الأحد، 10 أبريل 2011
التوريث المنوي عند العرب-كاظم فنجان الحمامي
التوريث المنوي عند العرب
كاظم فنجان الحمامي
سارت الخلافة الراشدية بين الشورى والاستخلاف في مسارين متقاربين متوازيين, فالخلافة إما أن تكون بالشورى, حيث يجتمع أهل الحل والعقد على رجل صالح, أو بالاستخلاف وتطبيق منهاج النبوة, حيث يستخلف الحاكم رجلا صالحا, وهذا هو النهج الذي اعتمدته الأمة في مرحلة الخلافة الراشدية, وهي المرحلة التي شملها الحديث الشريف, الذي رواه (سفينة) مولى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم, يقول: (الخلافة ثلاثون عاما, ثم يكون بعد ذلك الملك), رواه أحمد, وأبو داود, والترمذي, وأبن حبان, وقالوا عنه (حديث حسن), وهذا هو نظام الحكم العادل, والمسار الصحيح الذي انحرفت عنه الحكومات العربية والإسلامية, فجنحت نحو تطبيق متوالية التوريث المنوي من الأب إلى الابن, ومن الابن إلى ابن الابن, إلى ابن ابن الابن, وكان الملوك والسلاطين والأمراء يتأرجحون في بندول السلطة بين المبدأ القائل: (لن اترك الحكم حتى الموت), والمبدأ القائل: (لا حكم من بعدي إلا لولدي),
فانحصر السلطان في قبضة أجيال وأجيال ينتمون إلى أسرة واحدة, تداول رجالها الحكم بالتعاقب من الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد, من دون الرجوع إلى أهل الحل والعقد, حتى اتسع البون بين الخلافة والملك, وتشبث رؤساء العوائل المالكة بصولجان الحكم, ولم يتنازلوا عنه لغيرهم إلا بالحروب والانقلابات والدسائس والمؤامرات والاغتيالات, ثم انتقل الحكم إلى أطفال ومراهقين دون سن الرشد, لا تتوفر فيهم الكفاءة ولا الصلاحية, والشواهد التاريخية على أمثال هؤلاء كثيرة, ومثبتة في سجلات الدولة الأموية والعباسية والفاطمية والادريسية والحمدانية والسلجوقية والبويهية والعثمانية, نذكر منهم (معاوية بن يزيد), الذي ورث الحكم عن أبيه وهو في الثالثة عشر من عمره, و(مروان بن الحكم), الذي أوصى بانتقال الحكم إلى ولديه (عبد الملك وعبد العزيز) بالتعاقب, فاستحوذ عبد الملك على العرش, وورّث الحكم إلى ولديه (الوليد, وسليمان) بالتعاقب أيضا, ثم استحوذ الوليد على العرش, وورّث الحكم إلى ولديه (الحكم وعثمان) بالتعاقب أيضا, وهما لا يزالان طفلين صغيرين, ومن المفارقات المضحكة أن (الأمين بن الرشيد) أمر بتوريث الحكم إلى ابنه (موسى) وهو طفل رضيع, وكان لقبه (الناطق بالحق) قبل أن ينطق بحرف واحد, وأوصى (العزيز بالله) بالخلافة لابنه (الحاكم بأمر الله) وعمره ثمان سنوات, وصار السلاطين (محمد الثاني), و(أحمد الأول), و(محمد الثالث), و(عثمان الثاني), و(مراد الرابع) خلفاء في الدولة العثمانية وهم في سن المراهقة.
ولم يكتف الطواغيت الكبار والصغار بما نهبوه من ثروات, وما ارتكبوه من آثام عبر هذا التاريخ الطويل من القهر والتسلط والاستبداد, بل جعلوا أحفادهم وأحفاد أحفادهم امتدادا لطغيانهم وعبثهم واستهتارهم, وكنا نحن الفريسة والضحية في كل العصور حتى يومنا هذا, الذي انتقلت فيه عدوى التوريث إلى الأنظمة الجمهورية الدستورية, في الوقت الذي واصلت فيه الأنظمة العربية الموروثة تمسكها بمبدأ التوريث المنوي, ولسنا هنا بصدد التطرق لأسماء أبناء الرؤساء, الذين كانوا حتى يوم انفجار بركان (البوعزيزي) قاب قوسين أو أدنى من التسلق فوق كرسي الرئاسة, لكن الملفت للنظر أن حمى التوريث المنوي سرت في شرايين الدول العربية كلها,
وصار من حق ابن الوزير أن يصبح وزيرا, ومن حق ابن البرلماني أن يكون برلمانيا بالاستنساخ, وظل التوريث المنوي من سمات التركيبة العشائرية والقبلية عند العرب, وصار من حق ابن شيخ العشيرة أن يكون شيخا بالتلاقح, ومن حق ابن العمدة أن يصبح عمدة على سن ورمح, وصار التوريث من الحقوق المسلم بها في مهزلة التوريث العائلي المقدس , أما نحن فلم نرث شيئا سوى الألم والحزن والفقر والعوز والفاقة, وورثنا الخوف والرعب والقهر, وضاعت حقوقنا كلها في بحار السياسات الهمجية الاستبدادية المتراكمة. . . .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق