عناقات ألمودوفار مزيج من الحياة والفن
دواني دوديك
ترجمة علي عبد الأمير صالح
استغرق العمل في فيلم المخرج الإسباني ألمودوفار ثماني عشرة سنة ً ، إذا قيض لك أن تتلاعب بالأرقام بحرية وبسرعة .
بنيلوب كروز التي لعبت دور ممثلة في علاقة ٍ غرامية ٍ محكوم عليها بالإخفاق كانت قد إلتقت ألمودوفار حين كانت في ربيعها الثامن عشر .
" أصبحنا صديقين منذ البداية " ، قالت كروز في حوار ٍ أجري معها في الأيام الأخيرة من السنة الماضية ( 2009 ) في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي .
" تقاسمنا قدرا ً كبيرا ً من حياتينا . إنني أعده واحدا ً من أقرب الأصدقاء إلى نفسي " ، هذا ما قالته الممثلة الإسبانية ( من مواليد 28 نيسان 1974 ) التي مثلت حتى الآن أربعة أفلام سينمائية للمخرج ألمودوفار .
ويلعب النجم السنمائي لويس هومار ( 51 عاما ً ) والذي شاركها التمثيل في فيلم ( عناقات محطمة ) دور المخرج على مدى زمن ٍ طويل ، بضمنها تلك المدة التي كان فيها أصغر سنا ً من الآن بثمانية عشر عاما ً .
قال هومار في حوار منفصل : " حين قرأت ُ مخطوطة الفيلم ، جرى لي شيء يصعب عليّ تخيله .. أتذكر أنني قلت ُ لـ بيدرو : [ لماذا لا تجعلها أربعة عشر عاما ً ؟ ] "
بطبيعة الحال ، إنها محض مصادفة وملاحظة اعتباطية . إنما لأن ( عناقات محطمة ) يدور حول حلقة التغذية الإسترجاعية بين الحياة والفن ، وبما أن الفنان الذي أبدعه لم يكن هناك كي يتحدث عن نفسه ، يغدو ما له صلة بالموضوع لعبة ً ذات عشرين ــ أو ثمانية عشر ــ سؤالا ً ، مع نجوم الفيلم .
هومار شخص غاية في الهدوء حتى أنه يحب الحوارات الصحفية لأنها تساعده على فهم الكيفية التي تم فيها إدراك عمله السينمائي .
على الرغم من مسيرته الطويلة في المسرح ، السينما ، و التلفاز في إسبانيا ـــ أخرج هومار ومثل في إعمال معدة باللغة القشتالية لمسرحيات شكسبير ، ماميه ، موليير وإبسن ــ فهو غير معروف في أمريكا .
خلال الحوار مع بنيلوب كروز ، لم يكن ثمة رجل أو امرأة في الغرفة ، كانت الممثلة الإسبانية ترتدي بلوزتها الوردية السميكة ، تلبس كُما ً في كل مرة .
أن تكون معرّضة ً للمراقبة هو جزء من حياة كروز . وإن جزء السيرك من حياتها " يشبه فيلما ً من أفلام فيلليني " ، قالت كروز ، التي تلعب دور ممثلة مشاركة في المسرحية الموسيقية ( تسعة ) المعدة من فيلم فيلليني ( ثمانية ونصف ) .
وأضافت قائلة ً : " وماذا تفعلين بذلك ؟ هل أنت ِ جزء من ذلك السيرك ؟ أم أنك ِ تؤدين مهنتك ِ بأفضل ما تستطيعين وتحاولين أن تعيشي حياة ً طبيعية ً . "
كي تدرك الجانب السيركي من حياتها ، تقول كروز : " أقنعت ُ نفسي بأنني أحتاج إلى توازن أفضل من امتلاك وقت ٍ خاص بي بين الحقب الزمنية التي أقف فيها أمام الكاميرا . لهذا السبب فأنا لا أصنع أربعة أفلام في السنة الواحدة . مجرد فيلم واحد أو اثنين . لأنه شيء يورث الاستنزاف العاطفي . قد يحدث شيء ما . أنت ِ لا تستطيعين أن تعاملي نفسك كإنسان آلي ( روبوت ) وتتظاهرين بأن ذلك ليس له تأثير ثانوي . لأنه حقيقة ً ذو تأثير . "
يقول هومار : " كروز نجمة بالمعنى الجيد للكلمة . بالمعنى الحديث ، تمتلك هي شيئا ً لا تستطيعين أن تتعلميه في أي مكان أو في أي مدرسة. إما أن تتعلميه أو لا . أما هي فتمتلك هذا الشيء . إنها متواضعة جدا ً وجدية وتعمل بمثابرة ودأب . إنها تتطور دوما ً بوصفها إنسانة وفنانة . وإنها جادة جدا ً في ما يتعلق بالموهبة التي تمتاز بها . "
قالت كروز التي نالت إحدى جوائز الأوسكار إستنادا ً إلى إجلال ألمودوفار لفيلم وودي ألين " فيكي كرستينا برشلونة " ( الذي لعبت فيه كروز دور ماري إيلينا ، الزوجة السابقة لـ خافيير باردوم والمصابة بعدم الاستقرار النفسي ــ م . ) : " المخرجان كلاهما لا يختلف أحدهما عن الآخر . "
ألمودوفار " سريع الإدراك . أنت ِ لا تستطيعين أن تكذبي عليه . في التمثيل وخارجه . وإن حقيقة كوننا صديقين لا يعني أنه أقل صلابة ً أو صرامة ً . وأشعر بنفس إحساس الفراشات في المعدة حين أكون في المشهد السينمائي تحت أمرته . قلقي الأعظم هو أن أجعله يؤوب إلى منزله مخيب الأمل بعد يوم ٍ من التصوير بالكاميرا . أريد أن أجعله سعيدا ً وأن أعطي مائة بالمائة من قدراتي . "
بالمقارنة ، تقول بنيلوب ، ألين لا يدرب الممثل على أداء الدور ، وإنه " يهبك ِ قدرا ً هائلا ً من الحرية في مشاهد التمثيل . كلاهما فريد حقا ً . وإنه شيء عظيم لنا نحن الممثلين والممثلات أن نتعلم كل الطرق المختلفة كي نصل إلى المكان نفسه . "
بينما كان فيلم ( نهاية هوليوود ) لـ ألين ، عن مخرج سنمائي أعمى : كوميديا ، يأخذ ألمودوفار الفكرة نفسها في ( عناقات محطمة ) ، إلا أن عمله هذا يأتي بهيئة تراجيديا .
قال هومار إن تمثيل دور شخصية عُميت من جراء حادثة استغرق شهورا ً عديدة ً من التحضير الكثبف والدراسة على يد معلمين خصوصيين للعميان .
" إنما أكثر الأمور صعوبة ً على الإطلاق هو ... لغة العيون . لأنني كنت ُ أرى كل شيء . ويلزمني أن أعطي الانطباع بأنني لا أشاهد شيئا ً البتة . "
في وقت ٍ من الأوقات ، أمضى هومار يومه مغمض العينين . " ذهبت ُ إلى قاعة الألعاب الرياضية ، ومضيت ُ لتناول الغداء وكنت ُ أحتاج لمن يساعدني للذهاب إلى غرفة الحمام . وحين قصدت ُ دار السينما ، كان ثمة مرافق يشرح لي الصور المرئية على الشاشة . "
واستطرد هومار قائلا ً : " بالنسبة للشخصية السينمائية التي مثلتها وبالنسبة لـ ألمودوفار ، صناعة الأفلام هي أكثر الأشياء أهمية ً في حياتيهما . "
كان هومار يطلق على الفيلم الجديد تسمية إجلال ألمودوفار لـ " سينما الظلام " وفسر قائلا ً إن بنيته المؤلفة من ( فيلم داخل فيلم ) " وثيقة الصلة بسيرة المخرج الذاتية " .
وأضاف قائلا ً : " إن بعض الفنانين الكبار يحتاجون إلى صنع بورتريه ذاتي كي يراقبوا أنفسهم ، وبشكل ٍ من الأشكال ، أعتقد أن هذا الفيلم يملك كما ً كبيرا ً من هذا الأمر . إنه حول الكيفية التي يصنع فيها ألمودوفار الأفلام السينمائية . [ إنني أنجز كوميديا لكنني أحيا تراجيديا ] . كان بيدرو يشرح للآخرين ولنفسه ما يحدث له كإنسان . "
عن Journal Sentinel
عدد 14 كانون الثاني ( يناير ) 2010