الأنبياء فقراء ؟ أم الفقراء أنبياء ؟
حامد كعيد الجبوري
بعد وضعي عنوان موضوعتي فكرت طويلاً لإلغاء هذا العنوان ، بسبب ما قد تثير من إشكالية الحديث عن المقدس أو المساس به ، ولكنني وقفت إزاء ماصرح به المعنييون بشوؤن الأنبياء وتواريخهم ، ف (محمد ص) خيِّر بين أن يكون سلطان ونبي أو نبي فقير ، فأختار طوعاً النبي الفقير كما يقولون ، والتأريخ العملي لسيرة النبي الأعظم (ص) تؤكد هذه الحقيقة ، لاسيما وأن سائر الأنبياء (عليهم السلام) يُعدون من الطبقات الفقيرة بل المعدومة إلآ نبي الله سليمان (ع) كان نبياً وسلطاناً ، والسلاطين عادة شأنهم البحبوحة في كل شئ ، وكل هذه الأشكاليات وضعتني تحتها قصيدة الشاعر (عماد المطاريحي) وهي بعنوان (قررت أبقى فقير) ، وأحمد الله الحمد الذي يستحقه كما هوأهله إذ جعل ( المطاريحي ) فقيراً ولم يجعله غنياً ، بسبب تجسيده الحي لواقع الفقراء وتصويره معاناتهم ، ورسمه الدقيق لطيبتهم وتمسكهم بالقيم الأصيلة النابعة من الفطرة الألهية للمخلوقات ، ولو كان ( المطاريحي ) غنياً – لا سامح الله – لأعطى الأغنياء ميزة الأنسانية ، والتمسك بالتعاليم المجتمعية ، وحبهم للآخرين ، وتمسكهم بالفقراء ، وهم قد لا يستحقون ذلك إلا النزر اليسير ، وأني لأتصور الحديث المنسوب لأبي ذر الغفاري (رحمه الله) والذي يقول فيه (عجبت لأمرءٍ لا يجد قوته لا يخرج حاملاً سيفه) ، وشفيعي بذلك أن أبا ذر كان فقيراً ولم يخرج حاملاً السيف .
( آني أحس روحي نبي هذا الزمان) ، عجيب هذا الأستهلال لهذه القصيدة ،فمن يدعي النبوة بعد خاتم الرسل (ص) يتهم بالزندقة الموجبة للقتل ، أذن كيف يجهر (المطاريحي) بهذه النبوة ، ولا يخاف بطش المتصدين له ، ومن المؤكد أن المدعي لهذه النبوة يطالب بمعجزة دامغة تلجم المتربصين ، فأنى له تقديم معجزته ، وبسهولة يقدم الشاعر هذه المعجزة ، (معجزاتي أثيابي بيض / أبوسط عالم ثوبه غيم) ، لله هذه المعجزة التي لم يستطع الأتيان بها إلا الأنبياء أو من هم بمستواهم ، ولا أدعي أن (المطاريحي) وصل لهذا المصاف ، والأغرب من ذلك أنها متأتية من فقير ، كل رصيده الأستقامة متخطياً تأريخ الدوائر والخطوط الجانبية والأرقام المستحيلة كما يقول (المطاريحي) ، ولأنه الوحيد في هذا الزمان القاسي المتردي الذي تجد فيه المالك للسلطة – الغني طبعاً – لا يتورع من السطو العلني على المال العام معتبراً ذلك فتحاً أسبغه الله عليه ،ورغم هذا السطو والجمع للمال السحت فهو غير مكتفٍ بما أستحوذ عليه ويطلب هل من مزيد ، على عكس مدعي النبوة (المطاريحي) طبعاً الذي يقول بنصه (آني يكفيني الوحيد إبهل الزمان / لو فرغ جيبي أكول الله كريم / وغيري من مليان جيبه / يصيح لله يامحسنيين) ، أذن قدم (المطاريحي) معجزته في زمن يصعب فيها الحصول على هذه المعجزات ، وهذا بزعمي غير كاف لأثبات نبوة (المطاريحي) فهو مطالب بالأكثر ، وأعني بالأكثر هنا أن يقدم كتابه المُنزّل ، والظاهر أن (المطاريحي) يمتلك هذا الكتاب ، (وماكو ضير / من تطالبني إبكتاب / آني قرآني ضمير) ، ولا يستطيع النبي (المطاريحي) نسيان يتمه المبكر ، ولا نسيان حالة والده المعاشية ، وتركهم – عياله - دون معيل ، مستذكراً جده (محمد ص) الذي أورثه هذا اليتم ، كما تيتم النبي (ص) ، ولكن النبي (ص) كفله عم كريم له (أبو طالب ر ض) ومساندته له من بطش قريش ومكائدها ، فمن (للمطاريحي) هذا الكافل الشجاع الكريم ، وقريش الممثلة بالحكومات المتعاقبة تحيط به من كل حدب وصوب ،( وعشت بالدنية يتيم / بزمن بيه شاب الجنين / إبوطن بيه ردت قريش / وماكو أبو طالب حنين) ، وكما الفقراء الطيبون المقارعون للظلم والفاشية ، رغم جراحهم النازفة ورفضهم لكل ماهو سئ وخبيث ، وماذا سيفقد الفقير ، فهو ليس بظالم طاغية يتستر بشبيه له ، ولا يبحث عن (حراء) يلوذ اليه مناجياً ، لأن (حراء) يسكنه فعلاً ، والكتاب المنزل على (المطاريحي) فيه تعاليم أنسانية يقرأها الفقراء حصراً ، (قل أعوذ أمن الحضاره / التوكف أعله أشلاء أهلها / قل أعوذ أمن الأرث لوصار آفة / قل أعوذ أمن الخلاف أعله الخلافه) ، والرمزية الشفافة الواضحة الدالة بمضامينها التي أستطاع بها (المطاريحي) جمع الأضداد بها ، فالرمزية نقيض للوضوح ، و (المطاريحي) أمتزجهما ليخلص للب المتلقي وأيصال ما أراد قولته ، وتعليمات نبوة (المطاريحي) يؤكدها بقوله ، (ما يجوز أشعري يرجع حكَم / لو منافق يرتقي المنبر أمير ) ، دلالة لعدم قبوله تسنم الجهال مقاليد أمور العباد ، (ما أحب بالمدرسه / ينادون وين أبن الوزير / ولا أحب قصر الأماره إيشيل خشمه أعله الفقير ) ،منوهاً ومندداً بالفوارق الطبقية التي ينادي بأسقاطها المتشدقون والمتسلقون على أكتاف العوام زوراً وبهتاناً ، وتبناها الفقراء رغم عدم وقوعها بأيديهم ولن تقع ، ويعود ( المطاريحي ) ليتغنى بحبه لفقره الأصيل المتجذر ، غير مكترث بالبرد لأن الله منحه السماء بأكملها غطاءً ، ولأن عراقه الذي أحب عرف حالته وفقره وعدم أمتلاكه طابوقة مبنية(والعراق عرف ماعندي سرير / كال هاك الخارطه) ، ولأن الفقر والفقراء طيبة فكل جار (للمطاريحي) يقتسم معه هذا الجوع بقرص من الخبز متخذاً من الرمز الأسلامي (أباذر الغفاري) رحمه الله أنموذجاً أشتراكياً لقاسم الفقر المشترك ، (جاري أبو ذر الغفاري / من أجوع / يقسم وياي الرغيف / ومن يجوع أبجفي أشربه أدموع عيني / وثلمه من كلبي العفيف) ، ويرّمز المطاريحي للشرف والعفة والغيرة العراقية الأصيلة معتبراً (شيلة) أمه كما الأمهات العراقيات ستراً يأوي له بالشدائد والملمات ، (وشيلة أمي بيها تتغطه العشيره / وتستر جروح البنات) ، وجروح البنات هنا ليست الجروح المتأتية من رذيلة - لا سامح الله - ، ولكنها جروح صروف الدهر الذي خذلهن وترك آثاره واضحة على أجسادهن الطرية العارية ألا من الشرف والأباء ، ورغم كل هذه المعانات التي يفترض أن تترك أثارها لتحيل المبتلي بها لمشروع دائم من الحزن ، إلا أن الفقراء (المطاريحيون) يستعيرون الضحكة من الأخرين لأدخارها لأصدقائهم الحزانى حينما يحتاجون هذه الضحكة، (ومن يشح بيه الفرح / أستعيرن ضحكه خضره / حتى أضمها الصاحبي أبموسم الماكو ) ، وحينما يفرح (المطاريحيون) – الفقراء - لا يدخرون هذا الفرح بل يوزعونه على الأطفال والعجائز لحاجاتهم المتشابهة لهذه الفرحة لتصل الى الشبابيك التي لا تعرف لون الضياء ، ولأن الفقراء أحباب الله فبيوتهم بيبان لأبواب الله ، ولا يعقل أن تغلق أبواب بيوت الله أمام المعوز والمحتاج ، ( آني يكفيني فقير / ماأسد بابي لأن باب الله بابي ) ، وكما أن بيوت الله المعتادة لا تعمر إلى بعبادها ، فهي خالية من الأثاث الراقي لذا يقال للفقير أن بيته كبيوت الله ، أذن فماذا يستفاد السارق من بيوت الله –بيوت الفقراء - الخالية من الأثاث الراقي ، وكيف يقطع كل مسافات الرذيلة – السرقة - ليصل الى البيوت التي سوف يسرقونها والخالية تماماً ، والأعجب من ذلك أن (المطاريحيون) يبكون حظ ذلك السارق لعدم تمكنه من الحصول على شئ يجلبونه لأطفالٍ هم بأنتظار ماسيجلب لهم ، دون علم هؤلاء الأطفال بالجريمة التي أقترفها آباهم اللصصة ، وأكثر من ذلك يأمل (المطاريحيون) الفقراء (أستحي ينزع حيائه ويبقى عاري / كون أبدل بيدي ثوبه / كون أملي إجيوبه جكليت وجفافي) ، ويبقى الفقراء مصرون على فقرهم متمسكون به لأعتقادهم القاطع أن أخوة لهم فقراء مثلهم ، يشاركونهم بكل شئ ، الخبز ماتيسر منه ، والماء المباح للجميع ، والهواء الذي لايمكن أن يسرقه السراق وهذا الخير العراقي الممثل بالنخلة التي ما أن علمت بجوع (المطاريحي) وأطفاله (نخله بصريه حنينه سمعت أطفالي عرايه / أنتفضت ونزعت سعفها / ودت الكوخي حصير ) ،مستدلاً بالحديث الذي أطلقه محمد (ص) ، ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) .
بهذه الرمزية الشفافة غير الموغلة أراد (المطاريحي ) أيصال معلومته للأخرين ، مبتعداً عن النقد اللاذع المباشر معتقداً – وهو الأصح- أن هذا الطرح الشفاف أكثر إيلاماً حال وصوله الى المعنيين،معتمداً المثل الشعبي الذي يقول ( إياك أعني وأسمعي ياجاره) ، ليضع المشتبه به بحالة صراع دائم .
تحوي قصيدة (قررت أبقى فقير) في حناياها الداخلية مضامين ومشاريع أتمنى أن تصل لأذان الساسة ليعرفوا تماماً أن الناس أوعى من أن يتخذونهم جسراً للعبور ، وليعلموا أيضاً أن قاعدتهم الحقيقية هم الفقراء ، فما عليهم إلا الأيفاء بوعودهم لتتماسك معهم هذه الشريحة النبية ، لأن ماتحمله الفقراء لا يمكن أن يحمله إلى نبي وهذا ما أراده الشاعر (المطاريحي) .
حامد كعيد الجبوري
بعد وضعي عنوان موضوعتي فكرت طويلاً لإلغاء هذا العنوان ، بسبب ما قد تثير من إشكالية الحديث عن المقدس أو المساس به ، ولكنني وقفت إزاء ماصرح به المعنييون بشوؤن الأنبياء وتواريخهم ، ف (محمد ص) خيِّر بين أن يكون سلطان ونبي أو نبي فقير ، فأختار طوعاً النبي الفقير كما يقولون ، والتأريخ العملي لسيرة النبي الأعظم (ص) تؤكد هذه الحقيقة ، لاسيما وأن سائر الأنبياء (عليهم السلام) يُعدون من الطبقات الفقيرة بل المعدومة إلآ نبي الله سليمان (ع) كان نبياً وسلطاناً ، والسلاطين عادة شأنهم البحبوحة في كل شئ ، وكل هذه الأشكاليات وضعتني تحتها قصيدة الشاعر (عماد المطاريحي) وهي بعنوان (قررت أبقى فقير) ، وأحمد الله الحمد الذي يستحقه كما هوأهله إذ جعل ( المطاريحي ) فقيراً ولم يجعله غنياً ، بسبب تجسيده الحي لواقع الفقراء وتصويره معاناتهم ، ورسمه الدقيق لطيبتهم وتمسكهم بالقيم الأصيلة النابعة من الفطرة الألهية للمخلوقات ، ولو كان ( المطاريحي ) غنياً – لا سامح الله – لأعطى الأغنياء ميزة الأنسانية ، والتمسك بالتعاليم المجتمعية ، وحبهم للآخرين ، وتمسكهم بالفقراء ، وهم قد لا يستحقون ذلك إلا النزر اليسير ، وأني لأتصور الحديث المنسوب لأبي ذر الغفاري (رحمه الله) والذي يقول فيه (عجبت لأمرءٍ لا يجد قوته لا يخرج حاملاً سيفه) ، وشفيعي بذلك أن أبا ذر كان فقيراً ولم يخرج حاملاً السيف .
( آني أحس روحي نبي هذا الزمان) ، عجيب هذا الأستهلال لهذه القصيدة ،فمن يدعي النبوة بعد خاتم الرسل (ص) يتهم بالزندقة الموجبة للقتل ، أذن كيف يجهر (المطاريحي) بهذه النبوة ، ولا يخاف بطش المتصدين له ، ومن المؤكد أن المدعي لهذه النبوة يطالب بمعجزة دامغة تلجم المتربصين ، فأنى له تقديم معجزته ، وبسهولة يقدم الشاعر هذه المعجزة ، (معجزاتي أثيابي بيض / أبوسط عالم ثوبه غيم) ، لله هذه المعجزة التي لم يستطع الأتيان بها إلا الأنبياء أو من هم بمستواهم ، ولا أدعي أن (المطاريحي) وصل لهذا المصاف ، والأغرب من ذلك أنها متأتية من فقير ، كل رصيده الأستقامة متخطياً تأريخ الدوائر والخطوط الجانبية والأرقام المستحيلة كما يقول (المطاريحي) ، ولأنه الوحيد في هذا الزمان القاسي المتردي الذي تجد فيه المالك للسلطة – الغني طبعاً – لا يتورع من السطو العلني على المال العام معتبراً ذلك فتحاً أسبغه الله عليه ،ورغم هذا السطو والجمع للمال السحت فهو غير مكتفٍ بما أستحوذ عليه ويطلب هل من مزيد ، على عكس مدعي النبوة (المطاريحي) طبعاً الذي يقول بنصه (آني يكفيني الوحيد إبهل الزمان / لو فرغ جيبي أكول الله كريم / وغيري من مليان جيبه / يصيح لله يامحسنيين) ، أذن قدم (المطاريحي) معجزته في زمن يصعب فيها الحصول على هذه المعجزات ، وهذا بزعمي غير كاف لأثبات نبوة (المطاريحي) فهو مطالب بالأكثر ، وأعني بالأكثر هنا أن يقدم كتابه المُنزّل ، والظاهر أن (المطاريحي) يمتلك هذا الكتاب ، (وماكو ضير / من تطالبني إبكتاب / آني قرآني ضمير) ، ولا يستطيع النبي (المطاريحي) نسيان يتمه المبكر ، ولا نسيان حالة والده المعاشية ، وتركهم – عياله - دون معيل ، مستذكراً جده (محمد ص) الذي أورثه هذا اليتم ، كما تيتم النبي (ص) ، ولكن النبي (ص) كفله عم كريم له (أبو طالب ر ض) ومساندته له من بطش قريش ومكائدها ، فمن (للمطاريحي) هذا الكافل الشجاع الكريم ، وقريش الممثلة بالحكومات المتعاقبة تحيط به من كل حدب وصوب ،( وعشت بالدنية يتيم / بزمن بيه شاب الجنين / إبوطن بيه ردت قريش / وماكو أبو طالب حنين) ، وكما الفقراء الطيبون المقارعون للظلم والفاشية ، رغم جراحهم النازفة ورفضهم لكل ماهو سئ وخبيث ، وماذا سيفقد الفقير ، فهو ليس بظالم طاغية يتستر بشبيه له ، ولا يبحث عن (حراء) يلوذ اليه مناجياً ، لأن (حراء) يسكنه فعلاً ، والكتاب المنزل على (المطاريحي) فيه تعاليم أنسانية يقرأها الفقراء حصراً ، (قل أعوذ أمن الحضاره / التوكف أعله أشلاء أهلها / قل أعوذ أمن الأرث لوصار آفة / قل أعوذ أمن الخلاف أعله الخلافه) ، والرمزية الشفافة الواضحة الدالة بمضامينها التي أستطاع بها (المطاريحي) جمع الأضداد بها ، فالرمزية نقيض للوضوح ، و (المطاريحي) أمتزجهما ليخلص للب المتلقي وأيصال ما أراد قولته ، وتعليمات نبوة (المطاريحي) يؤكدها بقوله ، (ما يجوز أشعري يرجع حكَم / لو منافق يرتقي المنبر أمير ) ، دلالة لعدم قبوله تسنم الجهال مقاليد أمور العباد ، (ما أحب بالمدرسه / ينادون وين أبن الوزير / ولا أحب قصر الأماره إيشيل خشمه أعله الفقير ) ،منوهاً ومندداً بالفوارق الطبقية التي ينادي بأسقاطها المتشدقون والمتسلقون على أكتاف العوام زوراً وبهتاناً ، وتبناها الفقراء رغم عدم وقوعها بأيديهم ولن تقع ، ويعود ( المطاريحي ) ليتغنى بحبه لفقره الأصيل المتجذر ، غير مكترث بالبرد لأن الله منحه السماء بأكملها غطاءً ، ولأن عراقه الذي أحب عرف حالته وفقره وعدم أمتلاكه طابوقة مبنية(والعراق عرف ماعندي سرير / كال هاك الخارطه) ، ولأن الفقر والفقراء طيبة فكل جار (للمطاريحي) يقتسم معه هذا الجوع بقرص من الخبز متخذاً من الرمز الأسلامي (أباذر الغفاري) رحمه الله أنموذجاً أشتراكياً لقاسم الفقر المشترك ، (جاري أبو ذر الغفاري / من أجوع / يقسم وياي الرغيف / ومن يجوع أبجفي أشربه أدموع عيني / وثلمه من كلبي العفيف) ، ويرّمز المطاريحي للشرف والعفة والغيرة العراقية الأصيلة معتبراً (شيلة) أمه كما الأمهات العراقيات ستراً يأوي له بالشدائد والملمات ، (وشيلة أمي بيها تتغطه العشيره / وتستر جروح البنات) ، وجروح البنات هنا ليست الجروح المتأتية من رذيلة - لا سامح الله - ، ولكنها جروح صروف الدهر الذي خذلهن وترك آثاره واضحة على أجسادهن الطرية العارية ألا من الشرف والأباء ، ورغم كل هذه المعانات التي يفترض أن تترك أثارها لتحيل المبتلي بها لمشروع دائم من الحزن ، إلا أن الفقراء (المطاريحيون) يستعيرون الضحكة من الأخرين لأدخارها لأصدقائهم الحزانى حينما يحتاجون هذه الضحكة، (ومن يشح بيه الفرح / أستعيرن ضحكه خضره / حتى أضمها الصاحبي أبموسم الماكو ) ، وحينما يفرح (المطاريحيون) – الفقراء - لا يدخرون هذا الفرح بل يوزعونه على الأطفال والعجائز لحاجاتهم المتشابهة لهذه الفرحة لتصل الى الشبابيك التي لا تعرف لون الضياء ، ولأن الفقراء أحباب الله فبيوتهم بيبان لأبواب الله ، ولا يعقل أن تغلق أبواب بيوت الله أمام المعوز والمحتاج ، ( آني يكفيني فقير / ماأسد بابي لأن باب الله بابي ) ، وكما أن بيوت الله المعتادة لا تعمر إلى بعبادها ، فهي خالية من الأثاث الراقي لذا يقال للفقير أن بيته كبيوت الله ، أذن فماذا يستفاد السارق من بيوت الله –بيوت الفقراء - الخالية من الأثاث الراقي ، وكيف يقطع كل مسافات الرذيلة – السرقة - ليصل الى البيوت التي سوف يسرقونها والخالية تماماً ، والأعجب من ذلك أن (المطاريحيون) يبكون حظ ذلك السارق لعدم تمكنه من الحصول على شئ يجلبونه لأطفالٍ هم بأنتظار ماسيجلب لهم ، دون علم هؤلاء الأطفال بالجريمة التي أقترفها آباهم اللصصة ، وأكثر من ذلك يأمل (المطاريحيون) الفقراء (أستحي ينزع حيائه ويبقى عاري / كون أبدل بيدي ثوبه / كون أملي إجيوبه جكليت وجفافي) ، ويبقى الفقراء مصرون على فقرهم متمسكون به لأعتقادهم القاطع أن أخوة لهم فقراء مثلهم ، يشاركونهم بكل شئ ، الخبز ماتيسر منه ، والماء المباح للجميع ، والهواء الذي لايمكن أن يسرقه السراق وهذا الخير العراقي الممثل بالنخلة التي ما أن علمت بجوع (المطاريحي) وأطفاله (نخله بصريه حنينه سمعت أطفالي عرايه / أنتفضت ونزعت سعفها / ودت الكوخي حصير ) ،مستدلاً بالحديث الذي أطلقه محمد (ص) ، ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) .
بهذه الرمزية الشفافة غير الموغلة أراد (المطاريحي ) أيصال معلومته للأخرين ، مبتعداً عن النقد اللاذع المباشر معتقداً – وهو الأصح- أن هذا الطرح الشفاف أكثر إيلاماً حال وصوله الى المعنيين،معتمداً المثل الشعبي الذي يقول ( إياك أعني وأسمعي ياجاره) ، ليضع المشتبه به بحالة صراع دائم .
تحوي قصيدة (قررت أبقى فقير) في حناياها الداخلية مضامين ومشاريع أتمنى أن تصل لأذان الساسة ليعرفوا تماماً أن الناس أوعى من أن يتخذونهم جسراً للعبور ، وليعلموا أيضاً أن قاعدتهم الحقيقية هم الفقراء ، فما عليهم إلا الأيفاء بوعودهم لتتماسك معهم هذه الشريحة النبية ، لأن ماتحمله الفقراء لا يمكن أن يحمله إلى نبي وهذا ما أراده الشاعر (المطاريحي) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق