بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الاثنين، 24 مايو 2010

طز بالثقافة-باسم الماضي الحسناوي-عن موفع كتابات

طُزْ بالثقافة / الطريق إلى الإنقراض



كتابات - باسم الماضي الحسناويّ



-1-



طُزْ بالثقافةِ إن كانت نهايتها

أن يصبح المرءُ من جنسِ الصراصيرِ

أو كان في أفضل الأحوال معتبراً

لدى الجميع كيعسوب الزنابيرِ

فإن رأوا أنه أرقى يحقّ له

بأن يزقزقَ فيهم كالعصافيرِ

تفٌّ على كتبي، تفٌّ على سهري

تفٌّ على كلِّ شعرٍ في الطواميرِ

الحقيقة أني لا ألعن الشعر فقط، بل ألعن كلَّ أصناف الكتابة، حتى وإن كان صنفاً من ذلك الطراز الذي يدهش، كالنصوص الخالدة التي كتبها باسكال أو نيتشة أو حتى تلك النصوص الرائعة في كتاب المثنوي، لأني الآن في غاية التجلِّي، فلا أعتبر مهنة الكتابة من الأساس تستحقُّ أن يقف لها المرء إجلالاً ولو لمدَّة دقيقةٍ واحدةٍ في الحياة.

يولد المثقف وهو على جبينه سيماء الغباء، ثمَّ يكبر المثقف، فيكون شاباً، فإذا به يفتخر بأنه يركِّز في نفسه سجايا الحمار، ثمَّ يتقدَّم العمر بالمثقف بعد ذلك، فلا يكون شاباً ولا شيخاً، فيكتشف الحقيقة كاملةً، لكنه يصرُّ على أن يبقى متمسِّكاً حتى النهاية بسجايا الحمار، حتى إذا ما أصبح المثقف شيخاً طاعناً في السنّ، صار ينظر إلى نفسه في المرآة فلا يرى في جبينه سيماء الحمار.

يصبح المثقف في سنِّ الشيخوخة نادماً جداً، حتى من دون أن يشعر حقيقةً بالندم، ومن الطبيعيِّ أن تعرف أيها القارئ أنَّ الحمار يكون حماراً فقط عندما لا تجنح ذاكرته نحو الندم، وعندما يكون غارقاً حتى الهامة في نشوة التعاسة، أما لو شعر بالندم لحظةً فإنَّ قوامه سوف يتبدَّل، حتى يتخذ هيأة التراب الناعم، ثمَّ يتطاير في الجوِّ بعد ذلك، حتى يستحيل غباراً.



-2-

أروني مثقفاً واحداً لم يشتم الثقافة في حياته، فلماذا تغضبون إذن لو أني نصبت للثقافة تمثالاً ورجمته مثل الشيطان بالضبط؟!.

الثقافة ضدَّ النسل

الثقافة ضدَّ الطعام

الثقافة ضدَّ الصداقة

الثقافة ضدَّ البهجة

الثقافة ضدَّ النوم

الثقافة ضدَّ الأناقة

الثقافة ضدَّ العشق إلا في حيِّز الخيال

الثقافة ضدَّ البراغماتزم وهي الفلسفة الرائجة في هذا الزمان

الثقافة ضدَّ السياسة، أقصد السياسة كما هي مشروعٌ للنهب والسلب في هذه الأيام

الثقافة حتى ضدَّ أن يكون للمرء قبرٌ يليق به بعد الموت

إلا ما يحصل من بعض الإستثناءات النادرة جداً

حيث تشاهد بعض الأضرحة على قبور المبدعين العظام

ومع ذلك فإنَّ أضرحتهم فاقدةٌ للمعنى

لأنَّ زائريهم ومن يرفعون أيديهم في التحية عن بعدٍ وقربٍ

لا يرونهم يستحقون هذا التعظيم بوصفهم مبدعين كباراً

بل بوصفهم من القديسين العظام لا غير

ثمَّ إني لا أعلم كيف سيجري تقييم الثقافة يوم القيامة

فلربما كان مصيرها إلى جهنَّم وهي تستحقُّ ذلك، فكم من الهرطقات تمَّ تزيينها باسم الثقافة

المشكلة أنَّ الهرطقة هي المادَّة الأوَّلية التي تتكوَّن منها كلُّ ثقافةٍ عظيمةٍ على الإطلاق

والمشكلة أيضاً تتمثَّل في أنَّ استحقاق الهرطقة هو الرجم واللعن على الدوام

وإلا فخبِّرني عن أولئك القديسين الذين نعظِّمهم في هذه الأزمان

هل كانوا في أزمانهم هم إلا مجموعةً من المهرطقين الكبار

حيث كان القتل والرجم واللعن مصيرهم على الدوام

-3-

عندما تكون الأمم في طريقها إلى الإنقراض، لا يكون وجود المثقف بين طبقاتها آنذاك إلا ما يشبه داء الجرب، فهي تعالجه باستمرارٍ بوصفه داءً، وهو لا يعلم ذلك، لأننا اتفقنا على أنَّ المثقف هو أغبى الأغبياء فيما يخصُّ مسألة تقييم وجوده بين طبقات الأمم التي تنقرض، فتراه ينظر إلى نفسه معظِّماً إياها، ومعتبراً أنَّ الناس كلَّهم يمنحونه تلك النظرة.

بيد أنَّ الأمة التي في طريقها إلى الإنقراض لا تترك له فرصة أن يستمتع ولو استمتاعاً ظاهرياً بهذا الإعتقاد، فتوجِّه عليه كلابها السلوقية دائماً، فتأكل من لحمه النيِّء علانيةً أمام الناس، فيكون مضطراً لأن يضحك رغم الألم، ويكون مضطراً أيضاً لأن يقف شامخاً مثل النخيل، هذا إذا كان مثقفاً في العراق، أما إذا كان مثقفاً في تلك البلدان التي تنبت الزيتون فعليه أن يتمتع بصفات الزيتون أيضاً، فلا يبدي امتعاضاً من العصر والمضغ، وهكذا بالنسبة إلى كلِّ مثقفٍ بحسب ما يكون موجوداً في بلاده من الشجر.

هناك تعليق واحد:

خادم الحوراء يقول...

شكرا لانك لعنتنا وشكرا لاننا استشعرتنا بغبائنا