بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 21 يوليو 2010

تشذرات الولد الخجول-بقلم احمد الحلي-تخطيطات عادل كامل



تشذرات الولد الخجول
قراءة أولية في مخطوطة عادل كامل ( الولد الخجول )
أحمد الحلي

" أنا واحد من سكان كوكب قبل الاستيقاظ " ، أو " أنا قارة تعداد سكانها واحد " .
هكذا وعبر ما يشبه المعضلات الرياضية على طريقة المتواليات العددية وربما الهندسة ، يقودنا الولد الخجول ، بصفتنا حشد العميان عبر مسالك لم نعهدها من قبل ، مسالك تعبق برائحة العشب البري ، إلى حيث تسكن الدهشة مفعمة بالتوتر ومغسولة بحبات المطر الخريفي المتألق ، بعيداً عن كل مواضعات التأنق الحضاري التي راحت تحدّق بنا وتبث في مفاصلنا رعبها القطبي المتقن ، ولعل روح المشاكسة ، تلك التي تروق لعيني هذا الولد هي التي تحث قدميه الحافيتين إلى حيث تشع البواطن ، فإن تكن الأشياء قد وارت جذواتها خلف استحكامات الغلق فلا بأس عليه في أن يتسور الجدران ، فإن قوة الإغواء كثيراً ما تتضمن مبررات اقتحامها عنوة .
- ثمة عصور ترقد في ثقب إبرة !
- هبطت من خشبتي ، تنزهت ، ثمة حدائق من فولاذ ، بحار مسورة وآلات ، آنذاك عدت فلم أجد خشبتي !
- خذ ما تشاء إلا وردة تفتحت على مشارف الجرح !
هكذا يتشذر الولد الخجول أمام أعيننا وفي سماواتنا القاحلة ، أنه ثراء الروح والامتلاء الحقيقي لا ذلك السعار الذي يبهظ أرواحنا ويهوي بذواتنا الأعماق السحيقة .
وليس معنى هذا أن بمنجى من كل ما يعصف بالحياة ويتربص بها من شرور وآثام . انه أيضاً ، شأنه شأن الآخرين ، عرضة لأن تعلق به أدران الخطيئة ، لكننا نلاحظ أن الفارق هي أنه سرعان ما يثوب إلى نفسه فينتشلها ، وأن ظلت الأخطاء مخلفة وراءها الجروح الفاغرة ، وهذه هي العبرة التي يمكن أن نستخلصها ، ففي الوقت الذي نشاهد به الآخرين وهم يستمرئون الانجرافات ، بل ويعالجونها بانجرافات أخرى أشد خطورة ، نشاهد هذا الولد نأى بنفسه عن الكدر ثم نراه يأخذ بتقريع نفسه عبر عويل مر وتأنيب شائك ،
- أتبحث عن ملائكة في روحي مزرعة ، غابة ، ثم وجراً للذئاب !
- غرباء يسكنون الروح ، لكني أولهم !
- لم صارت روحي مزرعة ، غابة ، ثم صارت وجراً للذئاب !
- أنى لي أن أصعد إلى السماوات فيما اسمي مثقل بالانحناءات !
- من أي مكان تأتي الأصوات ، تحوم وتغيب فيما أنا مثل مدفن ينمو في وردة ! ذلكم هو الرثاء الحق ، انه الرثاء لحياة تبددت نضارتها بطريقة ما وتركت الروح منخورة مثل وسادة بالية .
وعبر سياق آخر من الفهم ، نراه في تأججات ثمالته قد توغل عميقاً سعياً وراء استخراج لؤلؤته الأثيرة ، تلك اللؤلؤة التي ربما تكون مطمورة في رمال النفس أكثر مما هي موجودة في الأماكن الأخرى ،
- لا تحصى كنوزي ، تفاحة في السماء ، وعشب في الرمال ، وعصفور في الفجر يعلمني الغناء !
- هذا الحصى ، لؤلؤ في الحضور !
- حبة قمح ، هو ذا زادي .
- إن كنت تقطف وردة أو تطلق النار على غزال فإني هنا أراك !
- يحاصرني الفرح كمدية ، توهج توهج ، هذا هو الامحاء !
إنه السليل الحق لذلك النمط من الفهم الذي يتموضع حول التجرد ما أمكن من الأعراض الزائلة ، والتركيز بدلاً من ذلك على محاولة الوصول إلى عمق الدلالة ، ذلك الفهم الذي يتحدر منذ مرحلة ما قبل اشتراع القوانين والأنظمة والعقائد ، تلك المواضعات التي كثيراً ما كبلت الإنسان وأقامت الحواجز المريرة ما بينه وبين بني جنسه ، حيث الإنسان في نصوعه الأولي المشرق عناق وغزل دائمين مع الطبيعة البكر وحيث لم يتم بعد اختراع المداخن ، ومروراً بفيثاغورس وامبادوقليس وديوجونيس وكثيراً من المتصوفة الإسلاميين ، ثم فيما بعد باسكال وروسو ووليام بليك ، وبصورة أكثر حصراً والت وايتمان " سأرقد فوق العشب مثل طفل " ، " وحدي لا امجد المعادن وحدي امجد الريح ، مع لمسة من البوذية الشفيفة ، " أنا شحاذ للرفقة " !
ترى أيمتلك أحدنا مثل هذا الفصام النقي الوهاج الذي امتلك سره في يوم ما الفنان عادل كامل فأودع نزغاته في مخطوطة سماها " ألفية الولد الخجول " من خلال كل ما يضطرم فيها من تمجيد لنقاء السريرة والدعوة الحثيثة للبحث عن خلاص روحي ، ذلك الخلاص الذي لا يتم إلا بالمرور في تدرجات المطهر القاسية ، انه يشير لنا عبر مجساته السابرة الى ان هناك والى جوار هذه الوحول التي تخوض فيها ان ثمة جداول خفية تنساب بعذوبة الماء وان ليس بشيء قادر على طمسها تحت أعتى الظروف .

ليست هناك تعليقات: