البابليون
حينما يشعر الله باليأس من خلقه
وحين يشعر بالوحدة
ينزل الى أرض بابل
ويدعو الناس الى الاجتماع
يضع فوق سطوح المنازل
نجمة زرقاء
وينتظر في الزقورة.
البابليون المدعوون الى الحفلة
يضعون نجومهم الزرقاء أمام أبوابهم
يرتدون أحلى ملابسهم
بعد أن يستحموا ويضعوا الزيت على شعرهم الاسود
ثم يذهبون لملاقاة الله كالعادة
وهم يحملون الزهور وأغصان الزيتون.
عادةً ما يشكر الله البابليين ويمضي سعيداً
لأن القوم يعرفونه
القوم الذين ابتكروه
يضع شرائعه الجديدة مطمئناً
ويغفو مبتسماً
لأن العالم في بابل بخير دائماً.
البابليون الذين يمرحون في الطرقات
ما عادوا يحتفلون كثيراً
لأن الله لم يعد يظهر في الزقورة
لم يعد يرسل لهم نجوماً زرقاء
لأنه خائف من السيارات المفخخة.
***
الرجل الحلزون
لو قيِّض لي أن أبدأ
حياتي من جديد
لاخترتُ أن أكون حلزونا
وأعيش في جسدي.
أينما أذهب
أكون في بيتي
وحين أقف
يتلاشى المكان.
لي زمن خالص
ذكرياتي أصنعها بنفسي
وتاريخي أكتبه بيدي.
لو قيِّض لي أن أبدأ
حياتي من جديد
لاخترتُ أن أكون حلزوناً
وأعيش في جسدي.
جرّبتُ أن أعيش كالآخرين
في بيت صغير جميل
في وطن صغير جميل
ولكن الارض ضاقت عليَّ
لأنني أردتُ أن أكون سيد نفسي.
منذ ذلك الحين
بنيتُ داخل نفسي بيتاً
ودعوتُ العالم كي يسكن فيه.
***
برقيات
إلى خزعل وعبد الزهرة
بماذا يفكر البرق
قبل أن ينطلق؟
يعرف أنه يسبق صوته دائما
الضوء عادة في المقدمة.
الشعلة واقفة أبداً
من يجرؤ أن يقول لها
إجلسي!
والينبوع أيضاً نزق دائم
من يجرؤ أن يقول له
تمهّل!
أنت من تكونين
فمك شعلة وأصابعك
حزمة من ينابيع...
لا تنظري إليَّ هكذا
أشعر أنني سأحترق.
ليس لديك رسالة
سوى الضوء
وأنا من عمّالك.
تسهر الشمعة واقفة
قد تغفو قليلاً
ولكنها تستيقظ قبل أن تحترق.
كان لنا خبز أسود
صنعناه في الظلام
يقول عبد الزهرة
وكان يمكن أن نتقاسمه.
اليوم صار لنا خبز أبيض
وقلوب سوداء
لأن الينبوع استرخى
والشعلة سقطت.
لم يعد لي منزل ولا أصدقاء
واحد مهجّر
وآخر مخطوف
مثل مروان بن خزعل.
بماذا يفكر البرق
قبل أن ينطلق؟
يعرف أنه يسبق صوته دائماً
الضوء عادة في المقدمة
ولكنه لا يعرف
إلى أية جهة يتقدم.
***
حديقة في الجحيم
كل شيء أسود في الحديقة...
الأزهار حجرية،
تشرب القار وتتنفس الرماد
ولها رائحة النار.
عن أي جحيم يتحدث رامبو؟
الأشجار هنا لها شكل الحريق
وثمار الألم السوداء
تتدلى الى الهاوية.
كل زهرة شعلة تنذر بالقيامة.
في حديقة الشيطان
الممرات ضيقة كبقعة بين عدمين
وأي خطوة خطأ
تقود الى جحيم كالجحيم.
زهرة الجنة كما أرادها الشيطان
في حديقته...
حجر مصهور
له شكل كابوس أسود
بحجم الكارثة
وله طعم الاسفلت.
عن أي جحيم يتحدث رامبو؟
في جزر الكناري
يعيش الناس في تماثيلهم القاتمة
وحين يتحركون
يتراجع البحر
ويتوارى خلف فكرته.
في حديقة الشيطان
(هل هي جزر الكناري؟)
تقف زهرة الفحم على ساق واحدة
وتدخن تاريخها.
كل شيء أسود في حديقة الشيطان
والدخان هو اللغة السائدة
العبارات تغلي
والكلمات تتبخر حين ينطقها الهواء.
كل خطوة خطأ
تقود الى جحيم كالجحيم
ليس من السهل على المرء
أن يخرج من حديقة الشيطان
دون أن يصبح اسود...
وكنت أتساءل
إن كنت أسود
قبل أن أدخل في الحديقة؟
***
حياة مفخخة
الى شهداء بابل العظيمة... الى شهداء العراق العظيم
بالدم أبدأ
وبه أنتهي كل يوم.
كل صباح أهبط الى
مخزن السكراب
أخلع رأسي وأفرغه من شظايا
مفخخات الأمس
ثم أغسل الدم المتيبس
عن مخيلتي.
أشعر أن كل شيء مفخخ
أضغط زرّ الكومبيوتر
وأختفي مسرعاً خلف الجدار
قبل أن ينفجر
لا أستطيع أن أوقد سيجارة
من دون أن أفكر بالانفجار
كل شيء بالنسبة لي قابل للانفجار
التلفون... ماكينة القهوة
جرس الباب... الرسائل...
أشعر أن جسدي مفخخ أيضاً
وقابل للانفجار.
بالدم أبدأ
وبه أنتهي كل يوم.
كل مساء أمضي الى فراشي
زاحفاً
أتمنى أن لا أستيقظ بعد ذلك
لا أريد أن أواصل العيش
بهذه الحياة المفخخة.
***
أنا كمال سبتي
قيل لي إنني متّ ذات يوم
وصحف ذلك اليوم
نشرت صوري كلها
وغداً سوف يجتمع الأعداء والأصدقاء
من كل لون
كي يقولوا كلاماً غامضاً
عن حياتي وموتي.
في ذلك اليوم
يوم موتي، كما قيل لي
قيل عني:
أشعر الأحياء،
آخر القديسين،
صاحب المدن المقدسة،
نبي القلق وشيطانه.
في ذلك اليوم
يوم موتي، كما قيل لي
قيل عني كل شيء
إلا أنا.
من تراني أكون؟
هل أنا حقاً ما قاله الآخرون؟
أيها الاصدقاء
اخفضوا اصواتكم
إنني ميت منذ سنين
فلماذا تدفنونني مرتين؟
***
جدران
جدار جداران جدران
الباب المقفل جدار
والأسلاك الشائكة
الزحام جدار.
جدران جدران جدران
السيارات المفخخة جدران
الهمر جدار
والأشقر مع الرشاش
السيطرات جدار
المرأة المحجبة جدار
الجيران جدار
النهر الميت جدار.
جدران جدران جدران
العراقي جدار.
جدران جدران جدران
النخلة بلا رأس جدار
المكان الفارغ جدار
الزمن الواقف جدار.
جدران جدران جدران
السلاح جدار
واليد التي تحمله
الكاتم جدار
الموتى جدران.
الخطأ جدار
الحجر جدار
كل شيء مغلق جدار
الزهرة الميتة
الشجرة المحروقة
والمرأة الصامتة
جدران جدران جدران
النائم خلف جدار واطئ
جدار واطئ
الواقف خلف جدار عال
جدار عال.
جدران جدران جدران
الجدار الواقف سوف يسقط
الجدار الساقط فكرة ميتة
الجدار الميت لا يفكر
جدران جدران جدران
خلف كل جدار
فكرة للاغتيال
الجدار الوحيد جدار أعزل
والغبار تحية الجدران
جدران جدران جدران
اللغة جدار
ومن لا جدار له لا عقل له
أحلامنا جدران
وأوهامنا
أسير ومعي جداري
يقول لي جاري
صباح الخير
ويعلي جدرانه
جدران جدران جدران
ليس لي جدار
أنا لست منكم
جسدي جداري.
***
لا يريد أن يكون حجراً حتى ولو كان تمثالاً
له حياة مرتجّة لا تثبتها المسامير
ولا توثّقها الحبال... تليق براية
عمياء تحت رياح قديمة وسماء
مجهولة. غير أنه سيصبح تمثالا
ولكنه لا يريد أن يكون حجراً.
يهتزّ كبركان ولكنه يفكر بالسنبلة
لأنه يهتز من أجل فكرتها الخضراء.
يتلبسه خيال التمثال الذي سيكونه
بعد قليل كتابوت مليء بحياة ميتة
ولكنه لا يريد أن يكون حجراً
الحجر صامت ونبيل... أهذه هي
النهايات؟
حياته ارتجاج دائم وهو كذلك،
لا يقف ولا يسقط كيقظة مرّة بين
كابوسين: رنة المسمار أو رشقة
الحبال، كفاصلة موسيقية بين
صمتين، ولكنه ليس صمتاً ولا
فاصلة.
مسامير وحبال كل ما لديه، وأصوات
وانحناءات... يلمس المجهول ولا يصل
إلى الأعماق (لن تكون يداً تلك التي
لم يترك السكين أثراً عليها. لن يكون
قلباً ذلك الذي لم يرتجف أمام امرأة أو
قاتل. لك حياة مرتجّة بين فقدين
كلاهما حجر ولكنك لا تريد أن تكون
حجرا. لك إغفاءة الريح وحنجرة
السنبلة، لم تكن صوتاً ولم تكن
حركة، ولكنك الارتجاج).
يصلّي من أجل فكرة الينبوع والسنبلة
ويسكر أحيانا كي يصلّي ويعرف
أن يدا لن تكون يداً لم يترك
السكين أثراً عليها. هو هذه اليد
والسكاكين. هو الأقفاص والطرائد
ليس لديه سواها، حبال ومسامير،
نساء وكحول وأصابع مشروخة لها
فكرة السنبلة وارتجاج البراكين،
ولكنه لا يريد أن يكون حجراً
تتلبسه فكرة التمثال في حياة
مرتجّة تليق براية عمياء تحت
سماء مجهولة.
(رغم حياتك المرتجّة وأصابعك
الذبيحة، ها هي الموسيقى تعجز
أن تكون فاصلة بين جرحين،
ها هو السكين يسقط في فراغ
بين طعنتين... رغم هذا الحجر
الذي يهرب من ثرثرات أحلامه.
ماذا لديك؟ غناء؟ هذا الغناء
رعشة كامنة في أديم يرفرف
قبل أن يستفيق. هذا الغناء
أمل عاجز يتوهم أنه أمل بين
تغريبتين تشرقان في ظلام
الأبد).
***
مدن عربية
على ضفة النهر
حشد من الناس
نساء كثيرات،
صبايا صغيرات برؤوس مغطّاة
ورجال بالغون بذقون طويلة
وملابس قصيرة
يعبرون الشارع
مثل أسلحة غير مرخص لها.
هذه هي المدينة
النهر نفسه
لكنه أصبح أكثر عتمة
مثل العابرين على ضفتيه...
نساء كثيرات برؤوس مغطّاة
وبنطلونات مستوردة
من دول الشر.
كيف تغيّرت المدينة
بهذه الطريقة؟
قد أكون في مزاج سيئ
أو أنني في كابوس.
على الأرصفة
رجال ونساء
أحاول أن أتابع طريقي مثلهم
لكنني أتعثر بأشياء صغيرة
غير مرئية...
النهار طويل ودبق
ولا توجد حانة قريبة
أدفع الهواء بيدي
ولكنني لا أتحرك.
من الأفضل أن أعبر الجسر
إلى الضفة الأخرى
علّني أصادف نساء ورجالا مختلفين
الصور بدأت تتكرر
النساء أصبحن امرأة واحدة
والرجال كذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق