الأحد، 21 فبراير 2010

اطلالة على الترانيم بقلم حمد كعيد لوحات دعالب المسعودي






إطلالة على الترانيم والنواعي
وأغاني الرحى العراقية
وتسمية(كعيم)
حامد كعيد الجبوري
كثيرون كتبوا بهذه الموضوعة الشيقة الحزينة ، الترانيم _(الدللول) _ والنواعي التي تطلقها النسوة الفاقدات للأحبة – أخوة ، آباء ، أبناء ، أمهات ، أخوات ، بنين ، بنات - ،وتسمى هذه النواعي في الوسط والجنوب العراقي (التعاديد ) ، وفي المناطق العربية من شمال العراق وغربه تسمى (المدائح ) أو الأذكار ، وهناك نسوة أصواتهن جميلة يتخللها بحة محببة تستدر دموع المستمعات لهن ،يسمين في مناطق الوسط والجنوب ( الملالي أو العدادات) والشائع بتسميتهن (الكوالات) ،وفي المناطق العراقية العربية الأخرى يسمين (المداحات) ، ولا فرق بين (الملة أو العدادة) وبين (المداحة) في أنهن يتخذن من أصواتهن الجميلة وسيلة لطلب العيش وكسب المال ، ولا فرق عندهن في إسباغ ما ليس للمتوفى من خصال محببة من كرم وشجاعة وزهد وبهاء ينسبنها للمتوفى الذي قد يكون لا يستحق مثل هذا الرثاء ، فنجدهن يمنحن الكرم للبخيل و الشجاعة للجبان و السماحة للأهوج ، بغيتهن كسب المال بأي شكل كان ، وهنا سوف لا نقحم أنفسنا بمثل هكذا نماذج مبالغ فيها، وكما أسلفنا لما كتبه الكثير من البحاث والنقاد بمثل هذه الموضوعة معتمدين على نماذج للترانيم أو النواعي مكررة لدى الجميع ونادراً مانجد (نعيا) جديدا ، ولا أنكر قوة ورقة تلك النماذج ، لذا تجدني قد أعددت الكثير غيرها معتمداً ومستفيداً من علاقاتي بأصدقاء عراقيون كثر ومن مختلف المحافظات العراقية جمعتني وأياهم فترة (العسكرية) ، ومعلوم أن الوحدات العسكرية آنذاك من مختلف المحافظات العراقية ، إذن هي نتاج لسنين طوال

السبب الرئيسي لتعلقي وشغفي بهذه ( النواعي ) أمي ! التي فقدت أخاها شاباً فكانت تندبه طوال يومها وجل ليلها لسنين لا تحصى ، ولا أعرف لماذا كانت عيناي تذرفان الدمع وأنا أصغي لنواعيها غير واع ومدرك لما تقول، وكثيراً ماكانت تقول البيت والبيتين من النواعي تستحضرهما هيّ وأجدها الأن مستكملة عروضياً ، وسبب آخر جعلني أهوى هذا الفن من الأدب الشعبي زوجتي وكأنها أرادت لا إرادياً أكمال مابدأته أمي مخالفة لها بالطريقة التي تؤديها فوالدتي تناولت النواعي وزوجتي الترانيم ،وزوجتي تملك صوتاً رخيماً دافئاً تجلس بجانب مهد ولدنا معللة له ( بترنيمة ) وهي تهز مهده ، وكنت أخفي وجهي عنها لأني لم أكن أمتلك زمام دموعي ، وأن أنهت تلك (الدللول) أطلب منها الكثير ، وأقسم أني كنت أنام قبل ولدي ، ولا أدري علة ذلك فلربما نحن الفقراء المحرومون من كل شئ حتى الحنان سبب وجيه لذلك .
عند دراستي العروضية للنواعي وجدتها تشترك بنفس تفعيلاتها مع كثير من هذا الأدب الشعبي الموروث فهناك قاسم مشترك بينها وبين الترانيم (الدللول) وبين أغاني الزوجات التعيسات – ظاهرة كعيم – وبين القلة من أغاني (الطحن بالرحى ) وغالبية أغاني (الطحن) هي من لون (الدارمي) وسنأخذ أمثالأً لكل ما أوردناه .
لا أريد أن أدخل بعمقٍ بدراسة عروضية بوزن النعي لأني وببساطة متناهية أجد من الصعوبة بمكان تقعيد – جعله بقواعد عروضية - الشعر الشعبي ، ومعلوم المقولة (العرب لاتبدأ بساكن ولا تقف على متحرك) ، هذا ما تركه لنا النحاة والعروضيون للغة العربية الفصحى ، بمعنى أننا لا يمكن لنا أن نقطع البيت الفصيح عروضياً دون أخذ الحركات من فتح وضم وكسر وسكون بنظر الأعتبار ، في حين أن الشعر الشعبي لا يقبل الحركة على أواخر الكلمات ، ويمكن لكم ذلك أن تأخذوا أي بيت للشعر الشعبي تحفظونه كدليل لما أذهب إليه ومثال ذلك للرمز العراقي الكبير مظفر النواب
دك راسك أبكاع العرس وأصعد أمناكز للدف
أيام المزبن كضن دكضن يأيام اللف أرجو ملاحظة كل مفردة في البيتين أعلاه فهل نستطيع تحريك أواخر الكلمات ، ناهيك عن أوسطها ، ولو أخذنا البيت للجواهري الكبير فهل يمكن لنا قرائته دون أن نحرك أواخر كلماته ولنجرب ،
حييت سفحك عن بعد فحييني يادجلة الخير يا أم البساتين
وأن كان ولا بد من أن نضع للنواعي قواعد عروضية فسيختلف العروضيون بذلك وسأكتفي بمثلين لذلك أولهما الدكتور ( كريم جبر الزبيدي ) الذي يقول ما نصه (وبما أن النعي = مستفعلن مستفعلاتن ، ونصف الحدي = مستفعلن مستفعلن أذن النعي = نصف الحدي مرفل ، ونصف الحدي = نعي محذوف ) ، الى أن يقول بعد شرح مطول وحذف وأستعاضة بتفعيلات متشابهة ( إذن نجد في النعي وزن الهجيني والمياس) ، هذا رأيه وهو المتخصص النحوي العروضي ورأي محترم بالتاكيد ، وعودة للرأي الثاني المحترم أيضاً (ربيع الشمري) والذي يقول ما نصه (ينظم هذا اللون من الشعر الشعبي بوزنين وغالباً ما تكون أشطره على قافية واحدة ،...... ويقول الأستاذ إبراهيم – لم يذكر ربيع أسم أبيه – في فنون الأدب الشعبي أن النعي هو مجزوء الركباني وليس بحراً مستقلاً بذاته ) وفي مكان أخر يقول السيد ربيع الشمري بدلالات وتفعيلات يوردها ، يمكن أعتبار النعي من بحر (المنسرح) أو بحر (الوافر) . وهناك آراء عروضية محترمة لو أخذنا بها لطال بنا المطال وفقدنا العبرة من هذا الموضوع ، وهذا يدعم رايِّ بعدم تقعيد أو ألزام الشعر الشعبي بقواعد عروضية لم يستقر عليه العروضيون .

1 : الترانيم (الدللول) .
وتقسم الترانيم لقسمين رئيسين أولهما للصبية دون السنتان ولربما تطول أكثر من السنتين ، والقسم الثاني لأكثر من السنتين ويمكن تسميتها ( الترقيص) أو (الهوسات) للأطفال ، وسنتناولهاتباعاً.
القسم الأول (الدللول)
--------
حينما تمسك الأم بمهد (كاروك) ولدها بعد أن تضع الصبي أوالصبية داخله ولا يختلف بذلك فقراء الناس وأغنيائهم ، إلا بنوع المهد ، خشبي أو حديدي ، وفراشه الداخلي مصنوع من الفطن الخالص أو من الصوف ، وتبدأ ترنيمتها وتقول
دللول الولد يبني دللول عدوك عليل وساكن الجول
وهذا هو المدخل لما ستقول بعده ، وحنايا الترانيم الداخلية لو تدرس من قبل علماء للنفس لخلصوا أن الترانيم إياها ماهي إلا إنفعالات لحالة الأم النفسية ، فأن كانت مرفهة مدللة بدارة زوجها وأهله لجائت ترانيمها مناغاة لحالتها النفسية ، والعكس صحيح ،
أخدمت شينات الجهايم لجل خاطر البلمهد نايم
وواضح تماماً أن هذه الأم تعيش بدار زوجها وبين أمه وأخواته وأنهن – الأم والأخوات – لسن على وفاق مع هذه الأم التعيسة ، ويكون الوقع أكبر لوكانت معاملة الزوج كمعاملتهن ،فتناجي رضيعها فتقول ،
لجل خاطرك فضيت خلكي أحملت الشتيمه وسبت أهلي
وهذا بين أن ما يمنعها من أعلان أو أظهار غضبها أمام خصومها هذا الذي ترنم له أحزانها وشكواها ، ولو تصورنا حالة النساء قبل أكثر من خمسين أو ستين سنة وعدم وجود وسائل الأتصال بينها وبين إهلها لبعد المسافة أولاً وعدم السماح للزوجات آنذاك الذهاب لأهلهن إلا ومعها أكثر من صبي ، ومعنى هذا أن الزوجة قد يصل عدم رؤيتها عائلتها – الأب والأم والأخوة والأخوات - أكثر من خمسة أوستة سنين ، وهنا تتذكر أمها مناغية لها ومتمنية أن تكون معها فتقول ،
حطي الولد بيني لبينج مدري جنيني لو جنينج

ليست هناك تعليقات: