وهو يستعد لإقامة معرضه السادس التشكيلي جميل الكبيسي :
أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة
حاوره : احمد الحلي
استطاع الفنان جميل الكبيسي أن يؤسس له حضوراً فاعلاً ضمن خارطة المشهد التشكيلي في مدينته الحلة مثلما هو دائب البحث عن مضامين جديدة في أفق الفن التشكيلي . ولد الفنان في مدينة الحلة في العام 1947 ، أقام معرضه الشخصي الأول على قاعة اتحاد أدباء بابل 1996 ، وأردفه بمعرضه الثاني على قاعة نقابة الفنانين ، ثم توالت المعارض الأخرى وكان آخرها المعرض الذي أقامه على قاعة جمعية الرواد التشكيليين في العام 2005 ، وللفنان الكبيسي اهتمام في مجال التنظير الثقافي والمعرفي حيث أنه يعد من الأقطاب الفكرية والثقافية المهمة في مدينة الحلة ، ومعرضه الأخير الذي يزمع إقامته على إحدى القاعات في مدينته مكرس تماماً لثيمة البورتريت أي الوجوه ، وهو في هذا المعرض منحاز تماماً إلى رسم الوجوه الشعبية العادية جنباً إلى جنب مع بورتريتات لأدباء وفنانين كبار .
في أحد الأمكنة في مدينة الحلة التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار :
بدءاً استطيع القول أن الفن شكل من أشكال النشاط العملي للإنسان ، ولابد أن يستجيب هذا النشاط لحاجات الناس المادية والروحية ، كما لابد أن يتأثر بحركة المجتمع ليعبر عن طموحاته في العمل والحياة وبناء المستقبل ، كما ينبغي أن نعي حصول تحولات جذرية في مجرى حياتنا ، إضافة إلى أن مشكلات العصر وتحولاته أفرزت معايير جديدة وإمكانيات مادية وعلمية في تلبية طموحات الناس وسد حاجاتهم ، إذن يتحتم على الفنان أن يقرأ الواقع قراءة جديدة ويستفيد من هذه المعطيات ، وأن يأخذ بنظر الاعتبار أن المشاهد حين يقف أمام نص بصري يريد أولاً أن يضيف إلى ذائقته شيئاً ، والفن التشكيلي قادر على أن يلعب دوراً حيوياً في إيصال رسائله الجمالية والتعبيرية لكل الناس لاسيما أن الفنان العراقي منذ زمنٍ أخذ ينحو باتجاه تعدد الرؤى وتعدد التجارب ، وقد تأثر الفنان العراقي في بداية مشواره بالتجارب العالمية وأخذ الكثير منها في مساراته الفنية ، ولذلك نجد أن المنجز التشكيلي العراقي خليط من الحداثة ومن التجريب وبعضه واقعي ويومي ومعاش يعكس تجارب من مناخاتنا وبيئتنا المحلية ، إذن فالتأثير لابد أن يحصل لا محالة بفعل سعة النوافذ المطلة على الغير لمنح فنوننا بعداً حضارياً وتفاعلياً ، أما التزمت برؤيا واحدة فذلك يعني الجمود والسكون وهو لا يضيف للعملية الإبداعية شيئاً جديداً ، فالإبداع يولد كالشرارة بالتصادم والاحتكاك وينتقل إلى كافة الجهات ليُحيل الواقع إلى ما هو أجمل وأفضل .
* أيهما أكثر أهمية لديك ، الموضوع أم الشكل أم اللون ؟
* ما هو سر اهتمامك بالموروث الشعبي والحياة اليومية العادية ؟
إن كل شعوب الأرض لها موروثها الشعبي الخاص الذي تستند إليه الرؤيا والتفسير في شؤون الحياة والموت ، وهي تشكل طقوسها في التعبير عن أفراحها وأحزانها ، فرؤية الناس هنا لا تشذ عن هذه القاعدة ، وفي بلدنا موروث شعبي هائل يمنك أن نعده أساساً في بناء تصوراتنا عن الواقع وعن المستقبل ، بالإضافة إلى أن الفنان مخلوق مرهف الحس وله مجساته الخاصة لالتقاط ما هو مؤثر وفعال من مناخاتنا الروحية والبيئية وغالباً ما تتحول لديه تلك المؤثرات إلى عطاء ثر فيه شيء من نكهة الماضي وصورة المستقبل ، لذا أجد أن الموروث الشعبي في كل مكان هو الأرضية المناسبة التي تستند عليها تصورات الناس في تكييف الحياة بما يفتح أفقاً جديداً .
* من المعلوم أنك تستفيد بلوحاتك من الإرث الرافديني القديم ، كيف استطعت أن
توظف ذلك حداثوياً ؟
الفنان كالبحر ، هائج ومتقلب بأمواجه ورياحه ، وهو لا يقيم علاقة أبدية مع الأشياء وأجد أنه مهما توسعت مخيلته في البحث عن الجديد ، فهو لا يمكن أن يغادر بيئته وإرثه العميق .. لابد له أن يتكئ على ما خلفه الأسلاف ويتمثل ما تركوه ، وإلا وجد نفسه أمام حالة من الجدب أو في صحراء تخلو من أي شيء يستعين به ، والفن منذ القدم هو سلسلة من التراكم البصري لا يلغي آخره أوله ولابد للفنان أن يستفيد من الطاقات الهائلة في الفن القديم ، وبنفس الوقت عليه أن يُدرك أن لكل عصرٍ فنونه الخاصة التي تعبر عن حاجاته المادية والروحية ، بمعنى آخر ، يجب أن تخضع اللوحة لمعايير زمانها ومكانها وإلا أصبحت الفنون استنساخاً فجاً مكرراً لا معنى له .
* ما هو موقفك من النقد ، وما يقال في مجال الفن ؟
للأسف إن بعض الآراء النقدية عبارة عن زيف ومجاملة ، فهي غالباً ما تنشر كلاماً لا يتناسب مع حجم الموهبة وحجم العطاء ، وفي أحيان كثيرة تلهث وراء تجارب لكبار الفنانين بغية تكريس شهرتها دون أن تلفت لرعاية البراعم المتفتحة الموهوبة لتزيدها مواصلة وعطاءً ، وارى أن على الناقد أن يكون متوازناً في عمليته النقدية وأن يغادر المجاملة ، وأن يتبنى أحكاماً صريحة وجريئة تزيد من وضوح الرؤيا وتسلط الضوء على نتائج العملية الإبداعية برمتها .
* ما هي مشاريعك الفنية في الوقت الحاضر ؟
أنجزت مجموعة أعمال وجوه ( بورتريه ) لشخصيات وطنية وعالمية من رجال الفكر والأدب والسياسة ، وبعضها وجوه شعبية من وسط الناس ... نفذت بالألوان المائية ، وأنا أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة تحكي كل شيء عن ملامح الزمن وقسوة أحداثه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق