الأحد، 25 يوليو 2010

اللغة السومرية-كتابة د.زهير صاحب-عن موقع كتابات-تخطيط د.غالب المسعودي


- د. زهير صاحب

ليست اللغة السومرية من عائلة اللغات السامية، ولا من عائلة اللغات الهندو –أوربية. فقد وصفها المرحوم الأستاذ (طه باقر): "بأنها من نوع اللغات المعروفة باللغات الملصقة، فمن مظاهر الألصاق في اللغة السومرية، أنها تجمع أو تركب الجمل الفعلية بطريقة إلصاق الضمائر والأدوات الدالة على الزمن إلى جذر الفعل في الجمل اللغوية، فتصبح الجملة الفعلية وكأنها كلمة مركبة واحدة. كما إنها تلصق الأدوات النحوية مثل الأدوات المعبرة عن الأضافة والجر والجمع والفاعلية إلى أواخر الأسماء، مع إجراء التغيرات الصوتية من دمج وإسقاط لبعض الحروف" (طه باقر، 1973، ص59).

والغالبية العظمى من مفردات اللغة السومرية قوامها مقطع واحد، مثل "لو" (Lu) رجل، و "كال" (Gal) عظيم، و "كا" (Ka) فم، و "شو" (Shu) يد، و "كي" (Ki) أرض، و "آن" (An) سماء، و "إي" (e) بيت، و"دو" (Du) شَيَدَ، و "تُم" (Tum) رفعَ ... الخ.

وتؤَلَف بطريق الألصاق مفردات مركبة كثيرة أخرى مثل "لوكال" (Lugal) أي الملك، و "آن- كي" (An- Ki) الكون أي السماء والأرض، و "إي – كال" (gal – e) القصر، و "دب – سار" (Dub – Sar) الكاتب. الى غير ذلك من الكلمات الكثيرة.

وكان للغة في الفكر السومري قوة سحرية أوجدها الأنسان للسيطرة على عالمهِ حسب ما أوحى إليه منطقه الأسطوري. فكان ذلك المنطق الأسطوري (فكراً) حققه الشعب السومري بفاعلية الممارسات السحرية، التي تتفعّل بقوة (الكلمة)، "وكأن تأثير قوة الكلمة قد فاق تأثير التصوير والتشكيل والتمثيل" (تليمة، 1979، ص42). فاحتلت الكلمة في تلك الممارسات والطقوس دوراً مهماً بوصفها قوة مؤثرة في التعامل مع القوى الماورائية، ففعَّل السومريون حيوية الكلمة بالتوجه الى الماورائيات بالضراعة والرجاء وبالأمر والنداء.

ولتوضيح أهمية الكلمة في الشعائر والطقوس الدينية نقول: أن أحد المواطنين المصريين القدماء إشتكى إلى أحد الكهنة من جسامة القرابين المقدمة في الفعاليات الجنائزية المتصلة بعالم ما بعد الموت، فأجابه الكاهن: من الآن فصاعداً عليكم أن ترسموا أشكال القرابين على جدران المقابر بدلاً من جلبها، فالصورة هنا تمتلك فاعلية سحرية تجعل منها بديلاً للأشياء الحقيقية التي تمثلها. وبعد فترة من الزمن أوضح مواطن آخر لسيدهِ الكاهن، من أن الرسامين يطلبون المزيد من الأموال، بغية رسم صور الأشياء التي أوصى بها. فكان جواب الكاهن هذه المرة: عليكم الآن أن تتفوهوا بكلمات تدلّل على تلك الأشياء فتكون موجودة. أليس فعل الكلمة يتمثل بفاعلية في أحد إتجاهات ما بعد الحداثة المعروف باسم (الفن لغة)، فقد أبدع أحد فناني هذا الأسلوب تشكيله الفني، حين وقف في وسط قاعة العرض، وصاح بأعلى صوتهِ "أطلقوا النار على شلالات نياكارا"، وربما تحقق ذلك في ذهنية المتلقين من نموذج النخبة السعيدة. أما خارج القاعة فإِن ذلك مجرد هراء وشعوذة.

ورغم البعد التاريخي للسومريين ولغتهم الجميلة عَنّا، إلا أنه ليس من دواعي العجب، أن نعرف أننا ما زلنا نتفّوه يومياً بكلمات ذات أصول سومرية مثل: أكو – ماكو، بارية، بستوكة، تالة، تبلية، جمّار، دبس، إقليم، أرجوان، إسفين، ثوم، جير، خَردل، حنطة، رمان، زعتر، دلو، سوسن، شريان، عدن، عرش، قانون، كتان، نفط، مشط، بخار، والقائمة طويلة.

* أستاذ مادة تاريخ الفن

كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد

ليست هناك تعليقات: