شيء عن الحلة وهروب جسرها
حامد كعيد الجبوري
وعينا على مدينة الحلة وهي عبارة عن عشرة (أطراف) ، سبعة منها تقع على الجانب الأيمن لنهر الحلة للقادم من بغداد ويسمى (الصوب الكبير) وهي (الجامعين ، الطاك ، جبران ، الجباويين ، التعيس ، الكراد ، المهديه)، وثلاثة في الجانب الذي يسمى (الصوب الصغير) ، ويقع يساراً للقادم من بغداد أيضاً وهي (الوردية ، الكلج ، كريطعه) ، وشط الحلةالمتفرع من نهر الفرات يقسمها لنصفين كما أسلفنا، وهناك أكثر من رأي قيل بسبب تسمية (الحلة) ، منهم من قال أنها سميت الحلة لحلول أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب ع فيها وهو عائد من واقعة النهروان ، ومنهم من أثبت تسميتها لحلول آل مزيد فيها كما يقول الباحث الشيخ يوسف كركوش رحمه الله في كتابه تاريخ الحلة، ويدعم هذا الراي الدكتور جواد أحمد علوش في كتابه (صفي الدين الحلي) ، وأول من مصر الحلة كما يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان الأمير سيف الدولة صدقة بن مزيد الأسدي سنة 495 هجرية ، ويقول ياقوت الحموي عن الحلة (هي أجُمة – غابة كثيفة – تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى فيها المساكن الجميلة والدور الفاخرة ) ، وقال عنها أبن بطوطة برحلته (مدينة كبيرة مستطيلة مع الفرات وهو شرقها ، ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات ، وهي كثيرة العمارة ، وحدائق النخيل منتظمة بها داخلاً وخارجاً ودورها بين الحدائق) ، ومن الطريف ذكره أن نهر الحلة المتشعب من الفرات الأم متعرج قبل وبعد دخوله لمدينة الحلة بمعنى أن المدينة أخذت شكل ذلك المجرى للنهر ، والطرافة التي أتحدث عنها أن منطقة تقع بشمال الحلة – المدينة - تسمى (الخصروية) وسبب تسميتها لكون نهر الحلة له أنحناءة تشبه الخاصرة لذا سميت (الخصروية) ، ويذكر أن الطاغية المقبور سأل عن أسم هذه المنطقة الجميلة فقيل له أسمها (الخصروية) ولم تعجبه التسمية لظنه الواهم أن التسمية غير عربية فأطلق عليها أسم (القادسية) .
في الثلاثينات من القرن المنصرم يربط جانبي الحلة بواسطة جسر عائم يقع منتصف مدينة الحلة ، وكان عائماً لأسباب شتى أولها أن الدولة ليس لها الأمكانيات المتاحة لبناء الجسور أولاً ، وثانياً أن نهر الحلة يستخدم كمسلك مائي يربط شمال الوطن بجنوبه ، وبموجب هذا وذاك أنشأ هذا الجسر العائم على مجموعة من المجنبات المائية (الدوب) المشدودة بحبال كتانية مصنوعة من مادة (الجنب) النباتية ، أضافة لسلاسل حديدية لربط الجسر العائم الى ضفاف النهر ، وهناك مجموعة كبيرة من العمال واجبها سحب هذه المجنبات العائمة للسماح بمرور السفن الشراعية المسحوبة من قبل رجال أشدا ء رأيتهم وأنا طفل لم أدخل المدرسة بعد وذلك بداية الخمسينات من القرن المنصرم ،والسفن تنقل المنتجات الصناعية والزراعية من شمال العراق لوسطه وجنوبه وبالعكس ، في أحايين كثيرة تحدثنا بها أمهاتنا وأباؤنا أن جسر الحلة قطع سلاسله الحديدية وحباله بسبب الأمواج القوية التي أحدثتها رياح شتائية عاتية فجرف التيار الجسر معه ، فيهرع أبناء الحلة ممن تعطلت أعمالهم بسبب أنقطاع السبل بهم للحاق بجسرهم الفار ، وكثيراً ما يعثروا عليه بعد قطع مسافة ميل أو ميلين ويجلبونه معهم مكتوفاً ومسحوباً بحباله وسلاسله تتقدمهم فرق شعبية تقرع الطبول والدفوف بأغاني حاولت جاهداً الحصول عليها فلم أفلح ، وقد أرشف هذه الصورة الجميلة شاعر الحلة الكبير موفق محمد فيقول
مكتئباً أسيان
شاخ على مهل جسر الحلة
طالت لحيته وأبيضت
فتعلق فيها الصبيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق