مقطع مستل
لشبيه همنجواي الحلي
مقطع مستل
من سيرة شبيه همنجواي الحلي
كتابة احمد الحلي
طبعة أولى
2009
المركز الثقافي للطباعة والنشر
The Cultural Center for Printing and Publishing C.C.P.P
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حلة/شارع الإمام علي (ع) /عمارة علي ط2
Mob: 07801168410
Mob: 07707179956
E-mail:w_alsawaf@yahoo.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقوق الطباعة والنشر محفوظة للمؤلف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التنضيد الالكتروني والإخراج الفني : نبيل الحسيني
تصميم الغلاف : المركز الثقافي للطباعة والنشر
إشـــــــــــــراف : ولاء الصواف
نجمة في راحة اليد
يعد الأدب الشفهي المكتوب احد أهم مصادر المعرفة الإنسانية ، وتاريخ البشرية حافل وزاخر بالمنجزات على هذا الصعيد ، منذ الفيلسوف الإغريقي سقراط الذي لم يدون شيئاً من أفكاره وفلسفته ، والذي اضطلع بذلك هو تلميذه ومريده أفلاطون ، مروراً بالحكيم الصيني كونفشيوس، ووصولا الى العديد من الأسماء التي خلدها التاريخ وأصبحت نجوماً لامعة في سفر الإنسانية الخالد .
وفي عصرنا الراهن ، وجدنا كيف ان عدداً من الروائيين والكتّاب يستمدون رؤاهم من شخصيات لها وجودها على ارض الواقع ، فيعكسون أفكارها ورؤاها ويقدمونها طازجة الى قرائهم ، ولعل ابرز مثال على ذلك ما فعله الروائي اليوناني الشهير نيكوس كازانزاكي في روايته ( زوربا اليوناني ) .
الذي نريد ان نقوله هنا ، ان مثل هذه الشخصيات موجودة دوماً وفي أيما مكان ، إنها موجودة وحاضرة حوالينا وبيننا ، وان كل الذي يتوجب علينا ان نفعله هو ان نكسر ولو جزئياً من حدة الهالة الأرجوانية التي نحوط بها أنفسنا ، وان نتقرب بما يكفي من هذه الشخصيات ، ننفض عنها الغبار الذي علق بها بمرور الزمن ونحاورها ونستنطقها بحنو وصبر حتى نصل الى العمق المطلوب من القاع الذي سيمنحنا بالتالي ماساته الأثيرة ، واحسب ان صديقي صباح شكر محمود أو ( أبا رياض ) بطل هذا النص هو واحد من هؤلاء الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن دون ان يكلف احدٌ نفسه عناء الالتفات الى هذه الخامة الظاهرة للعيان أو المنجم القابل للعطاء .
إنها دعوة إذن ، الى ان يقوم الأدباء والكتّاب بحملة استقصاء وتنقيب ، ليس في أمكنة الآثار القديمة لعلهم يعثرون على لقية أو كسرة حجر أو رقيم يتضمن كتابات مسمارية ، وإنما بين الناس الأحياء أو الذي انطوت صفحة حياتهم منذ عهدٍ قريب ممن تحمل تجاربهم الحياتية وذواتهم معاني وآفاق تستحق ان تدوّن وتقدم الى القراء الذين هم في نهم الى قراءة هكذا مدونات تنطلق من الواقع وان رفرفت بأجنحة الخيال في بعض الأحيان .
احمد الحلي
ahmad_alhaaly@yahoo.com
الاحتفاء بـ (همنجواي الحلي ) *
علي الاسكندري
لا تقتصر الحفاوة على إقامة الندوات البروتوكولية التي تزخر بالثناء والشهادات والمديح لشخص المحتفى به بل إنني أرى إن الخروج من هذا النفق التقليدي الذي تتلاشى اثاره وفعله الإعلاني والإعلامي بمجرد أن تنتهي جلسة الاحتفال والاحتفاء إلى فضاء الكتابة والتحليل والمداولة ومن ثم النشر في وسائل الإعلام الثقافية إجراء يخلف أثرا تدوينيا يمكن أن يولد إضافة وتراكما كميا ونوعيا إلى المعرفة والثقافة والأدب ، ذلك لان تلك الوسيلة الثانية تـُـعــد ُّ الأكثر نفعا لكونها الأسهل للأرشفة والحفظ من الطريقة الأولى .. فقد يتيسر للبعض من الأدباء في الساحة الثقافية أن ينتشروا ويصبحوا وجوها تلفزيونية أو نجوما محلية على الأقل يتمتعوا برذاذ الكاريزما ولمعان الفضائيات والصحف التي تحولت إلى منابر سهلة المنال لقربهم من تلك المنابع الإعلامية أولا ولكثرتها ثانيا رغم حداثة عهدهم وتواضع منجزهم الإبداعي ،وربما مر وقت طويل ولم يشعر المتلقي بوجود تجارب لها أهميتها وحجمها وهي الأكثر أهمية من سابقاتها لكنها بعيدة عن اذرع الإعلام وربما كان لعامل الجغرافيا واحد من تلك الأسباب ونرى في الكتاب الصادر من المركز الثقافي للطباعة والنشر في بابل في نهاية 2009(( مقطع مستل من سيرة شبيه همنجواي الحلي )) لمؤلفيه الشاعرين احمد الحلي وصباح شكر محمود مثالا يكتسب أهمية واضحة لما ينطوي عليه من تجربة إنسانية تتوفر على الجمال والنفع والمتعة واحسب إن تلك العناصر الثلاث إذا ما اجتمعت في إي عمل أدبي أو إبداعي فإنها سوف تضعه موضع اهتمام المتلقي وحفاوته وباعتقادي أن الكتاب الذي اشرتُ إليه ربما حمل إلى المتلقي من جانب أخر رسالة مفادها انتشار حرية النشر والممارسات الثقافية التي لم تعد تأبه لسلطة الرقيب وأوامر المركز وحسابات المؤسسة المهيمنة التي كانت تمارس دوري الأب والراعي لكل شاردة وواردة وان كانت تلك الممارسات تصل في بعض الأحايين إلى درجة الانفلات في أنحاء البلاد ، وبالعودة إلى الكتاب موضوع المداخلة فإننا نجد بين شاطئيه وفرة الفائدة التي تضمنتها سرود الشاعر احمد الحلي الذي قدّم للكتاب ودوّن سيرة الشاعر الشفاهية كما نوّه في مقدمته ونستطيع أن نتلمس في تلافيف هذا الجزء الذي شغل نصف الكتاب الأول والذي يمكن أن نطلق عليه شعرية السيرة والمفارقة والمواقف الإنسانية التي حفلت بها حياة شاعر وفنان امتدت منذ بدايات الأربعينات في القرن الماضي ولغاية الآن ولايقتصر الأمر على الفائدة لوحدها بل إننا سوف نحصد الكثير من المتع والطرائف من خلال شخصية ( همنجواي الحلي ) تلك الشخصية الواقعية الحلية الرائعة التي تعلقت بالفنون والآداب والشعر الذي كان على رأس قائمة تلك الفنون ، إنها شخصية الشاعر صباح شكر محمود والذي يعرفه الوسط الحلي عموما بابي رياض للعلامة الفارقة التي ميزته في ذلك المحيط ألا وهي لحيته البيضاء التي أطلقها تيمنا وتشبـّها بالروائي الأمريكي ارنست همنغواي ، ونرى إن الكتاب الذي لم تتجاوز عدد صفحاته ثمانين صفحة والذي ينقسم إلى قسمين كما ذكرنا إضافة إلى انه يحمل عتبتين للعنونة ، الأولى المذكورة في مكان سابق من هذه القراءة والتي تخص لمحات من حياة الشاعر شبيه همنجواي والثانية العتبة التي تتوسط الكتاب وتتقدم النصوص الشعرية ( أحلام صياد ) والتي كتبها صباح شكر محمود ، نرى إن مدونة كهذه قد يسرت باحة من الاسترخاء والتجربة التي اعتمدت على المنابع الفطرية التي لم تخضع لمهيمنات الشروط الأكاديمية وقيود المدارس والضوابط المحسوبة على أجناس الكتابة وربما كانت جماليات السرد الذي يهتم بآداب السيرة قد امتصت الكثير من الاحتقان والتشنج الذي يتسرب إلى دواخل المتلقي إزاء السيــّر المروية والمكتوبة بتعالٍ وفوقية والذي حققه احمد الحلي في تدوينه لمواقف وطرائف السنوات السبعين التي عاشها المبدع صباح شكر محمود بدء من ولادته في الكرادة الشرقية ببغداد عام 1941 مرورا بميله إلى الموسيقى والشعر والرياضة ونزوحه إلى مدينة الحلة في أيام الصبا والشباب كدريئة وتقيــّـةٍ من بطش الآخر المتغابي والناقم لأسباب متعددة ومن ثم عمله لاحقا سائقا في مصلحة نقل الركاب في الحلة وبأسلوب مبسط وتلقائي ، وحين نتعرض للنصوص التي كتبها صباح شكر في الجزء الثاني من هذا الكتاب تحت عنونة ( أحلام صياد ) فسوف نجد نصوصا خالية من الانزياحات والمجازات إلى حد كبير لكنها تحقق شعريتها بصدق ودهشة واستفزاز من خلال المفارقة والمغالاة والمواقف الشاجبة والرافضة لامتهان الإنسان وانتهاك إنسانيته وحقوقه أينما كان فهي نصوص موقف قبل كل شئ بعيدا عن قوالب الشعر وتقنياته وبحوره وشروطه اللاحقة .. هي نصوص ملتصقة بالحياة رغم الإجراءات والتغيرات والدراسات التي أُخضع لها الشعر وتحولاته واجبر على أن يكون فنا مصنوعا أو مصنعا على طرق الحداثة أو كائنا من ضمن فنون الحاضنة التي تنتمي إلى هندسة اللغة والمعمار الصارم .. و لنذهب إلى نص المشانق ص64 (( إنها تعشق الرقاب الضعيفة .. وتمقت الرقاب الغليظة ..هل للفجر رائحة الحياة ..؟ لماذا إذن تـُـنــَـفـَـذ ُفي ساعاتهِ أحكام الموت ..؟ بعد ملامسةٍ قصيرةٍ تــَـلـدُ المشنقة ُرقبة طويلة .. ! مـم َّ تـُــصـْــنـع المشانق ...؟ من خشب الصاج أو الزان .. ..؟ ليس الأمر بذي أهمية .. الأهم أنها تقوى على حمل الجسد .. عند ولادته قطعوا حبله السري .. وعند بلوغه أعادوا له الحبل بصيغة أخرى )) إن الفطرة التي جعلت من محمد الماغوط نجما شعريا كبيرا في فضاء الشعرية العربية ومعها ظروف وعوامل أخرى ساهمت في تألق هذا الشاعر الكبير ربما لم يحظ بها صباح شكر محمود ورهط كبير من هولاء المبدعين الذين ينتمون بقوة الحياة إلى منابع الفن وروافده الخلاقة فبقوا تحت دثار السنوات العجاف بانتظار سراج يشع على سنواتهم المهدورة
_________________________________
* نشرت المقالة في جريدة الاتحاد بتأريخ 15 /2/ 2010
مقتربات أولى
تعرف مدينة الحلة ، وعلى الأقل الوسط الثقافي ومرتادو المقاهي (أبا رياض) جيداً ، بوصفه سميا وشبيها لارنست همنجواي ، ذلك الروائي الشهير ، صاحب المغامرات التي لايجرؤ أديبٌ على الخوض فيها ، كما انه صاحب الروايات التي شكلت منعطفاً في الأدب الانكليزي والعالمي ولاسيما لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
(أبو رياض) واسمه الكامل كما هو مدون في بطاقة أحواله المدنية ؛ صباح شكر محمود ، وتشير البطاقة أيضاً إلى انه مولود في مدينة بغداد عام 1941 بمنطقة الكرادة الشرقية ، أحس منذ نعومة أظفاره بان لديه ميلا فطرياً نحو الفنون والموسيقى التي جرفته باتجاه عوالمها الخلابة ،
وبدأت تباشير الرحلة الثقافية لديه مع كتاب ( ألف ليلة وليلة ) بطبعته المصرية المذهبة المتكونة من مجلدين كبيرين ، ثم وبفضل أساتذته في المدرسة المتوسطة يتعرف على الروايات العالمية المترجمة ليقرأ بشغف كل ما كان يقع في يده منها ،
شكلت الموسيقى ، كما قلنا هاجساً للفتى الصغير الحالم ، فحاولت أصابع خياله ، أن تتلمس سحرها، وتقف عند منابعها ، فشرع هو وابن عمته (سعيد) بادخار (اليومية) التي يحصلان عليها من أبويهما، وبالتالي اشتريا آلة العود الخاصة بالملحن محمد نوشي الذي كان يعمل خياطاً بالقرب من منزلهما ، غير أن نشوة الفتى بامتلاك العود العائد إلى محمد نوشي سرعان ما تبددت وتلاشت أمام هجمة الأب الشرسة محطماً الباب الذي كانا يتواريان خلفه هو وابن عمته ليتدربا على العزف، وليحطم بالتالي العود على رأسيهما ، وقد بكيا بحرقة وألم ، كما يذكر (أبو رياض) ، ليس لآلام الضرب المبرحة التي عانياها وإنما لأنهما وجدا عودهما الأثير محطماً وأوتاره مقطعة بغير رحمة ..
إلا انهما ، الفتى وابن عمته ، قررا مواصلة السير على هذا الطريق الوعر الذي سلكته قبلهما أجيال وأجيال من المبدعين الذين لم تنثني همتهم أمام عواصف الجهل والتخلف التي تحكم مجتمعنا، يتذكر أبو رياض ، كيف ان جذوة الأمل قد تم إحياؤها في نفسه من جديد على يد الفنان القدير منير بشير وأخيه الموسيقار جميل بشير ، لاسيما بعد ان تعرفا على المخاض المؤلم الذي مر به ، فرحبا به في معهد الفنون الجميلة الأهلي الذي كانا يديرانه أبان فترة الخمسينيات ، غير ان الفتى ما لبث ان ترك الدراسة في المعهد لسوء الأوضاع الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلته واستيقظ في نفسه إحساس آخر بالانتماء إلى الأدب والشعر بصفة خاصة ، وقد تفتحت هذه الجذوة لديه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، مع انه ظل محتفظاً ومتوائما مع خطه السياسي حيث قدم من كلماته وألحانه وأدائه وباللغة الدارجة أغنية ( يا مصر يا أهرام بابل بتقولك حرام ) وكانت موجهة آنذاك ضد زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل ، وتمت إذاعة هذه الأغنية عبر إذاعة ( صوت مصر ) التي كانت تبث برامجها من بغداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق