السبت، 8 مايو 2010

حوار مع الفنان غالب المسعودي-اجرى الحوار رعد كريم عزبز


س)الرسم قريب عندك من الحرف ماهي هذه العلاقة الحميمة؟
ج)ان تعثرنا في فهم الرسائل البصرية نابع من كون حضارتنا هي حضارة لغة وكتابة.فنحن لكي نفهم امرا  ما يجب ان نكون قادرين على شرحه بالكلمات وعلى تلقيه بالكلمات وهذ من شانه ان يقيم حاجزا بيننا وبين انماط التعبير التصويرية التي تركتها لنا ثقافات ماقبل الكتابة.وندرك جيدا ان الكتابة بدات صورة بمعنى رسما ثم جردت الى حرف.وانا حاولت من خلال ابتكار حروفية التحدي ان اجد هذا التوازن بين الرسم والكتابة باغناء القيمة التعبيرية للحرف بمرجعية تاريخية مستمدة من حضارة وادي الرافدين.ان استخدام الحروفية نحو افق تشكيلي لم تكن وليدة تجارب حديثة لقد استلهم الفنان الرافديني الكتابة سواء على الصعيد الرمزي او الدلالي وكانت مساهمات الفنانين العراقيين تتميز بالفرادة والعمق الا انها ظلت اسيرة الشكل المتوارث للحرف ونحن على اعتاب مرحلة حضارية جديدة ينسلخ فيها الحدث تلو الحدث لابد ان  نبدا حوارا معرفيا بلغة جديدة وكتابة جديدة كي لانقول اسف انا وضعناها بيد خوستينا بيكارا.
س)انت ترسم بطريقة حرة خاصة في اللون وبصمات اليد واضحة اكثر من الفرشاة هل تعبر عن روحية معينة؟
ج)وهل للحرية من بديل.انا استخدم خامات والوان اصنعها بنفسي معتمدا ما متاح لي ملبيا حاجات الديمومة قل استعمالي للريشة كي اكون اكثر فربا من عملي متماهيا مع فضاء اللوحة امارس احلامي واوهامي اذ ان الجمال يشرق في النفس كشعاع ضوء بين الاكام.
س)الطب ياخذ من وقتك الكثيركيف توازن بين الفنين؟
ج)في الحقيقة هناك ماراثون طويل فاذا ما اثمر فهذه خمرة من مطر وتجارب المبدعين من العراقيين في هذين الفنين كثيرة وجوهر الموازنة هو احترام الزمن واحترام الفنين معا لكن الاشكالية ليست في كيفية التوفيق وكما اعتقدها هي في كيفية الاستفادة من هكذا ابداع لانني وبصراحة لا اجد من يتبنى المبدع لغرض بناء مجتمع متقدم حضاريا ومعرفيا ويبدو ان المعادلة لا تزال تراوح بالرغم من التغيير الذي حصل وان قاعدة البائسين لا تزال عريضة لكننا كنخيل ارض الرافدين سنبقى شامخين والاشجار تموت واقفة,..
س)التخطيط عندك عالم خاص هل مازلت قريبا منه؟
التخطيط كفن فائم بذاته هو عالمي البديل الجا اليه عندما لايكون لي خيارا الا هو والخيارات احيانا تكون صعبة ومستحيلة
كما البلاغة في اللغة وهو قاموسي المحيط انا قريب منه ولي بصمتي وتوقيعي ولم اكن اسير الشكل الكلاسيكي اذ ما بين الكوسمولوجيا ونهاية الكون ينحدر الحدث على صهوة الاسطورة دافعا ايتالوجيا المعرفة نحو غايات تبريرية جاعلا من الذات منسجمة مع ظرفها الموضوعي متناغمة مع وعي الصراع الذاتي والمتفجر وربطه بالغائب اللامتناهي وقد يكون الربط احيانا باشكال سريالية وبذا يندرج المنجز من الاشارة الى الاثر الى الدلالة وفي حركة لا نهائبة تبدا حوارا معرفيا يمتد تاثيره وان قرا بهمس فهو ركام من المعلوماتية قابل للحفر والتنقيب

لطيف بربن سلطان الظرفاء-حامد كعيد الجبوري-القسم الاول

:
 
 
 
 
لطيف بربن سلطان الظرفاء
                                                        حامد كعيد الجبوري
 
      ليس سهلا التحدث عن هكذا شخصية غرائبية بل قل خرافية ، وهناك حديث  أشك بصحته وصحة رواته ، والحديث الذي أعني للرسول الأعظم (ص) الذي يقول فيه ( من كثر مزاحه قلة هيبته) ، وسبب شكي بصحة هذا الحديث ما يرويه أبن أبي الحديد المعتزلي بكتابه الشهير ( شرح ابن ابي الحديد) ، يقول ابن أبي الحديد أن (محمد ص) كان يمازح أصدقائه من المسلمين كثيرا ، وفي أحد الليالي وهو ذاهب لصلاة الفجر وجد أحد المسلمين نائما بالمسجد فأيقظه النبي (ص) وقال له إستيقضي يا (أم عامر) ، نهض الرجل مذعوراً وهو يتحسس مذاكيره – أعضاءه التناسلية – ويقول لقد مسخني الله امرأة ، ويقول أبن أبي الحديد بعد هذه الحادثة أمتنع الرسول الأعظم عن المزاح هكذا ، وحديث آخر يروى بحق صحابي جليل – نعيمان - لم يرهُ الرسول (ص) إلا ضاحكاً فقال بحقه (يدخل نعيمان الجنة ضاحكاً) ، ومن الطرف التي تروى عن (نعيمان) أنه وجد أعمى يطلب الذهاب الى بيت الخلاء ، فقاده نعيمان ولكنه دخل به صوب المسجد ، أراد الأعمى أن يجلس لقضاء الحاجة فرآه المسلمون وقالوا له ماذا تفعل أيها الأعمى أنه ليس بيت الخلاء وإنما هو باحة المسجد ، قال الرجل من الذي قادني الى هنا ؟ قالوا له نعيمان أتى بك ، قال الأعمى والله أن ظفرت به لأعلونه بعصاي هذه ، وبعد أيام شاهد نعيمان ذلك الأعمى فذهب صوبه وقال له ، تعال معي لأن نعيمان تركته يصلي بالمسجد ، فرح الأعمى كثيرا وقال أسرع يا بني نحوه ، وصل نعيمان به الى المسجد وكان خليفة رسول الله (ص) عثمان بن عفان (رض) هو الذي يصلي ، وقف الأعمى خلف الخليفة ورفع عصاه لينزلها عليه فرآه المسلمون وقالوا ماذا تفعل أيها الأعمى أن من يصلي خليفة رسول الله ، قال من الذي أتى بي للمسجد ، قالوا نعيمان ، قال والله لا أتعرض له أبدا وضحك من هذه الفعلة الجميع ، كل هذه المقدمة الطويلة لأثبت شكي بالحديث المروى عن الرسول (ص) .
       (لطيف إبراهيم بربن) أسميته الرجل الغرائبي ويسميه صديقه الشيوعي الراحل (جعفر هجول) الرجل الخرافي ، قبل الدخول والحديث عن هذا الرجل العجيب أقول ، ليس الرجل فكها محبا للطرفة وحسب ، بل هو رجل مجتمع مهاب من أبناء مدينته ، ورجل سياسي أنتمى للحزب الشيوعي العراقي بخمسينات القرن المنصرم ، مربي فاضل ، وأقصد أب فاضل حيث أكمل أولاده الست وبناته الست أيضا دراستهم الجامعية ومارسوا حياتهم الوظيفية بأخلاص يشبه أخلاص مربيهم – الوالد - ، ولكن السمة الغالبة على هذا الرجل الطرفة ، ولكي يقرّب لك موقفا سياسياً يخلطه ويقرنه بطرفه ، يقول أتاني شرطي للأمن وقال لي ، (أبو ياسين) أن ضابطنا يقول لك تعال للمديرية ، قلت له ما يريد ، قال مجرد استفسار ، قلت له حسنا سأنهي ما بيدي وأتيكم ، في ذلك اليوم تثاقلت من الذهاب إليهم وقلت سأذهب غدا بإذن الله ، صباحا حضر ( السري) وقال لي لماذا لم تأتي والله أنبني الضابط كثيرا (عمي أبو ياسين هو استفسار لتدير بال )، قلت بنفسي قال لي (لتدير بال إذن ماكو شي) ، وفي ذلك اليوم لم يحضر والدي -الدكان له-  لوعكة ألمته ولم أذهب لدائرة الأمن ، في اليوم الثالث أتاني (السري) غاضبا وقال لي (عمي أترزلت من وراك كلي الضابط جيبه بيدك) ، في الطريق الذي قطعناه سيرا على الأقدام قال لي (السري) (عمي ما كو شي استفسار وستعود لتخاف) ، وصلنا دائرة الأمن أدخلني على الضابط وقال له (سيدي هذا لطيف بربن) ، نظر الضابط لي وقال (أنت لطيف بربن) ، قلت نعم ، قال خذوه فأخذوني وطال معي استفسارهم سنة ونصف ، بمواقف اجتماعية يمازحك ويحولها لطرفة ، مرة التقاه صديق لم يره من مدة طويلة فقال الصديق ، (الله ابو ياسين والله أشكد أتأذيت كالوا مات أبو ياسين) ، لاحظ سرعة البديهة وتحميل ذلك الصديق ذنب عقوق الصداقة- وقال له مبتسماً ، ( صحيح والله ما شفتك بجنازتي ولا شفتك جيت للفاتحة ، والله آني واكف أتلث تيام أبفاتحتي وما شفتك) ، حين لقائي به سألته عن أسمه الكامل فقال ، أسمي (لطيف إبراهيم بربن ) ،وقال مازحا أنت لا تقرأ القرآن ألست بمسلم أن أسمي موجود بالقرآن (أن الله لطيف خبير) ، وأن أردت أسم أبي فهو (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) ، أما أبني فله سورة كاملة بالقرآن سورة (يس) ، قلت له من أي عشيرة أنت أبا ياسين ، قال نحن لسنا عرباً بل فرنسيون – مازحا - نحن من أسرة آل بوربون سلالة ملوك فرنسا جاء جدي التاسع للحلة الفيحاء فلاكت الألسن (بوربون) حتى غدت ( بربن ) ، ثم ألم تلا حظ أن كل أنواع التمور العراقية تكبس وتداس بالأرجل إلا (البربن) يؤكل طازجا ولا تمسه الأرجل لأنه من سلالة الملوك .
       ولد لطيف بربن عام 1926 م في محلة (الجباويين ) من الحلة الفيحاء ، أما والده فهو ولادة محلة الكلج ، ولم يكن الوالد متقنا للطرفة أو يتعامل بها ،بل هو رجل بسيط جدا وفي أحايين متباعدة تخرج من فمه طرفة ما فيتمسك بها ولده لطيف ويطورها ويضيف إليها الكثير ، يقول لطيف أحد الليالي عدت من سهرة إمتدت لساعة متأخرة من الليل وكان الفصل صيفا ، ومن العادات الحلية النوم فوق السطوح ، بدأ لطيف يحدث زوجته ويقول لها ، (سمعي أم ياسين أني اشتريت بطاقة يانصيب وراح أربح ألف دينار أول شي أبدلج صرتي عتيكه وأشتري سيارة وأسافر لفرنسا أجدادي) ، سمع كلام لطيف والده وقال له ، ( أي كلب أبن الكلب تلفسهن للفلوس فُكر أبن فُكر) ، وطالما نحن بذكر الأب (إبراهيم) فسأذكر حادثة طريفة ومقلبا من لطيف لوالده ، يقول لطيف بربن عام 1944 م عام التموين قلت لوالدي (بوية أريد أتزوج ) وافق الأب وجمعنا ما قدرنا الله عليه ، ومن العادات والتقاليد المجتمعية الحلية آنذاك عقد وليمة للعشاء على شرف المتزوج ولكن بعد أن ينهي الخطيب خطبته ( قرايه على الحسين) ، يقول لطيف يفترض أن تقام حفلة موسيقية لي بهذه المناسبة ولكنه تحولت لمجلس حسيني كما هي العادة الحلية ، بقيت أختزن ذلك بصدري حتى عام 1960 م وذهاب والدي لبيت الله الحرام عن طريق النجف الأشرف ،وحين عودة والدي من الديار المقدسة ذهبت لإحضاره وفي طريق عودتي مررت على مخيم للغجر بالقرب من ناحية الكفل فدخلت بسيارتي له، سمع والدي قرع الطبول والدفوف فقال لي (ماهذا إلطيف) – تصغير اسم لطيف - ، قلت له هذا ( حي الكاولية) ، فقال (بويه إشعدنه بالكاوليه) ، قلت له (تذكر يوم زواجي سويتلي قرايه عالحسين واليوم  أنت أجيت من مكه جبتك للكاوليه وحده أبوحده) ضحك والده وقال ( لا يا أبن ال.... مانسيتها بويه هي الدنيه جانت هيجي) ، وعن بساطة والد لطيف بربن يقول عنه ولده ، حينما أودعت التوقيف جاء أبي لزيارتي بعد أيام فسأله أحد أصدقائي ، (عمي أشو اليوم إجيت أتشوف أبو ياسين وين جنت هالمده) ، يقول لطيف أجاب أبي قائلاً ( لا والله عمي يوميه أجي والشرطة يكولولي يصغ) ، لم يفهم السائل هذه الإجابة وألتفت اليه  - لطيف -  قائلاً (يصغ) تعني ممنوع باللغة التركية أو الفارسية ، ويقول عن والده لطيف أن والدي يسمي قدح الماء (إبياله) ، ويسمي الغطاء الفليني الذي يحكم غطاء القناني ( تبه لغ) ، ومن أطرف ما يرويه لطيف عن والده يقول ، في العام 1935 م أراد والدي سحب خط كهربائي لدارنا ليستبدله عن الخط الذي أسسه المهندس والآثاري الدكتور أحمد سوسه ، فذهب الى دائرة الكهرباء وسرعان ما عاد للمحل سألت والدي وقلت له (بشر بويه كملت المعامله) ، يقول لطيف أجابني والدي وقال ( لا والله بويه يردون مني تبه زيتو) ، قلت له (روح بويه أشتريها ونطيهيا ألهم) ، أجابني بعصبية قائلاً  ( شوف الزمال شيكلي ولك بويه التبه زيتو تأمينات يردون دينار تأمينات).
 . 

الجمعة، 7 مايو 2010

اصبوحة للفنان ناصر عساف على مسرح كلية الفنون الجميلة-جامعة بابل يوم الاربعاء-5-5-2010


على قاعة مسرح كلية الفنون الجميلة-جامعة بابل- استضيف الفنان ناصر عساف في اصبوحة فنية قدم فيها الفنان شيء عن تجربته الفنية كان الاعداد والمتابعة للدكتور محمد عودة التدريسي في الكلية وكان التحليل الفني والتشكيلي للدكتور صفاء السعدون التدريسي في الكلية ايضا-قدمت الاصبوحة الطالبة نور علي وقام بالتصوير الطالب امير القيسي

الثلاثاء، 4 مايو 2010

طرطرة-حامد كعيد الجبوري

طرطره

محاكات لقصيدة الجواهري الكبير

حامد كعيد الجبوري

دنيه وصفت للطرطرة
الحفاي والمتغترة
المتسننة والمتشيعة
المتهودة والمتنصرة
امي يقود القافلة
ويستبعد المتحضرة
ياهو التسالة يندعي
جايب شهادة دكترة
دكتور والله اشهدالك
من المريدي مزورة
سايب المال بلا حرس
والواوي يترس كوشرة
والجان عاكب عالظعن
هسة تخلف ليورة
صدام لبسنة نعل
ونتعير ابهل المسخرة
واللي تنيناهم عمر
نزعونة حتى القندرة

مقطع مستل من سيرة شبيه همنجواي الحلي-النصوص-صباح شكر محمود



أحلام صياد


نصوص

صباح شكر محمود


وليمة في زمن الحصار



يا لها من وليمة مريرة ونكدة

تلك التي أعدّت لشعبي

القائمون عليها لئامٌ وكذابون

سماسرة ٌ ولصوص من الطراز الأول

أفواههم تقيء الشعارات الطنانة

مثل مدفعٍ عملاق يلقي بحممه

رؤوسهم بحجم ثمار اليقطين

بطونهم مناطيدُ تكاد تحلق بهم عالياً

جيوبهم منتفخة من السحت

تخبيء في طياتها أنين الفقراء

آناء الليل ،

يروق لهم ان يتقمصوا دور

آلهة الحكمة فيدعون على موائد سمرهم

عدداً من الشعراء الذين اعتادوا

أن يريقوا ماء وجوههم عند كل مائدة

وفي أمسياتهم الأكثر خصوصية

حين ينفلت زمام الشهوات

ينثرون فوق رؤوس المومسات

الدنانير التي اعتصروا لونها من دماء المتعبين

وكل اليتامى والأرامل

كانت الحوامل في ذلك الزمن الأعجف

يلدن براعم ميتة !



- إلى صديقي النهر -


أهمس على ضفافك

يا صديقي النهر

أذا ما غرقت يوماً

في قعرك

أبقني في رحمك المقدس

حتى تنهش الأسماك لحمي

بدل أن ينهشها

أخي الإنسان .


حصار الطيور



تهاجر الطيور حزينة

لا فضلات في مزابل المدينة .


أحلام صياد

حلمت بالأسماك

تراقص سنارتي

أسحبها وتسحبني

حتى سقطت من فوق

سريري ..

أمسكت بها

وهي الآن في قبضتي

بسطت كفي فلم أجدها

أنها أحلامي !!



واحة قلبي

كوردستان .. يا واحة قلبي

.. المتصحر منذ سنين

أمطريه بالثلج

وأغرسي فيه الخير

كوردستان ..

أنت جبالي وبحاري

.. وطيور بساتيني وأنهاري

يا نجمة قطبي وخط ناري

أني أحوم فوقها أبدأ

وأني أعوم تحتها أبداً

واهماً من عبث بليل

.. غير ليلك

أو غارقاً في دوامة

.. موج غير موجك

شلت يداي .. إن هما إلتفّتا حول

.. خصر غير خصرك



منشورة في كتاب شعراء الحلة أو البابليات

للدكتور صباح نوري المرزوك

أوتار

تشابكي يا أوتار موسيقى العالم

وأعزفي سيمفونية البقاء

لكوكبنا المذبوح

بسكين وحشية الإنسان

أعزفوا يا أحفاد بتهوفن وزرياب

لحن رفع الستارة

عن جريمة حصار الحضارة

أهتزي يا أوتار موسيقى العالم

وأعزفي

لتجف دمعة الأطفال في العيون

وتبقى زجاجة الأطفال مليئة بالحليب

أعزفي يا أوتار

لموطن النخيل والأنه
منشورة في جريدة العراق 9/9 /1993


- أ

أنا وأكرر أنا وأنا

ما بين غضبين

غضب السماء والأبناءِ

لأني ألوّث الماء بالخمرة

ولأني الوّثُ الهواءَ

بموسيقى فاسدةٍ !


- رقصة الحروُف الأبجديةِ -

على خشبةِ مسرح ذاكرتي

تلتقي الحروف الأبجدية

وسط جنائن عراقية

يراقصُ بعضها بعضا

تتبادل الورد همساً

الفٌ يراقص باءً

فاءٌ تراقصُ نوناً

عين تراقصُ شيناً

وحاءٌ يراقص باءً

تتوقف الحروُف الأبجديةُ

عن الرقص

ليعلن عريف الحفل ألفٌ

عن ميلاد أغنيةٍ جديدة !


جريدة الجنائن

العدد 39 في 17 / 3 / 2001

وداعاً

إلى صديقي الناقد الراحل عبد الجبار عباس



وداعاً يا صديقي

وداعاً أيها الدافيء في خريفك وربيعك

الساطع وأنت في ظلام

قبرك الأبدي

وداعاً أيتها السحابة التي تمطر

أدباً ونقداً ذهبياً

وداعاً يا من كنت تأتي أماسينا

وخلفك تعدو قطعان الكلاب

وأنت تقود دراجتك الهوائية

وداعاً أيتها الكأس التي

فارقت شفاهنا

وطالما ارتشفت منها

خمرة معتقة !


حصار الطيور


فوق أسلاك الضغط العالي

ترقب النوارس مجرى النهر

الذي لم تعد تطفو

فوق سطحه

كسرة خبز

انفض عن وجهي

عرق تموز

وارتدي ثوب عرسي الثلجي

وأنا احتضن ( آينشكي )[2]

في كهفها الصخري



بلابل


ابتعدي أيتها البلابل

عن قفص أسري

فأنا دمية سيدي الكبير !

2

ـ " لماذا تغرد البلابل فجراً

اقتلوها فوراً "

هذا ما أمر به الظلامي

3

ـ " لماذا تدعون الأزهار

تتفتح هكذا علناً في الحدائق

ألا ترون أنها تمارس الفسق ؟! "

هذا ما فاه به الظلامي

المشانق

انها تعشق الرقاب الضعيفة

وتمقت الرقاب الغليظة

.......

هل للفجر رائحة الحياة ؟!

لماذا إذن تنفذ في ساعته

أحكام الموت ؟

بعد ملامسةٍ قصيرة

تلد المشنقة رقبة طويلة

مم تصنع المشانق ؟

من خشب الصاج أو الزان ؟

ليس الأمر بذي أهمية

الأهم من ذلك لدى صانعها

أنها تقوى على حمل الجسد !

عند ولادته

قطعوا حبله السري

وعند بلوغه

أعادوا له الحبل بصيغة أخرى

أفول

الخريف اغتال ألوان

حديقتي

امرأةٌ من جليد

حيث لا شمس ولا ربيع !


صلف

يتربعون على أكداس من المال

ويمدون أيديهم قائلين ؛

لله يا محسنين !


عالم الأربع

1

لا يعرفون سوى إطلاق

النار في صدور الأمم

لصوص يسرقون الخبز

من أفواه الجائعين

مجرمون وقساة

يريدون وضع العالم

في جيوبهم !

2

يجلس في الظلام

ليتلصص على من هم

في دائرة الضوء !

3

يشم رائحة الأنثى

قبل أن يراها !

4

رجل متعجرف يحمل بندقية

سرعان ما يصطبغ وجهُه ُ

بلون الدناءة !


5

أطلق النار خلفهم

أرداهم قتلى في الحال

جريمتهم أنهم

أداروا ظهورهم

للظلام !

نشرت في جريدة العراق

24 / 12 / 1993

صيرورة

سياط الغبار ترتفع

فوق بيوت المدينة

تضرب وجهها بالحصى الناعم

تتحول السماء الى لون الجحيم

فوقها تحلق زوبعة الرحمة

حاملة معها قطرات الحياة

تبصق ألقها

لتعود الساعات كما

قُبل زجاجية


أقبلها من وراء الزجاج

نتبادل الشوق بالإشارات

نفترق

تاركين بصمات شفاهنا

معلقة على الهواء !

حورية من اليابسة


بعيداً عن شاطي البحيرة

قدماي تتشبثان فوق المحار

صدري يطفو فوق الموج الهادئ

الماء ينساب رقيقاً بين أرجلي

سباحة ً

تتلوى أمامي عروس البحر

قادمة من البر

تقترب مني ، تمسك كفي

ـ ساعدني كي أحصل على

حبات المحار

دسّت رأسها بين ساقيَّ

فوراً توقد جسدي

ياللبهجة !

إنها لم تكن تفتش عن المحار

بل بركان النار !



أجراس صديق البيئة

(1)

الزحف الأسود قادم

الزفت القاتل عائم

الشعاع الأحمر قادم

في القطب الجنوبي

فتحة في طبقة الأوزون تنذر بالدمار

في بحار القطب الشمالي

تتلوث الأشياء .......

تقتل الأحياء........

(2)

الزحف الأسود قادم

بدون عربات مصفحة

بدون صواريخ .. بدون مدافع ......

جيش لا تراه الأبصار

يأتيك مع الأمطار ........

جيوش من دخان

تقتل النبات والإنسان .........

إذا مات البحر

مات الإنسان .........

(3)

الزحف الأسود قادم

حتى الجراثيم تتهافت ، تتساقط

اطمئنوا ، أو احذروا

الجراثيم سوف تموت

لا وجود للبكتيريا

لا وجود للحياة

لاوجود للإنسان

لا وجود للحيوان

(4)

الزحف النووي قادم

عملاق اسمه (تكنولوجيا)

نصفه متوحش ، احذروا هذا الوحش

الحضارة الإنسانية في الأزمنة الغابرة

قامت بدون تكنولوجيا

الدليل – عجائب الدنيا السبع

هل في حاضرنا عجائب ؟

نعم

عجائب الموت الآتي من الزحف

الأسود



(5)

الزحف النووي قادم

تسرب غاز قاتل في مفاعل

جارنوبيل .......

تسرب غاز قاتل في نيودلهي .........

غاز قاتل في جميع أنحاء أوربا

سكان صحراء نيفادا،

يموتون بالآف بصمت ، بدون إنذار سابق حتى

فرصة الهرب تضيع منهم

أحذروا

الموج الذري قادم

السفاح الدموي قادم

نعم

في حاضرنا عجائب

(6)

الزفت الأسود قادم

المحيطات تبتلع ملايين الأطنان

من الزفت الأسود ..........

البحار تبتلع ملايين البشر

يموت الدولفين.........

تموت الحيتان..........

يموت السلمون..........

ويموت الإسفنج السحري

في السماء تحترق الآف الطائرات لتنثر

أجسام البشر

هكذا القدر

(7)

الزحف الأسود قادم

في الأرض ضحايا المرور بالملايين

أصبحت الإحصائيات العالمية لضحايا المرور

سراً أشبه بإسرار الفضاء

أو أسرار الأمن الوطني

إحصائية ضحايا المرور البرية لحد سنة 1974

تفوق ضحايا الحروب العالمية

شوارع الدنيا كلها تُغسل يوميا بدماء بشرية

ألم اقل لكم إن في حاضرنا عجائب

وان مستقبلنا الآتي فيه مزيد

من الغرائ
أخبار وأخبار

من هنا وهناك

تهطل علينا الأخبار

أخبارٌ فيها القتل

وإطلاق النار

أخبارٌ وأخبارٌ

في الفضائيات وعلى صدور الصفحات

عن أعاصير تجتاح عالمنا

وفيضانات تخلف وراءها

آلاف الضحايا

أخبارٌ وأخبار

الضحايا فيها هم أبرياءٌ وأبرياء .

أما الأشرارُ ففي سرهم يضحكون



أصابع ترتب ، وأخرى تخرّب



كسرت أقلامي ، وأحرقت دفاتري

لأبقى ، كي لا أجوع وأشق
موائد ملونة

طبقٌ من ماء ، وطبق من هواء

ورغيفنا ، يسخر منا في خلوته

عندما أضع رأسي

على وسادتي

لم اعد ،كما كنت

اسمع أنغاماً تصدح

بل كلاباً تن
دعاء زوجة سائق

لأجلك يا حبيبي

ابتهل الى السماء بالدعاء واصلي

حتى تعود

لأجلك ، سأفرش الليل بالحب والورود

أنا اعلم ، انك الآن تجوب شوارع مدينتنا

وبينك وبين الموت والقضبان التفاته

أطفالنا في انتظارك

لا تسرع ، كن حذراً يقظاً

واعلم إنني والأطفال

لن يسامر أجفاننا نومٌ

حتى تعود !

مرحى لك أيها القلم

مرحى لك أيها القلم

مهما تكن طريقة الكتابة بك

سواءٌ بالأزميل أو نحتاً بالمسمار

حبراً ، رصاصاً ، وسواء تمت الكتابة بك

باللون الأزرق أو الأسود أو غيرها

بك الحضارات دونت منجزاتها

والعلوم ، الموسيقى دوّنت نوتاتها

مرحى لك أيها القلم ،

لقد تمت بك كتابة آلاف الأطنان من الكتب

والكثير منها ضاع أو احرق بسبب الجهالة

والحقد الأسود

أيها العزيز ، أنت لم تعرف الكسل

منذ فجر التاريخ ، وما زلت تمتلك

ذات الهمة

صديق الطفل أنت ، وصديق الشيخ الفاني

لولاك، هل سيكون للحياة مغزى أو معنى ؟

يحتفل العالم المتحضر اليوم بعيد الشجرة والمعلم

والمرأة وألام والطالب والعامل ...الخ

وأنت أولى أن يتم الاحتفال بك

لقد آن الأوان للإنسانية أن تحتفل بك

وتخصص يوماً تستقريء فيه

آيات مجدك

....

أمهاتٌ ثلاث

لي أمهاتٌ ثلاث

الأولى خرجت من رحمها

والثانية هي الأرض التي

ادفن في بطنها

أما الثالثة ، فهي الطبيعة

فوقها نحيا ، نُسعد أو نشقى

سألتني ألام الأخيرة ، كم من أشجار التين

والزيتون والأعناب قد زرعت

وكم من بذور العطف والحب قد نثرت ؟

نعم يا أمي لقد زرعت وزرعت وتحت افيائك نمت

وحلمت ، عشت عمراً ومن ثمر نخيلك وزيتونك أكلت وكبرت

من عيونك شربت العذوبة ومن ثمارك تذوقت

زرعت وما قطعت ،

أحببت بكل جوارحي ، وما حقدتُ بل غنّيتُ !





بيكبن وفيروز



أضبط دقّات قلبي

على دقّات قلبكِ

سيدتي بيكبن ، سيّدة الزمن

.............

منذ أن إستيقظت أذني

على نبرة صوتكِ ، معشوقتي فيروز

سيدة الأصوات البنفسجية

حتى تلوّن الحلمُ برحيق الضياء

إحدى عجائب الزمن أنتِ

أحبك فيروز !!

أسرتِ أذني منذ أن كنتُ صغيراً وأسرتِ قلبي

وأنا إبن سبعين ربيعا !

إني لأطمح أن ألتقيكِ يوماً

تحت برج بيكبن !

وهي تدق دقتَها

الثالثة عشرة !!









________________________________________

[1] هذا القول للامام علي (ع)

[2] آينشكي : كهف في سرسنك / دهوك .

السبت، 1 مايو 2010

مقطع مستل من السيرة الذاتية لشبيه همنجواي الحلي -كتابة احمد الحلي-نصوص صباح شكر محمود-تصميم الغلاف د غالب المسعودي


اتركها ، فإنها سمكتنا !

روى لي ابنه رياض العائد من الأسر في إيران بعد أحداث عام 2003 بعد مدة عصيبة قضاها هناك ، روى حكاية طريفة وقعت أيام صباه مع والده ، فحينما ذهبوا للصيد في نهر الحلة في احد الأيام ، جلسوا هناك منذ ساعات الصباح الأولى عند حافة معروفة لدى أهل المدينة بـ (( السورة )) والقوا سنارتيهما على أمل أن يصطادا بعض السمك ، وبقيا يرميان سنارتيهما ويخرجانها فارغة من الطعم ، شك أبو رياض ان ثمة جنيّاً يختبيء في أعماق النهر يقوم بسرقة ( الطعم) بهذه الطريقة الماكرة ، وارتفع صوت آذان الظهر من المرقد القريب ولكن دون جدوى ، بعد قليل جاء احد الأشخاص مرتدياً دشداشة بدراجة هوائية ، وتوقف بالقرب منهما وأوقف دراجته واستخرج عدة الصيد التي كانت متخلفة قياساً إلى العدة التي جلباها وبعد ان اتخذ مكانه من النهر رمى سنارته ، ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى اهتز خيط سنارته فسحبه بقوة فإذا هو عالق بسمكة كبيرة تزن حوالي ( 2كيلو غرام ) امسك بها الصياد الوافد ووضعها في كيس كان معه ، ثم ذهب إلى دراجته وهيأها للانطلاق ؛ ( أبصر أبي هذا المشهد على مضض ، ثم ان الصياد لما أراد ان ينطلق بدراجته استوقفه أبي صائحاً به بحدة ؛ توقف ، إلى أين أنت ذاهب ؟ أجاب الصياد والدهشة تعقد لسانه ؛ أنا ذاهب إلى بيتي ، فقال أبي ؛ إذن فان عليك ان تترك هذه السمكة ،

- ولكن لماذا ، أليست سمكتي ؟!

- كلا ، ليست سمكتك ، فهي كانت تأكل طعامنا منذ الصباح ولحد الآن ، وتريد أنت بكل بساطة ان تأخذها منا هكذا ؟

واسقط في يد الصياد المسكين بعد ان رأى عزم أبي وانه لا طاقة له على مغالبته وبقي حائراً ماذا يفعل ، فما كان من أبي إلا ان أطلق ضحكة مجلجلة ثم قال مخاطباً الصياد ؛ لقد كنت امزح معك ، خذها هنيئاً مريئاً ، فهي سمكتك ، وهذه هي أحوال النهر ومقالبه





سمك مسكوف على مشارف القصر الجمهوري

عرف عن شبان منطقة الكرادة في ذلك الوقت ، انهم كانوا شباناً متطلعين إلى كل ما هو جديد في عالم الموضة والملابس مع احتفاظهم وتمسكهم بالقيم الاجتماعية التي درج عليها آباؤهم وتلقفوها منهم ، كما عرف عنهم حبهم وولعهم بتزجية أوقات فراغهم ولا سيما في العصر بالتنزه على ضفاف نهر دجلة اللصيقة ببيوتهم ، وقد اعتاد بعضهم على امتطاء زورق والتوجه به إلى منتصف النهر أو قريباً من الضفة الأخرى التي جرى تشييد القصر الملكي الجديد وملحقاته فيها ، إلا ان قيام ثورة تموز عام 1958 جعل تسمية القصر الملكي تتحول إلى القصر الجمهوري ، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان عبد الكريم قاسم لم يتخذه مقراً له وإنما كان يستقر في وزارة الدفاع ، حيث جعل القصر مكاناً خاصاً للتشريفات ، في إحدى المرات وبالتحديد في أواسط ثمانينيات القرن الماضي ، انزلق صاحبنا بزورقه إلى وسط نهر دجلة ، ولما صار في منتصف الشط أخذت تضرب انفه رائحة السمك المسكوف القادمة من الجهة المقابلة ، وقد كانت من القوة والنفاذ بحيث انها تملكت مشاعره وبعد ان جال ببصره رأى ضباطاً برتب عسكرية وهم يقومون بعملية الشواء، فرمى مرساته وأوقف زورقه قبالتهم وهو يتلمض في سره ، ومضى وقت قليل فإذا به يسمع اصواتاً تناديه ، فانتبه ورآهم يشيرون إليه ان يرفع مرساته ويقود زورقه إليهم ، ففعل ، وبعد ان وصل إليهم ، عرف انهم كانوا منتشين بفعل الخمرة الراقية التي يحتسونها ، وأدرك انه يقف إزاء ضبّاط كبار من المؤكد ان بعضهم قادة للفرق والفيالق العسكرية أو الأجهزة الأمنية ، إلا انه تمالك نفسه وقرر المضي قدماً ، كان أول سؤال يوجه إليه بطريقة مازحة ؛ لماذا نراك متوقفاً قبالتنا وتنظر إلينا ؟ أجاب على الفور ، عذراً أيها السادة ، فانا فنان تشكيلي وأي منظر طبيعي جميل يستهويني ، وكان السؤال التالي ؛ من أين أنت ، قال ؛ من منطقة الكرادة وبيتنا هناك وأشار إلى الجهة المقابلة، سأله احدهم مشككاً ؛ ان كنت فنان تشكيلي حقاً فهل تعرف الفنان نوري الراوي ؟ أجاب السائل وأعطى تفاصيل دقيقة عن الفنان ، سأله الضابط ذاته عن الفنان رافع الناصري فأجاب صاحبنا بان رافع صديقه وكانا معاً يدرسان في الابتدائية والمتوسطة ثم اخذ يتكلم وفق ما تسعفه ذاكرته المتقدة بشأن الفن والفنانين ، إلا ان سؤالاً أخيراً بقي في جعبة السائل ؛ ان كنت فناناً حقاً وتسحر مخيلتك المناظر الطبيعية فلماذا لم تصطحب معك عدة الرسم المعتادة ، أجابهم بثقة ؛ هنا يكمن سر اختلافي عن الآخرين ، فانا ارسم على لوحتي بعد ان أعود إلى البيت ما يظل عالقاً بذاكرتي ، لاسيما وأنا أرى في ذلك نوعاً من التحدي ، وعند هذه النقطة اسقط في يد السائل ، ودعوه إلى المشاركة في لذتهم وتناول السمك المسكوف بعد ذلك ، وصعد إلى زورقه ووعدهم بأنه سيرسل إليهم اللوحة بعد ان ينتهي منها ، بعدها ودعهم وعاد من حيث أتى ، فوجد أصدقاءه يجلسون في ذات المكان من الشاطيء ، وقد انتهوا للتو من تناول ( الهبيط ) وهو نوع من تشريب اللحم ، واعتذروا له لكونهم قد أتوا على نصيبه من الطعام ، فقال لهم بصدر رحب ؛ هنيئاً ومريئاً لكم ، قال احدهم ؛ ولماذا نراك منشرح الصدر هكذا ، وأين كنت ؟ أجاب ؛ كنت آكل السمك المسكوف هناك مع قادة القوات المسلحة ، حيث بمقدوركم ان تروا بقايا لدخان ما يزال تتصاعد !!





مقلب

عرف والد أبي رياض بين أوساط الناس في محلته بدماثة خلقه وطيبته واستعداده لتقديم المساعدة للآخرين ، إلا انه عرف أيضاً بولعه بتدبير المقالب مع الآخرين ، حتى وان جاء بعضها ثقيلاً ، ففي إحدى المرات ، والوقت كان خلال سني الحرب العالمية الثانية ، حيث شحت المواد الغذائية ولا سيما الأساسية كالرز والطحين والسكر والشاي ، الأمر الذي أدى بالحكومة آنذاك أن تتخذ قراراً باعتماد نظام البطاقة التموينية الذي تعرف إليه العراقيون ثانية في أعقاب غزو صدام للكويت ، ومن ثم الحصار الاقتصادي الذي تم فرضه على العراق، شاهد ( أبو فايق) عن بعد وهو يوقف سيارته نوع (بيكب ) ، شاهد حشداً كبيراً من أهالي المحلة تجمعوا أمام احد الدكاكين ، ولما استفسر عن الأمر اخبره احدهم بان الناس يقفون منذ ساعات في هذا الطابور الطويل على أمل أن يستلموا حصصهم التموينية المقررة ، اطرق ( أبو فايق ) ملياً ، ثم هداه تفكيره الى مخرج ، قاد سيارته باتجاه الحشد وتوقف بالقرب منهم ونزل من السيارة ، وصاح بأعلى صوته ؛ يا لكم من حمقى ومغفلين ، انتم تقفون هنا تنتظرون الماء الذي يتساقط من ( ناگوط الحب ) بينما أهالي المناطق المجاورة يهرعون الآن الى مكان سقوط إحدى طائرات التموين الانكليزية الضخمة التي سقطت بحمولتها ( عالبرة ) أي في الكرادة خارج ، وهم الآن منهمكون بالاستيلاء على جزء من الغنيمة السماوية ، فصاح الجميع ؛ وكيف عرفت ذلك ؟ قال ، ها اني قد عدت للتو من ذلك الطريق وشاهدت الواقعة بأم عيني وأخذت حصتي من الغنيمة ، فتحمس الجميع وهرولوا الى بيوتهم جالبين معهم الأكياس والأواني وأبناءهم واتجهوا صوب المكان الذي أشار إليه وأسرع ( أبو فايق ) الى استخراج البطاقة التموينية الخاصة بعائلته ، وذهب الى الدكان ليستلم منه المواد الغذائية بكل سهولة ويسر ، ولم يمض وقت قصير حتى عاد هؤلاء المغرر بهم من رحلتهم الشاقة وتجمعوا أمام منزله على شكل مظاهرة صغيرة غاضبة ، فخرج إليهم ، فتكلم احدهم بحدة ؛ لابد انك كنت تضحك علينا حين دبرت لنا هذه ( الداوركيسه ) ، فأجابهم وكأنه ينتظر ذلك منهم ؛ وما ذنبي أنا إذا كنتم مغفلين هكذا الى هذا الحد ، وكيف تعقلون ان طياراً انكليزياً يمكن ان يدع طيارته تسقط في غير المعسكرات التابعة لهم وما أكثرها ؟!









بئر إرتوازي

في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لم تكن السيارة متاحة على نطاق واسع ، وكان تداولها مقصوراً على عدد من السياسيين المرموقين والأثرياء وكبار التجار ورؤساء العشائر ومن هم في طبقتهم ، وكذا الحال بالنسبة لمعظم دوائر الدولة ، وبالذات المدنية منها ، الأمر الذي كان يضطر موظفي هذه الدوائر الى إستئجار إحدى السيارات من شركات النقل الخاص ، التي كانت تقتني السيارات الامريكية والأنكليزية للمتانة والقوة التي تتميز بها ،

يذكر أبو رياض أن مصرف الرافدين الكائن في بغداد كان أحد الزبائن على شركة والده لتأجير السيارات ، وأن والده ( أبو فايق) كما كان الجميع ينادونه ، كان يذهب مع موظفي البنك وبرفقتهم المدير في أحيان كثيرة ، بوصفه سائقاً كذلك ، من اجل إجراء الكشوفات الضرورية والتنقل بين المدن والأقضية للوقوف على إمكانية إفتتاح فروع للمصرف هناك ، أو البحث عن فرص للاستثمار، وفي أحد الأيام وفيما هم بصدد القيام برحلة الى مدينة الأنبار المحاذية للصحراء ، وبعد أن زاروا مركز المدينة و عدداً من أقضيتها , وأجروا كشوفاتهم ، ولم يلبثوا أن أحسوا بالجوع ، لاسيما وأن وقت الظهيرة يوشك أن يحل ، وعبثاً حاولوا العثور على مطعم ملائم ، ولما أحس أبو فايق بما يعانون منه ، قال لهم ؛ هل ترغبون أن أطعمكم لحم ضأنٍ مشوياً ، إستغرب المدير لهذا العرض السخي ، وظن أن أبا فايق ربما يمزح معهم كعادته ، إلا أنه رغب بمجاراته ، قال له ؛ وأنى لك أن تُطعمنا في وسط هذه البرية الشاسعة ،

ـ إن هذا هو بالضبط ما سأفعله ، ولكن بشرط !

ـ هات شرطك فعسى أن لايكون صعباً .

ـ ليس في الأمر أية صعوبة ، سوى أن تجعلوا خرائطكم تحت تصرفي ، وأن لا تتفوّهوا بأية كلمة إذا رأيتموني أفعل أي شيء ، وأخيراً أن تتذرعوا بقليل من الصبر .

قال المدير ؛ لك ذلك !

قاد ابو فايق سيارته بسرعة كبيرة خارجاً من تخوم البلدة ومتوجهاً الى عمق الصحراء ، وبعد أن سار بهم حوالي الساعة شاهد الجميع مضارب للبدو ، فأتجهت السيارة نحو أكبرها حجماً ، وما أن ترجلوا من سيارتهم حتى تحلق حولهم رجال البدو وصبيانهم مرحبين بهم ، إضطلع أبو فايق بدور الزعامة حاملاً الخرائط بيده وسار موظفو البنك من بعده ، وقبل أن يستجيب لطلب كبير القوم بالدخول الى المضيف ، أخذ يُلقي نظرة متفحصة على المكان ، ثم نشر الخرائط على الأرض يحوطه موظفو البنك وحشدٌ كبير من رجال الصحراء ، قال مخاطباً إياهم (أي البدو) ؛ والآن ، أين تريدون أن نحفر لكم البئر الإرتوازي؟! ، فتصايح الرجال مبتهجين وفرحين ، وكذا النسوة حين تناهى الى سمعهن هذا الخبر السار ، فعلت الهلاهل والهوسات ، وللحال أتوا بشاتين وذبحوهما عند أقدام ( أبو فايق) ، ثم شمروا عن سواعدهم وهيأوا حطباً وإبتدأت عملية الشواء التي إستغرقت بعض الوقت ، وبذلك يكون أبو فايق قد وفّى بوعده .





البو شجاع

تقع جزيرة ( أم الخنازير ) التي جرى تغيير اسمها الى ( جزيرة الأعراس ) في منتصف سبعينيات القرن الماضي بوسط نهر دجلة ، وهي جزيرة تمتد طولياً مع مجرى النهر بعرض حوالي 50 متر الى مسافة قد تصل الى 6 كم ، وتمتاز بان أرضها خصبة ورسوبية ومن اجل ذلك فقد انتشرت فيها النباتات والأدغال بشكل كثيف أغرى عددا من الحيوانات البرية ان تتخذها موطناً ومرتعاً وبالذات الخنازير التي تكاثرت بشكل كبير حتى ضاق بها المكان ، الأمر الذي اضطر بعضها الى العبور سباحة في الليل ليتجه صوب الكرادة ، وقد كان ذلك يثير فزعاً وهلعاً بين الأهالي الذين لم يعتادوا على وجود هذه الحيوانات بينهم ، وفي إحدى المرات عبر احد هذه الحيوانات واخذ يتجول بين أماكن النفايات فيما كلاب الحي تتجمهر حوله محاولة طرده بالنباح والهرير دون جدوى ، فتنادى بعض فتيان الحي واستخرجوا سكاكينهم وبعض الآلات الحادة ، ووجدها بعضهم فرصة لإظهار البطولة ، ووقفوا بوجهه ، إلا ان الحيوان وكمحاولة غريزية للدفاع عن نفسه هاجمهم واسقط أرضاً احد المهاجمين وكاد ان يفتك به ، وفي هذه اللحظة هجموا عليه هجمة رجل واحد وانهالوا عليه ضرباً وطعناً حتى خارت قواه وسقط أرضاً فأسرع احدهم الى قطع بلعومه بمديته ، وبعد ان اطمأن الناس ، خرجوا من بيوتهم وتجمهروا حول جثة الخنزير وكونوا حلقة حوله واخذوا يهتفون ويهزجون ، وكأنهم لم يقتلوا مخلوقاً مسكيناً قادته الى حتفه رائحة القمامة بل مارداً ووحشاً خرافياً ، وفي ذات الليلة تناهى الخبر الى أسماع أبناء المحلات الأخرى فأسرع احد ( المهاويل ) الى إطلاق تسمية (البو شجاع ) على أهالي الحي الذي خرج منه هؤلاء الفتية ، حيث بقيت هذه التسمية شائعة وجرى تثبيتها في بطاقات الأحوال المدنية .





ـــــــــــــــ

المهوال : شخص كان يعتبر لسان حال العشيرة او قومه وكان يجنح الى قول الشعر في بعض الأحيان .

الجمعة، 30 أبريل 2010

مقطع مستل من السيرة الذاتية لشبيه همنجواي الحلي-كتاب في حلقات-كتابة احمد الحلي






رفشان !! *

ويواصل أبو رياض حديثه ؛

"بعد ان اضطررت إلى الهرب من العاصمة بغداد بعد أحداث عام 1963 ، استقر رأيي ان استوطن مدينة الحلة ، وهو نوع من التواري عن الأنظار ، بعد ان راجت في بغداد بضاعة كيل الاتهامات بين الناس آنذاك ، وعقب استقراري في مدينة الحلة الوادعة والمتفتحة فأني شرعت باستئناف ماكنت قد اعتدت عليه من رحلات الصيد ، وفي احد الأيام ذهبت بسيارتي الى قضاء الكفل الذي يتضمن قبر النبي (ذي الكفل) بالإضافة إلى قبور عدد من أنبياء اليهود منذ عهد نبوخذ نصر وحاخاماتهم ، وعلى ضفة نهر الفرات رميت بسنارتي ، وبعد حوالي الساعة شعرت بآن الخيط يسحبني بقوة غير مألوفة فاعتقدت آن ثمة حوتاً صغيراً عالق بسنارتي ، سحبت الخيط بقوة شديدة ، وذهلت عندما شاهدت (رفشاً) كبيراً عالقاً فيها ، سحبته الى صفة النهر ، ولم استطع السيطرة عليه إلا من خلال جره من أطرافه الخلفية ، وبعد جهد ومشقة استطعت ان أضعه في الخانة الخلفية من سيارتي التي كانت من نوع (موسكو فج ستيشن) ، وفي طريق عودتي ، شاهد الزوار العائدون من النجف هذا المخلوق الغريب الكبير الرابض بسيارتي فتملكهم الفضول لمعرفة ما يكون ، واخذوا يحاذون سيارتي ويسيرون خلفي لكي يمعنوا النظر إليه ، ويبدو ان (الرفش) قد استمرأ هذا الوضع ، حيث أصبح نجماً فأستعاد ذاته وانتصب على رجليه واخذ يلوّح للزائرين من خلال زجاج السيارة ، واستمر هذا الاستعراض الذي هو اقرب شبهاً بزفة عرس الى حين وصولي الى تقاطع الحلة / نجف في مدينة الحلة ، وأخيراً وصلت إلى داري الكائن في منطقة الماشطة وخلال إنزالي لهذا المخلوق احتشد جمهور كبير من الناس ، كباراً وصغاراً ، رجالاً ونساءً يدفعهم الفضول لرؤية مأثرة (ابو رياض) الجديدة ..

وأخيراً استطعت إنزاله وسحبته إلى وسط حديقة بيتي وربطته بسلسلة حديدية هناك ، وأوصيت زوجتي (أم رياض) بالاعتناء به طيلة فترة دوامي في مصلحة نقل الركاب التي كنت اعمل فيها سائقاً لإحدى حافلاتها ،على أمل ان أقدمه هدية إلى حديقة الزوراء في بغداد في وقت لاحق ، وفي احد الأيام جاء ابو رياض ثملاً الى البيت فتراءى له الرفش تحت جنح الظلام حصاناً ، فامتطاه ، فإذا به يمشي به ، وامسك بعصا قطرها نصف انج وقربها من فمه فإذا به يقطعها بأسنانه الحادة بأسرع من لمح البصر ، وما ان شاهدت أم رياض هذا المشهد المروع حتى صاحت بي ؛ " لو الرفش يبقى في البيت لو آني " وقررت المغادرة ، وفي حقيقة الأمر ، فإنها بعد ان رأت قوة أسنانه فإنها خافت على أولادنا من بطشه ، فوافقتها الرأي وهدأت من روعها وقلت لها اطمئني سوف اقتل هذا المخلوق ونتخلص منه ، وبالفعل أحضرت عصا غليظة وضربته على أم رأسه ، ولكنني سرعان ما ندمت على هذا التصرف الطائش الذي ينم عن جبن ، وقررت ان أعود به إلى النهر ، وهذا ما حصل .

احد الأطفال من منطقة مجاورة ممن شاهد الرفش حكى لأخيه الأصغر سناً ما شاهده ، فاخذ هذا يبكي في الليل مطالباً أمه وأباه بأن يذهبوا به لمشاهدة هذا الكائن الغريب ، " وقد علمت بعد ذهابي الى الدوام ، بأن أم الصبي جلبت إبنها معها في الصباح الباكر ، وأخيراً أوصلوها إلى بيتنا دقت المرأة الباب ، فخرجت أم رياض ، فسألتها ؛ عيني ، هذا بيت ابو رفش ؟! قالت لها زوجتي متبرمة ؛ عيني ، عندنا في البيت (رفشان) ، رفش ذهب الى دائرته ، والرفش الآخر ذهب إلى النهر فأي منهما تريدين ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ

*الرفش هو ذكر السلحفاة حينما يصبح كبيرا في السن ، وقد أشيع في الموروث الشعبي العراقي عن قوته وقدرته على اغراق السباحين الماهرين أساطير كثيرة .








عاصمة البلابل *

تعد مدينة خانقين التي تبعد حوالي 150 كم إلى شمال شرق مدينة بغداد واحدة من أهم محطات الاستراحة والاستجمام في العراق ، نظراً لوفرة بساتين الفاكهة فيها والمناظر الخلابة واعتدال مناخها ، كما ان هذه المدينة هي عاصمة البلابل بامتياز أو هكذا كنت اسميها ، حيث كانت أعداد البلابل بالملايين ، أو هكذا خيل لي ، وكان تغريدها لا ينقطع وخاصة حين تبدأ أشعة الشمس تصافح وجه الحقول ، وكان نهر الوند يخترق هذه المدينة الوادعة من وسطها ، وقد عرف عن هذا النهر انه مليء بالأسماك ، وكنت اقضي أياماً طويلة في صيد الأسماك في هذا النهر الرائع وكان مصفى الوند والمدينة المصغرة المشيدة بالقرب منه قد أقامهما الانكليز في أربعينيات القرن الماضي ، وتم تخصيص عدد من الدور للموظفين والمهندسين الانكليز آنذاك ، وهناك كانت تسكن عائلة أخي ، حيث كنت أنام عندهم ، وغالباً ما يساورني شعور بآن هذا المكان هو الجنة أو على الأقل هو قطعة منها ، ذلك ان كافة بيوت ذلك الحي كانت مرتبة ومنظمة تنظيماً هندسياً ينم عن حضارة وذوق رفيع ، كان كل بيت مجهزاً بأنابيب الغاز وموقد للتدفئة وفق الطراز الانكليزي ، والغريب في الأمر ان هذه المدينة التي رحل عنها موظفوها الانكليز أبان ثورة 14 تموز عام 1958 تم هدمها بالكامل بعد الحرب العراقية الإيرانية التي اندلع أوارها في العام 1980 لتستمر لمدة ثماني سنوات احترق فيها الأخضر واليابس وأدت إلى تقهقر العراق في الميادين كافة ، في حين كانت الأمم الأخرى كتلك الواقعة في جنوب شرق آسيا تغذ الخطى في هذه المرحلة بالذات لبناء دول ذات طابع عصري ومنتجة صناعياً وبتكلفة اقل بكثير من تكلفة الحرب الباهظة ، وعلى آية حال وقع المحظور واصطدم الفأس بالرأس كما يقولون ، وقد ورد من السلطات العليا ببغداد أمر هدم هذه المدينة الصغيرة أو (الحلم) كما كنت أطلق عليها ، وتم تفكيك مصفى الوند الذي يقع بالقرب منها ، بحجة ان هذا المصفى واقع تحت مرمى المدافع الإيرانية وإذا كان هذا الكلام ينطبق على المصفى ، فما ذنب هذه المدينة ، ان يصار الى هدمها وتحويلها إلى أنقاض وقد تبين لنا فيما بعد ان إزالة هذه المدينة من الوجود كان أمراً قد دبر بليل ، وانه كان بدوافع سياسية ، إذ ان بعضاً من سكنتها كانت لديهم ميول عقائدية أخرى ، وقد توفرت لدي قرائن عديدة مماثلة ، أقدمت فيها السلطات على إزالة أماكن بعينها بحجج ما انزل الله بها من سلطان .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يوجه أبو رياض نداءه الى كل من يعنيهم الأمر ( ونعني به إزالة المدينة النموذجية الملحقة بمصفى الوند بخانقين ) ومحوها من الوجود ، ممن تتوفر لديهم وثائق أو شهادات بهذا الصدد ، من اجل تقديمها إليه على أمل ان يصار الى إثارة الموضوع وفتح ملف هذه المدينة المنكوبة لدى الأوساط والمحافل الدولية والإنسانية . وهو يرجو من هؤلاء مراسلته على الايميل التالي alhilyahmed@yahoo.com

صائد مواد احتياطية !

لم يقتصر ما كانت تخرجه سنارة (ابو رياض) من الماء على الأسماك والسلاحف وأفاعي الماء ، وانما تعدتها الى أشياء وحاجيات أخرى هي جزء من ذاكرة النهر وما يمور به من أسرار ففي إحدى المرات علق (الشص) بشيء ثقيل ، فاستخرجه بعد عناء فإذا به مكواة قديمة الطراز مما كان يعمل على الفحم ، وفي أعقاب غزو الكويت راحت السنارة تستخرج متعلقات الحرب كالبصاطيل وأقنعة الوقاية من الغازات الكيمياوية وفي إحدى المرات استخرجت هيكلاً كاملاً لرشاشة أحادية ، ولعل أطرف ما يتذكره ابو رياض أن سنارته علقت أبان فترة الحصار بـ(جاملغ) أيمن لسيارة نوع مسكوفج ، فركنه الى جانبه واستمر بعملية الصيد ، وبعد قليل توقف احد السائقين بسيارته ، سائلاً إياه عن الثمن الذي يطلبه لهذا (الجاملغ) ، فرد ابو رياض ضاحكاً ؛ خذه مجاناً ، فانا لست بائع أدوات احتياطية وبعد أسبوع تقريباً ، إذا بنفس السائق يتوقف مستفسراً عما إذا كان قد استخرج الجاملغ الأيسر !





طائر الدراج

يصف أبو رياض طائر (الدراج) بأنه طائر ذو لحم شهي إلا انه مراوغ ماكر وعصي على الاقتناص ومع ذلك فانهم فطنوا إلى نقاط ضعفه ، كالأوقات التي تتطارح فيها الغرام والتي تشغلها عما حولها من أخطار ، وكذلك انبهارها بضوء مصباح السيارة عندما يحل الظلام فيقترب منه ،وعند ذلك نستطيع الإمساك به بسهولة ، ويتحدث عن واقعة طريفة مع هذا الطائر ، ففي إحدى المرات أصابوا واحداً ببندقية صيد ، فأمسكوا به وأسرعوا إلى قطع رأسه خشية ان ينفق ، فأخذ جسده المقطوع الرأس يرفرف في الدغل القريب وحين جاؤوا لأخذه لم يجدوه ، وفتشوا عنه في الأمكنة القريبة ولكن دون جدوى ، ويعلق ابو رياض قائلاً ؛ ان هذا جزء من مهارة الروغان التي يتصف بها هذا الطائر !





مرسوم رئاسي

من بين الأمور التي اهتم بها ابو رياض ، تربية البلابل وما يزال يتذكر احدها والذي أعطاه اسماً هو (حيدر) فكان هذا البلبل ينتقل معه أينما ذهب ، وفي إحدى المرات غفل (حيدر) عن نفسه قليلاً فهجم عليه قط كان متربصاً به ، فحزن ابو رياض كثيراً لفقده وقرر منذ تلك اللحظة ان يقلع عن تربية البلابل ، إلاّ ان ذلك لم يمنعه من أن يقوم بتربية إحدى القطط الشامية ذات الفراء الناعم الجميل ، وأطلق عليه تسمية (ميسون) ، وكانت على درجة عالية من الكياسة والتهذيب واللياقة ، حتى انه كان يعتبرها جزءاً من أسرته ، إلا انه فوجئ ذات يوم ان مجلس قيادة الثورة يصدر مرسوما يقضي بإبادة القطط والكلاب السائبة ، وان على الذين لديهم حيوانات أليفة في بيوتهم ان يذهبوا بها الى دوائر البيطرة القريبة على أمل ان يتم حقنها بالمصل الخاص ضد انتشار الأوبئة ، وبدلاً من أن يعطوها المصل زرقوها بحقنة قاتلة ، الأمر الذي أدى ان يدخل ابو رياض في شجار عنيف مع موظفي الدائرة ، ليخرج بعدها حاملاً جثمان (ميسون) ، ثم ليقوم بدفنها وفق مراسيم خاصة .


نداء الأمومة

اعتاد الناس في العراق أبان فترة الحصار ان يبتدعوا وسائل وأساليب غير معهودة للصمود امام شبح الجوع وخواء المعدة الذي بات يتهدد حياة الملايين ، وازاء ذلك جلب ابو رياض في احد الأيام دجاجة ، وفي ذهنه مشروع لتربية الدواجن في حديقة منزله ، ليستفيد من بيضها ولحومها ، وبعد أن نفد بيض الدجاجة وأصبحت " كركه " حسب التعبير الدارج ، جلب لها عشر بيضات ملقحة من السوق ووضعها في كنها ، وما إن مضى الوقت اللازم لتفقيس البيض حتى أخذت الكتاكيت تطل برؤوسها الصغيرة ، إلا ان فرحة ابي رياض وعائلته لم تدم كثيراً ، فقد إلتهم الموت الفراخ واحداً تلو الآخر : واتى عليها جميعاً ، وتكرر الأمر في المرة الثانية والثالثة والرابعة وأخيراً قررت العائلة ان تنقل قفص الدجاجة إلى إحدى زوايا سطح الدار حتى لا تبصر أعينهم تكرار وقوع المأساة ، وبعد انقضاء المدة اعتادت العائلة على مشهد رؤية الأب وهو يصعد إلى السطح ثم لينزل وبيده واحد أو أثنان من الكتاكيت الميتة كان الجميع مدركين في التالي انه لم يتبق سوى بيضة واحدة يوشك كتكوتها ان يرى النور لفترة وجيزة ، صعد ابو رياض في اليوم التالي ونزل من دون ان تحمل يده أي شيء ، فأستفسروا منه هل رميته من فوق أجابهم ، كلا، فما يزال قرب أمه حياً ، ويساورني إحساس ان هذا الصغير سيعيش هذه المرة ، فاستفهموا منه وكيف عرفت ذلك ؟ أجابهم ؛ رأيت عجباً ، إذ أبصرت أمه وهي تذودني بشراسة عنه ، ثم رأيتها ترفع رأسها إلى السماء وتقوقي بطريقة غريبة لم أعهدها في الدواجن من قبل فهمت منها إنها تطلب من خالقها ان يستبقي لها هذا الكتكوت الأخير استجابة لنداء الأمومة التي يبدو إنها لم تذقها قط ، وبالفعل عاش الصغير .

كيس طحين

ما زال الحديث متواصلاً عن فترة الحصار ، حيث وجهت الدائرة الحكومية التي يعمل فيها ابو رياض بوصفه سائقاً وجهته للذهاب بسيارته (البيكب) إلى بلدة المحاويل الواقعة إلى الشمال من مدينة الحلة بحوالي 20 كم لجلب بعض المستلزمات من مخزنها هناك ، وفي طريق الذهاب استوقف احد الأشخاص الواقفين على قارعة الطريق أبا رياض ، فتوقف ، فطلب هذا منه أن يقطر له سيارته العاطلة إلى بلدة المحاويل ، ظاناً ان بيكب ابي رياض سيارة شخصية، وافق ابو رياض على قطر السيارة مقابل مبلغ (10) آلاف دينار ، وفي اليوم التالي ، فوجئ ابو رياض بمدير دائرته وهو يستدعيه على عجلة ليقول له بلهجة صارمة موبخة لقد رأيتك بالأمس وأنا ذاهب إلى بغداد وانت تقطر بسيارة الدائرة إحدى السيارات المدنية العاطلة : فأنكر ابو رياض ذلك مصراً على انه لم يسحب أي سيارة ، فأصر المدير ؛ ولكني رأيتك بأم عيني هاتين فأجاب ابو رياض بذات الاصرار مبيناً انه لم يكن يسحب سيارة وانما كيس طحين !

شكر ومحمود

اقترب فراش الدائرة من ابي رياض ، وسلمه مظروفاً ، وقال له افتحه ، وبعد ان فتحه ، وجد فيه كتاب شكر وتقدير موجه من مدير الدائرة إليه لحرصه وتفانيه في عمله رغم الظروف الصعبة والرواتب الشحيحة ، وبدلاً من ان يفرح ، اغتاظ ابو رياض كثيراً فتوجه من فوره إلى غرفة المدير ، ليلقي على طاولته كتاب الشكر ، قائلاً له ؛ انا لست في حاجة لكتاب الشكر هذا ، فقال له المدير ؛ ولم ذلك ؟ قال، بعد أن استخرج من جيبه هوية احواله المدنية ووضعها امام عينيه فوق طاولته ؛ تأمل جيداً في اسمي ابي وجدي ، إنهما شكر ومحمود ، فهم المدير المغزى ، فاستبدل كتاب الشكر بمكافأة مالية !

لوحة

أصيب أبو رياض في السنوات الأخيرة بضعف في بصره ، وبعد أن ذهب الى أحد أطباء العيون أخبره هذا بعد أن فحصه بعناية ، أن الأمر يتطلب إجراء عملية جراحية ، من أجل ( زرع عدسة) بحسب مسمياتهم .

وفي الموعد المحدد ذهب أبو رياض وتم إجراء العملية ، وخلال مكوثه في البيت وإنتظاراً لرفع الخيط ، إتصل هاتفياً بأحد أصدقائه من الفنانين التشكيليين ، وكلفه بتنفيذ لوحة وأعطاه فكرة تفصيلية عن المفردات التي يرغب في أن تتضمنها اللوحة ، وعندما حل موعد الذهاب الى عيادة الطبيب ، تأبط اللوحة بعد أن غلفها بعناية ، رحب به طبيبه وطلب منه أن يضطجع على الكرسي المخصص ، إلا أن أبا رياض قال له ؛ ليس قبل أن تشاهد هذه اللوحة ، و أخذا يرفعان عنها الغلاف ، ألقى الطبيب نظرة على موضوع اللوحة الذي لم يفهم منه شيئا للوهلة الأولى ؛ فقد رأى اللوحة مرسومة وفق الأسلوب التجريدي ، إلا أنه إستطاع أن يميز شكلاً على هيئة عين ولكن بجناحين يطيران في الفضاء الفسيح ، وثمة تحتهما أجزاء من الخيط المتساقط ، وأخيراً إستطاعت عيناه أن تقرءا عبارة مكتوبة بخط مموّه تقول ؛ فك الخيط يا دكتوري ، خلي يطير عصفوري ، فرح الطبيب بهذه الهدية النادرة وأسرع الى تعليقها في صدر عيادته .





مأساة كلب

في رحلة تالية الى مدينة الشوملي ، التي طارت شهرتها من خلال الأغنية الذائعة ؛ عالشوملي الشوملي ، نارك ولا جنة هلي ، ابتعد ابو رياض كعادته عن أصحابه ليدخل في أدغال كثيفة ثم ليجد نفسه امام فضاء متسع وقبل ان يلتقط أنفاسه رأى كلباً ضخم الجثة يتوجه نحوه؛ " تلفتّ يميناً وشمالاً ، قال ، فلم أجد أحداً فعلمت بأني المستهدف بهجوم الكلب المباغت هذا ، وبأسرع من لمح البصر وبطريقة لا شعورية وجدت نفسي ارفع يديَّ مقلصاً أصابعي وأخذت ابحث برجلي في الأرض مثيراً نقيع الغبار من حولي محاولاً إيهام الكلب بأن الكائن الذي يستهدفه ليس من بني الإنسان ، وانما هو وحش كاسر مثله وربما يكون أكثر فتكاً منه ، وبعد ان صار الكلب قريباً مني وأبصر هذا المشهد المروع ارتد على أعقابه هارباً . "

وما يزال يتذكر انه وبعد مرور حوالي سنة على هذه الحادثة التي لم يجرؤ بالحديث عنها لأحد فان مجموعته قدمت الى المكان ذاته لاصطياد طيور الدراج كعادتهم ؛ " فإذا رجل بدوي يتوجه نحونا ، وبعد أن ألقى التحية ، استفسر منا ان كنا نحن نفسنا الذين قدمنا الى المكان ذاته في العام الماضي ، فقلت له : نعم ، فقال ، لقد شاهدت عن بعد هجوم كلبي عليك وارتداده السريع ، والغريب في الأمر ان هذا الكلب وبعد مرور ثلاثة أيام ، أحسسنا انه أصيب بصدمة ثم مات بعدها ، فأرجو منك ان تخبرني ماذا فعلت له ، فقد فحصنا جسده فلم نجد أثراً لضربة فقلت له سأخبرك ماذا فعلت معه ؛ فقمت على الفور بتمثيل الحركة والهيئة التي اتخذتها دفاعاً عن نفسي ، وكذلك الصوت المزمجر الذي أطلقته ، فأحس الراعي بالخوف وعراه الاضطراب وساورني إحساس في تلك اللحظة الخاطفة بأنه ينظر إلي على إنني مجنون ولأخفف عنه قليلاً قلت له ممازحاً ؛ إن كلبك مات مخروعاً يا ولدي !


حجّي مو مستر !!

بينما كان صاحبنا يسير بملابسه ذات الطابع الأوربي وقبعته البيضاء ، ببشرته البيضاء المشربة بالحمرة وعينيه الزرقاوين، عائدا من رحلة الصيد على الشاطيء الذي لم يظفر منه بطائل ، إذ لحق به احد الصبيان وامسك بردن قميصه صائحا به بوقاحة ؛ مستر .. كود فش ! فألتفت إليه بعد ان القي نظرة على الجهة التي قدم منها مبصرا عددا من صيادي السمك وأمامهم بضاعتهم وهم يترقبون عودة فتاهم بصيده السمين ، فزجره بشدة ؛ ولك شتريد مني ؟ تريدني افش لك بطنك ؟ فما كان من الصبي المتذاكي إلا ان تراجع قليلا والدهشة تعقد لسانه صائحا على جماعته ؛ ولكم هذا طلع حجّي مو مستر !!


الشهيد العائد

دخل أبو رياض بسيارته الخاصة من نوع موسكوفج في احد شوارع محلته الفرعية ، وعلى الرغم من ان الوقت كان ليلا إلا ان الشارع كان مضاءً بصورة كافية مكنته ان يرى شبح احد الأشخاص ،استغرب لأول وهلة وهو يراه يقترب من سيارته المتوقفة ، قال مع نفسه ؛ ربّاه انه هو بلحمه ودمه ،فرك عينيه وحدق بأتجاه الشبح المريب الذي اقترب من السيارة ، توقف ثم قال؛ اظنك عرفتني؟

- اجل ، اجل .. وكيف لي ان لااعرفك ، ولكن ...

- لاتكمل ، فأنا اعرف تتمة الحكاية ، فلأول وهلة خالجك شعور بأني شبح شخص ميت يتجول في دياره ، إلا انني لست كذلك ، وبأمكانك ان تلمسني لمس اليد ، لقد عرفت بل وتوقعت ان الجميع وكذلك أهلي يعتبرونني في عداد الأموات ، وقد اخبرني احدهم ان أهلي أقاموا لي مراسيم الفاتحة في مسجد المحلة باعتباري احد شهداء الحرب ، ولكن وكما ترى، فأنا لست شهيدا والحمد لله..

- ولكن ،الشخص الذي جاء احد جنود وحدتكم بجثته ، من تراه يكون ان لم يكن أنت ؟

ثم أردف قائلا ؛ ترى ، كيف تم تمرير هذا الأمر الخطير بمثل هذه السهولة ؟

- اعلم أيها العم ان الأمر عصيّ على الفهم حقا ،ولكن وكما تعلم، فأن وحدتنا قد تم تدميرها عدة مرات ، وانها بمجرد ان يعاد تنظيمها حتى يزج بها في اتون معركة جديدة ، وقد ضقت ذرعا من هذه الحرب المجنونة ، لذا اتخذت قراري بالهرب لبعض الوقت لانجو بجلدي و لالتقط انفاسى ، ولربما حالفني الحظ في اجتياز الحدود والهرب الى تركيا ومنها الى أوربا كما فعل ذلك بعض المحظوظين ، وسأروي لك مافعلت بالضبط ، ففي آخر معركة اشتركت بها وحدتنا ، فاني نزعت قرص التعريف الخاص بي عن عنقي وبحثت بين جثث قتلى المعركة الذين سقطوا في الليلة الماضية ، فعثرت على ضالتي ؛ جثة شبه متفحمة بوجه مموّه الملامح ، فأستخرجت قرص التعريف الخاص به ودسست مكانه قرص التعريف الخاص بي ، ثم إني اتخذت طريقي في المسالك الوعرة في الجبال وهربت ، وحصل الذي كنت أتوقعه ، فقد ذهبوا بالجثة المتفحمة الى أهلي بأعتباره أنا ، وها أنت ذا تراني أمامك ثانية بعد موتي ! تعجب أبو رياض من هذه الحكاية الغريبة ، وسأل الهارب العائد ؛ ولكن يبدو انك لم تطرق باب اهلك لحد الآن ..

- أخشى ذلك واتهيّبه !

فهم أبو رياض انه لايريد لامه وأبيه ان يتفاجآ بعودته ، لاسيما وانه ابنهما الوحيد ، كما ان الأب مصاب بجلطة دماغية والأم مصابة بمرض السكري منذ اللحظة التي جنّدوا فيها ابنها وساقوه الى الحرب عنوة ، وبعد تفكير قصير طلب الجندي من أبي رياض ان يذهب به الى بيت خالته في منطقة المسيب ، وان يطرق بابهم بمفرده في حين لايكون هو موجودا في لحظة اللقاء ، على ان يقوم بإفهامهم خلال ذلك سبب زيارته لهم وهو ان خبرا جاءه من احد الأشخاص يتعلق بابن خالتهم الذي يبدو انه مايزال حيا يرزق، وانه الآن موجود في مكان ما ،، وبهذه الطريقة يمهد لحضوره ، واغتبطت العائلة بالخبر بعد ان تأكد الأب من سلامة المخبر العقلية ، ثم انه ما لبث ان احضره لهم فعلت زغاريد الخالة وبناتها وهلهلن ابتهاجا بقدومه ، وشكروا أبا رياض على الطريقة الحاذقة التي أوصل بها الخبر إليهم ومن ثم إحضاره لابن خالتهم ، وأصروا عليه ان يبيت ليلته تلك في بيتهم لاسيما وانهم يعرفونه حق المعرفة ، وأثناء ذلك اتصل احد أفراد العائلة هاتفيا ببيت خالتهم لينقل إليهم الخبر السار الطازج ، ثم امسك المعني نفسه بالهاتف واخذ يتحدث مع ذويه بحديث ذي شجون ودموع.....


لحية رئاسية

في العام 1982 وفي ذروة الهزائم العسكرية التي تعرض لها جيش النظام في الحرب العراقية الإيرانية التي كان صدام يأمل منها تكريس اسمه وتسويقه على الأقل عربيا بوصفه قائدا عسكرياَ لايشق له غبار وبالتالي بطلا للتحرير القومي، هذه العبارة التي تم رفعها والترويج لها على نطاق واسع على طول جبهات القتال من زاخو الى الفاو وعبر وسائل الإعلام والأبواق المختلفة ، في هذا العام تم تجنيد أبي رياض في احد قواطع الجيش الشعبي ، وجرى ترحيلهم على الفور الى قاطع (ديرة لوك ) في محافظة دهوك ، واثناء ذهابه من ديرة لوك الى سرسنك بوصفه سائقا لاحدى سيارات التموين ، فشاهد قائد الفيلق وقد ترجل للتو من سيارته العسكرية وهو بصدد القيام بجولة تفتيشية للقاطع ، ولما علم الجنود والمراتب بالخبر ارتعبوا وأصيبوا بالهلع ، وتواروا عن الانظار كما لو انهم فئران مذعورة تهرب من مخالب قط لاترحم ، وبقي ابو رياض وحيدا في وسط الساحة ، الا انه لم يأبه للامر ، ووقعت عينا القائد عليه وهو يتمشى بحذاء (الكيوة ) الشعبي بطريقة لا ابالية وملتحيا بلحية طويلة مشذبة ، جن جنون القائد وصاح به ؛ يا انت !تعــــــال، فأدرك انه المقصود ، فمشى اليه وهو يقول في سرّه ؛ سأجعل منك ايها القائد العفريت اضحوكة وعبرة ! اقترب منه بطريقة بطيئة ليشعره بعدم مبالاته به وازدرائه له ، وبعد ان صار قريبا بما يكفي لم يؤدّ التحية العسكرية ، فطاش عقل القائد وصاح بهستيرية ؛ ماهذة اللحية ايها المقاتل ، فقال له على الفور ؛ هوّن عليك ايها القائد فأنا على ملاك وزارة الاوقاف ! فما كان منه الا ان انحنى امامه الى الارض قائلا بخشوع ؛ آسف ايها الشيخ المبجل ، لقد ازعجتك ، وارجو ان تصفح عني ! ذلك لانه يعلم علم اليقين ان الشيوخ الذين هم على ملاك وزارة الاوقاف والمنسّبين على القطعات العسكرية

هم في حقيقة الامر عناصر مجندون في جهاز المخابرات او الاستخبارات العسكرية وان لديهم رتباً عسكرية عالية ودرجات حزبية مرموقة ، وهم مرتبطون مباشرة بديوان رئاسة الجمهورية ، وكنوع من التكفير عن الذنب طلب منه القائد ان يذهب بمعيته في الجولة التفتيشية وان يعودا معا الى مقر قيادة الفيلق حيث سيولم له وليمة فاخرة ..

فقال له ابو رياض بحدّة ؛ ان الجنود ينتظرونه ليجلب لهم ارزاقهم ، فوجد القائد نفسه في موقف لا يُحسد عليه ، فقال ؛ بارك الله فيك ايها الشيخ الجليل ، واني لشاكرٌ لك موقفك النبيل هذا مع الجنود الذين هم بمعيتك ...

وبع عودته الى مقر القاطع دخل الى غرفة آمر القاطع والذي هو عامر الساعاتي ، فأخبره بما حدث له مع قائد الفيلق ، وطلب منه ، بحكم انه كانت تربطه به علاقة خاصة ، ان يخبر القائد اذا ما استفسر الاخير عنه ، ان يصادق على الكذبة التي جعلها تنطلي على القائد فصاح آمر القاطع ؛ استحلفك بالله ان تحلق لحيتك ، وان لاتوقعني في هذه المآزق التي يبدو انك تستمرئها وترتاح لها ، فقال ابو رياض بحدة ؛ اقسم بالله العظيم انني لن احلق لحيتي الا بعد ان يقوم عدي صدام حسين بحلاقة لحيته !!



الخميس، 29 أبريل 2010

اصدارات جديدة للشاعر عباس العجيلي-كتابة د غالب المسعودي

عن دار الضياء للطباعة-النجف- صدر للشاعر عباس العجيلي ديوانين الاول بعنوان انين في طرقات صاخبة والثاني عواصف وجحيم ومن قراءة اولية لتجربة الشاعر في هذين الديوانين نجد انها تجربة مختزنة وذات محور متجذر في التجربة العراقية بعد الغزو بعد ان انقشع الغبار عن الطروحات البراقة لمروجي البراءة اذ ان للشاعر عراقته ومعرفيته وحلمه وبراءته .على الرغم من ان شاعرنا هو صندوق من العذاب الا انه لا يخلو من صراع فكل صورة ياتيتا بها الشاعر يتحقق نصر بافعال متشعبة.لفد انجز صراعه مع العذاب توازنا مع صدق النية والواقع المر الذي ينحر الشاعر فتجده احيانا يكاد ان يقتحم العقبة بمرارة الصحو واحيانا يغني كعازف ناي حزين لن يتردد في الافصاح عن نيته في تحويل رمال الصحراء الى عشب اخضر كي يبني مملكته تبدو فيها الكائنات كفراشات عطر مضمخة واشياء لا ترى الا وفق نظام باراميتافيزيقي سنه الشاعر وفق اسلوب انيق وبتجربة صورية لاحتواء فوته الاسرة وبلغة كهنوتية كانها انتجت الى الى جنس اكثر مرونة واكثر عافية من جنسنا البشري لانه كان يعني الديناميكية التي سيطرت على عصرنا في غفلة من الهلع والقلق الذين اورثانا الخوف والحزن المتجذر في يقيننا وحتى في تفاؤانا.


ويبدو ان شاعرنا كان كثير التاثر بشعراء المقاومة الفلسطينية ومنهم الشاعر سميح الفاسم وارهاصات الشعرية العرافية في بداية القرن العشرين اعني بدر شاكر ونازك الملائكة

مفطع من قصيدة محاولات دموية

حاولت ان ادعو الى

مدينة الخلود حاولت

ان اكون

سحابة تجود

بمزنة تعود

بالخير والمطر

وتنبت الشجر

في بقعة كئيبة

اوهنها الفقر

لكنني واوحدتي

طعنت الف مرة

بكف من غدر

الثلاثاء، 27 أبريل 2010

ضمير ابيض-حامد كعيد الجبوري-اعمال غالب المسعودي

ضـمـير أبيـض


حامد كعيد الجبوري



للصديق الشاعر المغترب رياض النعماني

ماتشتاك ......

لخيار الشواطي وللبساتين

والرمان المـفلَع عوافي

للبرحيه ، والريحان ، والنبك العَجم.....

والريحة العنبر

ماتشتاك.......

تنزع ثوب حزنك والنهر خنياب1

والحلوات يملَن وشلة أخدودك

ويفلـَّن صُبر عمرك كصايب

والحلوه.....

أم أضـفيرة السنبل

تُكي الشام وَجنتها

وتفيفـيـح ريحتها

وكحت عين ......

باكت ثوب عُمرك ...

زمت النهدين



وبضحكة غنج ...

تشبر طولك النعناع

وغسلت بالنهر دشداشة الغربه

الهذاك الصوب عُبرت

عينها المشحوف

والصُفصاف ظلها...

والبلابل بيت

ماتشتاك ...

كهاوينه ..

وجايها السنكين

وحـديثات ...

تفرش لـلـجرف صـوبين

(والداخل حسن)2 يقرالك (الصبي)3

وطور (أمحمداوي)4 ودارمي و موال

ربابه أيوّن ...

(يكاظم مهجتي الهجران عادمها)5

ماتشتاك.......

لموَنس التراجي....

لبلام باب السيف



وأتهد الكَلب غرنوك

وليالي الصيف تعلوله ....

والسطح يركص حـصاد

أبريش حـضـن أمك تنام

وخيط الشمس غبشه ...

أتزور للكاظم

(أبكاري)6 المـرصـع شذر

الراضـع من حليب الكُمر ، والنجمه

ماتشتاك.......

صينية فرح ، وأشموع خـضر الياس

وأتطش الفرح بملبس الحضره

وبشباج (أمام الورد) 7 ...

تعكد خيط

نذر أكلوبنه الخـضـره

وجُمار الزنود ، وديرم الشفتين

وأبنيات......

تشتم أبورد خصره

خايب .... ولك خايب ...

صحن (أمام الورد) ، مملي أعشوش ...





أفراش ويحضن الفقره

ماتشتاك ........

جحيل الغربه مُره ..

أترجف أثيابك

وعيونك محطه ........

ويامحطه الردت أحبابك

تلهم ليل جمرك...

من يُدك بابك

وكليبَك حمامة بيت

خايب .....

ولك خايب

مثل وجهَك ضميرك.....

رازقي وقداح

يانخلة حماد........

ومدت السباح

ماتشتاك...ماتشتاك

ما......تش....تا....ك

***

2007 م













1 :خنياب:طافح بالماء

2 :داخل حسن:مطرب ريفي

3،4:طور للغناء العراقي

5:أغنية لداخل حسن

6كاري:وسيلة نقل قديمة تسيرعلى سكة حديدية تسحب بستة

خيول تنطلق من قرب جسر الشهداء تصل للكاظمية المقدسة

7أمام الورد:ديوان شعر لرياض النعماني