الجمعة، 2 يوليو 2010

وجه غابت عنه الشمس-قصة قصيرة-بقلم ايمان اكرم البياتي-تخطيطات د غالب المسعودي



وجهٌ غابتْ عنه الشمس




قصة قصيرة
تدورُ حولَ نفسها شاردةً مذعورة، لا تبصرُ عيناها الخائفتانِ سوى فضاءٍ عميقٍ خانقٍ مقيت السواد تجهلُ أطوالَ مخالبه المظلمة، تنتشرُ فيه وجوهٌ كثيرةٌ تستعرضُ نفسها في صفوفٍ منتظمةٍ تترتبُ حولها هنا وهنا و هنا وهناك، تُفزعها تلكَ الوجوهُ فهي طافية بلا أجساد وكأنها أقنعة مفرّغة.
تدورُ مجدداً بذعرٍ أقوى من الأول محاولة إيجاد ثغرة لتتلاشى من خلالها لكنها تجدُ أن الوجوهَ اللعينة حولها دائماً تحيطها كسورٍ شائك!.
بعد حين تشرعُ الوجوهُ الغريبة جميعها بالحركة في الآن ذاته، تقتربُ صوبها بهدوء، تكشّرُ بعضها وتظهرُ أنياباً معقوفة كتلكَ التي تملأ أفواه الوحوش الكاسرة وأخرى تخرجُ من بين شفتيها المنتفختين المزريتين ضحكاتً هستيرية مجلجلة كتلكَ التي تصدرها أفعى الأجراس إن استفزتها حركة، وتحملُ وجوهاً ثالثة أعيناً جائعةً شرهة تحدّقُ فيها بدموية.
تستديرُ محاولةً إيجاد ملجأ أو مهرب، لكنها لا تجدُ ما تبحثُ عنه وبدلاً عن ذلكَ تبصرُ وجوهً أخرى وهذه المرة وجوه زرقاء تمزقُ فيها عظامُ الفكين الجلد وتنسلخُ بأسنانٍ بشعة صفراء تثيرُ الاشمئزاز.
من اليمين يقتربُ منها وجهٌ باكي منتحب تسقطُ عيناهُ في بركةِ دموع ثم تعادُ فتتشكلُ غيرها،وجهٌ آخر يقتربٌ فجأة كأنه يريدُ أن يقولَ لها شيئاً لكنهُ بلا فم، خيطتْ شفته العليا بالسفلى بسلكٍ معدني مدبب الحواف!
أين أنا؟ هكذا تصرخُ بلا صوت! أين أنتَ؟
تكررُ: أين أنتَ؟ فلا يخرجُ صوتها، أين ذهبتَ وتركتني وحيدةً في هذه الظلمة وعالم الأموات هذا؟
أ لم تكنْ ها هنا معي قبل لحظة؟!.
لا جدوى فصوتها لا يصلُ إلى أحدٍ، ومن تنادي لا يلبي استغاثة النداء!، ترفعُ صوتها لكن لا جدوى أيضاً والوجوهُ الشبحية المُخيفة تقتربُ ....تقتربُ وتبدو جائعةً الآن.
تحاولُ مجدداً الصراخ فتختنقُ الاستغاثاتُ داخلها: أين أنتَ؟ أ لم تقلْ أنكَ لن تغادرني وحيدةً حتى تهجركَ الروح إلى مالكها؟ فهل أذنَ الربُ أذناً لرحيلكَ الأبدي عن الدنيا وهذه أولُ أيام شقائي بعدكَ؟ أم ضعفتْ همتكَ في الدفاع عني وقررتَ التخلي عن كل شيء كما يفعلُ الضعفاء حين يستسلمون وينحنون للحياة لتدوسَ على أحلامهم بوحشية؟؟
ترفعُ صوتها أعلى فأعلى فأعلى، لا تسمعُ شيئاً، تزأر ......لكن لا يُرهبُ صراخها أحد غيرها، تبحثُ عن يدها لتلمسَ عنقها فحنجرتها فلا تجد لنفسها يداً ولا حنجرة ولا عنقاً ولا جسداً يقفُ عليه وجهها!، تنكشفُ لها الحقيقة الحنظلية: إنها وجهٌ آخر كما الوجوهُ التي ترى حولها، قناعٌ مفرغٌ من كل شيء إلا الهواء والكبرياء !!.
أين أنا؟(تصرخُ مجدداً وكأنها لم تيأس بعدُ من المحاولة) لكن، مرة أخرى لا صوت يردُ عليها، تلتفتُ فإذا بالوجوهِ تقتربُ أكثر وبسرعة أكبر، تفغر أفواهاً يسيلُ منها اللعاب وتحملُ على جبهتها أعيناً جاحظة تكسوها دماءٌ متخثرةٌ قانية اللون، تقتربُ وتقتربُ و تقتربُ منها، وهو مازالَ غائباً ولم يظهرْ بعد!
أين أنا؟...ماذا حصلَ معي؟!( تفكرُ في انه ربما كان كابوساً مخفياً) تحاولُ أن تسكّن من رعشتها المزلزلة وتفكر :انه كابوسٌ و سأصحو قريباً، تفتحُ الوجوهُ الأخرى أفواهها الكهفية ببطيء وتنطقُ مرةً واحدةً بصوتٍ غليظٍ متموجٍ تجد له صدىً مدوياً في الفضاء كله: لقد أفقتِ قبلَ قليل من الحلمِ الذي جعلكَ تدمنين عليه....عي جيداً أنتِ الآن في لعبة الواقع السرمدية!
------------------
توضيحات :
1- القصة ليستَ وصفاً لكابوس أو ضرباً من الهلاوس النفسية وإنما هي قصة رمزية استعارية لها معانٍ أخرى غير ما تبدو عليه.

ليست هناك تعليقات: