الأحد، 25 يوليو 2010

اللغة السومرية-كتابة د.زهير صاحب-عن موقع كتابات-تخطيط د.غالب المسعودي


- د. زهير صاحب

ليست اللغة السومرية من عائلة اللغات السامية، ولا من عائلة اللغات الهندو –أوربية. فقد وصفها المرحوم الأستاذ (طه باقر): "بأنها من نوع اللغات المعروفة باللغات الملصقة، فمن مظاهر الألصاق في اللغة السومرية، أنها تجمع أو تركب الجمل الفعلية بطريقة إلصاق الضمائر والأدوات الدالة على الزمن إلى جذر الفعل في الجمل اللغوية، فتصبح الجملة الفعلية وكأنها كلمة مركبة واحدة. كما إنها تلصق الأدوات النحوية مثل الأدوات المعبرة عن الأضافة والجر والجمع والفاعلية إلى أواخر الأسماء، مع إجراء التغيرات الصوتية من دمج وإسقاط لبعض الحروف" (طه باقر، 1973، ص59).

والغالبية العظمى من مفردات اللغة السومرية قوامها مقطع واحد، مثل "لو" (Lu) رجل، و "كال" (Gal) عظيم، و "كا" (Ka) فم، و "شو" (Shu) يد، و "كي" (Ki) أرض، و "آن" (An) سماء، و "إي" (e) بيت، و"دو" (Du) شَيَدَ، و "تُم" (Tum) رفعَ ... الخ.

وتؤَلَف بطريق الألصاق مفردات مركبة كثيرة أخرى مثل "لوكال" (Lugal) أي الملك، و "آن- كي" (An- Ki) الكون أي السماء والأرض، و "إي – كال" (gal – e) القصر، و "دب – سار" (Dub – Sar) الكاتب. الى غير ذلك من الكلمات الكثيرة.

وكان للغة في الفكر السومري قوة سحرية أوجدها الأنسان للسيطرة على عالمهِ حسب ما أوحى إليه منطقه الأسطوري. فكان ذلك المنطق الأسطوري (فكراً) حققه الشعب السومري بفاعلية الممارسات السحرية، التي تتفعّل بقوة (الكلمة)، "وكأن تأثير قوة الكلمة قد فاق تأثير التصوير والتشكيل والتمثيل" (تليمة، 1979، ص42). فاحتلت الكلمة في تلك الممارسات والطقوس دوراً مهماً بوصفها قوة مؤثرة في التعامل مع القوى الماورائية، ففعَّل السومريون حيوية الكلمة بالتوجه الى الماورائيات بالضراعة والرجاء وبالأمر والنداء.

ولتوضيح أهمية الكلمة في الشعائر والطقوس الدينية نقول: أن أحد المواطنين المصريين القدماء إشتكى إلى أحد الكهنة من جسامة القرابين المقدمة في الفعاليات الجنائزية المتصلة بعالم ما بعد الموت، فأجابه الكاهن: من الآن فصاعداً عليكم أن ترسموا أشكال القرابين على جدران المقابر بدلاً من جلبها، فالصورة هنا تمتلك فاعلية سحرية تجعل منها بديلاً للأشياء الحقيقية التي تمثلها. وبعد فترة من الزمن أوضح مواطن آخر لسيدهِ الكاهن، من أن الرسامين يطلبون المزيد من الأموال، بغية رسم صور الأشياء التي أوصى بها. فكان جواب الكاهن هذه المرة: عليكم الآن أن تتفوهوا بكلمات تدلّل على تلك الأشياء فتكون موجودة. أليس فعل الكلمة يتمثل بفاعلية في أحد إتجاهات ما بعد الحداثة المعروف باسم (الفن لغة)، فقد أبدع أحد فناني هذا الأسلوب تشكيله الفني، حين وقف في وسط قاعة العرض، وصاح بأعلى صوتهِ "أطلقوا النار على شلالات نياكارا"، وربما تحقق ذلك في ذهنية المتلقين من نموذج النخبة السعيدة. أما خارج القاعة فإِن ذلك مجرد هراء وشعوذة.

ورغم البعد التاريخي للسومريين ولغتهم الجميلة عَنّا، إلا أنه ليس من دواعي العجب، أن نعرف أننا ما زلنا نتفّوه يومياً بكلمات ذات أصول سومرية مثل: أكو – ماكو، بارية، بستوكة، تالة، تبلية، جمّار، دبس، إقليم، أرجوان، إسفين، ثوم، جير، خَردل، حنطة، رمان، زعتر، دلو، سوسن، شريان، عدن، عرش، قانون، كتان، نفط، مشط، بخار، والقائمة طويلة.

* أستاذ مادة تاريخ الفن

كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد

الأربعاء، 21 يوليو 2010

تشذرات الولد الخجول-بقلم احمد الحلي-تخطيطات عادل كامل



تشذرات الولد الخجول
قراءة أولية في مخطوطة عادل كامل ( الولد الخجول )
أحمد الحلي

" أنا واحد من سكان كوكب قبل الاستيقاظ " ، أو " أنا قارة تعداد سكانها واحد " .
هكذا وعبر ما يشبه المعضلات الرياضية على طريقة المتواليات العددية وربما الهندسة ، يقودنا الولد الخجول ، بصفتنا حشد العميان عبر مسالك لم نعهدها من قبل ، مسالك تعبق برائحة العشب البري ، إلى حيث تسكن الدهشة مفعمة بالتوتر ومغسولة بحبات المطر الخريفي المتألق ، بعيداً عن كل مواضعات التأنق الحضاري التي راحت تحدّق بنا وتبث في مفاصلنا رعبها القطبي المتقن ، ولعل روح المشاكسة ، تلك التي تروق لعيني هذا الولد هي التي تحث قدميه الحافيتين إلى حيث تشع البواطن ، فإن تكن الأشياء قد وارت جذواتها خلف استحكامات الغلق فلا بأس عليه في أن يتسور الجدران ، فإن قوة الإغواء كثيراً ما تتضمن مبررات اقتحامها عنوة .
- ثمة عصور ترقد في ثقب إبرة !
- هبطت من خشبتي ، تنزهت ، ثمة حدائق من فولاذ ، بحار مسورة وآلات ، آنذاك عدت فلم أجد خشبتي !
- خذ ما تشاء إلا وردة تفتحت على مشارف الجرح !
هكذا يتشذر الولد الخجول أمام أعيننا وفي سماواتنا القاحلة ، أنه ثراء الروح والامتلاء الحقيقي لا ذلك السعار الذي يبهظ أرواحنا ويهوي بذواتنا الأعماق السحيقة .
وليس معنى هذا أن بمنجى من كل ما يعصف بالحياة ويتربص بها من شرور وآثام . انه أيضاً ، شأنه شأن الآخرين ، عرضة لأن تعلق به أدران الخطيئة ، لكننا نلاحظ أن الفارق هي أنه سرعان ما يثوب إلى نفسه فينتشلها ، وأن ظلت الأخطاء مخلفة وراءها الجروح الفاغرة ، وهذه هي العبرة التي يمكن أن نستخلصها ، ففي الوقت الذي نشاهد به الآخرين وهم يستمرئون الانجرافات ، بل ويعالجونها بانجرافات أخرى أشد خطورة ، نشاهد هذا الولد نأى بنفسه عن الكدر ثم نراه يأخذ بتقريع نفسه عبر عويل مر وتأنيب شائك ،
- أتبحث عن ملائكة في روحي مزرعة ، غابة ، ثم وجراً للذئاب !
- غرباء يسكنون الروح ، لكني أولهم !
- لم صارت روحي مزرعة ، غابة ، ثم صارت وجراً للذئاب !
- أنى لي أن أصعد إلى السماوات فيما اسمي مثقل بالانحناءات !
- من أي مكان تأتي الأصوات ، تحوم وتغيب فيما أنا مثل مدفن ينمو في وردة ! ذلكم هو الرثاء الحق ، انه الرثاء لحياة تبددت نضارتها بطريقة ما وتركت الروح منخورة مثل وسادة بالية .
وعبر سياق آخر من الفهم ، نراه في تأججات ثمالته قد توغل عميقاً سعياً وراء استخراج لؤلؤته الأثيرة ، تلك اللؤلؤة التي ربما تكون مطمورة في رمال النفس أكثر مما هي موجودة في الأماكن الأخرى ،
- لا تحصى كنوزي ، تفاحة في السماء ، وعشب في الرمال ، وعصفور في الفجر يعلمني الغناء !
- هذا الحصى ، لؤلؤ في الحضور !
- حبة قمح ، هو ذا زادي .
- إن كنت تقطف وردة أو تطلق النار على غزال فإني هنا أراك !
- يحاصرني الفرح كمدية ، توهج توهج ، هذا هو الامحاء !
إنه السليل الحق لذلك النمط من الفهم الذي يتموضع حول التجرد ما أمكن من الأعراض الزائلة ، والتركيز بدلاً من ذلك على محاولة الوصول إلى عمق الدلالة ، ذلك الفهم الذي يتحدر منذ مرحلة ما قبل اشتراع القوانين والأنظمة والعقائد ، تلك المواضعات التي كثيراً ما كبلت الإنسان وأقامت الحواجز المريرة ما بينه وبين بني جنسه ، حيث الإنسان في نصوعه الأولي المشرق عناق وغزل دائمين مع الطبيعة البكر وحيث لم يتم بعد اختراع المداخن ، ومروراً بفيثاغورس وامبادوقليس وديوجونيس وكثيراً من المتصوفة الإسلاميين ، ثم فيما بعد باسكال وروسو ووليام بليك ، وبصورة أكثر حصراً والت وايتمان " سأرقد فوق العشب مثل طفل " ، " وحدي لا امجد المعادن وحدي امجد الريح ، مع لمسة من البوذية الشفيفة ، " أنا شحاذ للرفقة " !
ترى أيمتلك أحدنا مثل هذا الفصام النقي الوهاج الذي امتلك سره في يوم ما الفنان عادل كامل فأودع نزغاته في مخطوطة سماها " ألفية الولد الخجول " من خلال كل ما يضطرم فيها من تمجيد لنقاء السريرة والدعوة الحثيثة للبحث عن خلاص روحي ، ذلك الخلاص الذي لا يتم إلا بالمرور في تدرجات المطهر القاسية ، انه يشير لنا عبر مجساته السابرة الى ان هناك والى جوار هذه الوحول التي تخوض فيها ان ثمة جداول خفية تنساب بعذوبة الماء وان ليس بشيء قادر على طمسها تحت أعتى الظروف .

للاهازيج قصصها-بقلم حامد كعيد الجبوري


حامد كعيد الجبوري وللأهازيج قصصها

عروضيا تعد (الهوسة) من بحر الخبب – حركة الخيل - هكذا صنفها الخليل بن احمد الفراهيدي ، وتعتمد بتفعيلتها على (فعلن) مكررة ، وتسمى لدى الشعراء الشعبيون ب ( الهوسة) ، ومنهم من يسميها (أعكيلية) نسبة لعشائر (العكيلات) ، ومنهم من أسماها ال(طربكة) نسبة لحركة قوائم الخيول (طربك ، طربك) و(طربك) عروضيا تقابل ( فعلن ، فعلن) ،ومنهم من أسماها (الأهزوجة) وهناك خطأ شائع يقع به الشعراء حيث يسمون (الهوسة) ب ( العراضة) ، و (العراضة) قد يكون من معطياتها (الهوسة ) ، و (العراضة) يعرفها أهل الوسط والجنوب العراقي وبخاصة أهالي الفرات الأوسط ، وللعراضة مراسيم
خاصة لسنا بصددها ، كعراضة المتوفى وعراضة الزواج وعراضة (تشييخ) أحدهم لعشيرته ، وقد لعبت – العراضة – فعلها الواضح على رجالات العشائر أبان ثورة العشرين التي مرت ذكراها خجولة يوم 30 حزيران ، أذ سلطت الأضواء على الاتفاقية الأمنية التي وقعها الساسة فقط ، دون عرضها للاستفتاء الجماهيري ، بمعنى أنها مررت علينا وأصبحت واقع حال مفروض وهذا ما أثارني لكتابة هذه الموضوعة .
تكتب ( الهوسات ) بكافة أوزان الشعر الشعبي كالموشح والتجليبة والنصاري وهذه هي الأوزان الشائعة غالبا ، ومنهم من يكتبها بأوزان أخرى ، مع ملاحظة أن الأبيات التي يكتبها الشاعر -المهوال – غالبا لا تزيد على ثلاثة أبيات يختمها بال (هوسة) والتي يجب أن تكون على تفعيلة الخبب ( فعلن) لكي يؤدي المجتمعون مع ( المهوال) الحركات التي تتوائم مع أهزوجته ، وتتخل الإهزوجة حركات راقصة من مؤديها جميعا ، وغالبا ما يحمل الشاعر بيده بندقيته ويرقصها بيده ويطلق الآخرون عيارات نارية من بنادقهم .
1 : ( بالرارنجية أنت ويانه)
الشيخ مرزوك العواد (أبو جفات) شيخ عشيرة (العوابد) والتي يمتد سكن رجالاتها بحوض الفرات الأوسط ، ومضيف الشيخ مرزوك بناحية الشامية حيث مسكنه وعشيرته الأم ، ويعد الشيخ مرزوك من رجالات ثورة العشرين وقوادها ، ومن المعلوم أن ثورة العشرين أجبرت حكومة بريطانيا العظمى بالنظر بجدية لمطالب الثوار بتشكيل حكومة وطنية ، وكانت رغبة بريطانيا جلب ملك لكرسي العراق من غير الثوار المنتفضون عقوبة لهم ، وكان لهم ما أرادوا بدسائس أثبتها المختصون ، وحينما أصدرت بريطانيا العظمى أوامرها باستقدام الملك فيصل الأول من سوريا لمملكة العراق الجديدة ، كان
الشيخ مرزوك العواد من ضمن الوفد الذي ذهب لجلب جلالة الملك ، خلال المسيرة الطويلة من سوريا الى العراق أرتبط ملك العراق الجديد فيصل بعلاقة صداقة حميمة مع الشيخ مرزوك ، وعرف الملك أن الشيخ مرزوك يقول الشعر الشعبي رغم عدم معرفة الملك باللهجة العراقية الجنوبية المحكية ، ودع الشيخ مرزوك مليكه الجديد بعد أن وصل لبغداد وقفل راجعا للشامية ، بعد حين أراد الملك فيصل زيارة الألوية العراقية - هكذا تسمى سابقا – وحين وصوله للشامية كان الشيخ مرزوك باستقباله بمضيف عشيرته ، وكان برفقة ملك العراق كل من رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية ناجي
السويدي ، طلب الملك فيصل من الشيخ عواد أن ( يهوّس) لمقدم صديقه ، أجابه الشيخ مرزوك لست ( مهوالا) جلالة الملك ، وهنا أمر رشيد عالي الكيلاني الشيخ مرزوك قائلا له ، (مرزوك هوّس لجلالة الملك) ، لا حظ الشيخ مرزوك هذا الإسلوب الفض من رشيد عالي الكيلاني حيث لم ينعته بالشيخ ، وحتى لم يكنيه بأبي جفات فكبر ذلك عليه وقال له ، نعم (هسه حلَت وحلت الهوسه) وأنشأ قائلاً وهو يعلم جيدا أن رشيد عالي الكيلاني لم يكن له أسم يذكر بثورة العشرين وإنما جاءته هكذا بالصدفة والعلاقة – كأيامنا هذه (إ يجد أبو كلاش وياكل أبو جزمه) - ، وكما أطلقوها سابقا ( خياركم
بالجاهلية خياركم بالإسلام) ، ويعرف الشيخ مرزوك أن أسم أم رشيد عالي الكيلاني ( عليه) فأنشأ قائلاً
ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكيه
دلالة على جلب الملك فيصل من سوريا
وأبن (عليه) وزير ويامر أعليه
وأدار وجهه صوب وزير الداخلية ناجي السويدي مكملا إهزوجته قائلاً
إ بحضك هم شفت هاي الأفندية
( بالرارنجية أنت أويانه )
والرارنجية قريبة من مدينة الحلة بإتجاه الجنوب – النجف - حدثت بها معركة ضارية مع الإنكليز.
2 : ( خايف منك خاف أ تجيت أعليه)
مرض الشيخ ( حاتم الحسن ) شيخ عموم الحسناوين في الفرات الأوسط ، وهو من سكنة ( الصليجية) ناحية العباسية العائدة لقضاء الكوفة محافظة النجف الأشرف ، وكان مرضه الذي مات به منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، وحاتم الحسن وجه عشائري له ثقله بين عشائر العراق ، ولوالده موقف سجل عليه لا له فترة ثورة العشرين الخالدة يذكره المهتمون بها ، ومن المعلوم أن كل شيوخ العشائر لهم (مهاويلهم) الخاصون بهم ، والشاعر (المهوال) لسان عشيرته بأفراحها وأحزانها وحروبها وغاراتها على العشائر الأخرى ، ويفضل (مهوال) العشيرة على (المهوال) الذي ينتمي لعشيرة أخرى ،
وكان لحاتم الحسن شاعرا (مهوالاً) صديقا له أسمه (فنجان الحسناوي) ويكنى بأبي زيدان ، والشيخ حاتم الحسن مسجى بإحدى مستشفيات العاصمة بغداد منتصف السبعينات تحدث من على سرير موته مع (مهواله) فنجان قائلاً له ، فنجان ، أجابه ( لبيك إمحفوظ آمر) ، قال الشيخ لفنجان لطالما امتدحتني بحياتي في مواقف شتى فما عساك تقول راثيا لي بعد موتي ، أجاب فنجان شيخه ( عمرك إطويل إمحفوظ إنشاالله من عمرنه على عمرك) ، قال الشيخ ( لا فنجان هاي مرضة موت ماظن أكوم منها ، أبروح أبوك شو درثيني) ، أطرق فنجان قليلا ونهض من مكانه قائلا
وراك العمر ما ريده ولا هوّس بعد بحزام
وعليك إنسد مضايفنه يملفه الزلم من تنظام
ي(نيص) الأسد من تجبل أعله ظهره من يريد أينام
خايف منك خاف إ تجيت أعليه
الشطران الأولان معلومان للقارئ الكريم ولكن الشطر الثالث يحتاج للتوضيح كما أرى ، فال(نيص) حيوان بري يقارب الأرنب بحجمه ولكنه بوثبة واحدة ينقض على الأسد ويقضم رقبته من قفاه فيدرك الأسد النزف من الدماء حتى الموت ، فلذا عندما يرى الأسد (نيصا) ينام على ظهره ويرفع أرجله ويداه لكي يتقي قفزة ال (نيص) ، إلا أن ال(نيص) لا يهجم على فريسته وهو نائم على ظهره لأن بذلك حتفه بل ينتظر جزع الأسد من استلقائه ليهجم عليه ويفترسه ماصا دمه .
وأطرق (المهوال) وأردف قائلا
ياميراث الأول حيث الأول عال – من العلو
ويا حلو المحاجي ويا كلب رجال
ترهه أعله السطور ومثل حرف الدال
(خليه يالدنيه أتنومس بيه)
ولا أعرف بماذا يتمييز حرف الدال على بقية الحروف ولم أجد من يفسر لي ذلك ، وقد يكون الشاعر يقصد أن حرف الدال يشبه رأس السهم .
3 : (الشر يتلبد وأحنه أندور أعليه)
يمر القطار النازل والصاعد من وألى البصرة الفيحاء عشائر بل قل قبيلة الظوالم وهي كثيرة البطون ، والتي تمتد من الديوانية وصولا لذي قار ، وكان الوطنيون من الثوار المعارضون لوجود المحتل ببلادهم يعترضون قطار المؤن والمعدات العسكرية الإنكليزية برميه بما تيسر لهم من أسلحة آنذاك ، أستاء القائد الإنكليزي من فعلتهم هذه وأرسل لقسم من الشيوخ المؤازرين للمحتل وما أكثرهم – ما أشبه اليوم بالبارحة - ، جمع القائد الإنكليزي مثل هؤلاء الشيوخ بمكتبه وحدثهم بمكره وأهداهم العطايا فمنهم من استجاب ومنهم من رفض ، أغدق القائد الإنكليزي على من تواطأ
معه وأعطاه مبلغا من المال لأجل مأدبة يقيمها للقائد المحتل ، أكل الجميع من هذه المأدبة المدفوعة الثمن وتحدث القائد مع الجميع قائلا ، لا أريد من عشائركم شيئا ما إلا أخبارنا أو إخبار الشيخ بأسماء من يتعرض للقطار بعد هذا اليوم ، أجاب الشيخ بنعم لك ما تريد أيها القائد ، قال القائد موجها كلامه للجميع إجلبوا لنا قرآنا ليكون شاهدا عليكم ، جلب الشيخ قرآنه وقبل أن يضع يده على القرآن للقسم نهض أحدهم من مكانه مخاطبا الشيخ ، ( على هونك إمحفوظ خليني أهوّس كبل ما تحلف) ، تفتحت أسارير الشيخ معتقدا أن (المهوال) سيطلق عنان لسانه لصالحه أي الشيخ
ليقبض ثمن إهزوجته (هوسته) ، وكانت (نخوة) عشيرة الظوالم هي (ولد جلبه) ، والنخوة هذه يعرفها أبناء العشائر، ولكل عشيرة نخوتها الخاصة بها ، يطلقها أبن العشيرة حينما يظام ولا يجد ناصرا له ، توسط (المهوال) الجمع قائلا
أحنه (أولاد جلبه) وبزرة الشيطان
ويروى
أحنه (أولاد جلبه) وما نهاب الدان - القنابل
نحلف بالترك ما نحلف بقرآن
ونحلف بم (صليب) الجايه من إيران
(الشر يتلبد وأحنه أندور إعليه)
ونحلف ب ( الترك ) دلالة للبندقية التركية التي هي سلاحنا ولا نقبل أن نحلف زورا وباطلا بالقرآن الكريم ، و(أم صليب) البندقية المعروفة والتي كانت تصنع في دولة إيران ويجلبها- (القجخجيه )- المهربون لبيعها للعشائر الثائرة ، وهكذا إستطاع هذا المهوال الذي لا أعرف أسمه من أن يضيع فرصة الفوز بمغنم خائن للشيخ الدخيل ، وخرج القائد الإنكليزي من المضيف خالي الوفاض

الفنان جميل الكبيسي وهو يستعد لاقامة معرضه السادس-حاوره احمد الحلي



وهو يستعد لإقامة معرضه السادس التشكيلي جميل الكبيسي :

أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة

حاوره : احمد الحلي

استطاع الفنان جميل الكبيسي أن يؤسس له حضوراً فاعلاً ضمن خارطة المشهد التشكيلي في مدينته الحلة مثلما هو دائب البحث عن مضامين جديدة في أفق الفن التشكيلي . ولد الفنان في مدينة الحلة في العام 1947 ، أقام معرضه الشخصي الأول على قاعة اتحاد أدباء بابل 1996 ، وأردفه بمعرضه الثاني على قاعة نقابة الفنانين ، ثم توالت المعارض الأخرى وكان آخرها المعرض الذي أقامه على قاعة جمعية الرواد التشكيليين في العام 2005 ، وللفنان الكبيسي اهتمام في مجال التنظير الثقافي والمعرفي حيث أنه يعد من الأقطاب الفكرية والثقافية المهمة في مدينة الحلة ، ومعرضه الأخير الذي يزمع إقامته على إحدى القاعات في مدينته مكرس تماماً لثيمة البورتريت أي الوجوه ، وهو في هذا المعرض منحاز تماماً إلى رسم الوجوه الشعبية العادية جنباً إلى جنب مع بورتريتات لأدباء وفنانين كبار .

في أحد الأمكنة في مدينة الحلة التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار :

بدءاً استطيع القول أن الفن شكل من أشكال النشاط العملي للإنسان ، ولابد أن يستجيب هذا النشاط لحاجات الناس المادية والروحية ، كما لابد أن يتأثر بحركة المجتمع ليعبر عن طموحاته في العمل والحياة وبناء المستقبل ، كما ينبغي أن نعي حصول تحولات جذرية في مجرى حياتنا ، إضافة إلى أن مشكلات العصر وتحولاته أفرزت معايير جديدة وإمكانيات مادية وعلمية في تلبية طموحات الناس وسد حاجاتهم ، إذن يتحتم على الفنان أن يقرأ الواقع قراءة جديدة ويستفيد من هذه المعطيات ، وأن يأخذ بنظر الاعتبار أن المشاهد حين يقف أمام نص بصري يريد أولاً أن يضيف إلى ذائقته شيئاً ، والفن التشكيلي قادر على أن يلعب دوراً حيوياً في إيصال رسائله الجمالية والتعبيرية لكل الناس لاسيما أن الفنان العراقي منذ زمنٍ أخذ ينحو باتجاه تعدد الرؤى وتعدد التجارب ، وقد تأثر الفنان العراقي في بداية مشواره بالتجارب العالمية وأخذ الكثير منها في مساراته الفنية ، ولذلك نجد أن المنجز التشكيلي العراقي خليط من الحداثة ومن التجريب وبعضه واقعي ويومي ومعاش يعكس تجارب من مناخاتنا وبيئتنا المحلية ، إذن فالتأثير لابد أن يحصل لا محالة بفعل سعة النوافذ المطلة على الغير لمنح فنوننا بعداً حضارياً وتفاعلياً ، أما التزمت برؤيا واحدة فذلك يعني الجمود والسكون وهو لا يضيف للعملية الإبداعية شيئاً جديداً ، فالإبداع يولد كالشرارة بالتصادم والاحتكاك وينتقل إلى كافة الجهات ليُحيل الواقع إلى ما هو أجمل وأفضل .

* أيهما أكثر أهمية لديك ، الموضوع أم الشكل أم اللون ؟

* ما هو سر اهتمامك بالموروث الشعبي والحياة اليومية العادية ؟

إن كل شعوب الأرض لها موروثها الشعبي الخاص الذي تستند إليه الرؤيا والتفسير في شؤون الحياة والموت ، وهي تشكل طقوسها في التعبير عن أفراحها وأحزانها ، فرؤية الناس هنا لا تشذ عن هذه القاعدة ، وفي بلدنا موروث شعبي هائل يمنك أن نعده أساساً في بناء تصوراتنا عن الواقع وعن المستقبل ، بالإضافة إلى أن الفنان مخلوق مرهف الحس وله مجساته الخاصة لالتقاط ما هو مؤثر وفعال من مناخاتنا الروحية والبيئية وغالباً ما تتحول لديه تلك المؤثرات إلى عطاء ثر فيه شيء من نكهة الماضي وصورة المستقبل ، لذا أجد أن الموروث الشعبي في كل مكان هو الأرضية المناسبة التي تستند عليها تصورات الناس في تكييف الحياة بما يفتح أفقاً جديداً .

* من المعلوم أنك تستفيد بلوحاتك من الإرث الرافديني القديم ، كيف استطعت أن
توظف ذلك حداثوياً ؟

الفنان كالبحر ، هائج ومتقلب بأمواجه ورياحه ، وهو لا يقيم علاقة أبدية مع الأشياء وأجد أنه مهما توسعت مخيلته في البحث عن الجديد ، فهو لا يمكن أن يغادر بيئته وإرثه العميق .. لابد له أن يتكئ على ما خلفه الأسلاف ويتمثل ما تركوه ، وإلا وجد نفسه أمام حالة من الجدب أو في صحراء تخلو من أي شيء يستعين به ، والفن منذ القدم هو سلسلة من التراكم البصري لا يلغي آخره أوله ولابد للفنان أن يستفيد من الطاقات الهائلة في الفن القديم ، وبنفس الوقت عليه أن يُدرك أن لكل عصرٍ فنونه الخاصة التي تعبر عن حاجاته المادية والروحية ، بمعنى آخر ، يجب أن تخضع اللوحة لمعايير زمانها ومكانها وإلا أصبحت الفنون استنساخاً فجاً مكرراً لا معنى له .

* ما هو موقفك من النقد ، وما يقال في مجال الفن ؟

للأسف إن بعض الآراء النقدية عبارة عن زيف ومجاملة ، فهي غالباً ما تنشر كلاماً لا يتناسب مع حجم الموهبة وحجم العطاء ، وفي أحيان كثيرة تلهث وراء تجارب لكبار الفنانين بغية تكريس شهرتها دون أن تلفت لرعاية البراعم المتفتحة الموهوبة لتزيدها مواصلة وعطاءً ، وارى أن على الناقد أن يكون متوازناً في عمليته النقدية وأن يغادر المجاملة ، وأن يتبنى أحكاماً صريحة وجريئة تزيد من وضوح الرؤيا وتسلط الضوء على نتائج العملية الإبداعية برمتها .

* ما هي مشاريعك الفنية في الوقت الحاضر ؟

أنجزت مجموعة أعمال وجوه ( بورتريه ) لشخصيات وطنية وعالمية من رجال الفكر والأدب والسياسة ، وبعضها وجوه شعبية من وسط الناس ... نفذت بالألوان المائية ، وأنا أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة تحكي كل شيء عن ملامح الزمن وقسوة أحداثه .

شهادة جديدة للدكتور غالب المسعودي في مجال معالجة الاورام السرطانية في منطقة الوجه والعنق من كلية الجراحين الملكية البريطانية


خمسة رسائل

الجمعة، 16 يوليو 2010

شناشيل البصرة القديمة تحت النظر-عدسة الفنان ناصر عساف








عبد الكريم قاسم,ذاكرة لاتنساه-2-بقلم حامد كعيد الجبوري





عبد الكريم قاسم ، ذاكرة لا تنساه / 2
حامد كعيد الجبوري
عام 1959 م أنهى الصديق حميد جابر المطيري تولد عام 1940 م الدورة الأساسية للجنود المكلفين بمركز تدريب الحلة صنف المخابرة ، شاءت الصدف أن ينسب لبدالة وزارة الدفاع العراقية الكائنة في باب المعظم – للطرفةمقابل لبن أربيل ، لم يكن (ابو وليد) مهتما بالسياسة ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد ، يعمل قبل دخوله للجيش بصفة مكلف مصلح للساعات وهي عمل بالكاد يسد حاجته الشخصية قبل زواجه ، ناهيك عن العدد القليل ممن يقتني الساعات آنذاك ، بعد التحاقه لعمله عام 1959 م كجندي عامل بدالة ، كان كأقرانه من الجنود يناط لهم مهمات أخرى كالحراسة على المشاجب
للسلاح أو حراسة غرفة المساجين وهكذا ، طيلة هذه المدة لم يحظ بلقاء مع الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم سيما وأن أقرانه الجنود يلتقون الزعيم بين مدة وأخرى ، في أحد أيام واجبه للحراسة كلف بالصعود مع بندقيته النصف آلية (السيمينوف) لسطح وزارة الدفاع بالقرب من السلم المؤدي للسطح ، سمع صاحبنا أبو وليد جركة على السلم وماهي إلا لحظات وإذا به وجها لوجه أمام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، تنكب بندقيته ووضعها على كتفه وأدى للزعيم تحية الأمراء – وهي عبارة عن وضع البندقية الملئى بالعتاد الحي أمام جسمه قابضا على أخمسها باليد اليمنى واليد
اليسرى الى أعلاها بقليل مع وضع قدمه الأيمن خلف القدم الأيسر بشكل قطري عليه - ، وقف الزعيم الراحل قبالته وكأن مصورا فديويا يراقب ما يفعل – هكذا كان الر جل عسكريا محترفا – وسأله ما أسمك ؟، أجاب صاحبنا ( نعم اني الرقم .... الجندي المكلف حميد جابر) ، أصدر الزعيم أمره لجنديه كما هي التقاليد العسكرية ( تنكب سلاح ، جنبك سلاح ، إسترح) ، نفذ حميد أوامر القائد وبدأ يتابع حركات سيده الضابط ، يقول الصديق حميد جابر كانت عينا الزعيم لا تستقران على منظر أو صورة يشاهدها ، ينظر بعيني صقر صوب نهر دجلة الطافح بالخير ، ومرة يرفع بصره صوب الكرخ ، ومرة صوب
المحكمة العسكرية ، ومرة أخرى صوب الجندي الذي تجمد في مكانه رهبة لمشاهدة زعيمه لأول مرة ، ويحمل الزعيم بيده عصا تسمى لدى العسكريين عصا التبختر وهي من أشجار الخيزران وتباع للضباط في حانوتهم ، أي أن الزعيم ينفذ مارسمه لنفسه ولضباطه على حد سواء ، يقول حميد أدركت أن الرجل كان عصبي جدا حيث أنه يضرب بعصاه الخيزران ساقه الأيمن بشدة بحيث أسمع وقع العصى على ساق الزعيم وأنا – حميد – أقفز بمكاني مع كل ضربة يضرب بها نفسه ، تحرك الزعيم صوب جنديه ووقف أمامه وسأله من أي محافظة أنت ؟ ، أنا من بابل سيدي ، منذ متى رأيت عائلتك ؟ ، قبل يومان عدت من
إجازتي سيدي ، قال الزعيم لجنديه سلم بندقيتك وخذ إجازة سبعة أيام وخذ عشرة دنانير من مرافقي لأدائك مراسيم التحية بشكل عسكري مميز ، أجاب حميد لزعيمه شكرا لك سيدي ، لم يغادر الزعيم مكانه وبقي على سطح الوزارة وبقيت حميد- أنتظر نزوله لأنفذ ما أمرني ، أو ما منحني إياه ، والزعيم يأخذ السطح ذهابا وإيابا ، بعد هنيهة سمعت صوته موجها لي وكأنه صاعقة نزلت فوق رأسي ، لماذا أنت هنا لحد الآن ، ألم أمرك بالذهاب بإجازة ، إذهب ؟ ، يقول حميد ويقسم أن صوت الزعيم كان ك (الشفل) أقتلعه من جذوره ورمى به منتصف السلم ، نهاية السلم وجد حميد مرافق الزعيم
وأبتسم الرجل بوجهه قائلا ما يربكك ، أخبرته بأمر الزعيم وسمعته يحدث نفسه قائلا ( والله لقد وزع كل راتبه على جنوده ، أنا لله وإنا له راجعون ، هاك عمي هاي أول عشرة دنانير أقرضها للزعيم وأستلمها نهاية الشهر ) .
اللقاء الثاني الذي يرويه الجندي المكلف حميد جابر المطيري يقول ، أخبرنا أحد ضباط الركن أن هاتف دائرته المجاورة لمكتب سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم قد تعطل ، وأسند للجندي حميد عامل البدالة مسألة إصلاحه ، نهاية الدوام الرسمي أخذ حميد عدته لتصليح الخط العاطل ، ولأن الدوام منتهيا فهو لم يرتدي طاقيته ولا حذائه الرسمي (البصطال) بل كان ينتعل (نعالا) ، وحميد بمهمته سمع صوتا من غرفة الزعيم مناديا يا ولد ، لم يكترث حميد لصوت الزعيم لأنه غير معني بذلك ، كرر الزعيم مناديا يا ولد بصوت أعلى ، ولا مجيب ، فتحت باب دائرة الزعيم وأطل بوجهه صوب
الممر ولم يشاهد إلا حميد – مصلح الخطوط – في الرواق ، سأل الزعيم بعصبية واضحة من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟ ، أجابه حميد بأنه عامل البدالة وتلفون هذه الغرفة معطل وأنا هنا لإصلاحه ، قال الزعيم بصوت عال لماذا لم ترتدي كامل قيافتك ؟ ، أجابه حميد أن الدوام قد أنتهى سيدي ، لماذا لم ترد على ندائي ؟ ، قال له حميد أني أعتقد يا سيدي أنك تنادي على ( مراسلك) ، قال له الزعيم وأين هو هذا المراسل أذهب وأبعثه لي ، - لكم أن تتصوروا رئيس وزراء العراق ووزير الدفاع ليس له إلا مراسل واحد يقف على خدمته - ، يقول حميد لم أعثر على مراسل الزعيم ولبست كامل قيافتي
وطرقت باب دائرته دخلت عليه وقلت له سيدي لم أجد مراسلك ، قال الزعيم لحميد إذهب لمطعم الضباط وأتني بصحن ، نزلت مسرعا لمطعم الضباط وجلبت له ما يريد- الصحن عسكري يوجد حرف ج يعني جيش منتصف الصحن 0- ، صرخ بوجهي ألم أقل لك أجلب صحنين ، قال حميد للزعيم والله سيدي قلت صحن واحد ، أبتسم الزعيم بوجهه وقال له آتني بذلك ( السفرطاس) ، قدمت له ما أراد ونظرت ل ( السفرطاس) والذي هو عبارة عن قدور أو صحون صغيرة توضع فوق بعض ، أحداهن للمرق والآخر للرز ، وآخر يوضع بداخله شئ من البصل والخضروات ، وعلى جانبي (السفرطاس) رغيفان من الخبز الحلال ، أخذ الزعيم من يد
حميد الصحن وفتح (السفرطاس) وأخذ بيده الملعقة وبدأ يأخذ قليلا من الرز ليضعه داخل الصحن حتى ملئ نصف الصحن رزا ، ثم بدأ يأخذ شيئا قليلا من المرق ( باميه) ويضعها فوق الرز ، ثم بدأ يحدث نفسه ، (اليوم غدرونه باللحم لحمه وحده بس ) ، ولم يرفع تلك اللحمة وبقيت في صحن ( السفرطاس) وقال لجنديه حميد ، خذ هذا وتغدى به ، قال له حميد شكرا سيدي أني أتغديت ، قال له الزعيم (بابه والله اليوم ما أشتهي وأحببت أن أشارك مراسلي بغدائي ولكنه غير موجود فها هي حصتك الله قاسمها إلك) ، يقول حميد مددت يدي لأخذ الصحن الخالي من اللحم قال لي الزعيم لا خذ كل شئ وأترك لي
الصحن ، قلت له سيدي لأضع لك هذه اللحمة ، ضحك بوجهي وقال لي أنها حصتك (وليدي ) ، خرج حميد من غرفة الزعيم محملا بأشرف لقمة أكلها طيلة حياته كما يقول ، ويقسم أن لذة إكلها لا تزال تحت لسانه من عام 1959 م وليومنا هذا .
حميد جابر المطيري من سكنة محافظة بابل لم يكن يعرف السياسة إلا بعد أن أصبح جنديا مع الزعيم عبد الكريم قاسم ، يقول عن الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم أنه جسد شخصية الإمام علي أبن أبي طالب بكل تفاصيل حياته ، حتى أن مدة حكم الشهيد عبد الكريم قاسم تتشابه مع مدة حكم الإمام علي (ع) .