، وعلى الرغم من العقاب الذي نلته منذ البدء في كوني الحصان الذي رفض أن يكون حصاناً " ص 6 المجموعة ، القصة تعلن منذ بدايتها ، الرفض الوجودي عبر سرد تسميه إيرين كاكانديز الكاتبة الاسبانية (المناجاة السردية) وتعتبر " السرد بضمير المخاطب فعل بلاغي "  لتجعله  " بما يجعل المناجاة اكثر دلالة واكثر ارباكاً ، انها تحمل خطابين "  فهو يتوجه بخطابه الى المخاطب والرسالة والمخاطب ، يتبادل فيها المخاطب الأدوار مع المخاطب ، لأن المتلقي في العادة لا يرد ، وهو يرسل بتواصل رسالته ، ومناجاة الحصان على الرغم من ظاهرية الرسالة بالاستسلام لقدره ، إلاَّ انها استمرار بعدم الاستسلام ، حتى عندما لا تعود ثوريته في زمن الشباب التي انهكت حياته جرياً وراء سراب  " إلاَّ أنني وأنا في نهاية حياتي ، وبعد أن تهدمت اسناني ، وصرت لا أميز بين الخرافة والواقع ، أو بين الاوهام والحقائق ، لا أريد إلا أن أبقي الحصان بكل صفاته ، ولكن هذا الحلم غير مستحيلاً " ص 5 المجموعة .
القصة تجرنا الى الفلسفة الوجودية أزاء الحياة ، ولكنها تبني عمقاً ثورياً من خلال الرفض والتمرد على الرغم من استسلامها النهائي ، أي أنه يأخذ الجانبين في الفلسفة الوجودية ، القلق المصاحب للألم ذاتياً ، والتمرد لرفض الاستسلام للقدر ، ولكن بطلنا أزاء عبثية الحياة والواقع ، يستسلم لعدم قدرته على المجابهة ، بعد ان أقتربت نهايته، وهي نهاية افتراضية، لانه منذ البداية يعلن عن عدم وجوده الواقعي، ولكنه موجود كحقيقة نتعايش احداثها التي يرويها.
والكاتب يضعنا أمام الحقائق التي رافقتنا منذ الولادة ، هل نحن وجدنا مانريد عندما جئنا للحياة ؟ التحولات والمتغيرات في حياتنا وواقعنا ، هل هي ما نطمح له ؟ بهذه المزاجية القلقة المتحولة ، بين الرفض والقبول ، يحيلنا عادل كامل إلى حصان استنفد شبابه وقوته وغروره وبهرجته ، الى حصان بلغ من العمر عتياً واكتسب تجربة ، جعلته يتبرم وتعوف نفسه كل ماهو موجود ، انه ينقل لنا الصراعات والاحتدامات في النفس البشرية ، عبر حصانه الميت والذي ترك لنا عربته ، فماذا أراد عادل ؟ هذا هو السؤال الذي سيلازمنا عبر جميع القصص في المجموعة ، إنه يكتب القصة بمستوى تراجيدي ويزاوجه بالنكتة التي لا يقصد منها الفكاهة وأنما السخرية السوداء، مع مقدرة رائعة على المزاوجة بين واقع الحصان ومحاكاة النفس البشرية، عبر جر الأحداث بهذا السرد المنتقى لنقد الواقع الاجتماعي والسياسي والأقتصادي والفكري ويغوص في الباطن، ليوضح المأساة الاجتماعية للأنسان ، التي تتساوى آلامه فيها مع الحيوان، عبر رؤى سردية وحوار مكثف (فأن تكون وديعاً او طيباً يعني أن تكون مرشحاً للنبذ والرفض) ص 8  المجموعة .
هذه المواجهة الصاخبة بين الانسان كوجود والمجتمع والعالم ، تحيلنا للبحث بأن الفعل متحقق في واقعنا وفي البلدان المتخلفة في العالم  " اعتدت عبوديتي حتى صرت حراً بها " ص 12 المجموعة .
وهي سلسلة من الظلم والأضطهاد على مر العصور والاماكن ، انها الحقيقة التي تشكل تكوين الانسان في بلدان العالم الثالث في واقعه المرير والمؤلم ، فكل الاحلام والطموحات تتكسر أمام جبروت وطغيان التخلف والعنجهية وسلطة القهر والجهل، وعبودية راس المال المضافة للسلطة القهرية، أية اشكالية وجودية عندما يضحى الاستسلام هو الحل في مبنى الحياة العام  للأنسان الذي بدأ رافضاً متمرداً، " انتهى الامر بي مستسلماً ومستجيباً لجر عربتي بعيداً عن القيل والقال "  ص 15 المجموعة .
أن الرؤية التي يتحدث بها حصان عادل، تختلف عن رؤية حصان (جورج اورويل) وهي بالتأكيد ليست إطاعة حصان عنترة ابن شداد لسيده عندما ما عاد يستطيع تحمل ماهو اكبر منه :

فازور من وقع القنا بلبانه                   وشك إليَّ بعبرة وتحمحم
لوكان يدري ما المحاورة ما                 اشتكى ولو علم الكلام مكلمي

أنها تمثل المأساة التي تشكل الاساس الذي يكون ويبني حياة الإنسان الشرقي في واقعه المرير والمؤلم ، فكل الاحلام والطموحات تتكسر أمام جبروت وطغيان التخلف والعنجهية وسلطة القهر والجهل " أخترت في اعماقي تراكمات الوهم ، وكل المبهمات عديمة الجدوى ، أفكر لكي لا أفكر "  ص 17 المجموعة .
وهي نفس المفارقة التعارضية مع الديكارتية (أفكر اذاً انا موجود) بإحالة الفكرة إلى العدمية بفعل الواقع ، القصة من بدايتها إلى نهايتها حوارها فلسفي وجودي ، وتضع نفسها في أختبار قوة تكنيكها السردي لتجعل المتلقي يتوازى مع المناجاة ويتواصل بموسيقى سردية ، تتحدث عن حياته ومأساته ، بلغة تلفها السخرية وتنحو نحو الشعرية على الرغم من عمقها الفلسفي،  لإنها تتحدث عن مشكلة الإنسان الرئيسية وبالذات إنسان هذه المنطقة ، ضمن فهم وجودي يقول فيه ابو الوجودية كيركغور (الفرد هو الحقيقة الاساسية ، وليس بوصفه ذاتاً عاقلة ، وانما الفرد بوصفه ذاتاً قلقة)، الذي ينشأ ليكدح ثم يهرم وتخر قواه ليترك للموت او يقتل مهما عمل كحال الحصان عندما تنتهي مرحلة إستغلاله .
إختار عادل أكثر الحيوانات قوة وانسجاماً مع الإنسان ، فهو يحمل صفات القوة والكبرياء والأنفة ، واستنطقه متوجعاً ، ولكنه إستمر في وقفته أبياً حتى سقط سقطته الاخيرة حاملاً معه عزته وآلامه ، إنها التفسير الوجودي لحال الإنسان التي يقول فيها د. هشام غصيب " انها بلا شك تعبر عن الوضع الانساني بصورة من الصور ، وعن الرعب الذي نعيشه بوصفنا أفراداً وحيدين في النهاية " ، مقابلة خاصة في مجلة أوراق اردنية ، العدد 30 .
 وهو ما يخبرنا عنه عادل كامل في نهاية القصة ليعلن لنا عن نهاية حصانه،  " للحق كنت أريد ان لا إولد ، ولكني ولدت عنوة ، ولم أختر نهايتي الا بما يماثل ذلك الميلاد ، وها انا قلت كلمتي ، ميت أمضى حياته مجروراً الى الموت "  ص 50 المجموعة .
قصة (عربة حصان ميت) تستعيد ألق الفلسفة الوجودية ، ولكنها في الواقع قصة الانسان الشرقي وأغلب مثقفي الشرق ، حينما تصبح أمنياته ومطالبه وأحلامه ، صراخا ً في علب فارغة ، أرتوى منها ذوو الرؤوس الفارغة ورميت على قارعة الطريق ، أنها قصة الاسترجاعات للوصول إلى كنه الذات ، وبث قلقها وآلامها عبر رؤى فلسفية ، نحتت على ضوء الواقع ، بحث عن معرفة وجودها ، ضمن عكس الأنا الدكارتية (أنا افكر اذاً انا موجود) فهو يبقي وجوده المعنوي ، ليبقي الوجود المندحر (الموت) ويدوي سؤاله ، " فلماذا كنت عبداً ، وقد كانت رؤيتي باتساع هذا الكون " ص 31 المجموعة .

استكمال سرد الألم الانساني
أذا قرأنا قصص المجموعة مابعد قصة (عربة الحصان الميت) لا نخرج من دائرة البحث لاستكمال ايجاد الخلل او الخطأ في (الوضع البشري) اذا استعرنا العبارة من رواية أندريه مالرو ، فأين يكمن الخلل ، اننا ولدنا دون رغبتنا كما خرج فيها حصان عادل نهاية القصة ؟ أم أننا ولدنا في المكان والزمان الذي لانرغب بهما ؟ هل اخترنا أصدقاءنا وزوجاتنا والجيران والوظيفة ، وكل مايمت لحياتنا ؟ هل اخترنا حكامنا ، أم هم الذين اختارونا ليحكمونا ؟ اين الصح وأين الخطأ ؟ سلسلة الأسئلة والاستفهامات ، نجدها في كل قصة من قصص المجموعة ، فقصة (القصة التي لم تبدأ بعد) يتحدث عن كاتب رمز لاسمه (ل) رحل عن هذه الدنيا ، ولكنه ظل شاغل الناس ، في القصة عالم غريب يسخر من نفسه ، يهمش من يريد ويقصي من يريد ، أنه عالم واقعه أغرب من مخياله ، فكل مايحلم به الكاتب في حياته يتحقق بعد موته ، ويصاغ مجده بدون وجوده ، وتذكرنا برواية (يوسف السباعي) حينما يصرخ بطل الرواية (لا أريد تمثالاً ولا احتفالاً عندما أموت ، أريد الآن أن اجد جهدي قبل أن أرحل) .
في قصة (ليلة التمثال) الوحشة والمعاناة امام هول مايحدث في الحياة ، ويقول بطل قصة (البروفسور الذي نطق) والتي تتماثل في المعاناة مع قصة ليلة التمثال " شعرت بالعذاب القديم ، عذاب المخلوقات التي تتنفس التلوث وتموت في الحروب وتعاني من المجاعات ، وتهددها الشيخوخة " ص 118 المجموعة .
أن مجموعة (عربة الحصان الميت) القصصية ، تتكلم بلسان شخصيات أنتقيت بعناية لامتلاكها حساً شاعرياً واحساساً انسانياً عالياً ، الى جانب اختياره لشخصيات مركبة تعاني من مؤثرات معاناة الآخرين عليها ، على ضوء تجربتها الشخصية .

الأنا والآخر ووعي الكتابة
أذا اختار ضمير الانا المباشر للسرد والمناجاة السردية في قصة (عربة الحصان الميت) فإنه يختار في قصص اخرى الضمير الغائب ليتوارى خلفه ، فهو يسرد سيرة او مذكرات لانسان واحد ، يعبر في كل قصة عن ناحية من نواحي معاناته ومحاكاته للمخلوقات ، كتبت ثلاث قصص بضمير الانا (السارد) ، (عربة الحصان الميت ، عصفور في الرأس ، أنا قتلت الامبراطور) أما بقية قصص المجموعة ومن ضمنها القصص القصيرة جداً ، فقد كتبت بضمير الغائب ، فهو يكتب القصة بوعي لما يريد أن يخاطب الآخر به على الرغم من اللغة الشاعرية والوجدانية ، والجمل الفلسفية بسيطة وواضحة في تناول مفاهيمها الحياتية ، إنه يخاطب بصورة مباشرة برموز واضحة الدلالة ، ولكن بفنية سردية عالية وبقوة تكنيك السرد ، تحمل في طياتها التشويق والدهشة ، ويجعل المتلقي مجبراً على التواصل والمتابعة ، أن هذا الكم من الأحساس بالظلم والحيف والأجحاف الذي يحمله أبطاله ، هو جزء من الهم الشخصي لمعاناة طال امدها ، وهو يرى العالم الذي حلم بتغييره ينهار من حوله ، بعد أن كان مؤمناً أنه واحد من عشرات في مقدمة الركب ممن سينقذون العالم والانسان، " كانت ترغب أن تقتلع ماضيها كله وتسير صافية كضوء في مساره المجهول ، لا وعي ولا كدمات ولا أمة يحاصرها الغبار " ص151 المجموعة .
أنه يغوص الى الاعماق في استكشاف حياة شخوصه ، ويعلن همومهم بمناجاة ذاتية تبرز الشخصية ككيان يريد أن يخلق كيانه المنفرد، لا أن يخلق له كما يوضحه مثال د. هشام غصيب، "  بمعنى أنك لاتستطيع أن تختزل الفرد الى ماهو اكثر جذرية ويقينية منه ، لذلك احتج كيركفور ابو الوجودية على هيغل ، الذي عد الفرد ألعوبة في يد قوانين التاريخ " ، المصدر السابق ، ففي قصة (الملكة لاما) لم يكن الانهيار من الخارج ، بل جعله من الداخل " كانت تردد منذ نصف قرن أن تلف الاسنان يعني دمار الحكم وأنهيار الامبراطورية " ص 99 المجموعة .
أن قصص عادل اضافة الى المسحة الشاعرية التي تتراقص بين السطور ، فهي خطاب مباشر بهذه اللغة الشعرية والتكنيك السردي القوي ، والحوار المدروس في تحديد الهدف  وطرح الافكار ، بالرغم من المناورات التي يقوم بها لأخفاء دلالة المعنى، وتغليف مايريد أن يصرح به عبر رموز ودلالات ، محاولة للتستر على ثورية الخطاب ضد الأنظمة الحاكمة والتسلط والرعب الذي يخضع له الفرد في المنطقة من جهات وأنساق السلطة الحاكمة ، وكذلك في بنية المؤسسة التعليمية (المدرسة) ورؤساء العمل الوظيفي ، ومايتحمله الفرد من أضطهاد في الشارع ، وكل انواع الاضطهادات التي يتعرض لها الانسان ، من قبل المجتمع المتخلف ، وسلطة وسيطرة المتخلفين من الحكام ، وتلاعب الجهلة واصحاب المصالح بمقادير ومصائر البشر ، " لا ضوضاء أشباح ولا رقصات هستيرية لبشر أضاعوا أقدامهم في مسالك الاحلام والرغبات ، كانت تود اعادة قانون وجودها " ص 101 المجموعة .
في قصصه كشف للزيف والمخاتلة التي تلف الحياة من اعلاها الى اسفلها ، وتعرية للذين يستحوذون على السلطة والقوة والمال ، وتسليط اصابع الاتهام المباشر من قبل أبطاله من قاع المجتمع الى أعلى قمة الهرم فيه " كنت أشم رائحة الخيانة ، كانت الديدان منذ زمان بعيد تعبث بهذا الجسد " ص 108 المجموعة .
القصص واحدها يكمل الآخر بسرد موجهِ لكل الذين يعانون والذين يجعلون الآخرين يعانون ، للذين يمسكون السلطة ، كأداة ترفيه وسعادة لهم وتعذيب واضطهاد للآخرين ، وإلى الذين تنسيهم نشوة الربح السريع فيدركون بعد حين ، وبعد أن يدب الفساد في داخلهم ، أنهم كانوا على خطأ ، ولكنهم لم يتساءلوا عندما كانوا يقبضون على السلطة والمال والقوة ، ما الذي يجعل الآخر ينجح أذا كنت إنا أجيد اللعبة ؟ وينسى أنه يحكم الآخرين بصفة النزاهة وما يدعيه شيء إلهي منزل، " هكذا هزمت جسدها وتحدثت طويلاً الى أمتها كجسد صاف منقى لم يمسسه الألم ولافساد الازمنة "  ص 100 المجموعة .
قصة (الملكة لاما) قصة كل الحكام الذين يحكمون بالقدسية الألهية، مخضعين الشعب لنزواتهم وآرائهم  الذاتية المبنية على احكام مسبقة ، مسيرة كل حاكم يطغى ويسير في تبختر نشوان على عذابات شعبه ، ولكنه ما أن ينظر الى الاعماق حتى يجد السوس قد اكل داخله ، وحان وقت رحيله واستبداله بانتهازي آخر ليكشف اخطاءه التي لم يرها وهو ينظر بخيلاء الى هؤلاء المساكين يتراكضون شمالاً وجنوباً في ملعبه " رقصة هذا الوهم الذي استنزف العمر كله .... والذي كاد أن يستنزف الخيال ... آنذاك سأغلق الباب  الآخر .... بانتظار قبضات جدد ستحطم المفتاح " ص 109 المجموعة .
أن مجموعة (عربة الحصان الميت) القصصية ، تحمل في مجموع قصصها كشفا ً لاعماق النفس البشرية في قوتها وفي ضعفها ، ونجوى لاصوات لم تسمع، تصرخ من داخل اعماقها وهي تتساءل ، لماذا نتحمل الظلم ما دمنا لم نصنعه ؟ . 
* كاتب وفنان تشكيلي عراقي


الجمعة، 7 ديسمبر 2012

محمد مهر الدين .. سلامات



سلامات محمد مهر الدين

محمد مهر الدين .. سلامات




تعرض الفنان التشكيلي العراقي محمد مهر الدين ذي البصمة العالمية في اشتغالاته الجمالية الى نكسة صحية ادخلته في احدى مستشفيات عمان وهو اليوم بغيبوبة تامة وبوضع حرج
يتمنى الوسط الثقافي والفني في العراق بكل مؤسساته ان يستعيد الفنان الكبير عافيته ودعوانا له بالصحة والشفاء العاجل وعودة موفقة لابداعه الذي لم ينقطع.