بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأحد، 14 مارس 2010

الحلة وشقاوات ايام زمان -بقلم حامد كعيد الجبوري



الحلة وشقاوات أيام زمان
(أبراهيم عبدك) أنموذجاً حامد كعيد الجبوري
لا يخفى أن أيام زمان وقبل تأسيس الحكومة العراقية كان العراق على شكل دويلات أو قل أقاليم أو مقاطعات يحكمها المتنفذون أصحاب المال والإقطاعيات الشاسعة ، وبالطبع أن هؤلاء المتنفذون بحاجة لمن يُدّعم سلطانهم ويقدم الحماية لهم ولعوائلهم ولمعيتهم ، ويختار المتنفذون هؤلاء الأشخاص –الحماية - من عوام الناس ممن تتوفر فيهم شروط اللياقة البدنية،من عضلات مفتولة وقوة إرادة وتجربة بفنون القتال ، وله سمعة بين أوساط المدينة بالشجاعة ومجرب بكذا معركة خاضها وحقق نصراً بها ،وبقدر السلطة التي يملكها المتنفذ وبقدر مملكته أو إمارته يكون حجم هذه الحماية ، بعد أن أسست الدولة العراقية الجديدة في عشرينات القرن المنصرم ودخول المستعمر الأنكليزي للعراق أنحسرت مهمة هؤلاء الحمايات – الشقاوات – بل وشكلوا خطراً واضحاً على مسيرة الدولة الحديثة وما على الحاكم الجديد إلا أن يفتت عضد هؤلاء الشقاوات وتجزئة عصاباتهم بالترغيب – المال – أو الترهيب – القتل أو الأعتقال أو النفي – لبسط نفوذ الدولة ، وبالطبع أن المستخدم الأول وأعني به المتنفذ أو الأقطاعي أفرحه ذلك ليتخلص من عبأ ما يقدمه لهم من مال أولاً ومن تطاول البعض منهم وتدخلهم بشؤن الشيخ أو المتنفذ أو الأمير الشخصية ثانياً ، وتختلف الصفات لدى هؤلاء الشقاوات ، فمنهم من يبرز بأوساط عشيرته حامياً ومنجداً ومئآزراً لعشيرته أو منطقته أوحتى عائلته من تدخل الأخرون ، وهي صفات محمودة وحميدة لدى الجميع وهم القلة، ومنهم من يبرز قاتلاً ومنفذاً لأوامر قتل لقاء مبلغ أقل من القليل لقاء مهمته ، وبالطبع أن أخلاق مثل هؤلاء منفرة غير محببة للناس وعوامهم ، وسأتحدث عن شخصية من هؤلاء الشقاوات علماً أن سلوك هذا الرجل كان مرضياً لجميع من يعرفه من أهالي الحلة الفيحاء ، في منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم جاء للحلة الفيحاء شخصية أسطورية منفياً من مدينته ( ديالى ) ، أو من المناطق المحيطة بها وهو رجل من الكورد (الفيليين) يسمى (أبراهيم عبدك) طبقت شهرته الأفاق وأصبح مضرب مثل


للكثير بالشجاعة والبأس والقوة وتقول العامة مثلاً لمن هو هكذا (قابل أنت أبن عبدك) ، وجاء الرجل للحلة الفيحاء ومعه أخت أو بنت أخت لتقدم الخدمة له ، ومن محاسن الصدف التي لم نستغلها للتوثيق ، أنه سكن (محلتنا) وتسمى (الوردية) بجانب الحلة الصغير ، والحلة يشطرها النهر لشطرين الكبير يسمى الصوب الكبير ويضم سبعة أو ستة (أطراف) لتداخل (طرفان) فيما بينهما والصوب الصغير يضم ثلاثة (أطراف) أحداهن (الوردية) ، أدركت هذا الرجل ولم أعرفه أو أراه ، ولو كنت بوعي هذا لأرشفت كل شئ ولأغناني عن التتبع والتقصي والسؤال عن (أبراهيم عبدك) ، وكما فلنا سلفا أن الحكومة البريطانية ترغب و ترهب الأخرين لذا فأن (أبن عبدك) وعى ذلك بحسه الفطري وقبل بوظيفة مرشد آثاري بمدينة بابل ، ويقول الدكتور المغترب( عدنان الظاهر )أني رأيت (أبن عبدك) بآثار بابل مرشداً سياحياً ومتحدثاً للأنكليزية بطلاقة ملفتة للانتباه ، وهو يرتدي الزي العربي لأهالي الفرات الأوسط من عقال وكوفية وعباءة رجالية ، ويقول الظاهر أن (أبن عبدك) في أوقات دوامه الرسمي يلف كوفيته على رأسه ويترك عقاله لما بعد الدوام ، وهذا ما أورده الأستاذ جعفر هجول بكتابه (الحلة بين العشق والأنتماء) ، وأخالف الأستاذ هجول الذي وصف (أبن عبدك) أنه رجل أٍسمر البشرة بعد أن تحدثت مع كثير ممن رأى هذا الرجل فقالوا أن (أبراهيم عبدك ) بوجه أبيض يميل الى الحمرة ، ليس بالقصير ولا الطويل ولا النحيف أو البدين وقرٌ جدا يحمل بيده عصى لأغراض شتى ، وحدثني صديقي وقريبي الأستاذ ( صبري ديكان) أن (أبراهيم عبدك ) كان جاراً لعمه وقد رآه أكثر من مرة وأستمع لحديثه المشوق ، ومرة حدثهم -(أبن عبدك)- كما يقول الأستاذ (صبري) في أحدى مقاهي الصوب الصغير قائلاً ( خرجنا أحد الأيام لنكسب رزقنا كما يقال ونحن أكثر من عشرة أزلام بقيادتي _ أبن عبدك _ وصادفنا بطريقنا رجل بدوي لوحده يقود عشرة جمال محملة بحاصل الحنطة والرجل البدوي لا يملك إلا عصاه الخيزران ، ونحن مسلحون بالهراوات والسيوف والخناجر والرجل البدوي أكبر منا سناً فاستسهلنا عملية السطو عليه جهاراً وأخذ ما لديه عنوة دون قتله وأخبرناه بذلك ولم يكترث الرجل البدوي وقال لنا أن



أردتموها بالقوة فلا أعطيكم إياها إلا بقتلي وأن أردتموها مروة فخذوها هنيئاً مريئاً ، فقلت له _ ابن عبدك _ لا وإنما نأخذها منك بالقوة ، فقال البدوي إذن والله لا أعطيها ، وتقدمنا نحوه وكان يضرب منا الرجل فيوقعه أرضاً من هول ضربته ، ولم نستطع الوصول لمأربنا منه بتاتاً ، وأصاب الكثير منا ، وكان باستطاعتنا قتله بمسدس نملكه أو بندقية أنكليزية يحملها أفراد عصابتنا ، ورأيت أن مثل هكذا مراجل حقيقية يجب أن يكرم بالبقاء حياً وأمرت أصحابي بتركه ووقفت بعيداً عنه وخاطبته أذهب بدعة الله وسوف نتركك لشأنك ، ضحك البدوي وقال لنا بصدق ، تعالوا خذوا نصفها هدية مني ، قلت له هذا لن ولم يكون أذهب يحرسك الله ، وكان يفترض بنا أن نحسبها بشكل أفضل ولا نعرض أو نتعرض إليك ، لأن قومك أو أهلك عرفوا وخبروا قدراتك ورجولتك وأنك (كدها وكدود) )، والرجل موضوع بحثنا له ثارات كثيرة في موطنه الأول فلذا هو يحمل (مسدساً) تحت ملابسه ولا يكاد يغادر بيته من دون سلاحه ، بعد شيخوخته وإحالته على التقاعد أتخذ من مقهى (محمد الحايج) مقراً دائماً له للراحة والجلوس يحيطه شباب كثر من أهالي الحلة وبخاصة (الوردية) ليستمعوا لحديث بطولاته وغزواته التي لا تخلوا من فخار بنفسه ، في أحدى ليالي الحلة الشتائية سُمعت أصوات أطلاقات نارية بمقهى (محمد الحايج) وهرع أهالي الوردية لصوت الأطلاقات فوجدوا (أبن عبدك ) مضرجاً بالدماء وهو يمتلك وعيه وقال دونكم الرجل ،ورواية أخرى تقول كان القاتل كامناً له بأحد الأزقة المؤدية لداره ، ونقل المصاب لمستشفى الحلة الجمهوري ، وأخبر ضابط الشرطة المكلف بالتحقيق (أبن عبدك) أن أحد رجال (الوردية) ألقى القبض على الجاني فتهللت أساريره وقال هل لي أن أراه ، جلب الجاني له وسأله – أبن عبدك – من أنت ؟ ، أجاب الرجل بنشوة واضحة أنا أبن (فلان) الذي قتلته بيدك وأنا لا زلت في المهد ، ضحك –ابن عبدك – وقال أنت رجل أخذت بثأر أبيك وسجل أيها الضابط أنا متنازل عن حقي الشخصي ، وهذه الرواية لا تنهض مع الحقيقة لأن الشرطة لا تجلب القاتل للمقتول رغم تأكيد القاضي الراحل الذي حقق بالقضية هذه الرواية ، والذي مسك بالقاتل يسمى (عبيد القصاب) والذي يسميه أهل


الوردية (صخيله سوده) بسبب ذباحته (للصخول ) أكثر من الخراف ، أضافة لعمل أخر له وهي الحراسة الليلية ، فبينما هو يؤدي واجبه ألحراسي ، لاحظ رجلا ً هاربا باتجاه البساتين التي تحيط محلة (الوردية) وأغلب هذه البساتين محاطةبأسيجة من نبات بري كثيف له مابين أغصانه ( دبابيس ) قوية جداً تسمى بالعامية (العلكة ) ومن سوء حظ هذا القاتل أن سقط بوسطها ويقال أن الحية لا يمكنها أن تنفذ من خلال هذه (العلكة) – للمبالغة والطرفة – وكثافة أبرها النباتية الحادة ، سُلم الجاني طالب الثأر لمديرية شرطة الحلة من قبل الحارس (عبيد القصاب) وأسدل الستار عن قصة هذا الرجل الذي قُتل ثأراً بجريرته ، بعدها عادت أخته أو أبن أخته لديارها وأهلها في ديالى ، التقى السيد جعفر هجول والأستاذ المحامي جاسم الصكر بقاضي هذه الدعوة وأيد ماذكر عن تنازل المقتول عن حقه الشرعي وذلك كان عام 1961 وأنا – القاضي - الذي كتبت تنازل المقتول عن حقه من القاتل والقاضي هو المرحوم (خليل أسكندر الجبوري) .


المصادر
------
1: متابعة شخصية ولقاءآت مع أفراد عاشوا حياة أبراهيم عبدك ومنهم السيد محمد دهيم
2 : الحلة بين العشق والأنتماء / جعفر هجول
3 : مذكرات حلية / الدكتور المغترب عدنان الظاهر

ليست هناك تعليقات: