الأحد، 23 ديسمبر 2018

الرأسمالية قصة عشق – وثائقي من انتاج مايكل مور




الرأسمالية قصة عشق – وثائقي من انتاج مايكل مور
صائب خليل
20 كانون الأول 2018
يبدأ مايكل مور فلمه الوثائقي المتميز بعرض تشابه بين نهايات الامبراطورية الرومانية والوضع الأمريكي الحالي، خاصة بذخ الخاصة وعوز الفقراء الشديد، ولجوء الأثرياء والطبقة الحاكمة الى "اللهو" و "الترفيه" وإشاعة السخف، لإلهاء الفقراء عن مصائبهم والإبقاء عليها، وكيف انهار الوضع السياسي من سلطة نواب منتخبين الى سلطة غاشمة مركزة، وتسبب ذلك في انهيار روما في النهاية.
يعرض الوثائقي أيضا تحذير بعض القادة من الاتجاه الذي يتطور اليه الوضع الأمريكي، وكيفية استلام التافهين السلطة ومن يقف وراءهم ويوجههم.
ويبين مايكل مور كيف ان الشركات كانت تقدم ضرائب تصل الى 90% من أرباحها، ورغم ذلك كان أصحابها في منتهى الثراء، وكانت الطبقة الوسطى في حالة جيدة ويكفيها راتب معيل واحد.. وكل هذا تغير..
بعد ذلك يعرض مايكل مور ظواهر مرعبة للرأسمالية مثل نوع من خصخصة السجون، وما ينتج عنه من فضائع لا يستطيع العقل تحملها مثل الحكم بالسجن على شباب لأسباب تافهة جدا ويتم تمديد فترات سجنهم لأن سجنهم يزيد من ثروة شركة تستلم مبالغ باهظة عن كل سجين شاب ولطول فترة سجنه.
وكذلك يظهر كيف ان الطيارين بسبب المنافسة بين الشركات تم تخفيض رواتبهم بشكل شديد ويسلط الضوء على حالة سقطت فيها طيارة كان الطياران فيها يتحدثان عن سوء احوالهما المعيشية. وقد دفع ذلك بعضهم إلى أن يعملوا عملاً ثانيا تافها مثل توزيع العصير، أو يستجدوا الطعام من مؤسسات الصدقات، كما قام البعض الآخر بالتبرع بدمهم مقابل المال ليعيشوا!
ويكشف مور ان العديد من رجال الدين المسيحي يقفون بالضد من الرأسمالية ويعتبرونها وحشية لا إنسانية ومناقضة لمبادئ المسيح.
ويلفت مور النظر الى تجارب صناعية واعمال يقوم العاملون فيها بتأسيسها بأنفسهم ويتشاركون فيها، كبديل للرأسمالية. ورغم ان ذلك لن يكون بالفعل بديل حقيقي للرأسمالية (حيث ان حصة الشخص لا تعتمد على عمله فقط بل على نسبة مشاركته رأس المال أيضا) إلا انها بالتأكيد تجارب تستحق الوقوف عندها.
ثم يتحدث الفيديو عن الألاعيب الاقتصادية التي أوقعت الناس في الورط المالية التي كلفتهم املاكهم في النهاية. وينبه أيضا الى حقيقة ان أكثر من 500 من المحققين في الجرائم المالية قد تم نقلهم بعد 11 سبتمبر 2001 الى اقسام "محاربة الإرهاب"، وهكذا تخلص منهم رجال المال والاعمال، وازدادت الجرائم المالية بشكل وصف بأنه "وبائي".

بعد ذلك يسلط مور الضوء على الكارثة المالية – او بالأحرى الفضيحة المالية – للعام 2008 والتي سببت انهيارا للنظام المالي، فقامت الحكومات ومنها الامريكية بإنقاذ البنوك بدفع مبالغ هائلة من أموال دافعي الضرائب اليهم. ويبين الفيديو لماذا يكون من صالح هذه المؤسسات تشغيل الفاشلين والمتسببين بالكوارث، فهم تحت تصرفهم ولا يرفضون أي أمر.
يلاحظ هنا ان هذا لم يجر بلا مقاومة وان الناس تمكنت من إيصال صوتها الى الكونغرس، لكن البنوك كانت في النهاية هي الأقوى.
وقام روزفلت قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وقبل وفاته بسنة واحدة، بمحاولة لضمان حياة كريمة لكل امريكي بضمان مجموعة من "الحقوق" مثل التعليم الجيد ومسكن وعمل مناسب وتأمين صحي الخ، ولم يتحقق من تلك أي شيء للأمريكان، لكن الأوروبيين واليابانيين تمكنوا من تحقيق الكثير منها، لأنهم لم يتعرضوا الى الحرب المباشرة من الشركات الامريكية.
الفيلم الوثائقي للمخرج الأمريكي مايكل مور بعنوان" الرأسمالية: قصة عشق " من إنتاج عام 2009 ترجمة: مايا سليمان
من اختيار صفحة: فيديوات لفهم العالم

مايكل مور فيلم الرأسمالية: قصة عشق - YouTube


السبت، 8 ديسمبر 2018

حسونة ذهبت الى سامراء وحلفت عبيد الوركاء وجمدتهم كتماثيل في الزقورة-صائب خليل


حسونة ذهبت الى سامراء وحلفت عبيد الوركاء وجمدتهم كتماثيل في الزقورة
صائب خليل
7 كانون الأول 2018
كيف نحفظ أسماء الأشياء؟ هذه الحيرة مرت علي وأنا اقرأ بداية كتاب الأستاذ طه باقر ""، الرائع والمفقود من السوق لسبب لا يعلمه الا الله والراسخون في المكتبات..
يشير طه باقر إلى بداية الحضارة في العراق، وكيف انها ابتدأت بعد نهاية العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، حيث سميت تلك الحقبة التي بدأ في منتصفها استعمال المعادن في العراق، بالعصر الحجري – المعدني والذي بدأ في منتصف الالف السادس قبل الميلاد (5500 قبل الميلاد) واستمر لألفي عام. وفي هذا العصر تحققت العديد من الإنجازات كتطور الزراعة والري ونشوء أوائل المدن وظهور أنظمة الحكم والمعابد، وسجلت بداية ظهور الاختراعات الأساسية التي مهدت للحضارة الراقية لبلاد ما بين النهرين التي ستظهر في بداية الألف الثالث قبل الميلاد.
هذا كله منطقي وسهل الحفظ نسبيا، حتى جاء في  النص، تعداد الأدوار التي توالت في هذا العصر وسميت الأدوار حسب مناطق اكتشافها، وتبتدئ حسب قدمها بدور "حسونة" نسبة الى تل حسونة في الموصل و دور "سامراء" ودور "حلف" ودور "العُبيد" الذي بدأ استيطان الإنسان العراقي السهول الرسوبية في وسط العراق وجنوبه.
ثم ظهر "العصر الشبيه بالكتابي" عندما بدأت اشكال الكتابة المبسطة (الصورية) فيه بالظهور، حيث انها من البساطة مما يصعب اعتبارها "كتابة"، فلا يمكنك ان تعتبر رسماً مبسطاً لبقرة مثلا على انه كتابة بكل معنى الكلمة، حتى ان كان القصد منه التدوين. لكنها كانت ولادة الكتابة في ما بين النهرين وكانت بحدود 3500 قبل الميلاد، ويشمل هذا دور "الوركاء" و دور "جمدة نصر" الذي شهد تطورات حضارية مهمة مثل فن النحت والاختام الاسطوانية التي اختصت بها حضارة وادي الرافدين وتطور بناء المعابد لتظهر أوائل الأبراج التي تسمى "الزقورات" التي مازلنا نشاهدها حتى اليوم!
إذن، كانت الفترة المقدسة بين بدء الحضارة في العراق، وحتى بناء الزقورة.. ألا تستحق ان نحفظ تسلسلها وأسماء أدوارها؟

الحقيقة اننا نقصف بكم هائل ومتزايد من المعلومات التي يجب ان نتعامل معها. وليس الأمر فقط بسبب التطور العلمي والتكنولوجي والمعرفي بشكل عام، فهذا ربما يمكن تدبيره. إنما السبب  الأكبر في التسونامي المعلوماتي الذي يجب علينا هضمه، هو أننا نعيش في عالم معادي للإنسان! لقد ادخلتنا الرأسمالية وكل تداعياتها ونتائجها الطبيعية من فردية  في حالة حرب دائماً وتهديد مستمر لحياة ورفاه وحرية الإنسان، ابتداءاً بالشعوب المتخلفة وليس انتهاءاً بها. وصار لزاماً على كل انسان ان يتحصن بوعي اكبر بكثير مما كان يكفي في الماضي لدرء استغلاله ونهب ثروته وتحطيم مصالحه وحياته.
ومما يزيد الطين بلة، ان الرأسمالية استولت ايضاً على وسائل الإعلام وحولتها إلى وسائل تضليل وإيهام، وهذا زاد بشكل كبير من كمية الوعي الضرورية للبقاء على قيد الحياة. وكمية الوعي تعتمد على الجهد الذهني والقراءة والتذكر ايضاً. فالذاكرة مهمة بشكل خاص لمن يريد الدفاع عن الحقيقة بوجه الإعلام التضليلي بشكل خاص. وهكذا سلط على الذاكرة حمل لم تخلق لحمله. ولذلك توجب ابتكار التقنيات الضرورية التي تسهل الحفظ، لتكون المعلومة جاهزة حين نحتاجها.

الأرقام والاسماء صعبة الحفظ بطبيعتها ما لم نجد لها ارتباطا ما بما نعرفه. وإن لم نجد، فحتى لو كان ارتباطا اعتباطيا. أنا احفظ تاريخ الثورة الفرنسية مثلا بأنه 1789 لأن 789 متسلسلة (والألف طبعا سهلة). لكن للأسف ليست كل الأرقام بهذه الطواعية للقواعد.
وعندما كنت طالباً في الابتدائية كنت اخطأ بمكان الـ "w" في كلمة "two"، وكثيراً ما يتبادل مع "o" المكان، فحفظته بتذكر ان "دبل يو" تعني "اثنين يو"، وتسلسله هو 2 ايضاً في حروف الكلمة!  
ومثل عنوان هذه المقالة، اخترعت قصة صغيرة لا تحتوي من كلمات "الضاد والظاء" إلا تلك التي تستعمل الظاء، وكل كلمات الظاء. فكنت عند كتابة كل كلمة أحاول ان أتذكر فيما اذا كانت تلك الكلمة موجودة في تلك القصة أم لا.

عودة إلى عنوان مقالتنا، أقول أن الأسماء بشكل عام قد لا تعني شيئا كثيراً، لكنها ايضاً قد تعطي هيكلا لمعارفنا يحدد أماكن الأشياء في ذاكرتنا وعلاقتها ببعضها، زمنياً وغير زمني. مفيد ان نعرف لو رأينا حجراً كتب عليه انه من دور "حلف" ان نفهم أنه كان في وسط الفترة بين "حسونة" و الوركاء.. أن جمدة نصر هي التي اطلقت الاختام الاسطوانية مثلا.. فإن وجدنا ختما مدوراً مثلا يعود إلى دور "سامراء" نقول : أها، يبدو انهم كانوا يستعملون الاختام المدورة او البسيطة قبل ان يخترعوا الاختام الاسطوانية لاحقا قريبا من عصر الوركاء!  
أو إن عرفنا ان اليونانيين قد عرفوا الكتابة فقط قبل الف عام من الميلاد او اقل ، نعلم اننا عرفناها في "الوركاء" 3500 عام قبل الميلاد، ونحاول ان نتخيل كم هو الفرق بين الف عام و 3500 عام!
إعطاء التاريخ شكلا وهيكلا، عملية تتطلب بعض الجهد، لكنها توفر الكثير لاحقاً. وأنا حين قرأت "حسونة" تذكرت اسم اختي، فركبت الجملة التي هي عنوان هذا المنشور، لأحفظ التسلسل، ولكل معارفه وخزينه الذي له ان ينهل منه ما يساعد ذاكرته.
.
الصورة لفخارية من تل حسونة مزينة برسوم فنية تدل على اهتمام عراقيين ذلك العصر بالجمال، وذوقهم الرفيع فيه: