مشهد الشمس
وطقوسه الحلية
حامد كعيد الجبوري
مئذنة ...
وقباب زرق
وعباءات سود
تتراقص في الأفق الممدود
الأبيات أعلاه للشاعر الحلي الكبير (موفق محمد) وهو يؤرشف لتجمع نسوي حلي كبير للأربعاء الأخير من شهر صفر من كل عام ، فقد اعتادت النسوة الحليات أن يأتين لمقام (مشهد الشمس) للإيفاء بالنذور التي تحققت لهن ، وفي السنوات الأخيرة انتشرت هذه الظاهرة لتعم المحافظات المجاورة لبابل ، وتتشابه المطالب لديهن كثيراً ، فمنهن من تطلب الولد لأنها لا تنجب إلا الإناث ، ومنهن من تطلب الحمل لأنها متزوجة من مدة طويلة ولم يرزقها الله بشي ، ومنهن من تتذرع لله أن يصلح حال زوجها ، ومنهن من تطلب الزوج الذي تتمناه ، والطريف جداً بهذه الأمنيات التي يرمن تحقيقها بعلامة آنية ومثل ما يقال بالأيد ، وفي هذه الحالة ما على الناذرة سوى أن ترتقي منارة المقام وتصل لباحته العليا وتعلّم عباءتها بخيط معين لها وترمي بها من أعلى المنارة ، فأن تطايرت سابحة بالهواء فعلامة ذلك أن طلبها سيحقق وما عليها إلا أن تهيأ نذرها للعام القادم ، وبالطبع فأنها تنزل مسرعة من أعلى المنارة وعلامات البشاشة واضحة وجلية على محياها وتلحظ النسوة الأخريات هذه البشاشة عليها ويقلن لها (أنشاء الله فرحة) ،وأن سقطت عباءتها غير متطايرة أو سابحة في الفضاء فنذير ذلك أن أمانيها ستبقى معلقة للعام الذي يليه ، وقسم من النسوة لا يستطعن صعود درج المنارة الداخلي – درج حلزوني طريقه أظلم شيئما إلا من بصيص النور المنساب من خلال الفتحات الصغيرة من جوانب المنارة – وهذا الدرج في المنارة حديثة البناء فقط والتي بنيت بخمسينات القرن المنصرم كما في المنائر الحالية المنتشرة في العراق والعالم الأسلامي ، أو الصعود لسطح المسجد المنشئ حديثاً بين المنارتين ، وفي هذه الحالة تكلف أختها أو جارتها أو صديقتها ، وأن تعذر عليها ذلك فتعطي عباءتها لأي طفل موجود لانجاز هذه المهمة مع شئ يسير من – الحلقوم أو الشكرات – كما تسميه العامة هدية متواضعة لإنجازه مهمتها،والنذور المقدمة تختلف طبقاً للحالة المعاشية لصاحبة النذر ، فمنهن من تنذر الخروف وأخرى – خبز لحم – وأخرى قدر – دولمة – ويوزع كل ذلك لزائرات مقام أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب (ع) ، ومقام مشهد الشمس يقع في الشمال الغربي للحلة الفيحاء وكذا غربي نهر الحلة بمسافة تقدر ب (1000) م عن النهر ، وأختلف الرواة بهذا المقام ومتى أنشئ ، فمنهم من قال أنه معبد لآلهة الشمس البابلية – آلهة الشمش - ، ومنهم من أسماه (مرد الشمس) معتمدين على الرواية التي تقول أن أمير المؤمنين علي (ع) حينما عاد من واقعة النهروان التي جرح فيها ولده (عمران) وأرتث –شارف على الهلاك – ومات بالقرب من مدينة بابل الأثرية ودفن قربها ، وبعد أن عبر قسم من الجيش الفرات وتأخر قسم آخر فاتهم صلاة العصر فسألوا علياً (ع) أن يدعوا الله ليرد عليهم الشمس كي يأدوا ما فاتهم من الصلاة ، فاستجاب الله مطلبهم على لسان علي (ع) وأدوا صلاتهم جمعاً معه ، فلذا أطلق على هذا المقام بمقام (مشهد الشمس) ، وقد أثبت هذه الرواية العلامة الشيخ الأميني بأسانيد كثيرة في كتابه الشهير الموسوم ب (الغدير) ،معتمدا على روايات كثيرة ومصادر مختلفة بهذا الخصوص ، ومنارة المقام بنيت في العهد السلجوقي والذي تميّز منائره عن العهود الأخرى بقرنصتها – مقرنصة – بقاعدة كبيرة تزغر كلما أرتفع بناء المنارة حتى تصل لقمتها ، وتختلف عن بقية المنائر بعدم وجود باحة للمؤذن بأعلاها كما في المنائر الأسلامية الأخرى ،وهذا يعني عدم وجود الدرج الحلزوني الذي ذكر أعلاه والناظر إليها من الداخل يجد أنها تشبه الغرف المسقفة إلا أن سقفها يرتفع تدريجياً ويزغر وصولاً لقمتها العليا ، بزخرفة معمارية جميلة جداً ، ويقول الباحثون في المنائر أن منارة مقام مشهد الشمس أحدى ثلاثة منائر لا تزال قائمة لحد الآن ، اثنان في بغداد منارة (السهروردي) ومنارة السيدة (زبيدة) ومنارة مقام مشهد الشمس في بابل ، الغريب أن الدول المتحضرة ترعى أيما رعاية موروثها المعماري إلا أن الغريب في العراق محاولة النظام السابق محو هذه المعالم الإسلامية الشامخة ففي عهد محافظ بابل (هاشم قدوري) أبان النظام السابق عام 1969 م أراد إزالة هذه المنارة بحجة بناء مجمع سكني بالقرب منها إلا أن ذكاء وفطنة مدير بلدية بابل المهندس والفنان المرحوم (شوقي جابر شعابث) ، ووفد رافقه أقنعوا المحافظ بالعدول عن ذلك متخذين من حجة أنها أحدى ثلاثة منائر سلجوقية باقية ذريعة لذلك وكان لهم ما أرادوا ، بل أكثر حيث أستحصل المرحوم شوقي جابر موافقة لترميم المنارة* وكان له ذلك ، وسألت أحد الآثاريين عن دقة ذلك ؟ ولماذا لم يذكر الرحالة أبن بطوطة برحلته الشهيرة هذا المعلم ؟ وهل أن الأطلال والخربة التي تقع غرب المقام ملحقة به سابقاً ؟ وكانت أجابته أن أبن بطوطة أرتحل للأمصار بعيد العهد السلجوقي فمن الطبيعي لا يذكر هذه المنارة ، ولربما لو نقب بالخربة المجاورة للمقام لحصلنا على معلومات قيمة جديدة ، وأستكمالاً لهذه الموضوعة أقول بنيت منارة حديثة في سبعينات القرن المنصرم على بعد (50) م من منارة المقام ، وسمعت من المهندس المرحوم شوقي جابر شعابث أنه حاول جاهداً أن لا تعلوا المنارة الحديثة على المنارة السابقة كي لا تظاهي جمالية المنارة السلجوقية القديمة ، ومن المفيد ذكره أن المساحة من الأرض المجاورة للمقام كانت لسنيين قليلة مضت مقبرة لفقراء المدينة وأطفالها ، واليوم أصبحت حديقة جميلة أضيفت لفناء بناء مقام (مشهد الشمس)
وطقوسه الحلية
حامد كعيد الجبوري
مئذنة ...
وقباب زرق
وعباءات سود
تتراقص في الأفق الممدود
الأبيات أعلاه للشاعر الحلي الكبير (موفق محمد) وهو يؤرشف لتجمع نسوي حلي كبير للأربعاء الأخير من شهر صفر من كل عام ، فقد اعتادت النسوة الحليات أن يأتين لمقام (مشهد الشمس) للإيفاء بالنذور التي تحققت لهن ، وفي السنوات الأخيرة انتشرت هذه الظاهرة لتعم المحافظات المجاورة لبابل ، وتتشابه المطالب لديهن كثيراً ، فمنهن من تطلب الولد لأنها لا تنجب إلا الإناث ، ومنهن من تطلب الحمل لأنها متزوجة من مدة طويلة ولم يرزقها الله بشي ، ومنهن من تتذرع لله أن يصلح حال زوجها ، ومنهن من تطلب الزوج الذي تتمناه ، والطريف جداً بهذه الأمنيات التي يرمن تحقيقها بعلامة آنية ومثل ما يقال بالأيد ، وفي هذه الحالة ما على الناذرة سوى أن ترتقي منارة المقام وتصل لباحته العليا وتعلّم عباءتها بخيط معين لها وترمي بها من أعلى المنارة ، فأن تطايرت سابحة بالهواء فعلامة ذلك أن طلبها سيحقق وما عليها إلا أن تهيأ نذرها للعام القادم ، وبالطبع فأنها تنزل مسرعة من أعلى المنارة وعلامات البشاشة واضحة وجلية على محياها وتلحظ النسوة الأخريات هذه البشاشة عليها ويقلن لها (أنشاء الله فرحة) ،وأن سقطت عباءتها غير متطايرة أو سابحة في الفضاء فنذير ذلك أن أمانيها ستبقى معلقة للعام الذي يليه ، وقسم من النسوة لا يستطعن صعود درج المنارة الداخلي – درج حلزوني طريقه أظلم شيئما إلا من بصيص النور المنساب من خلال الفتحات الصغيرة من جوانب المنارة – وهذا الدرج في المنارة حديثة البناء فقط والتي بنيت بخمسينات القرن المنصرم كما في المنائر الحالية المنتشرة في العراق والعالم الأسلامي ، أو الصعود لسطح المسجد المنشئ حديثاً بين المنارتين ، وفي هذه الحالة تكلف أختها أو جارتها أو صديقتها ، وأن تعذر عليها ذلك فتعطي عباءتها لأي طفل موجود لانجاز هذه المهمة مع شئ يسير من – الحلقوم أو الشكرات – كما تسميه العامة هدية متواضعة لإنجازه مهمتها،والنذور المقدمة تختلف طبقاً للحالة المعاشية لصاحبة النذر ، فمنهن من تنذر الخروف وأخرى – خبز لحم – وأخرى قدر – دولمة – ويوزع كل ذلك لزائرات مقام أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب (ع) ، ومقام مشهد الشمس يقع في الشمال الغربي للحلة الفيحاء وكذا غربي نهر الحلة بمسافة تقدر ب (1000) م عن النهر ، وأختلف الرواة بهذا المقام ومتى أنشئ ، فمنهم من قال أنه معبد لآلهة الشمس البابلية – آلهة الشمش - ، ومنهم من أسماه (مرد الشمس) معتمدين على الرواية التي تقول أن أمير المؤمنين علي (ع) حينما عاد من واقعة النهروان التي جرح فيها ولده (عمران) وأرتث –شارف على الهلاك – ومات بالقرب من مدينة بابل الأثرية ودفن قربها ، وبعد أن عبر قسم من الجيش الفرات وتأخر قسم آخر فاتهم صلاة العصر فسألوا علياً (ع) أن يدعوا الله ليرد عليهم الشمس كي يأدوا ما فاتهم من الصلاة ، فاستجاب الله مطلبهم على لسان علي (ع) وأدوا صلاتهم جمعاً معه ، فلذا أطلق على هذا المقام بمقام (مشهد الشمس) ، وقد أثبت هذه الرواية العلامة الشيخ الأميني بأسانيد كثيرة في كتابه الشهير الموسوم ب (الغدير) ،معتمدا على روايات كثيرة ومصادر مختلفة بهذا الخصوص ، ومنارة المقام بنيت في العهد السلجوقي والذي تميّز منائره عن العهود الأخرى بقرنصتها – مقرنصة – بقاعدة كبيرة تزغر كلما أرتفع بناء المنارة حتى تصل لقمتها ، وتختلف عن بقية المنائر بعدم وجود باحة للمؤذن بأعلاها كما في المنائر الأسلامية الأخرى ،وهذا يعني عدم وجود الدرج الحلزوني الذي ذكر أعلاه والناظر إليها من الداخل يجد أنها تشبه الغرف المسقفة إلا أن سقفها يرتفع تدريجياً ويزغر وصولاً لقمتها العليا ، بزخرفة معمارية جميلة جداً ، ويقول الباحثون في المنائر أن منارة مقام مشهد الشمس أحدى ثلاثة منائر لا تزال قائمة لحد الآن ، اثنان في بغداد منارة (السهروردي) ومنارة السيدة (زبيدة) ومنارة مقام مشهد الشمس في بابل ، الغريب أن الدول المتحضرة ترعى أيما رعاية موروثها المعماري إلا أن الغريب في العراق محاولة النظام السابق محو هذه المعالم الإسلامية الشامخة ففي عهد محافظ بابل (هاشم قدوري) أبان النظام السابق عام 1969 م أراد إزالة هذه المنارة بحجة بناء مجمع سكني بالقرب منها إلا أن ذكاء وفطنة مدير بلدية بابل المهندس والفنان المرحوم (شوقي جابر شعابث) ، ووفد رافقه أقنعوا المحافظ بالعدول عن ذلك متخذين من حجة أنها أحدى ثلاثة منائر سلجوقية باقية ذريعة لذلك وكان لهم ما أرادوا ، بل أكثر حيث أستحصل المرحوم شوقي جابر موافقة لترميم المنارة* وكان له ذلك ، وسألت أحد الآثاريين عن دقة ذلك ؟ ولماذا لم يذكر الرحالة أبن بطوطة برحلته الشهيرة هذا المعلم ؟ وهل أن الأطلال والخربة التي تقع غرب المقام ملحقة به سابقاً ؟ وكانت أجابته أن أبن بطوطة أرتحل للأمصار بعيد العهد السلجوقي فمن الطبيعي لا يذكر هذه المنارة ، ولربما لو نقب بالخربة المجاورة للمقام لحصلنا على معلومات قيمة جديدة ، وأستكمالاً لهذه الموضوعة أقول بنيت منارة حديثة في سبعينات القرن المنصرم على بعد (50) م من منارة المقام ، وسمعت من المهندس المرحوم شوقي جابر شعابث أنه حاول جاهداً أن لا تعلوا المنارة الحديثة على المنارة السابقة كي لا تظاهي جمالية المنارة السلجوقية القديمة ، ومن المفيد ذكره أن المساحة من الأرض المجاورة للمقام كانت لسنيين قليلة مضت مقبرة لفقراء المدينة وأطفالها ، واليوم أصبحت حديقة جميلة أضيفت لفناء بناء مقام (مشهد الشمس)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق