الجمعة، 28 مايو 2010

عناقات المودوفار مزيج من الحياة والفن-ترجمة د علي عبد الامير صالح


عناقات ألمودوفار مزيج من الحياة والفن



دواني دوديك

ترجمة علي عبد الأمير صالح



استغرق العمل في فيلم المخرج الإسباني ألمودوفار ثماني عشرة سنة ً ، إذا قيض لك أن تتلاعب بالأرقام بحرية وبسرعة .

بنيلوب كروز التي لعبت دور ممثلة في علاقة ٍ غرامية ٍ محكوم عليها بالإخفاق كانت قد إلتقت ألمودوفار حين كانت في ربيعها الثامن عشر .

" أصبحنا صديقين منذ البداية " ، قالت كروز في حوار ٍ أجري معها في الأيام الأخيرة من السنة الماضية ( 2009 ) في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي .

" تقاسمنا قدرا ً كبيرا ً من حياتينا . إنني أعده واحدا ً من أقرب الأصدقاء إلى نفسي " ، هذا ما قالته الممثلة الإسبانية ( من مواليد 28 نيسان 1974 ) التي مثلت حتى الآن أربعة أفلام سينمائية للمخرج ألمودوفار .

ويلعب النجم السنمائي لويس هومار ( 51 عاما ً ) والذي شاركها التمثيل في فيلم ( عناقات محطمة ) دور المخرج على مدى زمن ٍ طويل ، بضمنها تلك المدة التي كان فيها أصغر سنا ً من الآن بثمانية عشر عاما ً .

قال هومار في حوار منفصل : " حين قرأت ُ مخطوطة الفيلم ، جرى لي شيء يصعب عليّ تخيله .. أتذكر أنني قلت ُ لـ بيدرو : [ لماذا لا تجعلها أربعة عشر عاما ً ؟ ] "

بطبيعة الحال ، إنها محض مصادفة وملاحظة اعتباطية . إنما لأن ( عناقات محطمة ) يدور حول حلقة التغذية الإسترجاعية بين الحياة والفن ، وبما أن الفنان الذي أبدعه لم يكن هناك كي يتحدث عن نفسه ، يغدو ما له صلة بالموضوع لعبة ً ذات عشرين ــ أو ثمانية عشر ــ سؤالا ً ، مع نجوم الفيلم .

هومار شخص غاية في الهدوء حتى أنه يحب الحوارات الصحفية لأنها تساعده على فهم الكيفية التي تم فيها إدراك عمله السينمائي .

على الرغم من مسيرته الطويلة في المسرح ، السينما ، و التلفاز في إسبانيا ـــ أخرج هومار ومثل في إعمال معدة باللغة القشتالية لمسرحيات شكسبير ، ماميه ، موليير وإبسن ــ فهو غير معروف في أمريكا .

خلال الحوار مع بنيلوب كروز ، لم يكن ثمة رجل أو امرأة في الغرفة ، كانت الممثلة الإسبانية ترتدي بلوزتها الوردية السميكة ، تلبس كُما ً في كل مرة .

أن تكون معرّضة ً للمراقبة هو جزء من حياة كروز . وإن جزء السيرك من حياتها " يشبه فيلما ً من أفلام فيلليني " ، قالت كروز ، التي تلعب دور ممثلة مشاركة في المسرحية الموسيقية ( تسعة ) المعدة من فيلم فيلليني ( ثمانية ونصف ) .

وأضافت قائلة ً : " وماذا تفعلين بذلك ؟ هل أنت ِ جزء من ذلك السيرك ؟ أم أنك ِ تؤدين مهنتك ِ بأفضل ما تستطيعين وتحاولين أن تعيشي حياة ً طبيعية ً . "

كي تدرك الجانب السيركي من حياتها ، تقول كروز : " أقنعت ُ نفسي بأنني أحتاج إلى توازن أفضل من امتلاك وقت ٍ خاص بي بين الحقب الزمنية التي أقف فيها أمام الكاميرا . لهذا السبب فأنا لا أصنع أربعة أفلام في السنة الواحدة . مجرد فيلم واحد أو اثنين . لأنه شيء يورث الاستنزاف العاطفي . قد يحدث شيء ما . أنت ِ لا تستطيعين أن تعاملي نفسك كإنسان آلي ( روبوت ) وتتظاهرين بأن ذلك ليس له تأثير ثانوي . لأنه حقيقة ً ذو تأثير . "

يقول هومار : " كروز نجمة بالمعنى الجيد للكلمة . بالمعنى الحديث ، تمتلك هي شيئا ً لا تستطيعين أن تتعلميه في أي مكان أو في أي مدرسة. إما أن تتعلميه أو لا . أما هي فتمتلك هذا الشيء . إنها متواضعة جدا ً وجدية وتعمل بمثابرة ودأب . إنها تتطور دوما ً بوصفها إنسانة وفنانة . وإنها جادة جدا ً في ما يتعلق بالموهبة التي تمتاز بها . "

قالت كروز التي نالت إحدى جوائز الأوسكار إستنادا ً إلى إجلال ألمودوفار لفيلم وودي ألين " فيكي كرستينا برشلونة " ( الذي لعبت فيه كروز دور ماري إيلينا ، الزوجة السابقة لـ خافيير باردوم والمصابة بعدم الاستقرار النفسي ــ م . ) : " المخرجان كلاهما لا يختلف أحدهما عن الآخر . "

ألمودوفار " سريع الإدراك . أنت ِ لا تستطيعين أن تكذبي عليه . في التمثيل وخارجه . وإن حقيقة كوننا صديقين لا يعني أنه أقل صلابة ً أو صرامة ً . وأشعر بنفس إحساس الفراشات في المعدة حين أكون في المشهد السينمائي تحت أمرته . قلقي الأعظم هو أن أجعله يؤوب إلى منزله مخيب الأمل بعد يوم ٍ من التصوير بالكاميرا . أريد أن أجعله سعيدا ً وأن أعطي مائة بالمائة من قدراتي . "

بالمقارنة ، تقول بنيلوب ، ألين لا يدرب الممثل على أداء الدور ، وإنه " يهبك ِ قدرا ً هائلا ً من الحرية في مشاهد التمثيل . كلاهما فريد حقا ً . وإنه شيء عظيم لنا نحن الممثلين والممثلات أن نتعلم كل الطرق المختلفة كي نصل إلى المكان نفسه . "

بينما كان فيلم ( نهاية هوليوود ) لـ ألين ، عن مخرج سنمائي أعمى : كوميديا ، يأخذ ألمودوفار الفكرة نفسها في ( عناقات محطمة ) ، إلا أن عمله هذا يأتي بهيئة تراجيديا .

قال هومار إن تمثيل دور شخصية عُميت من جراء حادثة استغرق شهورا ً عديدة ً من التحضير الكثبف والدراسة على يد معلمين خصوصيين للعميان .

" إنما أكثر الأمور صعوبة ً على الإطلاق هو ... لغة العيون . لأنني كنت ُ أرى كل شيء . ويلزمني أن أعطي الانطباع بأنني لا أشاهد شيئا ً البتة . "

في وقت ٍ من الأوقات ، أمضى هومار يومه مغمض العينين . " ذهبت ُ إلى قاعة الألعاب الرياضية ، ومضيت ُ لتناول الغداء وكنت ُ أحتاج لمن يساعدني للذهاب إلى غرفة الحمام . وحين قصدت ُ دار السينما ، كان ثمة مرافق يشرح لي الصور المرئية على الشاشة . "

واستطرد هومار قائلا ً : " بالنسبة للشخصية السينمائية التي مثلتها وبالنسبة لـ ألمودوفار ، صناعة الأفلام هي أكثر الأشياء أهمية ً في حياتيهما . "

كان هومار يطلق على الفيلم الجديد تسمية إجلال ألمودوفار لـ " سينما الظلام " وفسر قائلا ً إن بنيته المؤلفة من ( فيلم داخل فيلم ) " وثيقة الصلة بسيرة المخرج الذاتية " .

وأضاف قائلا ً : " إن بعض الفنانين الكبار يحتاجون إلى صنع بورتريه ذاتي كي يراقبوا أنفسهم ، وبشكل ٍ من الأشكال ، أعتقد أن هذا الفيلم يملك كما ً كبيرا ً من هذا الأمر . إنه حول الكيفية التي يصنع فيها ألمودوفار الأفلام السينمائية . [ إنني أنجز كوميديا لكنني أحيا تراجيديا ] . كان بيدرو يشرح للآخرين ولنفسه ما يحدث له كإنسان . "


عن Journal Sentinel

عدد 14 كانون الثاني ( يناير ) 2010

تميمة كادت تودي بحياة رضيعة-بقلم د غالب المسعودي



تميمة كادت تودي بحياة رضيعة


الصور المرفقة حقيقية لكني لم اعرض الصور التي تثير النفرة مراعاة للبعض

يوم الخميس 27-5-2010 صباحا حوالي الساعة الحادية عشر وفي استشارية جراحة الوجه والفكين التابعة لمستشفى الحلة التعليمي حضرت الطفلة الرضيعة زينب علي البالغة من العمر سنة ونصف وباحالة من من مستشفى الكفل العام بدعوى سقوط من شاهق ولدى المعاينة وملاحظة وجود جروح وتورم في الشفة العليا وتمزقات داخل الفم مع نزف دموي في منطفة الوجه والشفتين,بعدالاستفسار من ذوي الطفلة واخذ التاريخ المرضي للحالة تبين انها سقطت من سطح الدار التي هي في طور البناء وتدحرجت الى الارض على سلم اسمنتي وعادة تدق مسامير في قالب الاسمنت....نقلت الطفلة فورا الى مستشفى الكفل العام تم اجراء الفحص الاولي اخذت لها صور الاشعة السينية,تبين وجود مسامير في منطقة الشفة العليا والجيوب الانفية وقاع الفم حولت المريضة الى شعبة الانف والاذن والحنجرة وبعدها حولت المريضة الى شعبة جراحة الوجه والفكين,ولدى التقييم الاولي تبين انها تحتاج الى عملية فوق الكبرى لازالة الاجسام الغريبة وهذا بحد ذاته يشكل خطورة على حياة الرضيعة وقبل الدخول في تفاصيل العملية هناك اجراءات لابد منها وهي التاكد من موقع الاجسام الغريبة وهذا يتطلب اخذ صور شعاعية متعامدة,مع الصورة الاولى لغرض تحديد ولو تقريبي عن مكان وجود الجسم الغريب وعند تحويل المريضة الى غرفة الاشعة جاءت النتيجة سلبية اي لا توجد اجسام غريبة في منطقة الوجه,ولدى التحقق ومقارنة صور الاشعة السابقة تاكدت من انها تعود للمريضة نفسها,السؤال الان اين ذهبت المسامير,راودني شك قد يكون ان الطفلة قد ابتلعتها ,طلبت من زميلي طبيب الاختصاص في الاشعة ان يعمل لها صورة اشعة للصدر والبطن خوفا من ابتلاعها للمسامير وهي طفلة لاتدرك ما تفعل ويكون الموقف اكثر خطورة وبعد اجراء الفحص المطلوب جاءت النتيجة سالبة ايضا,اخذ الشك يراودني اين ذهبت المسامير؟

قد يكون ذهبت مع البراز لكن لم يمضي على الحادث الا ساعة واحدة.

اتكات على كرسيي وانا افكر بمصير المسامير وهذه الرضيعة التي تبكي امامي ماذا افعل لانقاذ حياتها؟

تطلعت الى وجهها البريء وخيوط دموعها تختلط بالدم الراعف من شفتيها ماذا افعل؟

سالت جدها الذي كان برفقتها ما هذا الذي في عنقها.....اجابني ببساطة انه(حرز)...يعني تميمة

هل تسمح لي بتلمسه......براحتك

لم وضعته في رقبتها ياشيخ؟

كانت مريضة ولبعد المستوصف وضيق ذات اليد ذهبنا للسيد فاعطاها هذا (الحرز)...التميمة ...عن المرض

اتسمح لي بفك هذا الذي تسميه(حرز)

عمي بكيفك

وياللهول....ماذا وجدت

انها المسامير التي ظهرت بصور الاشعة السينية مع ورقة ملفوفة ومكتوبة بخط رديء وقطع فماش وسخة وحبتا هيل وصوف اغنام رائحته تزكم الانوف وقطع قماش وسخة كلها ملفوفة بقماش من الساتان الاخضر........كانت الطفلة قد اخفتها تحت خدها عند قيام المصور الشعاعي بالتقاط الفلم


الخميس، 27 مايو 2010

بيع ورهن-حامد كعيد الجبوري


بيــــع و رهـــــن
 
متخوصر سألني أشعندك و شتبيع
وكبله فرهدوني أبقـيت طرك ايزار
تراجـي حرمـتي و تمـايم الطـفله
بالكسران بعــت و أدفــــع الايجـار
هويتك بيعلي و يدري أمي تلفتها                    
داسـونه الأمـن ذبـتـها نــص النــار
مو بــس الهـويـه كتـبي حـركتـها
وضمتني أبجبدها و ضيعـت الاخبار
اسمك بيعلي كتله اسـمي شيفيدك
أشجم "حامد" اكو وميخدمك التكرار
سيفك وروَّرك ويشوف ما عندي
بـس خنـجره الجـدي باقــي للتذكــار
مزرعتـك إبويـتك ولدك و دينـك  
ولك هجمـان بيـتي و عمــرتــلك دار
تــربّينـه نبــيع أنزيـّف و نحــرف
الواطـي انعملقــَه إنقايض مجد بالعار
الهزيمــه إنتصار الخايف إنعــده
شجاع و جم عميـــل إستعبد الأحــرار
اليفــرهدنـه نزيه الغازي حررنه
ونقدمــلــه هديـــه ســيف ذي الفقــــار
ياهــو الياخـذ امنه إنصيحلَه عمي
بـالــروح و دمــه نــفديــه بالاعمــــار 
و أخاف الـنفط و التمرات ما تكفي
لــلمــحتـل رهيـنــه كــبـــة الـكـــــرار
يا شعلان يا بو الجـون شك كـبرك
قرينــه الفاتحـــه للفـالـــه و الـمـكــوار 
تبايع للوطن بالنور يمنتنه
و با لـيسـره أبـزويـــه إنـبـايــع الـــدولار
                                                                            
                                              حامــد كعيــد الجبــوري

الاثنين، 24 مايو 2010

طز بالثقافة-باسم الماضي الحسناوي-عن موفع كتابات

طُزْ بالثقافة / الطريق إلى الإنقراض



كتابات - باسم الماضي الحسناويّ



-1-



طُزْ بالثقافةِ إن كانت نهايتها

أن يصبح المرءُ من جنسِ الصراصيرِ

أو كان في أفضل الأحوال معتبراً

لدى الجميع كيعسوب الزنابيرِ

فإن رأوا أنه أرقى يحقّ له

بأن يزقزقَ فيهم كالعصافيرِ

تفٌّ على كتبي، تفٌّ على سهري

تفٌّ على كلِّ شعرٍ في الطواميرِ

الحقيقة أني لا ألعن الشعر فقط، بل ألعن كلَّ أصناف الكتابة، حتى وإن كان صنفاً من ذلك الطراز الذي يدهش، كالنصوص الخالدة التي كتبها باسكال أو نيتشة أو حتى تلك النصوص الرائعة في كتاب المثنوي، لأني الآن في غاية التجلِّي، فلا أعتبر مهنة الكتابة من الأساس تستحقُّ أن يقف لها المرء إجلالاً ولو لمدَّة دقيقةٍ واحدةٍ في الحياة.

يولد المثقف وهو على جبينه سيماء الغباء، ثمَّ يكبر المثقف، فيكون شاباً، فإذا به يفتخر بأنه يركِّز في نفسه سجايا الحمار، ثمَّ يتقدَّم العمر بالمثقف بعد ذلك، فلا يكون شاباً ولا شيخاً، فيكتشف الحقيقة كاملةً، لكنه يصرُّ على أن يبقى متمسِّكاً حتى النهاية بسجايا الحمار، حتى إذا ما أصبح المثقف شيخاً طاعناً في السنّ، صار ينظر إلى نفسه في المرآة فلا يرى في جبينه سيماء الحمار.

يصبح المثقف في سنِّ الشيخوخة نادماً جداً، حتى من دون أن يشعر حقيقةً بالندم، ومن الطبيعيِّ أن تعرف أيها القارئ أنَّ الحمار يكون حماراً فقط عندما لا تجنح ذاكرته نحو الندم، وعندما يكون غارقاً حتى الهامة في نشوة التعاسة، أما لو شعر بالندم لحظةً فإنَّ قوامه سوف يتبدَّل، حتى يتخذ هيأة التراب الناعم، ثمَّ يتطاير في الجوِّ بعد ذلك، حتى يستحيل غباراً.



-2-

أروني مثقفاً واحداً لم يشتم الثقافة في حياته، فلماذا تغضبون إذن لو أني نصبت للثقافة تمثالاً ورجمته مثل الشيطان بالضبط؟!.

الثقافة ضدَّ النسل

الثقافة ضدَّ الطعام

الثقافة ضدَّ الصداقة

الثقافة ضدَّ البهجة

الثقافة ضدَّ النوم

الثقافة ضدَّ الأناقة

الثقافة ضدَّ العشق إلا في حيِّز الخيال

الثقافة ضدَّ البراغماتزم وهي الفلسفة الرائجة في هذا الزمان

الثقافة ضدَّ السياسة، أقصد السياسة كما هي مشروعٌ للنهب والسلب في هذه الأيام

الثقافة حتى ضدَّ أن يكون للمرء قبرٌ يليق به بعد الموت

إلا ما يحصل من بعض الإستثناءات النادرة جداً

حيث تشاهد بعض الأضرحة على قبور المبدعين العظام

ومع ذلك فإنَّ أضرحتهم فاقدةٌ للمعنى

لأنَّ زائريهم ومن يرفعون أيديهم في التحية عن بعدٍ وقربٍ

لا يرونهم يستحقون هذا التعظيم بوصفهم مبدعين كباراً

بل بوصفهم من القديسين العظام لا غير

ثمَّ إني لا أعلم كيف سيجري تقييم الثقافة يوم القيامة

فلربما كان مصيرها إلى جهنَّم وهي تستحقُّ ذلك، فكم من الهرطقات تمَّ تزيينها باسم الثقافة

المشكلة أنَّ الهرطقة هي المادَّة الأوَّلية التي تتكوَّن منها كلُّ ثقافةٍ عظيمةٍ على الإطلاق

والمشكلة أيضاً تتمثَّل في أنَّ استحقاق الهرطقة هو الرجم واللعن على الدوام

وإلا فخبِّرني عن أولئك القديسين الذين نعظِّمهم في هذه الأزمان

هل كانوا في أزمانهم هم إلا مجموعةً من المهرطقين الكبار

حيث كان القتل والرجم واللعن مصيرهم على الدوام

-3-

عندما تكون الأمم في طريقها إلى الإنقراض، لا يكون وجود المثقف بين طبقاتها آنذاك إلا ما يشبه داء الجرب، فهي تعالجه باستمرارٍ بوصفه داءً، وهو لا يعلم ذلك، لأننا اتفقنا على أنَّ المثقف هو أغبى الأغبياء فيما يخصُّ مسألة تقييم وجوده بين طبقات الأمم التي تنقرض، فتراه ينظر إلى نفسه معظِّماً إياها، ومعتبراً أنَّ الناس كلَّهم يمنحونه تلك النظرة.

بيد أنَّ الأمة التي في طريقها إلى الإنقراض لا تترك له فرصة أن يستمتع ولو استمتاعاً ظاهرياً بهذا الإعتقاد، فتوجِّه عليه كلابها السلوقية دائماً، فتأكل من لحمه النيِّء علانيةً أمام الناس، فيكون مضطراً لأن يضحك رغم الألم، ويكون مضطراً أيضاً لأن يقف شامخاً مثل النخيل، هذا إذا كان مثقفاً في العراق، أما إذا كان مثقفاً في تلك البلدان التي تنبت الزيتون فعليه أن يتمتع بصفات الزيتون أيضاً، فلا يبدي امتعاضاً من العصر والمضغ، وهكذا بالنسبة إلى كلِّ مثقفٍ بحسب ما يكون موجوداً في بلاده من الشجر.

السبت، 22 مايو 2010

الانبياء فقراء ام الفقراء انبياء؟-بفلم حامد كعيد الجبوري-لوحات الفنان كامل الموسوي -تصوير الفنان ناصر عساف

الأنبياء فقراء ؟ أم الفقراء أنبياء ؟


حامد كعيد الجبوري

بعد وضعي عنوان موضوعتي فكرت طويلاً لإلغاء هذا العنوان ، بسبب ما قد تثير من إشكالية الحديث عن المقدس أو المساس به ، ولكنني وقفت إزاء ماصرح به المعنييون بشوؤن الأنبياء وتواريخهم ، ف (محمد ص) خيِّر بين أن يكون سلطان ونبي أو نبي فقير ، فأختار طوعاً النبي الفقير كما يقولون ، والتأريخ العملي لسيرة النبي الأعظم (ص) تؤكد هذه الحقيقة ، لاسيما وأن سائر الأنبياء (عليهم السلام) يُعدون من الطبقات الفقيرة بل المعدومة إلآ نبي الله سليمان (ع) كان نبياً وسلطاناً ، والسلاطين عادة شأنهم البحبوحة في كل شئ ، وكل هذه الأشكاليات وضعتني تحتها قصيدة الشاعر (عماد المطاريحي) وهي بعنوان (قررت أبقى فقير) ، وأحمد الله الحمد الذي يستحقه كما هوأهله إذ جعل ( المطاريحي ) فقيراً ولم يجعله غنياً ، بسبب تجسيده الحي لواقع الفقراء وتصويره معاناتهم ، ورسمه الدقيق لطيبتهم وتمسكهم بالقيم الأصيلة النابعة من الفطرة الألهية للمخلوقات ، ولو كان ( المطاريحي ) غنياً – لا سامح الله – لأعطى الأغنياء ميزة الأنسانية ، والتمسك بالتعاليم المجتمعية ، وحبهم للآخرين ، وتمسكهم بالفقراء ، وهم قد لا يستحقون ذلك إلا النزر اليسير ، وأني لأتصور الحديث المنسوب لأبي ذر الغفاري (رحمه الله) والذي يقول فيه (عجبت لأمرءٍ لا يجد قوته لا يخرج حاملاً سيفه) ، وشفيعي بذلك أن أبا ذر كان فقيراً ولم يخرج حاملاً السيف .

( آني أحس روحي نبي هذا الزمان) ، عجيب هذا الأستهلال لهذه القصيدة ،فمن يدعي النبوة بعد خاتم الرسل (ص) يتهم بالزندقة الموجبة للقتل ، أذن كيف يجهر (المطاريحي) بهذه النبوة ، ولا يخاف بطش المتصدين له ، ومن المؤكد أن المدعي لهذه النبوة يطالب بمعجزة دامغة تلجم المتربصين ، فأنى له تقديم معجزته ، وبسهولة يقدم الشاعر هذه المعجزة ، (معجزاتي أثيابي بيض / أبوسط عالم ثوبه غيم) ، لله هذه المعجزة التي لم يستطع الأتيان بها إلا الأنبياء أو من هم بمستواهم ، ولا أدعي أن (المطاريحي) وصل لهذا المصاف ، والأغرب من ذلك أنها متأتية من فقير ، كل رصيده الأستقامة متخطياً تأريخ الدوائر والخطوط الجانبية والأرقام المستحيلة كما يقول (المطاريحي) ، ولأنه الوحيد في هذا الزمان القاسي المتردي الذي تجد فيه المالك للسلطة – الغني طبعاً – لا يتورع من السطو العلني على المال العام معتبراً ذلك فتحاً أسبغه الله عليه ،ورغم هذا السطو والجمع للمال السحت فهو غير مكتفٍ بما أستحوذ عليه ويطلب هل من مزيد ، على عكس مدعي النبوة (المطاريحي) طبعاً الذي يقول بنصه (آني يكفيني الوحيد إبهل الزمان / لو فرغ جيبي أكول الله كريم / وغيري من مليان جيبه / يصيح لله يامحسنيين) ، أذن قدم (المطاريحي) معجزته في زمن يصعب فيها الحصول على هذه المعجزات ، وهذا بزعمي غير كاف لأثبات نبوة (المطاريحي) فهو مطالب بالأكثر ، وأعني بالأكثر هنا أن يقدم كتابه المُنزّل ، والظاهر أن (المطاريحي) يمتلك هذا الكتاب ، (وماكو ضير / من تطالبني إبكتاب / آني قرآني ضمير) ، ولا يستطيع النبي (المطاريحي) نسيان يتمه المبكر ، ولا نسيان حالة والده المعاشية ، وتركهم – عياله - دون معيل ، مستذكراً جده (محمد ص) الذي أورثه هذا اليتم ، كما تيتم النبي (ص) ، ولكن النبي (ص) كفله عم كريم له (أبو طالب ر ض) ومساندته له من بطش قريش ومكائدها ، فمن (للمطاريحي) هذا الكافل الشجاع الكريم ، وقريش الممثلة بالحكومات المتعاقبة تحيط به من كل حدب وصوب ،( وعشت بالدنية يتيم / بزمن بيه شاب الجنين / إبوطن بيه ردت قريش / وماكو أبو طالب حنين) ، وكما الفقراء الطيبون المقارعون للظلم والفاشية ، رغم جراحهم النازفة ورفضهم لكل ماهو سئ وخبيث ، وماذا سيفقد الفقير ، فهو ليس بظالم طاغية يتستر بشبيه له ، ولا يبحث عن (حراء) يلوذ اليه مناجياً ، لأن (حراء) يسكنه فعلاً ، والكتاب المنزل على (المطاريحي) فيه تعاليم أنسانية يقرأها الفقراء حصراً ، (قل أعوذ أمن الحضاره / التوكف أعله أشلاء أهلها / قل أعوذ أمن الأرث لوصار آفة / قل أعوذ أمن الخلاف أعله الخلافه) ، والرمزية الشفافة الواضحة الدالة بمضامينها التي أستطاع بها (المطاريحي) جمع الأضداد بها ، فالرمزية نقيض للوضوح ، و (المطاريحي) أمتزجهما ليخلص للب المتلقي وأيصال ما أراد قولته ، وتعليمات نبوة (المطاريحي) يؤكدها بقوله ، (ما يجوز أشعري يرجع حكَم / لو منافق يرتقي المنبر أمير ) ، دلالة لعدم قبوله تسنم الجهال مقاليد أمور العباد ، (ما أحب بالمدرسه / ينادون وين أبن الوزير / ولا أحب قصر الأماره إيشيل خشمه أعله الفقير ) ،منوهاً ومندداً بالفوارق الطبقية التي ينادي بأسقاطها المتشدقون والمتسلقون على أكتاف العوام زوراً وبهتاناً ، وتبناها الفقراء رغم عدم وقوعها بأيديهم ولن تقع ، ويعود ( المطاريحي ) ليتغنى بحبه لفقره الأصيل المتجذر ، غير مكترث بالبرد لأن الله منحه السماء بأكملها غطاءً ، ولأن عراقه الذي أحب عرف حالته وفقره وعدم أمتلاكه طابوقة مبنية(والعراق عرف ماعندي سرير / كال هاك الخارطه) ، ولأن الفقر والفقراء طيبة فكل جار (للمطاريحي) يقتسم معه هذا الجوع بقرص من الخبز متخذاً من الرمز الأسلامي (أباذر الغفاري) رحمه الله أنموذجاً أشتراكياً لقاسم الفقر المشترك ، (جاري أبو ذر الغفاري / من أجوع / يقسم وياي الرغيف / ومن يجوع أبجفي أشربه أدموع عيني / وثلمه من كلبي العفيف) ، ويرّمز المطاريحي للشرف والعفة والغيرة العراقية الأصيلة معتبراً (شيلة) أمه كما الأمهات العراقيات ستراً يأوي له بالشدائد والملمات ، (وشيلة أمي بيها تتغطه العشيره / وتستر جروح البنات) ، وجروح البنات هنا ليست الجروح المتأتية من رذيلة - لا سامح الله - ، ولكنها جروح صروف الدهر الذي خذلهن وترك آثاره واضحة على أجسادهن الطرية العارية ألا من الشرف والأباء ، ورغم كل هذه المعانات التي يفترض أن تترك أثارها لتحيل المبتلي بها لمشروع دائم من الحزن ، إلا أن الفقراء (المطاريحيون) يستعيرون الضحكة من الأخرين لأدخارها لأصدقائهم الحزانى حينما يحتاجون هذه الضحكة، (ومن يشح بيه الفرح / أستعيرن ضحكه خضره / حتى أضمها الصاحبي أبموسم الماكو ) ، وحينما يفرح (المطاريحيون) – الفقراء - لا يدخرون هذا الفرح بل يوزعونه على الأطفال والعجائز لحاجاتهم المتشابهة لهذه الفرحة لتصل الى الشبابيك التي لا تعرف لون الضياء ، ولأن الفقراء أحباب الله فبيوتهم بيبان لأبواب الله ، ولا يعقل أن تغلق أبواب بيوت الله أمام المعوز والمحتاج ، ( آني يكفيني فقير / ماأسد بابي لأن باب الله بابي ) ، وكما أن بيوت الله المعتادة لا تعمر إلى بعبادها ، فهي خالية من الأثاث الراقي لذا يقال للفقير أن بيته كبيوت الله ، أذن فماذا يستفاد السارق من بيوت الله –بيوت الفقراء - الخالية من الأثاث الراقي ، وكيف يقطع كل مسافات الرذيلة – السرقة - ليصل الى البيوت التي سوف يسرقونها والخالية تماماً ، والأعجب من ذلك أن (المطاريحيون) يبكون حظ ذلك السارق لعدم تمكنه من الحصول على شئ يجلبونه لأطفالٍ هم بأنتظار ماسيجلب لهم ، دون علم هؤلاء الأطفال بالجريمة التي أقترفها آباهم اللصصة ، وأكثر من ذلك يأمل (المطاريحيون) الفقراء (أستحي ينزع حيائه ويبقى عاري / كون أبدل بيدي ثوبه / كون أملي إجيوبه جكليت وجفافي) ، ويبقى الفقراء مصرون على فقرهم متمسكون به لأعتقادهم القاطع أن أخوة لهم فقراء مثلهم ، يشاركونهم بكل شئ ، الخبز ماتيسر منه ، والماء المباح للجميع ، والهواء الذي لايمكن أن يسرقه السراق وهذا الخير العراقي الممثل بالنخلة التي ما أن علمت بجوع (المطاريحي) وأطفاله (نخله بصريه حنينه سمعت أطفالي عرايه / أنتفضت ونزعت سعفها / ودت الكوخي حصير ) ،مستدلاً بالحديث الذي أطلقه محمد (ص) ، ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) .

بهذه الرمزية الشفافة غير الموغلة أراد (المطاريحي ) أيصال معلومته للأخرين ، مبتعداً عن النقد اللاذع المباشر معتقداً – وهو الأصح- أن هذا الطرح الشفاف أكثر إيلاماً حال وصوله الى المعنيين،معتمداً المثل الشعبي الذي يقول ( إياك أعني وأسمعي ياجاره) ، ليضع المشتبه به بحالة صراع دائم .

تحوي قصيدة (قررت أبقى فقير) في حناياها الداخلية مضامين ومشاريع أتمنى أن تصل لأذان الساسة ليعرفوا تماماً أن الناس أوعى من أن يتخذونهم جسراً للعبور ، وليعلموا أيضاً أن قاعدتهم الحقيقية هم الفقراء ، فما عليهم إلا الأيفاء بوعودهم لتتماسك معهم هذه الشريحة النبية ، لأن ماتحمله الفقراء لا يمكن أن يحمله إلى نبي وهذا ما أراده الشاعر (المطاريحي) .

د علي عبد الامير صالح-شيء عن نفسي

شيء عن نفسي


علي عبد الأمير صالح



لا يمكنني اليوم أن ألخص أربعاً وثلاثين سنة من الكتابة.. كما لا يمكنني أن ألخص أربعاً وخمسين سنة من حياتي.

عبر هذه السنوات الطويلة كلها كان في داخلي شاب طموح يرفض أن يموت.. وحتى حين أنهيتُ دراستي الجامعية سنة 1978، يومذاك كنتُ في سنتي الثالثة والعشرين، كنتُ مقتنعاً أنه عليَّ أن لا أتجاهل هذا الكائن المتمرد الذي يسكنني..

كان بمستطاع مهنتي، طب الأسنان، أن تقتل جذوة الإبداع في كياني، وكان بوسعي أن أهمل عمداً الذات الأخرى التي تختبئ طوراً وتظهر طوراً آخر..

لكنني، اكتشفت أنني كي أعيش في سلام لا بد لي أن أصغي لما يعتمل في داخلي.. لا بد لي أن أضع آلاتي المدببة جانباً وأرهف السمع لأنفاس توأمي وهو نائم.. أدنو منه وأداعب خصلات شعره الأسود الكثيف.. أداعبه برفق كي لا يفيق من النوم.. لأدعه يحلم، هكذا كنتُ أحدث نفسي وأنا أمارس مهنتي في مستشفى عسكري، في السنتين اللتين أعقبتا تخرجي في الجامعة..

بدأتْ اهتماماتي الأدبية في عمر مبكر، حينما كنتُ في المرحلة الثانية في كلية طب الأسنان.. بدأتُ مسيرتي بكتابة القصص القصيرة وقصص الأطفال، وفي ما كان أساتذتي يلقون المحاضرات كنتُ أدوّن مسوّدات قصصي على حافات أوراق المحاضرات.. وحينما أعود إلى شقتي في (باب الآغا) أعيد صياغتها من جديد..

يومذاك، لم يكن يخطر ببالي أن تتحول تلك الهوامش إلى متون، وتصبح الكتابة شيئاً رئيساً في حياتي..

طيلة العقود الثلاثة الأخيرة لم يكن بوسعي التخليّ عن عاداتي الأثيرة: القراءة والكتابة والترجمة..

يقول ريكله: إذا كنتَ تعتقد أنكَ تستطيع العيش من دون كتابة فلا تكتب..

أنا إنسان لا أستطيع العيش من دون كتابة.

وإذا كان ماركيز قد كتب : "عشتُ لأروي" فأنا أقول : "عشتُ لأطبب وأكتب".. لم أفكرْ يوماً بأن أتخلى عن الطب وأتفرغ للكتابة.. أحب مهنتي، وأحب مرضاي ومريضاتي.. حوّلت مرضاي إلى أصدقاء.. وحوّلتُ مريضاتي إلى بطلات لقصصي ورواياتي..

لا بد للكاتب، أن يعيش حياةً غنيةً طافحةً بالحب والأمل والجوع واليأس والهجران واللوعة والعذاب كي تكون تجاربه هذه عوناً له في الكتابة السردية..

كتّاب كثيرون بدأوا الكتابة بعد الأربعين.. ومنهم الكسندر سولجينستين.. مع أن بعضهم كتبَ في أثناء سنوات مراهقته ومنهم آرثور رامبو..

الكتابة حرفة مقدسة .

الكتابة لن تجلب المال ولا الحياة الهانئة . كتبَ يفتوشنكو في "سيرة ذاتية مبكرة": "يبدو أن المال كان وما يزال الوسيلة التي تجعل الناس عبيداً. الذين لا يملكون المال عبيد لأنهم يحتاجونه من أجل العيش. والذين يملكونه يضحون بأعصابهم وطاقاتهم كي يكسبوا المزيد أو في الأقل الحفاظ على ما بحوزتهم، فهم إذاً عبيد بالقدر نفسه"

كان يشرفني دوماً، أن أتشبث بقلمي تشبث لثة الطفل بثدي أمه.. وكان يحلو لي أن أجعل أبطالي يحلمون..

في قصتي (النار الزرقاء) يخاطب خالد حبيبته نجلاء قائلاً: "يخيل لي، غالباً، أنني رأيتك وأحببتكِ من زمن بعيد؛ كنتُ أنام تحت شجرة التوت القريبة من دارنا.. كان التوت الأحمر، حلو المذاق، يسقط على رأسي وفي حضني حينما تهب الريح.. تخيلي يا نجلاء، غلام صغير يرتدي دشداشة مقلمة ينام تحت شجرة توت ويحلم.. هذا الغلام الصغير جالس الآن أمامكِ يتفلسف."

الكتب أحلام.. هكذا يقول امبرتو ايكو..

والكتب التي ندونها ما هي إلا أحلام.. ليست أحلام الكاتب وحده، بل أحلام أبناء جيله، ومعاصريه..

ليس هذا فحسب..

فالكتب هي صرخاتنا المكبوتة، هي لوعاتنا، هي لوعاتي ولوعاتكم، هي ضروب الحرمان العديدة التي عانينا منها، هي أغانينا الطافحة بالعشق والأمل وحب الحياة..

تقول أناييس نن: "إن لم تتنفس عبر الكتابة، إن لم تصرخ في الكتابة، أو تغني في الكتابة، إذاً لا تكتب؛ لأن ثقافتنا ليستْ بحاجة إلى هكذا كتابة."

في كتاباتي السردية إدانة واضحة للحروب.. ليست لأنها أخذتْ أعز أبنائنا وأخواتنا، وحوّلت نساءنا إلى أرامل وأطفالنا إلى أيتام.. بل لأنها هشمتْ فينا كل المرايا الجميلة..

كما يتجلى في كتاباتي ميل واضح للفانتازيا والانثيالات اللغوية.. وأعتقد أن غرائبية النصوص وانفتاحها كلاهما يتيحان للقارئ حرية التأويل وتجعلان من كل قراءة للنص القصصي والروائي كتابة جديدة، لا بل طازجة له. إن الكتابة المبدعة، أو الخلاقة، يجب أن تصدم أفق انتظار القارئ.. أي بمعنى أن على الكاتب أن يبتعد عن المواضيع الجاهزة والأساليب المملة التي ألفناها في السنوات الأخيرة..

أما بشأن إنجازاتي في الترجمة فأعتقد أن الروايات المهمة التي ترجمتها قد منحتني ثقافة موسوعية واطلاعاً جيداً على عوالم جديدة، وتعرّفتُ على ثقافات مختلفة وأناس يحملون فلسفات وأفكاراً وعادات وهويات مختلفة.. كما أن هذه الروايات ألهبت مخيلتي وطوّرت أدواتي الإبداعية.. منحتني الترجمة القدرة على التحليق بعيدا ًعن الواقع.. مما سهل عليّ ولوج عالم الفانتازيا.. كما يتضح ذلك في كتاباتي بعد سنة 1994، حين ترجمتُ (قل لي كم مضى على رحيل القطار) لـ جيمس بولدوين. وبشكل أكثر وضوحاً بعد ترجمتي لـ (طبل من صفيح) لـ غونتر غراس. كما أنني أنظر إلى الترجمة بوصفها حواراً مع الآخر، وانفتاحاً على الآخر.

تابعتُ كتابات زملائي الشعراء والقصاصين في واسط.. وكتبتُ عن محسن ناصر الكناني، وحميد حسن جعفر، ونوفل أبو رغيف، وإسماعيل سكران.. والقاص والروائي الشهيد حميد ناصر الجيلاوي. كما كتبتُ عن زملائي عبد الستار ناصر في روايته (الشماعية) وحميد العقابي في روايته (الضلع) وعلي بدر في روايته (مصابيح أورشليم).. كما كتبتُ عن زميلنا وأستاذنا القاص محمد خضير.

يقول باولو كويلو: إذا أردتَ أن تعرف روح شعب ما فاقرأ رواياته وقصصه، أو اقرأ أدبه عموماً..

الأربعاء، 19 مايو 2010

محاولة للعزف على ناي الشاعر الكبير مظفر النواب-بقلم حامد كعيد الجبوري-لوحة غالب المسعودي



أيام المزبن
محاولة لمجاراة الرمز العراقي الكبير الشاعر مظفر النواب
دك راسك إبكاع العرس
واصعد أمراجف للدف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
           **
خلاني نيشان الدهر
وزيّر وتر نشابه
بالكوز سدد نبلته
نيشن أبكلبي وصابه
لا بيه أشاكف غدرته
ولا تنفع العطابه
لاتشتكي ظيم الدهر
وأكباله لا تتوسف
لو شاف رجه بالرجل
يفتل أحباله ويلتف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
**
غركان واليغرك يظن
أبسباحه ينجه الغركان
لا عون مد أيده إلي
ولا شفت نخوة بطران
علكت عيني بالسمه
مهموم وأدعي الرحمان
هلبت يعاين حالتي
ويحن علّي يتلطف
دعوه ونخيته بالشته
بالصيف نزلي الشف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
**
كلناهه غيمه وتنجلي
وتذب مطرها وتصحه
وظلينه ننطر جيته
يغسل أكلوب الملحه
لا كطرة نزلت للزرع
أتبخ الكلب وتفرحه
والنوبه ما طلعت شمس
وكيّل شتانه وصيّف
دك أنكر وشال السلف
والضيف ظل يتضيّف
أيام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
كالو شمسكم بينت
وجرينه الف هلهوله
ملينه من ليل الظنه
وليل الظلام إشطوله
الدنيه موعوده أبفرح
والفرح بيدك نوله
مدينه نلكط فرحته
دبجات صفكه ونحتف
شو طلع سيباط العنب
من أمس كاضي أمنظف
ايام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
شمطلوب إلج يا دنيتي
كل العُمر ما وفه
أشحصلنه من كل الجزه
غير اللَهط و الهُرفه
والناس وكفت تستهل
جية العيد أبلهفه
أفتحنه شبابيج الضوه
والفرح جانه وهرّف
أحديثات بجفافي العرس
وكليبي لكليبك رَف
أيام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
ألبست البياض أتغرنكت
وأتفرعت تانيكم
حسبالي مثلي أبلهفتي
وشوك البكلبي بيكم
ندري مراجلكم زمط
خابطكم وصافيكم
عضينه مية أصبع ندم
لا وينه جم جف وجف
ردينه لهدوم الجِرد
ويوميه من طف الطف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
**
أبسبعة قوالب غسلت
أبصابون سبعه وسبعه
وخايف تسولف صحبتي
حاقد طموحه الرجعه
أشجم هافي يتشلبَه البخت
وبيده يطيّح ربعه
بس سمع دكات الطبل
فحطان يركض كييّف
وميزان مقياس العقل
والحرمه أثكل للخف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
.....
نايب ومنتخبه الوطن
مو بس مغانم كاسب
كل سنه إيحج ويعتمر
طينة إمام النايب
المعروف حرمِي من أمس
جَواهه كصتَه وتايب
مسبحه وسجاده غوه
وللمال يجمع ألف
من راتبه أنعين ألف
وجم عاطل اليتوظف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
.........
 بويه (مظفر) مو كلت
دهري وكع ناموسه
هم زين عندك هل البخت
لا يذلك أبجاموسه
ألمن ندير أحنه الوجه
والبشر دينه أفلوسه
الفيل شدوله جنح
وبالسمه طار ورفرَف
والشاذي جامعلَه ربع
وللهجع يركص  بالدف
ضيعنه كل ذاك الحلم
لا أمزبنايه ولا لف
...