قراءة في ديوان مؤيد العطار (حايط أم رزاق)
محمد علي محيي الدين
صدر عن منشورات خيمة الشعراء الشعبيين في الكوفة ديوان جديد للشاعر الشعبي
مؤيد خليل العطار (حايط أم رزاق) ضم مجموعة من قصائده التي كتبها منذ عام 1974 ،
وهي قصائد تناولت جوانب مختلفة ، تباينت في موضوعاتها ،واختلفت في توجهاتها.
والعطار من الشعراء الشعبيين المجيدين الذين أغنوا المكتبة الشعبية
العراقية ،فقد أصدر من مجاميعه الشعرية(جرح وملح- منبر وراية علي- خيط البريسم)
وهذه المجموعة، وهو اضافة لشاعريته من الفنانين المبدعين، والصحفيين البارزين،
وداعية لحقوق الانسان، وقد ترأس تحرير مجلة البيرغ التي عنيت بالموروث الشعبي
وآدابه، وتولى سكرتارية تحرير جريدة صدى النهرين، وعمل محرراً لصفحات الأدب الشعبي
في عدد من الصحف والمجلات العراقية، وانتخب رئيسا لخيمة الشعراء الشعبيين في
الكوفة لعدة دورات، وشارك في مهرجانات شعرية في العراق وخارجه، ويعد في طليعة
الشعراء الشعبيين الذين تميزوا في حضورهم الطاغي في الساحة الشعرية، واسهاماتهم في
المحافل الأدبية.
وكان موضع تقدير وإكبار النقاد والشعراء فقد قال فيه الشاعر الكبير ناظم
السماوي: كانت شموعه تسرج في ظلام الليل أحلى القصائد، فيما استعذب الشاعر اسماعيل
محمد اسماعيل تكرار ما صدر للعطار من فصائد عذبة ، فهو شاعر في غير حاجة لمن يشهد
له غير قصائده، ، فيما أشار الشاعر سفاح عبد الكريم إلى امتلاكه حساً وجدانياً
عاليا، وهمة وطنية عالية، وركز الناقد علوان السلمان على اشتغاله الواعي بسيك
جملته الشعرية، وترابطها حتى بلوغ ذروة الدهشة ، باعتماد المفارقة والتكثيف
التصويري، مع دينامية نابضة ، تتماوج فيها الايقاعات الداخلية والخارجية.
وركز الباحث كاظم السيد علي على تجليات الحداثة في شعره، فهو شاعر وفارس
القصيدة الحديثة في مدينته، ولمساته الجميلة بين أبناء جيلهم موجودة لما لها من
أصالة وعمق، وتتميز قصائده بدقة توازنها الفني، وموضوعاتها القيمة. قيما ركز
الاديب كاظم الزهيري على الحداثة الرشيقة في شعره، وابتعاده عن الطلاسم الشعرية،
وشفافية قصائده.
هذه الشهادات الثرة وكثير غيرها قيلت في العطار وشعره، وبينت مكانته
الشعرية بين شعراء جيله، واسهامه الفاعل في المسيرة الحداثوية للشعر الشعبي ، وهي
نابعة من دراسة مستوعبة لقصائده في مجاميعه الشعرية، وتبين دون شك مقدرته الشعرية
وقدراته التعبيرية، وما تمثل قصائده من ركائز الابداع، بما ضمت من صور، وحوت من
معان بوأته أن يكون في المقدمة بين الشعراء الشعبيين.
ولو حاولنا تبيان الملامح العامة لشعره من خلال مجموعته الشعرية هذه ،
لوجدنا محاولاته الواعية للارتقاء بالقصيدة الشعبية مفردات وفكرة والسمو بها في
عوالم الاصالة الشعرية التي افتقدناها لسنين طوال لعوامل كثيرة في مقدمتها شيوع
المعاني المائعة والمفردات البائسة، ولاحظنا تنقلات الشاعر بين مكامن الابداع
المختلفة، وتجليات الحداثة البارزة في قصائده، واستنطاقه للمفردة الشعبية لتأخذ
بعدها لدى المتلقي، بانسيابية وعذوبة تدفع القارئ للبحث في المعاني الكامنة في هذه
المفردة، والدقة المتناهية في الصورة وما لها من أبعاد في مخيلة القارئ، فهو فنان
يرسم صورة ناطقة تكمن في طياتها صور مترادفة تغور فيها المعاني، وتندفع المفردات
الى هدفها بيسر وسهولة، تنمي الذائقة وتبهر القاريء وتحلق به في أجواء حافلة
بالإبداع والفن الرفيع:
هاك أخذ.. روحي حمادة
وسافر... بحلمك بريد
وغازل.. أچفوف المشوا..
مشوار عنك..مو بعيد
وحني.. بچفوف البچوا..
دمعات ليلو.. أچفوف ما صافحها عيد
فهو يجعل القاريء يطوف في عوالم من الدهشة.. غارق في حلم واع.. ويتلمس في
مفردات الشاعر ما تحمل النفس الانسانية من عذابات، وما يخالجها من مسارات حالمة،
وأطياف هائمة، تبحث عن مخارجها، بشفافية وروح لزجة ، تتدافع فيها الاحلام
والتصورات.
وقصائده طافحة بالعتب واللوم، وحاضنة للألم والعذاب، وناطقة بلوعة لواقع
مر، تتزاحم فيها صور الأسى، ومرارات الأيام، ولواعج الشجن، وتتكرر فيها مفردات
العتب ، والمذلة والحرقة والأسى والبكاء والانكسار والتيه والالم والشوق واللوعة
وغيرها من مفردات معبرة عن معاناة الانسان العراقي جراء الظروف الخانقة التي يعيشها،
والعذابات التي يواجهها، وبذلك فهي تعبير عن معاناة شعب، ومأساة وطن، وآمال بغد
زاهر، ومستقبل وضاء، فلا مكان لليأس أمام ارادة الانسان، ولابد له من تجاوز المحن
ليصل إلى شواطئ الدفء والحنين، وزمن القصيدة(1974) جعلها غارقة بالرموز الموحية
التي تخفي بين طياتها ما يريد أن يعبر عنه دون أن يكون موضع مسائلة في زمن كتمت
فيه الانفاس:
خلها زخات العتب.. لو عاتبتهم
تشتل بدربي البشاير
وخلها عيني تزيد بالدمعات حرگة
خلها تبچي الحال باچر
وخلها تغفه بحضن عشرتهم مذلة
اتلاوذ بسدها ..الضماير
وحتى لو.. تاهت أسنيني
يبگه جرحي يفزز الغيم بسماهم
ويبگه شوگي .. ايمرجح الچلمه بهواهم
وتبگه لوعات الوكت
بدموع ترفه تريد ثار
وتبگه روحي .. ما يمشيها دربها
وليل بعيون الزغار
وقصيدته "شنهي عذرك" صورة قلمية لمعاناة انسانية ، فهي لسان حال
العاشقة في مجتمع ذكوري، مجتمع خاضع لتقاليد وعادات بالية تضع اللوم على المرأة
وتحملها ما لا يحتمل من تفرد الرجل وأنانيته واستقواءه بما له من وصاية وحصانة فرضتها الطبيعة الظالمة
التي جعلت المرأة موضع اللوم حتى في العلاقات الانسانية، فهي حبيسة لأفكار وقيم
بالية، جعلت منها مخلوقة بائسة، تتحمل صنوف الأذى والحرمان، وليس لها حق المساواة
مع الرجل حتى في نوازعها الانسانية:
جيت أعاتب..
ولا آنه ذيچ آنه الغريبة وجيت أعاتب
شنهي عذرك من تسد بوجهي بابك
هاي هم قسمة ونصيب
وحظي دلاك عله بابي
والزمان الأعمى جابك
شنهي عذرك.. لو كبرنه..
ويالسنين ..الخضرت بوجوهنه وتركت
علامه
شنهي عذرك
من نرد نتلاوذ بسد الچذب نسحل
ندامه
شنهي عذرك.. لو وصل لهلي خبرنه
ذنوب ومناحط ملامه
ورغم أن الشاعر أعتمد بحور الشعب الشعبي الكلاسيكية ، الا أنه اضفى عليها
هالة من التجديد الواعي لأهمية المفردة وحركتها في اطار البيت أو محلها في
القصيدة، فهو يقطع البيت الواحد بوقفات معبرة وفق تراتبية ملموسة تهدف لتعميق
المعنى في ذهن القارئ، وتسموا بالمفردة لتأخذك الى عالم من الانبهار ، ونلمس هذا
في كثير من قصائده التي تناول فيها مختلف الاحاسيس والتصورات برؤى وجدانية فيها
كثير من الترف الفني.
والتجليبة من الفنون الشعرية القديمة التي ذاعت في زمن مضى وكان لها صداها
لدى شعراء تلك الايام وابدعوا في اقتناص المعاني والموضوعات المعبرة عن مختلف
المشار والاحاسيس وهمومهم اليومية ومعاناتهم الانسانية ولكن الشاعر استطاع استثمار
هذا اللون وفق منزع تجديدي ينسجم ورؤيته الابداعية فيقول في قصيدته حدود الصبر:
اجلبنك يليلي... والهموم اهواي
وشوغه باثر شوغه تسابگن وياي
انوح بذيچ نوبه ونوبه انوح ابهاي
وعلي جار الزمان وزاد تعذيبه
وقصيدة " حايط أم رزاق" فيها نزوع طاغ لحركة الشاعر الابداعية
وهو يطوف في عوالم المحبة، فترسم ريشته صور متلاحقة، جسد فيها الحركة الواعية التي
تترك اثارها في ذائقة المتلقي لتبهره بدقة توازنها الفني
وما فيها من حس مرهف وأخيلة جميلة:
يا ضحكة زغرنه.. الما خنگها الزيف
ما تعرف الزيف وضحك عالحبلين
يا گطرة نده بوجه الصبح مفتاح
من تضحك تفك باب المحبة
وترضع
ويالتين