الاثنين، 24 مايو 2010

طز بالثقافة-باسم الماضي الحسناوي-عن موفع كتابات

طُزْ بالثقافة / الطريق إلى الإنقراض



كتابات - باسم الماضي الحسناويّ



-1-



طُزْ بالثقافةِ إن كانت نهايتها

أن يصبح المرءُ من جنسِ الصراصيرِ

أو كان في أفضل الأحوال معتبراً

لدى الجميع كيعسوب الزنابيرِ

فإن رأوا أنه أرقى يحقّ له

بأن يزقزقَ فيهم كالعصافيرِ

تفٌّ على كتبي، تفٌّ على سهري

تفٌّ على كلِّ شعرٍ في الطواميرِ

الحقيقة أني لا ألعن الشعر فقط، بل ألعن كلَّ أصناف الكتابة، حتى وإن كان صنفاً من ذلك الطراز الذي يدهش، كالنصوص الخالدة التي كتبها باسكال أو نيتشة أو حتى تلك النصوص الرائعة في كتاب المثنوي، لأني الآن في غاية التجلِّي، فلا أعتبر مهنة الكتابة من الأساس تستحقُّ أن يقف لها المرء إجلالاً ولو لمدَّة دقيقةٍ واحدةٍ في الحياة.

يولد المثقف وهو على جبينه سيماء الغباء، ثمَّ يكبر المثقف، فيكون شاباً، فإذا به يفتخر بأنه يركِّز في نفسه سجايا الحمار، ثمَّ يتقدَّم العمر بالمثقف بعد ذلك، فلا يكون شاباً ولا شيخاً، فيكتشف الحقيقة كاملةً، لكنه يصرُّ على أن يبقى متمسِّكاً حتى النهاية بسجايا الحمار، حتى إذا ما أصبح المثقف شيخاً طاعناً في السنّ، صار ينظر إلى نفسه في المرآة فلا يرى في جبينه سيماء الحمار.

يصبح المثقف في سنِّ الشيخوخة نادماً جداً، حتى من دون أن يشعر حقيقةً بالندم، ومن الطبيعيِّ أن تعرف أيها القارئ أنَّ الحمار يكون حماراً فقط عندما لا تجنح ذاكرته نحو الندم، وعندما يكون غارقاً حتى الهامة في نشوة التعاسة، أما لو شعر بالندم لحظةً فإنَّ قوامه سوف يتبدَّل، حتى يتخذ هيأة التراب الناعم، ثمَّ يتطاير في الجوِّ بعد ذلك، حتى يستحيل غباراً.



-2-

أروني مثقفاً واحداً لم يشتم الثقافة في حياته، فلماذا تغضبون إذن لو أني نصبت للثقافة تمثالاً ورجمته مثل الشيطان بالضبط؟!.

الثقافة ضدَّ النسل

الثقافة ضدَّ الطعام

الثقافة ضدَّ الصداقة

الثقافة ضدَّ البهجة

الثقافة ضدَّ النوم

الثقافة ضدَّ الأناقة

الثقافة ضدَّ العشق إلا في حيِّز الخيال

الثقافة ضدَّ البراغماتزم وهي الفلسفة الرائجة في هذا الزمان

الثقافة ضدَّ السياسة، أقصد السياسة كما هي مشروعٌ للنهب والسلب في هذه الأيام

الثقافة حتى ضدَّ أن يكون للمرء قبرٌ يليق به بعد الموت

إلا ما يحصل من بعض الإستثناءات النادرة جداً

حيث تشاهد بعض الأضرحة على قبور المبدعين العظام

ومع ذلك فإنَّ أضرحتهم فاقدةٌ للمعنى

لأنَّ زائريهم ومن يرفعون أيديهم في التحية عن بعدٍ وقربٍ

لا يرونهم يستحقون هذا التعظيم بوصفهم مبدعين كباراً

بل بوصفهم من القديسين العظام لا غير

ثمَّ إني لا أعلم كيف سيجري تقييم الثقافة يوم القيامة

فلربما كان مصيرها إلى جهنَّم وهي تستحقُّ ذلك، فكم من الهرطقات تمَّ تزيينها باسم الثقافة

المشكلة أنَّ الهرطقة هي المادَّة الأوَّلية التي تتكوَّن منها كلُّ ثقافةٍ عظيمةٍ على الإطلاق

والمشكلة أيضاً تتمثَّل في أنَّ استحقاق الهرطقة هو الرجم واللعن على الدوام

وإلا فخبِّرني عن أولئك القديسين الذين نعظِّمهم في هذه الأزمان

هل كانوا في أزمانهم هم إلا مجموعةً من المهرطقين الكبار

حيث كان القتل والرجم واللعن مصيرهم على الدوام

-3-

عندما تكون الأمم في طريقها إلى الإنقراض، لا يكون وجود المثقف بين طبقاتها آنذاك إلا ما يشبه داء الجرب، فهي تعالجه باستمرارٍ بوصفه داءً، وهو لا يعلم ذلك، لأننا اتفقنا على أنَّ المثقف هو أغبى الأغبياء فيما يخصُّ مسألة تقييم وجوده بين طبقات الأمم التي تنقرض، فتراه ينظر إلى نفسه معظِّماً إياها، ومعتبراً أنَّ الناس كلَّهم يمنحونه تلك النظرة.

بيد أنَّ الأمة التي في طريقها إلى الإنقراض لا تترك له فرصة أن يستمتع ولو استمتاعاً ظاهرياً بهذا الإعتقاد، فتوجِّه عليه كلابها السلوقية دائماً، فتأكل من لحمه النيِّء علانيةً أمام الناس، فيكون مضطراً لأن يضحك رغم الألم، ويكون مضطراً أيضاً لأن يقف شامخاً مثل النخيل، هذا إذا كان مثقفاً في العراق، أما إذا كان مثقفاً في تلك البلدان التي تنبت الزيتون فعليه أن يتمتع بصفات الزيتون أيضاً، فلا يبدي امتعاضاً من العصر والمضغ، وهكذا بالنسبة إلى كلِّ مثقفٍ بحسب ما يكون موجوداً في بلاده من الشجر.

السبت، 22 مايو 2010

الانبياء فقراء ام الفقراء انبياء؟-بفلم حامد كعيد الجبوري-لوحات الفنان كامل الموسوي -تصوير الفنان ناصر عساف

الأنبياء فقراء ؟ أم الفقراء أنبياء ؟


حامد كعيد الجبوري

بعد وضعي عنوان موضوعتي فكرت طويلاً لإلغاء هذا العنوان ، بسبب ما قد تثير من إشكالية الحديث عن المقدس أو المساس به ، ولكنني وقفت إزاء ماصرح به المعنييون بشوؤن الأنبياء وتواريخهم ، ف (محمد ص) خيِّر بين أن يكون سلطان ونبي أو نبي فقير ، فأختار طوعاً النبي الفقير كما يقولون ، والتأريخ العملي لسيرة النبي الأعظم (ص) تؤكد هذه الحقيقة ، لاسيما وأن سائر الأنبياء (عليهم السلام) يُعدون من الطبقات الفقيرة بل المعدومة إلآ نبي الله سليمان (ع) كان نبياً وسلطاناً ، والسلاطين عادة شأنهم البحبوحة في كل شئ ، وكل هذه الأشكاليات وضعتني تحتها قصيدة الشاعر (عماد المطاريحي) وهي بعنوان (قررت أبقى فقير) ، وأحمد الله الحمد الذي يستحقه كما هوأهله إذ جعل ( المطاريحي ) فقيراً ولم يجعله غنياً ، بسبب تجسيده الحي لواقع الفقراء وتصويره معاناتهم ، ورسمه الدقيق لطيبتهم وتمسكهم بالقيم الأصيلة النابعة من الفطرة الألهية للمخلوقات ، ولو كان ( المطاريحي ) غنياً – لا سامح الله – لأعطى الأغنياء ميزة الأنسانية ، والتمسك بالتعاليم المجتمعية ، وحبهم للآخرين ، وتمسكهم بالفقراء ، وهم قد لا يستحقون ذلك إلا النزر اليسير ، وأني لأتصور الحديث المنسوب لأبي ذر الغفاري (رحمه الله) والذي يقول فيه (عجبت لأمرءٍ لا يجد قوته لا يخرج حاملاً سيفه) ، وشفيعي بذلك أن أبا ذر كان فقيراً ولم يخرج حاملاً السيف .

( آني أحس روحي نبي هذا الزمان) ، عجيب هذا الأستهلال لهذه القصيدة ،فمن يدعي النبوة بعد خاتم الرسل (ص) يتهم بالزندقة الموجبة للقتل ، أذن كيف يجهر (المطاريحي) بهذه النبوة ، ولا يخاف بطش المتصدين له ، ومن المؤكد أن المدعي لهذه النبوة يطالب بمعجزة دامغة تلجم المتربصين ، فأنى له تقديم معجزته ، وبسهولة يقدم الشاعر هذه المعجزة ، (معجزاتي أثيابي بيض / أبوسط عالم ثوبه غيم) ، لله هذه المعجزة التي لم يستطع الأتيان بها إلا الأنبياء أو من هم بمستواهم ، ولا أدعي أن (المطاريحي) وصل لهذا المصاف ، والأغرب من ذلك أنها متأتية من فقير ، كل رصيده الأستقامة متخطياً تأريخ الدوائر والخطوط الجانبية والأرقام المستحيلة كما يقول (المطاريحي) ، ولأنه الوحيد في هذا الزمان القاسي المتردي الذي تجد فيه المالك للسلطة – الغني طبعاً – لا يتورع من السطو العلني على المال العام معتبراً ذلك فتحاً أسبغه الله عليه ،ورغم هذا السطو والجمع للمال السحت فهو غير مكتفٍ بما أستحوذ عليه ويطلب هل من مزيد ، على عكس مدعي النبوة (المطاريحي) طبعاً الذي يقول بنصه (آني يكفيني الوحيد إبهل الزمان / لو فرغ جيبي أكول الله كريم / وغيري من مليان جيبه / يصيح لله يامحسنيين) ، أذن قدم (المطاريحي) معجزته في زمن يصعب فيها الحصول على هذه المعجزات ، وهذا بزعمي غير كاف لأثبات نبوة (المطاريحي) فهو مطالب بالأكثر ، وأعني بالأكثر هنا أن يقدم كتابه المُنزّل ، والظاهر أن (المطاريحي) يمتلك هذا الكتاب ، (وماكو ضير / من تطالبني إبكتاب / آني قرآني ضمير) ، ولا يستطيع النبي (المطاريحي) نسيان يتمه المبكر ، ولا نسيان حالة والده المعاشية ، وتركهم – عياله - دون معيل ، مستذكراً جده (محمد ص) الذي أورثه هذا اليتم ، كما تيتم النبي (ص) ، ولكن النبي (ص) كفله عم كريم له (أبو طالب ر ض) ومساندته له من بطش قريش ومكائدها ، فمن (للمطاريحي) هذا الكافل الشجاع الكريم ، وقريش الممثلة بالحكومات المتعاقبة تحيط به من كل حدب وصوب ،( وعشت بالدنية يتيم / بزمن بيه شاب الجنين / إبوطن بيه ردت قريش / وماكو أبو طالب حنين) ، وكما الفقراء الطيبون المقارعون للظلم والفاشية ، رغم جراحهم النازفة ورفضهم لكل ماهو سئ وخبيث ، وماذا سيفقد الفقير ، فهو ليس بظالم طاغية يتستر بشبيه له ، ولا يبحث عن (حراء) يلوذ اليه مناجياً ، لأن (حراء) يسكنه فعلاً ، والكتاب المنزل على (المطاريحي) فيه تعاليم أنسانية يقرأها الفقراء حصراً ، (قل أعوذ أمن الحضاره / التوكف أعله أشلاء أهلها / قل أعوذ أمن الأرث لوصار آفة / قل أعوذ أمن الخلاف أعله الخلافه) ، والرمزية الشفافة الواضحة الدالة بمضامينها التي أستطاع بها (المطاريحي) جمع الأضداد بها ، فالرمزية نقيض للوضوح ، و (المطاريحي) أمتزجهما ليخلص للب المتلقي وأيصال ما أراد قولته ، وتعليمات نبوة (المطاريحي) يؤكدها بقوله ، (ما يجوز أشعري يرجع حكَم / لو منافق يرتقي المنبر أمير ) ، دلالة لعدم قبوله تسنم الجهال مقاليد أمور العباد ، (ما أحب بالمدرسه / ينادون وين أبن الوزير / ولا أحب قصر الأماره إيشيل خشمه أعله الفقير ) ،منوهاً ومندداً بالفوارق الطبقية التي ينادي بأسقاطها المتشدقون والمتسلقون على أكتاف العوام زوراً وبهتاناً ، وتبناها الفقراء رغم عدم وقوعها بأيديهم ولن تقع ، ويعود ( المطاريحي ) ليتغنى بحبه لفقره الأصيل المتجذر ، غير مكترث بالبرد لأن الله منحه السماء بأكملها غطاءً ، ولأن عراقه الذي أحب عرف حالته وفقره وعدم أمتلاكه طابوقة مبنية(والعراق عرف ماعندي سرير / كال هاك الخارطه) ، ولأن الفقر والفقراء طيبة فكل جار (للمطاريحي) يقتسم معه هذا الجوع بقرص من الخبز متخذاً من الرمز الأسلامي (أباذر الغفاري) رحمه الله أنموذجاً أشتراكياً لقاسم الفقر المشترك ، (جاري أبو ذر الغفاري / من أجوع / يقسم وياي الرغيف / ومن يجوع أبجفي أشربه أدموع عيني / وثلمه من كلبي العفيف) ، ويرّمز المطاريحي للشرف والعفة والغيرة العراقية الأصيلة معتبراً (شيلة) أمه كما الأمهات العراقيات ستراً يأوي له بالشدائد والملمات ، (وشيلة أمي بيها تتغطه العشيره / وتستر جروح البنات) ، وجروح البنات هنا ليست الجروح المتأتية من رذيلة - لا سامح الله - ، ولكنها جروح صروف الدهر الذي خذلهن وترك آثاره واضحة على أجسادهن الطرية العارية ألا من الشرف والأباء ، ورغم كل هذه المعانات التي يفترض أن تترك أثارها لتحيل المبتلي بها لمشروع دائم من الحزن ، إلا أن الفقراء (المطاريحيون) يستعيرون الضحكة من الأخرين لأدخارها لأصدقائهم الحزانى حينما يحتاجون هذه الضحكة، (ومن يشح بيه الفرح / أستعيرن ضحكه خضره / حتى أضمها الصاحبي أبموسم الماكو ) ، وحينما يفرح (المطاريحيون) – الفقراء - لا يدخرون هذا الفرح بل يوزعونه على الأطفال والعجائز لحاجاتهم المتشابهة لهذه الفرحة لتصل الى الشبابيك التي لا تعرف لون الضياء ، ولأن الفقراء أحباب الله فبيوتهم بيبان لأبواب الله ، ولا يعقل أن تغلق أبواب بيوت الله أمام المعوز والمحتاج ، ( آني يكفيني فقير / ماأسد بابي لأن باب الله بابي ) ، وكما أن بيوت الله المعتادة لا تعمر إلى بعبادها ، فهي خالية من الأثاث الراقي لذا يقال للفقير أن بيته كبيوت الله ، أذن فماذا يستفاد السارق من بيوت الله –بيوت الفقراء - الخالية من الأثاث الراقي ، وكيف يقطع كل مسافات الرذيلة – السرقة - ليصل الى البيوت التي سوف يسرقونها والخالية تماماً ، والأعجب من ذلك أن (المطاريحيون) يبكون حظ ذلك السارق لعدم تمكنه من الحصول على شئ يجلبونه لأطفالٍ هم بأنتظار ماسيجلب لهم ، دون علم هؤلاء الأطفال بالجريمة التي أقترفها آباهم اللصصة ، وأكثر من ذلك يأمل (المطاريحيون) الفقراء (أستحي ينزع حيائه ويبقى عاري / كون أبدل بيدي ثوبه / كون أملي إجيوبه جكليت وجفافي) ، ويبقى الفقراء مصرون على فقرهم متمسكون به لأعتقادهم القاطع أن أخوة لهم فقراء مثلهم ، يشاركونهم بكل شئ ، الخبز ماتيسر منه ، والماء المباح للجميع ، والهواء الذي لايمكن أن يسرقه السراق وهذا الخير العراقي الممثل بالنخلة التي ما أن علمت بجوع (المطاريحي) وأطفاله (نخله بصريه حنينه سمعت أطفالي عرايه / أنتفضت ونزعت سعفها / ودت الكوخي حصير ) ،مستدلاً بالحديث الذي أطلقه محمد (ص) ، ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) .

بهذه الرمزية الشفافة غير الموغلة أراد (المطاريحي ) أيصال معلومته للأخرين ، مبتعداً عن النقد اللاذع المباشر معتقداً – وهو الأصح- أن هذا الطرح الشفاف أكثر إيلاماً حال وصوله الى المعنيين،معتمداً المثل الشعبي الذي يقول ( إياك أعني وأسمعي ياجاره) ، ليضع المشتبه به بحالة صراع دائم .

تحوي قصيدة (قررت أبقى فقير) في حناياها الداخلية مضامين ومشاريع أتمنى أن تصل لأذان الساسة ليعرفوا تماماً أن الناس أوعى من أن يتخذونهم جسراً للعبور ، وليعلموا أيضاً أن قاعدتهم الحقيقية هم الفقراء ، فما عليهم إلا الأيفاء بوعودهم لتتماسك معهم هذه الشريحة النبية ، لأن ماتحمله الفقراء لا يمكن أن يحمله إلى نبي وهذا ما أراده الشاعر (المطاريحي) .

د علي عبد الامير صالح-شيء عن نفسي

شيء عن نفسي


علي عبد الأمير صالح



لا يمكنني اليوم أن ألخص أربعاً وثلاثين سنة من الكتابة.. كما لا يمكنني أن ألخص أربعاً وخمسين سنة من حياتي.

عبر هذه السنوات الطويلة كلها كان في داخلي شاب طموح يرفض أن يموت.. وحتى حين أنهيتُ دراستي الجامعية سنة 1978، يومذاك كنتُ في سنتي الثالثة والعشرين، كنتُ مقتنعاً أنه عليَّ أن لا أتجاهل هذا الكائن المتمرد الذي يسكنني..

كان بمستطاع مهنتي، طب الأسنان، أن تقتل جذوة الإبداع في كياني، وكان بوسعي أن أهمل عمداً الذات الأخرى التي تختبئ طوراً وتظهر طوراً آخر..

لكنني، اكتشفت أنني كي أعيش في سلام لا بد لي أن أصغي لما يعتمل في داخلي.. لا بد لي أن أضع آلاتي المدببة جانباً وأرهف السمع لأنفاس توأمي وهو نائم.. أدنو منه وأداعب خصلات شعره الأسود الكثيف.. أداعبه برفق كي لا يفيق من النوم.. لأدعه يحلم، هكذا كنتُ أحدث نفسي وأنا أمارس مهنتي في مستشفى عسكري، في السنتين اللتين أعقبتا تخرجي في الجامعة..

بدأتْ اهتماماتي الأدبية في عمر مبكر، حينما كنتُ في المرحلة الثانية في كلية طب الأسنان.. بدأتُ مسيرتي بكتابة القصص القصيرة وقصص الأطفال، وفي ما كان أساتذتي يلقون المحاضرات كنتُ أدوّن مسوّدات قصصي على حافات أوراق المحاضرات.. وحينما أعود إلى شقتي في (باب الآغا) أعيد صياغتها من جديد..

يومذاك، لم يكن يخطر ببالي أن تتحول تلك الهوامش إلى متون، وتصبح الكتابة شيئاً رئيساً في حياتي..

طيلة العقود الثلاثة الأخيرة لم يكن بوسعي التخليّ عن عاداتي الأثيرة: القراءة والكتابة والترجمة..

يقول ريكله: إذا كنتَ تعتقد أنكَ تستطيع العيش من دون كتابة فلا تكتب..

أنا إنسان لا أستطيع العيش من دون كتابة.

وإذا كان ماركيز قد كتب : "عشتُ لأروي" فأنا أقول : "عشتُ لأطبب وأكتب".. لم أفكرْ يوماً بأن أتخلى عن الطب وأتفرغ للكتابة.. أحب مهنتي، وأحب مرضاي ومريضاتي.. حوّلت مرضاي إلى أصدقاء.. وحوّلتُ مريضاتي إلى بطلات لقصصي ورواياتي..

لا بد للكاتب، أن يعيش حياةً غنيةً طافحةً بالحب والأمل والجوع واليأس والهجران واللوعة والعذاب كي تكون تجاربه هذه عوناً له في الكتابة السردية..

كتّاب كثيرون بدأوا الكتابة بعد الأربعين.. ومنهم الكسندر سولجينستين.. مع أن بعضهم كتبَ في أثناء سنوات مراهقته ومنهم آرثور رامبو..

الكتابة حرفة مقدسة .

الكتابة لن تجلب المال ولا الحياة الهانئة . كتبَ يفتوشنكو في "سيرة ذاتية مبكرة": "يبدو أن المال كان وما يزال الوسيلة التي تجعل الناس عبيداً. الذين لا يملكون المال عبيد لأنهم يحتاجونه من أجل العيش. والذين يملكونه يضحون بأعصابهم وطاقاتهم كي يكسبوا المزيد أو في الأقل الحفاظ على ما بحوزتهم، فهم إذاً عبيد بالقدر نفسه"

كان يشرفني دوماً، أن أتشبث بقلمي تشبث لثة الطفل بثدي أمه.. وكان يحلو لي أن أجعل أبطالي يحلمون..

في قصتي (النار الزرقاء) يخاطب خالد حبيبته نجلاء قائلاً: "يخيل لي، غالباً، أنني رأيتك وأحببتكِ من زمن بعيد؛ كنتُ أنام تحت شجرة التوت القريبة من دارنا.. كان التوت الأحمر، حلو المذاق، يسقط على رأسي وفي حضني حينما تهب الريح.. تخيلي يا نجلاء، غلام صغير يرتدي دشداشة مقلمة ينام تحت شجرة توت ويحلم.. هذا الغلام الصغير جالس الآن أمامكِ يتفلسف."

الكتب أحلام.. هكذا يقول امبرتو ايكو..

والكتب التي ندونها ما هي إلا أحلام.. ليست أحلام الكاتب وحده، بل أحلام أبناء جيله، ومعاصريه..

ليس هذا فحسب..

فالكتب هي صرخاتنا المكبوتة، هي لوعاتنا، هي لوعاتي ولوعاتكم، هي ضروب الحرمان العديدة التي عانينا منها، هي أغانينا الطافحة بالعشق والأمل وحب الحياة..

تقول أناييس نن: "إن لم تتنفس عبر الكتابة، إن لم تصرخ في الكتابة، أو تغني في الكتابة، إذاً لا تكتب؛ لأن ثقافتنا ليستْ بحاجة إلى هكذا كتابة."

في كتاباتي السردية إدانة واضحة للحروب.. ليست لأنها أخذتْ أعز أبنائنا وأخواتنا، وحوّلت نساءنا إلى أرامل وأطفالنا إلى أيتام.. بل لأنها هشمتْ فينا كل المرايا الجميلة..

كما يتجلى في كتاباتي ميل واضح للفانتازيا والانثيالات اللغوية.. وأعتقد أن غرائبية النصوص وانفتاحها كلاهما يتيحان للقارئ حرية التأويل وتجعلان من كل قراءة للنص القصصي والروائي كتابة جديدة، لا بل طازجة له. إن الكتابة المبدعة، أو الخلاقة، يجب أن تصدم أفق انتظار القارئ.. أي بمعنى أن على الكاتب أن يبتعد عن المواضيع الجاهزة والأساليب المملة التي ألفناها في السنوات الأخيرة..

أما بشأن إنجازاتي في الترجمة فأعتقد أن الروايات المهمة التي ترجمتها قد منحتني ثقافة موسوعية واطلاعاً جيداً على عوالم جديدة، وتعرّفتُ على ثقافات مختلفة وأناس يحملون فلسفات وأفكاراً وعادات وهويات مختلفة.. كما أن هذه الروايات ألهبت مخيلتي وطوّرت أدواتي الإبداعية.. منحتني الترجمة القدرة على التحليق بعيدا ًعن الواقع.. مما سهل عليّ ولوج عالم الفانتازيا.. كما يتضح ذلك في كتاباتي بعد سنة 1994، حين ترجمتُ (قل لي كم مضى على رحيل القطار) لـ جيمس بولدوين. وبشكل أكثر وضوحاً بعد ترجمتي لـ (طبل من صفيح) لـ غونتر غراس. كما أنني أنظر إلى الترجمة بوصفها حواراً مع الآخر، وانفتاحاً على الآخر.

تابعتُ كتابات زملائي الشعراء والقصاصين في واسط.. وكتبتُ عن محسن ناصر الكناني، وحميد حسن جعفر، ونوفل أبو رغيف، وإسماعيل سكران.. والقاص والروائي الشهيد حميد ناصر الجيلاوي. كما كتبتُ عن زملائي عبد الستار ناصر في روايته (الشماعية) وحميد العقابي في روايته (الضلع) وعلي بدر في روايته (مصابيح أورشليم).. كما كتبتُ عن زميلنا وأستاذنا القاص محمد خضير.

يقول باولو كويلو: إذا أردتَ أن تعرف روح شعب ما فاقرأ رواياته وقصصه، أو اقرأ أدبه عموماً..

الأربعاء، 19 مايو 2010

محاولة للعزف على ناي الشاعر الكبير مظفر النواب-بقلم حامد كعيد الجبوري-لوحة غالب المسعودي



أيام المزبن
محاولة لمجاراة الرمز العراقي الكبير الشاعر مظفر النواب
دك راسك إبكاع العرس
واصعد أمراجف للدف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
           **
خلاني نيشان الدهر
وزيّر وتر نشابه
بالكوز سدد نبلته
نيشن أبكلبي وصابه
لا بيه أشاكف غدرته
ولا تنفع العطابه
لاتشتكي ظيم الدهر
وأكباله لا تتوسف
لو شاف رجه بالرجل
يفتل أحباله ويلتف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
**
غركان واليغرك يظن
أبسباحه ينجه الغركان
لا عون مد أيده إلي
ولا شفت نخوة بطران
علكت عيني بالسمه
مهموم وأدعي الرحمان
هلبت يعاين حالتي
ويحن علّي يتلطف
دعوه ونخيته بالشته
بالصيف نزلي الشف
أيام المزبن كضن
دكضن يأيام اللف
**
كلناهه غيمه وتنجلي
وتذب مطرها وتصحه
وظلينه ننطر جيته
يغسل أكلوب الملحه
لا كطرة نزلت للزرع
أتبخ الكلب وتفرحه
والنوبه ما طلعت شمس
وكيّل شتانه وصيّف
دك أنكر وشال السلف
والضيف ظل يتضيّف
أيام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
كالو شمسكم بينت
وجرينه الف هلهوله
ملينه من ليل الظنه
وليل الظلام إشطوله
الدنيه موعوده أبفرح
والفرح بيدك نوله
مدينه نلكط فرحته
دبجات صفكه ونحتف
شو طلع سيباط العنب
من أمس كاضي أمنظف
ايام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
شمطلوب إلج يا دنيتي
كل العُمر ما وفه
أشحصلنه من كل الجزه
غير اللَهط و الهُرفه
والناس وكفت تستهل
جية العيد أبلهفه
أفتحنه شبابيج الضوه
والفرح جانه وهرّف
أحديثات بجفافي العرس
وكليبي لكليبك رَف
أيام المزبن كضن
دكضن يا أيام اللف
**
ألبست البياض أتغرنكت
وأتفرعت تانيكم
حسبالي مثلي أبلهفتي
وشوك البكلبي بيكم
ندري مراجلكم زمط
خابطكم وصافيكم
عضينه مية أصبع ندم
لا وينه جم جف وجف
ردينه لهدوم الجِرد
ويوميه من طف الطف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
**
أبسبعة قوالب غسلت
أبصابون سبعه وسبعه
وخايف تسولف صحبتي
حاقد طموحه الرجعه
أشجم هافي يتشلبَه البخت
وبيده يطيّح ربعه
بس سمع دكات الطبل
فحطان يركض كييّف
وميزان مقياس العقل
والحرمه أثكل للخف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
.....
نايب ومنتخبه الوطن
مو بس مغانم كاسب
كل سنه إيحج ويعتمر
طينة إمام النايب
المعروف حرمِي من أمس
جَواهه كصتَه وتايب
مسبحه وسجاده غوه
وللمال يجمع ألف
من راتبه أنعين ألف
وجم عاطل اليتوظف
أيام المزبن كضن
هم تكضي أيام اللف
.........
 بويه (مظفر) مو كلت
دهري وكع ناموسه
هم زين عندك هل البخت
لا يذلك أبجاموسه
ألمن ندير أحنه الوجه
والبشر دينه أفلوسه
الفيل شدوله جنح
وبالسمه طار ورفرَف
والشاذي جامعلَه ربع
وللهجع يركص  بالدف
ضيعنه كل ذاك الحلم
لا أمزبنايه ولا لف
...

الاثنين، 17 مايو 2010

رسالة اخيرة-نص وتخطيطات دغالب المسعودي



كلمة ولكن ليست اخيرة

بابتسامة من عينيها تكتمل القصيدة
فكيف بي وسأذوق مر الفطام
اغار على رحيقك من كل ذكر
                       ارشادات ///////?
(لا تاكلي عرنوص ذرة او شجرا او عجل الحنطة او عجل الذهب وكلي دجاجا مشويا وعسل النحل)
ولو اني اعرف
                    حتى لو كنت في غابة الهة لن تبدلي ذرة من حبي
بالاء كبيرهم
                          (اللهم امبن)
فاذكريني كلما احمر الشفق..........فهو نثار من دمي
واذكريني كلما انً ناي في سهر
واذكريني كلما داعبت نسمة اوراق الشجر
واذكريني كلما قبلت وجنيتك حبات المطر
انت كالروح  صنوان
 عين ونظر
                                                               
                                                    د غالب المسعودي

الجمعة، 14 مايو 2010

لطيف بربن سلطان الظرفاء-القسم الثاني-بقلم حامد كعيد الجبوري




لطيف بربن سلطان الظرفاء / القسم الثاني







محطة السجن :



والمحطة الرئيسية بحياة هذا الرجل هي السجن ، وكما قلنا أودع التوقيف للاستفسار فقط ، وهذا الاستفسار أمتد لسنة وستة أشهر ، وهناك في السجن حوّل أيام سجن رفاقه لسفرة لا تمل ، فلطيف بربن هو المغني ويمتلك آلة موسيقية لا يملكها سواه ، يضع مسبحته وسط إناء معدني ويبدأ يطرق على أطرافها فتخرج أصواتا متناسقة مع ما يغني ، وإن ملوا من الغناء تحولوا للشعر والمطاردات الشعرية ، وأن ضجروا منه تحولوا لصناعة الحقائب النسائية التي تحاك من خيوط (التيرة) – الذي تستخدمه النساء لتنظيف وجوههن من الشعر غير المرغوب فيه (الحفافه) – و (النمنم) ، يقول لطيف كنا نصنع الحقائب ومحافظ النقود ( الجوزدانات) وفق خريطة معينة ، وكنا نقتسم العمل بيننا أحدنا يلظم والأخر يطبق خريطته التي يعمل بموجبها فتسمع الترديد فيما بيننا أحمر ، أصفر ، أبيض ، وهكذا ، ويعني هذه الألوان (للنمنم ) ، ويقول لطيف بربن بهذه الطريقة مارسنا عملا وكنت أبعث لعائلتي ما أجنيه من عملي وكان يسد حاجة الكفاف لديهم ، يقول أبو ياسين عن أيامه وأيام رفاقه داخل سجن الحلة ، في اليوم الأول والعدد لا يمكن إحصاءه جاء لنا شرطي برتبة رئيس عرفاء وقال من هو ال (سرهنك) فيكم ؟ ، قلنا له ماهو (السرهنك) ؟ ، أجابنا (أنجبوا متعرفون السرهنك) ، يقول أبو ياسين قلت له (والله ريس عرفاء السرهنك لسه ما لزموه) ؟ قال رئيس العرفاء (بابا السرهنك هذا واحد من عدكم أنتو تنتخبوه يمثلكم ويجيب الأوامر من الضابط) ، أنتخبنا رفيق لنا لأداء المهمة وهو الشيوعي (عبد اليمه هادي أبو نصار) ، وسبب اختيارنا له أنه نائب ضابط في الجيش إضافة لكونه مسؤل التنظيم العسكري في محافظة بابل ورياضي نشط وأداري جيد ، تعودنا على مفردات لا نعرف معنى لها ولربما هي مفردات تركية أو فارسية ومنها مفردة (كانه) ، ونستمع لهذه المفردة أكثر من أي مفردة أخرى ، ف (كانه) للتعداد الصباحي وأخرى لطعام الفطور وأخرى لطعام الغداء وللعشاء ، والطامة الكبرى الذهاب الى المرافق الصحية ، أن صحت تسمية الصحية عليها ، مرافق واحدة وتعدادنا يتجاوز (300) موقوف مع ملاحظة أن الوقت الكلي لا يتجاوز الساعة، ويقول أبو ياسين بهذا الباب كان الواحد منا (يلزم سره ) للوصول لقضاء حاجته وطرقات الباب من الآخرين تستعجله بقضاء هذه الحاجة ، والمرافق الصحية – أوكد الصحية – مغلقة المجارى ومع ذلك نستخدمها إذ لا خيار لنا غيره ، ولهذا الحال أرخته بقصيدة وأعتذر أنا (حامد كعيد الجبوري) وأنقل اعتذار (لطيف إبراهيم بربن) لكل قارئ عما يرد بقصيدة (أبو ياسين) من مفردات أردت أن أثبتها لتوثيق حياة الوطنيون الأحرار ، وتقع القصيدة بحوالي (250) قفل ضاع أغلبها وحفظ يسيرا منها الراحل (جعفر هجول) يقول فيها الشاعر (لطيف بربن)



ألف آه من السره والكانه



.............



الف آه من السره لمن تجيك



بطنك أتطورد ومكسور الأبريك



تلكه ميه واكفه تتنه البريك 1



والسره يوصل لعد عنانه2



.............



إشلون شوغه لو ردت تنكل إبريج



أمن الظهر تلزم سره الصيحة الديج



أتكوم بطنك تربد وإلها صريج



أتشوف كلمن حاير أبز.... بانه



...............



الدايره وكت الحجي تزمط زمط



أتكول خوش أمخضر إلكم دانحط



أخيار تازه الوحده كيلو ونص ضبط



ومن تعضها جنها بيذنجانه



................



من يجينه الليل تتلملم أهموم



إنام مانكدر ولا نكدر نكوم



إيصفطونه مثل تصفيط الهدوم



ولو تحرك شخص راح إمجانه



..............



من تدك الشيلمانه للحساب



أنكوم مسطر بالشمس ساعة عذاب



يجي (جمعه)* ويجي (عبد الله )* الشباب



و(أبو ناظم)* بالصفير إسبانه



**************



1 : البريك / أبريق ، 2 : عنانه / قرية من قرى بابل ، * (جمعه ، عبد الله ، أبو ناظم) سجانون



والقصيدة طويلة وهذا ما أثبتناه منها ، وطرائف السجن كثيرة لا تحصى ، يقول (لطيف بربن) شاء القدر أن ينقلب (عبد السلام محمد عارف) على البعث صبيحة 18 تشرين 1963 م وجاء من كان يستجوبني ويدخلوه نفس زنزانتي ، قال لي يوم ماكان يحقق معي ويعذبني بشتى انواع العذاب وهو من احد أقربائه ولست بصدد ذكر إسمه ، (أسمع لطيف اليوم لا علاقة لي بك وإنما هي مسألة مبدأ) ، وحينما رأيته بزنزانتي بعد 18 تشرين قمت له وتنازلت له عن فراشي - (يطغي) – ومكاني وقلت له (إسمع ..... اليوم لي علاقة وطيدة بك وهي مسألة مبدأ أيضا) ، وشتان بين الموقفين ، وتستمر مقالب ( لطيف بربن ) مع رفاقه وزملائه السجناء ويقول ، كان واحد منا – النزلاء - نهم جدا ويحب أكل الحلويات وكانت عائلته تأتيه بما يشتهي فيأكله لوحده ويقاسمنا ما تأتي به عوائلنا الفقيرة ، مرة قلنا له سوف لن نشركك في ما يأتينا وهذا سببه أنت ولسنا نحن ، يقول (لطيف) أخذت (صابونة) وقطعتها بما يشبه حلوى (من السما) ، ووضعت كمية من الطحين والسكر عليه ووضعته بعلبة حلويات وأخفيته تحت وسادتي ، في الجلسة المسائية وزعت (من السما) حقيقي على السجناء إلا صاحبنا البخيل ، طالب الرجل – البخيل - لنفسه بقطعة منها ولم أعطه مكررا عليه حديث الصباح إياه ، قال لي (والله إذا جابولي أهلي شي جديد أوزعه بينكم) ، قال له (لطيف) أن كنت صادقا فأخرج لنا من (الكيك والكليجة شيئا) ، قال إنها لا تكفي ، وانتهت الحادثة بعد أن أوعده صديق لنا أنه سيسرق قطعة من (من السما) ويعطيها له ليلاً ، قال له البخيل (إمروتك أثنين) ، أجابه صاحبنا المدسوس من قبلنا (من أعيوني) ، أطفأ مصباح (القاووش) وتظاهر الكثير منا بالنوم وبدأ الشخير وتحرك صاحبنا ليسرق قطعتين للبخيل وأعطاها إياه فأودعهما فمه ، بعد لحظات سمعنا صوت سعال و(شرقه بالبلعوم) ، نهض أحدنا وأضاء النور فوجدنا صاحبنا (حلكه إموغف من الصابون) وهو يلعننا جميعا وأقسم أنه سيشكوننا للضابط يوم غد ، وكما قلنا دام هذا الاستفسار سنة ونصف ولم يطلق سراحه إلا بعد أن أحيل لما يسمى محكمة العرفي وحكم لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ ، أما ال( سرهنك) عبد اليمه أبو نصار فهتف داخل قفص الإتهام لصالح الشيوعية وأنصارها ومؤيدوها وأتهم الحاكم وزمرته بالخيانة وحكم عليه بخمسة عشر سنة ، وستكون محطتنا اللاحقة عن هذا الرجل – عبد اليمه هادي - أن أمد الله بعمرنا وعمره .



العمل الذي مارسه ( لطيف بربن) .



..............................................



وعودة للعمل الذي كان يمارسه (لطيف بربن) بدكانه – دكان ابيه - الذي يبيع به التبغ (التتن) يقول ، جاءني أحد الأعراب وقال لي أريد (تتن حار) ، و(لطيف) يعرف كيف يتعامل مع مثل هؤلاء ، والتبغ ثلاثة أصناف وهي البارد والوسط والحار ، قال الإعرابي أريد (تتن حار عمي) ، عملت له سيكارة من التبغ البارد وأعطيتها له ، دخن جزءا منها وقال (عمي شويه أحر) ، قال له (من عيني) ، وعمل له سيكارة من التبغ الوسط فدخنها وقال (بعد أشويه أحر) ، عمل له السيكارة الأخيرة من التبغ الحار فقال الإعرابي (لو بعد أشويه أحر أكعد وزن) ، قال له (أبو ياسين) (بسيطة والله راح أنطيك تتن ما شاربه أبعمرك) ، عمل له سيكارة من التبغ الحار وأضاف لها قليلاً من التوابل – أبهارات - وبدأ الإعرابي بتدخينها ، أخذ النفس الأول وفي النفس الثاني سعل سعلة قوية أحدث – دلالة خروج الريح منه – الرجل الإعرابي بسببها ومع ذلك قال ل (لطيف) ، (والله عمي هذا التتن حار كلش ولو ألكي بعد أحر منه جان أخذت منك ربع تتن ودفتر لف ) ، قال له ( لطيف) بعد أن دخن الإعرابي أربعة سكائر (بلاش) ، (هذا أعله تتن عندي أسمه تتن أبو ضر...) ،وذهب الإعرابي دون ان يتبضع شيئا و( أنضرب بوري) أبو ياسين ، بعد ان أصبح هذا الدكان لا يفي متطلبات ( لطيف) المعاشية أفتتح له محلا لبع الأخشاب قرب محافظة بابل ، وكان الرجل يجلب هذه الأخشاب من بغداد على طريقة التصريف بعد أن يدفع جزءا يسيرا من ثمن هذه الأخشاب – غرف نوم ، أسرة خشبية ، تخم قنفات ، وغيرها – يقول ابو ياسين أن هذه الأخشاب لم تكن من الدرجة الأولى فهي (سوكية) ، وكان المتبضع يدفع مبلغها بطريقة التقسيط المريح ، وبما انها غير جيدة الصناعة فلا تصمد طويلا ، وكثيرا ماكنت أخسر لعدم موافقة الزبون على الدفع ( لو تنكسر الجرباية من كثرة ..... ، لو ينكسر باب الكنتور وهكذا) ، غادر (لطيف هذه المهنة) وحول محله لبيع ( البايات ، الدرج) ، يقول ابو ياسين كان محافظ بابل عام 1969 م هاشم قدوري ، إنتبه المحافظ لهذا المحل الجميل واستوقفته (أزبال قرب المحل) وقال للطيف بربن ، لماذا هذه الأوساخ بباحة محلك ؟ ، أراد لطيف بربن إجابته أنها مسؤولية البلدية ولا علاقة لي بذلك فقاطعه المحافظ قائلاً ( أسكت خل أكل خ.... ه) ،أجابه لطيف بسرعة بديهيته المعهودة (أتفضل أستاذ) ، أنتبه المحافظ لذلك وأبتسم ابتسامة صفراء وقال له ، ألم يكن المحل هذا قبل يومين لبيع الأخشاب ؟ ، أجابه لطيف ( أستاذ الخشب خفيف والناس كالتلي أخذ ثكل وما كو أثكل من البايات) ، ولكوننا بصدد ( هاشم قدوري) محافظ بابل فهناك طرفة لا يمكن أن نمر دون ذكرها وهي ، أشترى ( لطيف بربن) سيارة نوع ( نصر) وتعلم قيادة السيارة عام 1969 م ، وفي هذه السنة وضعت دائرة المرور ولأول مرة ( الترفك لايت) في ساحة باب الحسين ، صادف أن محافظ بابل وهو يقود سيارته الشخصية نوع ( فولفو خاكي) بلا حرس أو حماية او سائق وهو واقف بسيارته ينتظر فتح الإشارة ، في هذه الأثناء جاء لطيف بربن بسيارته ال( نصر) ولم يتوقف تلبية للإشارة لأنها كانت برتقالي وهكذا أعتبر مخالفا ، لم يتوقف لطيف لصفارة شرطي المرور التي سمعها المحافظ فقرر المحافظ مطاردة (لطيف) ، أنتبه (لطيف) لسيارة المحافظ ال(فولفو) وهو يعرفه تمام المعرفة ، لم يستطع المحافظ اللحاق بلطيف إلا خارج حدود المدينة بحوالي عشرة أميال ، سبقت السيارة ال (فولفو) سيارة ال (نصر) وأومأ المحافظ للطيف بالتوقف والنزول قرب آثار بابل التاريخية ، لم يكترث لطيف للمحافظ ونزل من سيارته صارخاً بوجه المحافظ ( اسمع زين أنت لا حكني ليش ، وشنو علاقتك ، والله اكو عدنا محافظ خوش أدمي يشك حلكك وحلك الخلفوك ، ما تستحي لا حكني ) ، تهللت أسارير المحافظ لهذا الإطراء وأنتفخت ....... وقال له ببرود ، أنت تعرف المحافظ ؟ ، أجابه أبو ياسين بحدة ( أكو واحد بالحلة مايعرف هاشم قدوري المحافظ الشاغول) ، ضحك هاشم قدوري وقال ل (لطيف) أنا هاشم قدوري ، أزداد (لطيف) صراخا وقال له وهو يهز يده اليمنى ( والله بلوه أدوره أيسوي نفسه المحافظ لعد وين الحماية والماطور سكل والطيط طيط – اشارة لهورن السيارة ولكنه يقصد شئ أخر -) ، أقسم هاشم قدوري ل (لطيف) أنه المحافظ وأنه لم يجلب معه الحماية ولم يستخدم سيارته الحكومية هذا اليوم وقال ل (لطيف) (باجر مرلي بالدائرة لتعرف من أنا وبعد لتضرب الإشارة) ، قال له لطيف أن غدا لناظره قريب ، في اليوم التالي ذهب (لطيف) الى المحافظة وأصبح من معارف المحافظ ،وعودة للأعمال التي مارسها لطيف بربن وهي كثيرة ( محل تصليح صالنصات ، مطعم لبيع الكباب ) وأخيرا مارس مهنة المزادات الحكومية التي تبيع المخلفات للدوائر ، كل هذه الأعمال مارسها لطيف بربن بأمانة متناهية جداً .



طرف متفرقة



.............



للطيف بربن علاقات واسعة ومتوازنة مع مختلف شرائح المجتمع ولمجتمع الأطباء له معهم أكثر من طرفة ، كان الجراح المشهور الدكتور يوسف شمس علي على علاقة جيدة مع لطيف بربن ، في أحد الأيام أصيب لطيف بداء (البواسير) ذهب لصاحبه الدكتور يوسف شمس علي وعرض نفسه له ، أجابه الدكتور أنه بحاجة لعملية جراحية ووافق عليها ، في صباح يوم العملية ولطيف مسجى على ( السدية) وبدأ الدكتور بملاطفته قائلاً ، ( اليوم ابو ياسين أنت حصتي ، راح أشوف كلشي منك) ،تركه لطيف يتحدث هكذا ولم يعره إهتماما يذكر ، وبدأ الممرضون واللممرضات يضحكن من نكات الدكتور ، أبتسم لطيف وهو يحادث الدكتور ، ( إمروتك دكتور لتضحك ، وتضحك ربعك وياك ، أخاف تنساني ومدري شتسويلي بالعملية ، أرجوك إعصر مخك أبط ...زي) ، ضحك الجميع إلا الدكتور الذي أصبح فريسته ، ومرة ذهب (لطيف) الى دكتور الأسنان عبد المنعم الشاوي شاكيا ضرسا له وهو صديق أيضا ل (لطيف) ، قال له الدكتور مازحاً ، ما أسمك يا لطيف ؟ أجابه لطيف ببديهيته أسمي ( لطيف الحساوي) ، قال له ما هذا (الحساوي) ، أجابه لطيف ، (دكتور البغال أشكال منهن الحساوي ومنهن الشاوي ) – أعتذر مجددا عن ذكر هذه المفردات التي قد تسئ لأحد ، لكنها الحقيقة وللحقيقة فقط - ،ومرة أصيب لطيف بجلطة قلبية فقررت – انا - الذهاب لعيادته في مستشفى الحلة الجمهوري وكان طبيبه الخاص الدكتور محمد المهنه ، وكان الدكتور يحدث لطيف بنصائح طبية لحالته وهما يسيران في الممر ، ولأن الدكتور قد أوصى بخروجه من المستشفى ، وحين وقعت عينا لطيف علي قال للدكتور وهو ينظر لي ، ( دكتور من رخصتك فشله أجه أبو طيف أيشوفني خل أرجع وأنامله شويه بالفراش خو موأيشوفني كلشي مابيه عيب ) ، ضحك الطبيب وهو يقول للطيف ، أولا عليك أن تمتنع عن الكلام ، أجابه لطيف ( سأمتنع بعد أن أكمل حديثي وياكم كلكم) ، وعليك الإمتناع عن التدخين وتمتنع عن الخمرة وأن سمحت لك بالخمرة فلا أسمح لك إلا (بيك ويسكي فقط) ، أجابه لطيف ، (بالله مو عيب هل الطول وهل العرض أوكف إكبال الله على بيك ويسكي ، شنو أمخبل أني ، عمي دروح لازم أوكف أكباله على بطل صندوك حتى يسوه الحساب ويايه) .



ومطعم الكباب الذي أفتتحه لطيف أصبح ملجأ لكل أحبابه وأصدقاءه ، دخل لهذا المطعم ليلاً قبل إغلاقه بقليل صديقان له ، وبعد أن تناولا عشاءهما سألا لطيف أن كانت في المطعم مرافق صحية لقضاء حاجتهما ولما علما من لطيف أن المطعم يخلو منها – المرافق – ( تبولا) في المغسلة ورآهما لطيف وحين انتهائهما من التبول سألا لطيف عن المطعم وعمله وما يدر من ربح عليه ، أجابهما لطيف ( والله المطعم رحمه من الله ، بس طهارة ماكو وتدرون بوله بولتين أبوجه الصديق متضيع) ، وهكذا عبر عن استنكاره لهذه الفعلة منهم بهذه الطرفة .



ومرة دخل لطيف مع صديق له لسينما الجمهورية ببابل وكانت تعرض فيلم (ستوته) وبالطبع هذا الفيلم أخذ صدى واسعا حينها ، يقول لطيف كان أحد رواد السينما وهو جالس أمامنا قد خرج لتوه من الحلاق ورقبته طويلة فقال له صاحبه ، ( أبو ياسين أتشوف هذا الكاعد جدامنه ) ، قال له لطيف ماله ، يقول لطيف أجابني ، ( خويه دشوف ركبته أتشهي العليل) ، أجابه لطيف وما علاقة ذلك ، قال صاحب لطيف ( والله راح أضربه محمودي وأنعل أبو أبوه) ، قال له لطيف (عمي شو بطل هذا إذا إيضربك جلاقة إيشك ...) ، قال له صاحبه ( أضربه لو أيصير أبن الملك) ، يقول لطيف بصق صاحبي بيديه ورفع يده اليمنى عالياً وضرب الرجل على قفاه فصعقه وخرج صوت من قفاه سمعه كل الجالسون حولنا ، نهض الرجل ليعرف ما سبب ذلك وهو يردد ( أخ بويه ركبتي) ، فقال له صاحبي ( العفو والله عبالي سلمان صديقي والله العظيم ركبته تشبه ركبتك) ، قبل الرجل هذا العذر الواهي وجلس بعد أن ( جغدت علباته) وحول نفسه لكرسي أخر ، بعد لحظة وجيزه قال صاحب لطيف للطيف ، سأضربه مرة ثانية فقال له لطيف ،( يابه دعوفه أشجلبت عمي خاف شايل خنجر قامه ) ، قال صاحب لطيف (هذا لو بيه زود جان ماقبل عالضربه من اول مره) ، أنتقل صاحب لطيف الى الكرسي الذي يقع خلف غريمه وعاد الكرة بمثلها وبشدة أكثر وقال مخاطبا الرجل المصفوع ( كلب أبن الكلب سلمان أنت كاعد إهنانه وأني أضرب العالم راشديات) ، أجاب الرجل مخاطبا صاحب لطيف ( أنعل أبوك لا بو سلمان لا بو اللي طببني للسينما اليوم) وغادر دارالسينما قبل عرض الفيلم .



يقول أبو ياسين أن أحدهم كان يستعمل الحمير جنسياً وفي أحد الأيام شاهد حمارة وكأنها (فلعة كمر) فدخلت قلبه ، أراد أن يستدرجها لإحد البساتين فهربت منه وتبعها ، دخلت الحمارة أحدى البساتين وكاد أن يمسك بها فشاهد إمرأة جميلة مستلقية على (حصير) وهي نائمة وثعبان يقف على رأسها لينهشها ، ثارت حمية هذا الرجل لنجدة المراة ولكن سيخسر غنيمته الجميلة ، خلع حذائه وقرر أن يرميه صوب الثعبان فأن أصابه خيرا فعل وأن أخطأه فسيهرب الثعبان حتما ، نفذ خطته وكاد ان يصيب الثعبان فهرب ، جلست الحسناء لصوت سقوط الحذاء فرأت هذا الرجل على رأسها ورأت الثعبان الهارب وقالت له ، أنا أشكرك جدا وهي حاضرة لما يريد ويأمر ، أجابها الرجل ( هاي المطية هواي تعبتني كومي لزميها بعد مابيه حيل ألحكها) .



يقول لطيف كانت عائلة معدمة متكونة من أم وأب وولدان ، الولد الصغير عمره (22) سنه ، قال لإمه (يمه أريد أتزوج) ، أجابته الأم ( ولك أمصخم أمنين أجيبلك فلوس زواج أشو أحنه أبطرك الدشاديش) ، أجابها لا علاقة لي بذلك ( والله أسويه عليكم عزه إذا ما أتزوج) ، قالت له أمه ( يمه السره لخوك بالزواج وهو أكبر منك ) ، أجابها ( إذا هو ميريد يتزوج شعليه بيه) ، تحركت الأم صوب أقاربها لتجمع له (سياك الزواج) ، إقترضت المبلغ (إبشلعان الكلب) ، وكانت لهم جارة فقيرة كحالهم ووافق أهلها على تزويجها لخاطبها ، وبدأت مراسيم الإعداد للزواج ، سأل الأب زوجته (بشري أتدبرت الشغله) ، أجابته ( الحمد لله بقت بس الدشداشه واللباس للعريس) ، قال الأخ الأكبر ( يمه هاي دشداشتي لخويه هدية زواجه) ، ونطق العريس قائلا (واللباس عليه بعد أشتردين خو فضت القضية) ، وصنعة العريس (يفتر بالعكود يشتري عتيك للبيع) ، وكانت الحكومه آنذاك توزع السكر والطحين بأكياس نسيجيه (بازه) ، أختار العريس أحد الأكياس النظيفة غير ألممزقه وصنع منها (إلباس) ، يوم الزواج أدخل العريس على زوجته وسط زغاريد النسوة وتصفيق الأقارب ، بعد فترة وجيزه صاح العريس بصوت عالي ( يمه لحكيلي ماتت العروس) ، دخلت الأم على زوجة إبنها وهي تقول (ولك أمصخم أسويتلها) ، أجاب العريس (والله يمه كلشي ما سويت) ،وبدأت الأم بضرب العروس على خدودها لتستفيق وهي تردد (يمه شكريه أشبيج) ، وطلبت قدح ماء رشته على وجه العروس فاستفاقت ، قالت الأم للزوجة ( يمه سوالج شي) ، أجابت ( لا والله يمه كلشي ما سوالي الرجال) ، قالت لها الأم (لعد إشبيج) ، أجابت المسكينه ( دخل للغرفه سعدون وسد باب الغرفه ونزع إعكاله ونزع دشداشته وشفت مكتوب على إلباسه الوزن الصافي خمسين كيلو ، كلت ويه نفسي اليوم موتج يشكريه إذا الوزن الصافي خمسين كيلو لعد الخابط ويه الخ......اوي أشكد) .



ولطيف بربن له طرف ونكات لجميع شرائح المجتمع ، يقول أبو ياسين أن رأيت شخصا يركب دراجة هوائية – بايسكل – وهو يرتدي قاط ورباط ويعلق على مقود دراجته ( علاكه خوص) فتأكد أن صاحب الدراجة معلم .



في الأعياد – عيد رمضان وعيد الحج – والناس كما يقال ( على كد حالهم ) ، ولطيف بربن يرتدي العقال والكوفية أستمع لأهزوجة يرددها الصبيان وهي تقول ( أبو أعكال بطنه قبض دينار حاصر طي....ه) ،أخذت الحمية بلطيف بربن كرامة لعقاله المهان وقال لمن يعرفهم من هؤلاء الأطفال بعد أن أخرج لهم ( عيديتهم ) وقال لهم ، ( هاي الهوسة مو حلوه راح أعلمكم وحده واللي يحفظها كبل صاحبه إله عشر فلوس مني هديه ) ، تسابق الأطفال بحفظ أهزوجتهم الجديدة وماهي إلا دقائق حتى أصبحت أهزوجة الصبية الأثيرة وتقول ( يبو إعكال لتهتم تره الأفندي قندره) .



ترافقا رجلا دين مدعيان – كيومنا هذا – ليوعظا القرويين ، أحدهما مرض مرض شديدا وقال لصاحبه ، ( أمروتك شيخ كمل محاضراتي ) ، وافق الآخر على أن يقتسم مع صاحبه نصف الأجرة المققره وإلا فسيخسر ما جعل له من مال ، قال (المومن ) المكلف بالإكمال ، ( لي وين أوصلت وياهم) ، أجابه بأنه بصدد سورة ابو لهب ، قال صاحبه أنا لا أحفظ هذه السورة ، أجابه لا ضير عليك فأنا سأجلس قريبا منك ، في الموعد المقرر بدأ ( المومن) يتلو السورة وقال ، ( تيت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، وأمرأته حمالة الحطب ، في يدها ) ، أشار له ال ( مومن) المريض فعرف أنه على خطأ فقال ، ( في رجلها) ، تكررت الإشارة مرة ثانية فقال ، ( في خصرها) ، وتكررت الإشارة عينها ، قال ال( مومن) المحاضر لل (مومن) الجالس ، ( هاك أخذ بيدك الحبل وين متحطه حطه كافي أنعلت أبو أبويه) .



الطرف السياسيه



أيام حكم عبد الرحمن عارف للعراق وحصول البحبوحة من الحرية تقريبا كان نادي الموظفين في بابل والذي يقع مقابل دائرة الأمن في الصوب الصغير للحلة المحروسة ، يرتاده ليلاً الموظفون وأصدقائهم ، وبما أن لطيف بربن يحضر مع أصدقاءه ضيف شرف على الجميع وكانت تمارس في النادي (لعبة الدنبله) يقود مجرياتها لطيف بربن مكلفا من الجميع لأداء هذه المهمة لأنه يتحدث بطرفه أثناء سير اللعبه ، كان البعثيون متحلقين فيما بينهم ، والشيوعيون كذلك ، وكما قلنا أن للطيف بربن علاقة متوازنة مع الجميع ، في تلك الفترة صدر كتاب (مذهب ذوو العاهات) لعباس محمد العقاد ، ووصل بيد البعثيون وهم يتحدثون به كثيرا لأنه يتناول الحزب الشيوعي ، في هذه اللحظة دخل للنادي لطيف بربن فأستقبله الجميع بحرارة ، دعاه البعثيون للجلوس معهم وهم ( عبد الوهاب كريم رمضان) عضو القيادة القطرية الذي أغتاله صدام حسين بحادثة سيارة مفتعل ، و (حبيب جاسم) عضو القيادة القطرية والذي أغتاله صدام أيضا وبحادثة سيارة ، و ( عامر الدجيلي واخوه صلاح ) عضوا قيادة شعبة بابل وأغتال صدام عامر الدجيلي أيضا بحادثة سيارة مع حبيب جاسم ، و(سلام علي السلطان) مدير عام دائرة السينما والمسرح عام 1969 م ، جلس لطيف بربن معهم وقالوا له وكأنهم يمزحون ، ألم تقرأ يا لطيف كتاب العقاد حولكم وأسماكم ذوي العاهات ، ضحك لطيف بربن ضحكة هزت النادي أجمعه وشخصت له أبصار الجميع ، قال لهم ، إن العقاد لمجنون لأنه لم يركم ولو كان رآكم لغير رأيه بالحال ،( عمي أنتو البعثيين أصحاب العاهات ودليلي هذا ، وهاب أعور وهذا حبيب الأسود وهذا صلاحالأعرج وهذا سلام الأقجم منو أصحاب العاهات إحنه لو أنتو) ، وترك مجلسهم وعاد لمجالسة رفاقه الشيوعيين ، وبالمناسبة أقول لمن لا يعرف هؤلاء ، ف(وهاب كريم ) كريم العين حقيقة ، وحبيب جاسم عبد أسود وهذا ليس بضير ، وصلاح الدجيلي به عرج طفولي ، وسلام علي سلطان مبتورة أرنبة أنفه ، قال لأصحابه وهاب كريم - بعد قيام لطيف بربن عنهم ، ألم أنهكم عن التعرض للطيف بربن لأنكم لا تستطيعون مجاراته بإي شئ .



بعد التأميم حدث نقص حاد في مخزون البيوتات العراقية من المواد الغذائية بشكل ملحوظ ، يقول لطيف بربن اشتريت سمكة كبيرة جدا يصل وزنها حوالي ستة كيلو غرامات ، أخذتها لأم ياسين وقلت لها ( أم ياسين بروح أبوج سويلنه منها مركة سمج ومطبك سمج وقسم إشويه وقسم كليه والثرب حمسيه) ، وبعد أن أوصى زوجته بما يشتهي عاد لمحله ، ساعة الغداء ، يقول لطيف بربن لم أخذ تكسي للذهاب لداري بل ذهبت سيرا على الأقدام لكي أجوع أكثر ، وصلت الدار ووجدت السمكة على حالها فقلت لأم ياسين (بويه شو هاي السمجه بعدها) ، قالت الزوجه ( والله أبو ياسين ماعدنه ملح رحت للجيران وكالو ماعدنه رحت للوكيل وكال ماعدنه كلي شسوي) ، يقول لطيف أخذت السمكه بيدي وأستأجرت تكسي وذهبت لشط الحلة ورميت السمكه بالنهر وعدت لداري ثانية، في اليوم الثاني وأنا أمر بجنب النهر خرجت لي السمكه وهي تردد (عشت يا بعث يا صانع الثوره) ، كنت مع أبو ياسين بتلك الليلة وهو يتحدث بهذه الطرفة أمام جاسم هجول عضو قيادة فرع بابل ، وكان جهاز التسجيل يسجل للطيف هذه الطرفة ولكي يضمن عدم الوشاية به لأحد قال مخاطبا عضو الفرع كي يسجل ( مو صحيح أبو رفعت) ، وكنية جاسم هجول أبو رفعت .



بداية الحرب العراقية الإيرانية لم يدعى لطيف للذهاب الى قواطع الجيش الشعبي لكبر سنه ، ولكن أمن بابل لم يتركوه هكذا ، مرة طرقت باب داره ودعاه شرطي الأمن للحضور للدائرة الأمن ، ذهب الرجل لها وهناك إستقبله أحد الضباط ببرود وقال له ، أنت لطيف بربن ، أجابه نعم ، قال له الضابط أنت شيوعي ؟ ، أجابه لطيف وهو واقف أمام الضابط ، ( عمي هذا حجي عتيك ) ، قال له الضابط لا تقل عمي فانت لست بعم لي وهذا إعتراف بشيوعيتك فمن هو مسؤلك ؟ ، أجاب لطيف (والله لو ميت أعز أولادي هم جان نسيته ، بويه هذا الحجي عمره اربعين سنه) ، قال له الضابط منعتك من قول عمي والان تقول لي ابي ماهذا ؟ ثم لماذا لا تنتظم بصفوف الحزب لحد الأن ؟ ، قال له لطيف (يا حزب) ، أجاب الضابط حزب البعث ( اكو غيره) ؟ ، أجابه لطيف أن غازي محسن عضو قيادة الفرع بعمري وأحيل الأن على منظمة المناظلين فهل توافقون أن أنتمي اليوم صباحا وأحال على هذه المنظمة مساءا ، عرف الضابط أن لا جدوى من ذلك وعرف خطأه إتجاه هذا الرجل الكبير فقال للطيف ، (عمي إذا تحتاج شي مر عليه) ، ضحك أبو ياسين وقال له ( شو كلت عمي وكبل شويه منعتني هسه منو العم اني أنت ) ، أجابه الضابط بل أنت عمي ( بس شسوي إذا أضبارتك يرادلها دولاب) ، واستكمالا لهذه الطرفة الحقيقية أقول ، بعد فشل الإنتفاضة العراقية الشريفة عام 1991 م ذهب لطيف بربن لذلك الضابط فرحب به كثيرا وأجلسه ، قال له لطيف (اخر مرة جيتك كلت اضبارتك أجبيرة يرادلها دولاب وحدها إجيت أسأل خو مو باكوها الغوغاء) ، أجابه الضابط ( شتسوي إذا إنباكت) ، قال له لطيف (أروح أشتكي بالمديرية عليكم ) ، ضحك الضابط وقال ، (ليش تشتكي عمي)، أجابه ابو ياسين (بويه هاي كل عمري بيها أشلون تنباك يعني اني بعد ما اعرف نفسي) ، قال له الضابط أن إضبارتك حرقت وهذا ماتريده أليس هكذا ، أجابه لطيف ( بروح ابوك بلكت أتدليني وين الكه النسخة الثانيه من عدها) ، ضحك الضابط وقال له إطمئن لا إضبارة لك الأن ، تنفس ابو ياسين الصعداء وقال للضابط ، (الحد لله) وخرج مسلما عليه.



علاقة لطيف بربن بشعراء عصره



للطيف بربن علاقات واسعة مع الشعراء الذين جايلوه ومنهم ( عبد الصاحب عبيد الحلي ، محمد علي بنيان الجبوري ، عبد الأمير الجبوري ، محمد علي القصاب ، حسين علي الناجي ، سيد رحيم العميدي) وغيرهم من شعراء الفصيح والعامية ، وأعز أصدقاءه اليه الشاعر الشيخ حسن العذاري الحلي ، وحسن العذاري ينظم الفصحى والشعبي ، ومن أجمل ما نظم حسن العذاري بهذا الفن هذه القصيدة التي كتبها خلال الخمسينات من القرن المنصرم ومنها ،



حوراء فاتنة الأعطاف زدت بها شوك وصرت ولهان لمن شقتها



ناديتها يامها عيناك قد كحلت كالت أبد والله ماكحلتها



سوداء كحلها الرحمن في قدر كتلها والوجنات ورده وإختها



قالت أما تختشي للورد تنسبني أكطع الورده وشوف ساعه وعفتها



ويقول أبو ياسين عن فن الملمع أنه يحفظ لأحدهم هذين البيتين



غادة كالورد تزهو كاعده إبسد الحنيه



نظرت عيني إليها لنها وحده أبريبصيه*



إبريبصيه : محتاله.



ولطيف بربن يكتب الشعر الفصيح أيضا ولكنه يكتبه على طريقته الخاصة ، قلت له يوما هل تحفظ ماتكتبه من شعر فصيح ، قال نعم وأنا أتحدى كبار الشعراء مجاراته أو حتى تفسير معناه وخذ مثلا



تقدمت نحوي تلف بذيلها فقلت هل غادر الخطاب ساماكي



ام أنك البحر الهطول أما ترى كل العيون فداء صار للجاكي



هي الحصان عليها خد فاتنة تثاوب النوم حتى في مسلاكي



قلت له مهذا الشعر الذي تقوله أبو ياسين ، قال لي (اني شمدريني بس هو شعر أذا أنت متفتهم معناه روح للمنجد) ، وبالمناسبة يقول لطيف كنت أتطارد مع رفاقي في السجن بمثل هذه الأبيات ولكنهم يعرفون أنها للطرفة .











الخاتمه



أكرر أعتذاري وأرجو مسامحتي عن الألفاظ التي لا هم لي بنشرها إلا لإيصال حقيقة هذا الرجل الكبير ، وحينما أقول الكبير فأنا أعنيها تماما فهو رجل عصامي كون ذاته بذاته ولم يحتج صديق أو أخ ، ولربما ساعد الكثير من رفاقه وأصدقاءه وأخوته بما يقدر عليه ، ولطيف بربن لم ينل حظه من الدراسة فهو خريج للخامس إبتدائي ، ومعلوم ان ثلاثينات القرن الماضي ويصل لهذا الصف فهو فتح كبير ، وكان الحزب الشيوعي العراقي مدرسته الأولى ومنه تعلم الكثير وقرئ الكثير وسافر لأغلب بلدان العالم شرقيها وغربيها وله مع الشبيبة الديمقراطية أكثر من محطة للسفر ، سألته أخيرا وقلت له أبا ياسين هل لك شئ تقوله لي ، قال هناك في نفسي غصة من الوضع الحالي الذي آل إليه العراق ، تصور نحن الحالمون بالتغيير يأسنا من كثير من الممارسات غير المجدية ولك أن تأخذ هذا المثل بل الحقيقة أنموذجا ، نحن الذين أودعنا السجون وعانينا الكثير من أجل هذا الشعب وكنا نحلم بحكومة منصفة للجميع على حد سواء تصور لقد حرمنا من حقنا كسياسيين ولم ننصف بأي شئ وأنا بحاجة ماسة لها ، لم نختسب سجناء سياسيون لأن الأحزاب الدينية لم تكن موجودة إلا بعد عام 1968 م ، أضف أن موقف الحزب الشيوعي منا موقف متراخي ، حيث لم يصر بالمطالبة لانتزاع حقوقنا المغتصبة جهاراً وأنا لي علم كامل بأن الحزب الشيوعي قدم الكثير من هذه الاعتراضات ولم يؤخذ بها والمثل يقول لا أمر لمن لا يطاع ولعل قادم الأيام تأتي بالجديد لكل العراق

الأربعاء، 12 مايو 2010

نسمات حلية-حامد كعيد الجبوري


نسمات حليه
الحله غابه من الشجر والياسمين
ومن تريد الطيب شمهَـا الحله
أيسير أعليها المسه نهر الفرات
تارس أشليله الورد والدهله
والنواعير أبحضن ميهه تبات
أمديرمه الشفتين عين أمكحله
وبشواطيها الشمس تنزع الثوب
تغسل أزنود وتمشط كذله
وبليالي الصيف تـنزل للسطوح
للنجم تحضن وتـنصب كله
والبلابل تلبس ثياب الصباح
أبريحة القداح تجمع سله
(نعيج ماي)
1 ويلعَب أيضَحك الماي
يركب الروج الفجر يتسله
والزواجل تعله وأسراب الحمام
تطير حره ولاجنحها أتشجله
وشارع العشاك يتـنطر حبيب
وصدر كل ورده تطوف النحله
والكمر ينزل على الحله ويمر
على الفقره وكل عكد يندله
سهر عدها الليل تعبان وينام
ترس عينه ولا ينام أبوجله
والمطر يغسل صبر كل السنين
أيجيبه للـيزعل يصالح خله
تفرش حديثات يم (بت الحسن)
2
خد ترافه وعين كوز ونبله
أبهيده مجداف البلم ياكل الروج
أمدولبه الموجات صعبه وسهله
و(حسن نمج)
3 بالنهر ذب الشباج 
ويرجع بشكبان من مال الله
أبيوت طين وتضحك أبوجه القصور
والقصر ما فتَح بابه وهله
أبيوت مفتوحات للحب والأمان
أبساط ووجاغ ومضيف ودله
أطفال عكد(الشيخ والسرحه وبيات)
4
أندك على البيبان نلعب ختله
زغار نلعب دعبل ونطفر كمر
أجعاب والشاطر يّرجع حله
الحله شجره أغصانها تعبد آله
واحد السجدت أله كل مله
أغصان جوري ورازقي وشبو وعطور
أبميها تروّي وبشجرها أتظله
الحله موطن علم منبع للعراق
الحله للينتسب ألها أتعله
(الحلي وأبن أدريس وأبناء النما
وأبن طاووس)
5 أبفضلها أتحله
الحله أم (الصفي)
6 وبحكها يكول
غبن عمره المانظرها أبمقله
*
الحله مانامت ولاترضه أبهوان
ولا تمد أيد وتبايع ذله
مرها جم (عاكف وحجاج ويزيد)
لاأثر ظل وذكرهم وله
جاورت (حيدر) وجيران (الحسين)
فراش للحبها وعدوها أتسله
                      *****  
حامد كعيد الجبوري 




























              
 
1:طير النورس ، 2: مرقد يقع على النهر مباشرة ،3:صياد سمك 4: طرق في محلة الورديه 5 :مراقد علماء 6،:الشاعر صفي الدين الحلي الذي قال البيت*(من لم ترى الحلة الفيحاء مقلته ، فأنه في أنقضاء العمر مغبون)