الاثنين، 1 مارس 2010
الانسان والاغتراب-بقلم فلاح الرهيمي
(( الإنسان والاغتراب ))
يقول علماء الاجتماع : ( إن التناقضات في النظام الرأسمالي سوف يسبب بحلول نظام اجتماعي جديد من أعماله الأولى ( العمل المغترب ) وذلك عندما تحكمنا نظم وعلاقات اجتماعية يخلقها نظام خارج عن سيطرتنا وإرادتنا فان ذلك ما يشار إليه بأنه ( الاغتراب ) . كما يرى كارل ماركس في الاغتراب ( إن احد الطرق التي يستغل بها الإنتاج الرأسمالي العمال هي أن يجعلهم يشعرون بغربتهم عن إنتاج أيديهم وتتعدى تأثيرات الرأسمالية السلبية مكان العمل إلى حد كبير فهي تتخلل كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية حتى العلاقات الأسرية كما تشمل العلاقات الإنسانية وحرية الفرد التي تتحكم بها وتفرضها طبيعة النظم الاجتماعية بعدم السماح والقدرة عند الإنسان بالوصول إلى إمكاناتهم الكامنة والمبدعة أو ممارسة إرادتهم ورغباتهم الحرة التي يرى أنها أجزاء أساسية من الطبيعة البشرية ) .
كما يقول علماء النفس : ( إن الشخصية البشرية تكوين حركي ومحاولة مستمرة في سبيل التوفيق بين الرغبات الإنسانية الطبيعية وقواعد المجتمع المفروض عليه ) . وهذا يعني إن الاغتراب هو استلاب الإنسان حقوقه الطبيعية وحرمانه منها ، فيفقد صفاته البشرية ويتجرد من شخصيته الإنسانية ، فالإنسان عند ذلك ليس هو الذي يحدد ما يقدر عليه عمله وما ينبغي عليه عمله ، وإنما يخضع لقوى مسيطرة عليه وخارجة عن نطاق إشرافه وإرادته ورغبته ، فلا يستطيع الوصول إلى الأهداف التي يسعى إليها بحريته وإرادته ورغبته ، وتبدو حياته وقواعدها وأشكالها أمورا ليست منسجمة مع طبيعة الناس المشتركة وإنما فرضها الآخرون . وفي ظروف كهذه تبدو علاقات الناس الواقعية مشوهة في أذهانهم فتظهر بأشكال مختلفة من ضروب الأوهام والضلالات في العلاقات الاجتماعية التي خلقها نشاط الناس وسلوكهم وتصرفاتهم . ولو قارنا ذلك مع الحياة التي يعيشها الإنسان العراقي ، كم يحتاج من المسافات الزمنية والمعانات الوجدانية حتى يصل إلى رغباته وإنسانيته ، فهو حينما يشاهد التلفاز وينقطع التيار الكهربائي فهو ( اغتراب ) وحينما يستمع إلى المذياع فيطرب لصوت ينطلق منه ويرتاح إليه وفجأة ينقطع الصوت بسبب انقطاع التيار الكهربائي فهو ( الاغتراب ) وحينما يسير في الطريق فيجد الرصيف المخصص للسابلة مغلق بالحاجيات والسلع وأدوات العمل فيضطر إلى السير في الشارع المخصص للسيارات وقد يتعرض للدهس أو الموت فهو ( الاغتراب ) وحينما يسير في الشارع ويشاهد الملابس والمأكولات والحاجيات وهو لا يمتلك ( الفلوس ) التي يستطيع بها شرائها واقتنائها فهو ( الاغتراب ) وإذا كان يسير في الطرق والدرابين وخرجت من مطابخ البيوت رائحة المأكولات اللذيذة التي لا يملكها ولا يستطيع الحصول عليها فهو ( الاغتراب ) وكذلك إذا كان محروما من اللذات والرغبات الأخرى فهو الاغتراب أيضا . أما الطفل اليتيم الذي فقد رعاية وعطف الوالدين بعبوة ناسفة أو رصاصة مستهدفة أو سيارة مفخخة يحمل كيسا على ظهره يجمع فيه علب المشروبات الغازية الفارغة ويشاهد طفلا آخر يحمل على ظهره الكتب المدرسية ذاهبا إلى المدرسة هو ( الاغتراب ) والأرملة التي تحمل تحت عباءتها كيسا تحمل فيه ما تعثر عليه وتبحث عنه في النفايات والازبال كي تطعم به أطفالها الأيتام الجياع هو ( الاغتراب ) . الإنسان الذي ترك عمله وغامر في حياته متحديا جميع الاحتمالات لكي يصل إلى صندوق الاقتراع ويطرز بطاقة الانتخاب بأسم المرشح الذي اختاره ليمثله ويثق به ، ثم يذهب صوته إلى مرشح آخر غصبا عنه لا يعرفه ولم يشاهده في حياته هو ( الاغتراب ) أيضا .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق