لم أكن يوماً مهووسا بالنساء , أو الموديلات , اذا جاز التعبير . بل هن اللواتي كن يطاردنني , ويتملقنني , كي أرسمهن , ليس على وفق ما يشتهين هن .. بل على وفق ما أشتهي أنا .. الواقع , كنت أعد شروطاً أولية , وهذه الشروط يعقبها شروط أخرى قبيل البدء بالرسم , وغالباً أضيف شروطاً ثالثة خلال عملية الرسم .. في سبيل المثال أنا الذي أختار الزي الذي تتوضع به وحتى فصاله .. وأنا الذي أقترح تسريحة الشعر .. وحتى وضع الجلوس .. أو الوقوف , أو الانحناء , أو التكور , أو الاستلقاء .. وكذلك حركة اليدين والساقين .. وحركو الوجه وزاوية الرسم وما الى ذلك .. غالبيتهن , كن يقبلن بشروطي الأولى , وهي بسيطة على اية حال , الا أن بعضهن كن يرفضن شروطي التالية التي كن يحسبنها قاسية , ومجحفة , ولا شرعية .. على ان بعضهن كن ينعتنني بكلمات قاسية , فظة , وتارة يتهمنني بكوني رجلاً ظالماً , مستبداً .. على ان اكثر النعوت التي سمعتها رسوخاً في بالي هي انني رجل بارد جنسياً!!
لم أكن أتنازل عن شروطي البتة .. أبقى متماسكاً بها محتفظاً بآرائي ووجهات نظري الفنية .. أن وهم التفوق , ربما , هو الذي يجعلني صارماً , صعب المراس .. لم أضمر الضغينة لأي واحدةٍ منهن , ولم أكن أقصد الاساءة اليهن , أو أجرح كرامتهن , أو كبريائهن .. كنت أقدر عفويتهن , وبساطتهن , وجمالهن , وأنوثتهن , أناقتهن .. الا أنني من الناحية الاخرى صعب الإرضاء , دقيق في أختياراتي .. لهذا كنت أتمسك برأيي , واقترح زياً ما , أو وضعاً ما .. أو حتى الأداة المنزلية التي تمسكها الموديل , أو الآلة الموسيقية التي تعزف عليها.. أو المنشفة التي تلف بها شعرها بعد خروجها من الحمام .. أو حتى نوع الجواد الذي تركبه .. ولا عجب فإحدى موديلاتي , وهي طالبة جامعية تدرس اللغة الألمانية , كانت شابة تهوى ركوب الخيل , أقترحت عليّ أن أرسمها وهي تمتطي فرسها الأبيض زعلى رأسها قبعة عريضة الحافات أشبه بالقبعة المكسيكية التي يسمونها عادة بـ (( الصمبريرو )) .
وكي أنمي ذائقة موديلاتي وأسهل عملية إقناعهن كنت أحتفظ , دائماً , بكراسات وكتب عديدة في مرسمي تضم صوراً ملونة وأخرى بالأبيض والأسود للوحات عراقية وعربية .. رسوم لفنانين من مصر ولبنان والعراق .. حافظ الدروبي , وجواد سليم , وفائق حسن , وعدلي رزق الله , وكذلك لوحات فنية من القرون الوسطى .. لوحات لدافنشي , ورفاييل , ومايكل انجلو , ورامبرانت , وفرمير , وفيلاسكيس , وجوشوا رينولدز , وكلود لورين وغيرهم.. ناهيك عن لوحات المعاصرين امثال غويا , وبيكاسو , وماتيس , وفان كوخ .. وكانت زائراتي الفضوليات , وفي ما بعد موديلاتي , يتصفحن بطبيعة الحال , تلك الكتب والكراريس ويتأملن أوضاع الجلوس والوقوف والاستلقاء ويقترحن أن أرسمهن في أوضاع رومانسية , حالمة , أمومية , أو وهن يطالعن كتاباً أو يحلبن بقرة .. بالطبع , لم يكن بمستطاعي أن آتي ببقرة الى محترفي , كنت أرسم البقرة من مخيلتي .. أما فراولين مها (وفراولين بالألمانية هي الآنسة – أعني الآنسة مها ) فقد فقد أضطررت الى الذهاب الى قصر والدها كي أرسمها في أصطبل الفرس الكائن في مؤخرة البيت , وعلى ضفة دجلة .. والآن اذكر ان احداهن ارادت ان ارسمها على غرار تلك السيدة في لوحة (( الغادة ذات الوشاح )) لرافاييل .. واخرى آثرت ان ارسمها واقفةً تضع يدها فوق بطنها , الكف اليسرى تستقر فوق اليمنى على غرار موناليزا دافينشي . واذا كان لابد لي ان اعترف فانني اقول انة تلك الفتاة كانت على غرار الجوكندا غامضة وهادئة .. ذات ملامح هادئة وانوثة مسالمة .. على انني احسد دافنشي الآن لاننا نادراً ما نعثر على سيدات يمتلكن صفات الجوكيندا ..
- هذا الفستان الأنيق .. يناسبك تماماً .. كما لو انه خيط لكِ وحدكِ .. رسمت بسمةً صغيرةً على شفتيها , وردت بفنج انثوي :
- حقاً ؟
شعت عيناها اللوزيتان ببريق أخاذ .. الا انني واصلت حديثي قائلاً بحزن :
- دائماً نصل متأخرين الى احلامنا .. ام ان احلامن هي التي تتأخر في مجيئها .. احلامنا تتعرض الى التهديد , والنسف , والاختطاف , والاجهاض .. وهي في طريقها الينا .. وغلباً تنحرف عن السكة وتذهب بعيداً عن وجهتها وغايتها .
أصغت اليّ بانتباه .. بدا على وجهها الرضا والإرتياح .. لاح على وجهها تعبير ينم عن فهمها لما قلت .. كان في كلماتي إيحاءات واضحة راقتها .. فأردفت بعد قليل وهي تشبك أصابع يديها , ولأول مرة أنتبه الى أضافرها المطلية بلون أحمر قان :
قبل أن تسألني ، إسمي فردوس .. زميلادي في الكلية يطلقن عليّ لقب غادة الفنانين .. رداً على كلامك , أقوا هذه المرة , جاء أليك الحلم , ماشياً على قدميه , ملففاً بمعطف جلد , قافزاً فوق العبوات الناسفة , دائراً حول الاسلاك الشائكة .. ومتجاوزاً الحواجز الكونكريتية ..
في زمن عسير كزمننا , يشق علينا أن نكبت عواطفنا .. ثمة طراز من البشر لا يستطيعون الانتظار .. أنا واحد من هؤلاء .. ثمة خيول شرسة لا يمكن لجمها .. هذه الخيول تجري في دمي .. بوسعكِ أن تشبهينها بخيول فائق حسن .. انها خيول قوية , جامحة , جميلة المنظر .. رشيقة القوام .. لا سبيل الى كبحها ..
أجلس يوماً أمام شلشة التلفاز وأشاهد الانفجارات والمآسي التي لحقت بالأبرياء فأسأل نفسي عن الاسباب , والدوافع , التي جرتنا الى هذا الحضيض .. أهو الأحتلال , أهي الظروف القاسية , الحرمانات , الحروب التي سبقت الاحتلال .. هل هل منحتنا قوات التحالف الحرية فعلاً . من الذي تمتع بالحرية .. أهو الشعب البريء , المظلوم , أم الأرهابيون القساة ؟ أحاول أن أفهم ما حدث لنا تماماً .. أستعيد في ذاكرتي كل ما قاله السياسيون الا أنني لا أصل الى قناعة كاملة .. بدأ الشك يطاردني أينما حللت .. الهواجس تنتابني ليل نهار .. غالباً أقضي الليل كله مفتوحة العينين .. ليس بسبب أصوات الانفجارات ودوي المدافع حسب , بل لأنني شديدة القلق على مستقبل بلادنا .. ما زال المشهد ضبابياً .. ومع هذا أنا أؤمن بأن حياتنا ما زالت جميلة .. وما زال هناك أناس طيبون .. وأعتقد أننا معشر النساء ما نزال قادرات على تفجير الأحاسيس الجميلة في بعض الرجال طبعاً .. لأن بعضهم حجر أصم لا سبيل إلى تفتيته ..
أعجبني كلامها .. كانت تتكلم كأي امرأة واعية ومثقفة .. ومع أنها كانت ما تزال صغيرة السن , نوعاً , الا انها كانت تتحلى بإدراك عميق , وفطنة عالية .. قلت آنفاً , انني لم أستطع ان أخفي إنبهاري .. لابد انها لاحظت ذلك على ملامح وجهي .. وحين شرعت تتحدث سعدتُ أكثر .. لأن الجميلات غالباً ما يكن ضيقات الأفق , أو على قدر قليل من الذكاء , أو حتى شاردات الذهن .. وعلى أية حال , غدوتُ مبتهجاً , متورد الوجنتين .. شعرت بالدفء والحميمية التي منحتها هذه المرأة الفاتنة للجو البائس الذي كنت أعيش في كنفه .. هو ذا أنا في مواجهة الغواية .. هو ذا أنا مجرداً من الاسلحة كلها .. لاثقافتي تفيدني , ولا موهبتي تسعفني , ولا وقاري يهب لنجدتي .. ولا حتى سنواتي الخمسين التي سلختها في سنوات ملؤها الحرمان .. وفضلاً عن كل الهزائم التي تعرضتُ لها هي ذي امرأة ساحرة الجمال أقبلت لتمتحن كائناً ضعيفاً مسخته الحروب , وشوهته الحرمانات , مسلوب الارادة ؛ أو لعلها أقبلت وفي نيتها أن توقعه في شباكها من أول لحظة .. وربما لتضيف هزيمةً جديدةً الى هزائمه الكثيرة .. أو تضيف جرحاً ناغراً آخر الى جروح فؤاده الكسير .. فؤاده المفجوع .. الذي يختزن بداخله المرارات كلها , والفواجع كلها .
قرأت يوماً أن النساء عموماً يفضلن الرجل الذي كانت في حياته امرأة أخرى .. أما هذه المرأة فربما اختارتني انا تحديداً بعد ان جمعت معلومات كافية عني .. وانا في رأيها , ربما واحد من المهزومين المدمنين , أو المزمنين .. قلتُ ( المدمنين ) لأن الهزائم غالباً ما تلازم المرء فلا يستطيع فكاكاً منها .. أي انه لا يستطيع أن يتخلى عنها .. فتتثبت به كالإخطبوط ..
كان جو المشغل الصغير رطباً وخانقاً فآثرت صاحبة الفستان الأسود أن تخلع منديل رأسها الحريري .. باللون ألفسقي .. بعد ان خلعت معطفها الجلد حال دخولها وعلقته على المشجب كما ذكرت في مستهل قصتنا هذه .. ولأول مرة شعرت أن القدر منَّ عليَّ بامرأةِ فريدة , استثنائية .. وبدت في فستانها الموسليني عديم الكمين آية في الجمال والأنوثة والرقة .. وأنا أزعم أن أي امرئ يملك موهبة الرسم لن يستطيع أن يقاوم غواية الألوان وهو يرى امرأة جاءت لتزيل الرماد من فوق جمرات روحه التي أوشكت على الانطفاء ..
- لا تتعجب من جرأتي .. لست زائرة فضولية جاءت لتتفرج على لوحاتك .. أنا امراة من عامة الناس , لكنني أتذوق الفن التشكيلي .. وأرتاد المعارض ومشاغل الرسامين ..
- اهلاً وسهلاً بكِ .. ومرحباً بجرأتكِ .. هل قلتِ ان أسمكِ فردوس .. نعم .. فردوس هو إسمكِ .. يبدو لي أنني رأيتكِ من قبل .. ربما التقيتك فعلاً في زمن مضى .. او لعلك عملتِ موديلاً لأحد زملائي ..
- لا .. لم ألتقِ بك من قبل .. لكنني شاهدت لوحاتك .. وبورتريهاتك .. عملتُ مدةً وجيزةً لأحد أصدقائك .. كان هو متزوجاً من سيدة نبيلة .. وبسبب كثرة زياراتي لمشغله أصبحت غيورة جداً وهددته بترك منزلها .. كنت اسمعها وهي تنعتني بصفات قبيحة .. بالمناسبة , كانت لا تفارق مشغله عندما يكون هو منشغلاً برسمي .. كانت تعتقد أنني سأسرق زوجها منها.. لم تكن تحبذ أن ينفرد زوجها بالموديل .. أي موديل .. هكذا أخبرني هو .. يومياً تأتينا بخاتون جديدة .. هكذا كانت تصف كل امرأة تأتي الى مشغله .. لم أشأ أن أقوض حياته الأسرية .. فآثرتُ الابتعاد عنه .. رسم لي خمس بورتريهات في اوضاع شتى .. احد البورتريهات كان قليل الاحتشام نوعاً .. فغضبت زوجته وكادت ان تتلف اللوحة .. قالت له : لا يجوز لك أن ترسمها هكذا .. حفاظاً على سمعة البنت وإحتراماً لمشاعري .. كانت تعتقد انه اطلع على مفاتني .. او أنه أختار أن يرسمني وأنا أقف أمام مرآة الزينة بقميص نوم شفاف يكشف جزاً من صدري وشيئاً من كتفي اليمنى .. لم تكن تعتقد ان بوسع الرسام أن يرسم من خياله .. من دون ان يعتمد على شكل الموديل .. في الاسبوع الذي أنجز فيه هذه اللوحة كانت زوجته تؤم مستشفى قريب لمعالجة مرفق ذراعها اليسرى .. كانت تشكو من المٍ مزمن فيه .. لهذا لم تكن حاضرةً خلال التوضع .. أنا لا ألومها بطبيعة الحال .. الانثى هي الانثى .. مع أن نوال السعداوي تقول ان الانثى هي الاصل .. لوكنت في مكانها لشعرت مثل ما شعرت به .. من مسؤولية الزوجة ان تحافظ على زوجها .. والا ( طفش ) معظم الازواج حالياً يتعرضون للغواية ..
سمعنا دوي انفجار قريب .. تلته ثلاث صليات من الرصاص .. انتفضت فردوس وتلفتت مذعورة .. اقتربت منها وطوقتها بذراعيّ .. لا مست أصابعي زندها الابيض العاري الذي يعلوه زغب اشقر ناعم .. وقلت لها مطمئناً :
- لا تخافي .. عزيزتي .. الانفجار بعيد .. الرصاص سرعان ما ينقطع .. من يعيش في بلادنا ينبغي له أن يعتاد كل شيء ..
كان وجهها قد أمفهر , غابت البسمة التي وسمته , وأمست شفتاها شاحبتين ولاح الخوف على ملامحها .. غير انها قالت متلعثمة وكانها ترد تهمةً – لـ .. لستُ خا .. خائفة .. انا جريئة .. الا ان جسدي يخذلني .. غا .. غالباً ما يكون الجسد ضعيفاً , هشاً .. اما الروح فتكون صلبة , قوية ..
الانفجار وأزيز الرصاص خطفانا من أفكارنا , وقطعا علينا حوارنا .. وضعت رأسها على صدري وداعبت خصلات شعرها الناعم الذي كان ما يزال ندياً ..
بعد قليل استعادت هدوءها ورباطة جأشها .. قومت جذعت وابتسمت بسمةً رقيقةً , شفافةً.. وكأنها تعتذر لي .
- انها مجازفة , لا ريب , أن آتي الى هنا .. لكنها مجازفة لابد منها . هل ينبغي لنا أن نبقى في منازلنا منتظرين ساعة موتنا .. يدخل علينا رجل بلثام أسود ويشهر سلاحه بوجهنا ويطلق علينا الرصاص من دون أن يسألنا عن هويتنا .. ومن دون أن نعرف لماذا سينقلنا الى عالم الاموات بمجرد ضغطة على الزناد .. قبل اسبوعين سمعت عن مقتل مذيعتين تعملان في محطة فضائية عراقية .. وقبل ثلاثة ايام اختطفوا مترجمة تعمل لصالح شركة اجنبية .. ما الذي فعلته هؤلاء النسوة كي يحل بهى هذا ؟ ما هو الجرم الذي اقترفته ؟ لا أحد يغفر لكَ إختلافكَ .. انهم يغفرون لك كل شيء الا اختلافك .. حريتي هي نوع من الاختلاف عن بنات جنسي .. لا أريد أن أبقى سجينة المطبخ الكثيب .. وفي المساء أتفرج على شاشة التلفاز وهي تعرض صور الجثث الممددة وسط برك الدم , وأنا في حالةٍ لم أعرفها منة قبل : مزيج من الحزن والذهول والذعر والغثيان ..
ضممتها بحنان الى صدري .. داعبت لحم ذراعها اليمنى .. مسدتُ شعيرات أنسدلت خلف أذنيها .. داعبت قرط اذنها اليمنى .. وسألتها عن الحجر الكريم الذي زينه .. كان من العقيق الاحمر .. أخبرتني انها اضاعت قرطين جميلين نفيسين في العام الماضي عندما شقت طريقها راكضة وسط الزحام على اثر انفجار سيارة مفخخة في سوق شعبي ..
قالت لي وكانها تعترف امام كاهن :
- أشعر بالمتعة وانت تضمني الى صدرك .. أنت لا تمنحني دفء رجولتك كي تعريني بعد قليل وتبدأ: في أشباع رغبتك .. أشعر , الآن , أنك عوضتني عن حنان رجال كثيرين كانوا ينظرون الى جسدي بطمع واشتهاء .. هذه أول مرة أشعر بمعنى السكينة .. وكأنني طفلة رضيعة اعادوها الى حضن امها .. اسمح لي ان اكون طفلتك , وامنحني فرصةً كافيةً كي اشعر بدفء رجولتك ..
- فردوس , اشعر أنكِ تفهمينني جيداً .. مع اننا لم نتحاور كثيراً .. الا انني احس انه لا بد للرسام ان يقيم علاقةً وديةً مع موديله قبل ان يرسمها .. ليس بالضرورة ان يشبعها تقبيلاً وعناقاً .. الشيء المهم ان يستبطن احاسيسها , ويفهم ماساتها , حزنها .. يشاركها فرحاً , زهدها , يأسها , خيبتها , أسرارها الدفينة .. يداوي جراحها .. لا بد للرسام وموديله ان يكونا توأماً .. ان يكونا صندين .. أن يفهما أحدهما الآخر .. أن يتقاسما الطمأنينة والسلام الداخلي وراحة البال .. أن يتجاورا من دون كلام .. أن تكون لهما قضية مشتركة .. ثمة موديلات يجلسن قبالتي لا يبالين بالرسم على الاطلاق .. لا ينظرن الى اللوحة , أو البورتريه , ولا يبدين رأيهن في الألوان والخطوط .. انهن يتطلعن فقط البى ساعة الحائط .. ويتأملن حركة عقاربها .. وحين ينتهي الوقت البمحدد للرسم يطالبن بالأجر .. فيعدلن ثيابهن ويسدين شعرهن وينصرفن . أنا لا أكشف لكي سراً اذا ما قلت لكِ كنت ارسم موحسات ( الميدان ) في سبعينيات القرن الماضي .. آنذاك كنت أستأجر غرفةً حقيرتاً في زقان من ازقة ( الحيدر خانة ) .. أنتِ تعرفين , بالطبع , انه يصعب على رسامٍ شابٍ مثلي أن يستبقي بائعة هوى ساعات طوال كي يرسمها .. بائعات الهوى , كما تعرفين , غير صبورات .. وغالباً سليطات اللسان .. وتتخلل أحاديثهن كلمات فاحشة .. لكن حدث أن استبقيت احداهن .. كانت شابة في العشرين .. سمراء ذات غمازتين في الخدين وضفيرة احادية .. كانت ضحكتها اجمل ضحكة سمعتها في حياتي كلها.. يبدو انها كانت حديثة العهد في مهنتها تلك .. الا انني استطعت ان اقنعها ان تتوضع لي نحو تسع ساعات .. ثلاث ساعات يومياً .. كنت آخذها الى سطح المنزل القديم ذي الشناشيل .. وأجلسها على كرسي خشب عتيق اشبه بكرسي فان كوخ .. وابدأ بالرسم .. كان الطقس معتدلاً.. أواخر آذار ( مارس ) أو مطلع نيسان ( أبريل ) , اذا لم تخني الذاكرة .. هذه الموس الشابة أسديتُ لها معروفاً .. وأنتشلها من الحضيض الذي انحدرت اليه .. تركت مهنتها الحقيرة.. وجعلتها تقتنع بالمجيء الى أكاديميتنا .. كي تتوضع أمام طلبة الرسم .. زملائي في المرحلة الاولى والثانية .. وهكذا واضبت على المجيء الى أكاديميتنا .. وكان الطلبة يرسمون الموس الشابة ذات الضحكة الرائقة كخرير جدول .. لم
هناك 4 تعليقات:
فين باقي القصة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فين الباقي؟
where the rest of the story?
القصة منشورة على خمسة اجزاء ابحثي في المدونة لتعثري على الباقي
إرسال تعليق