داوكنز وفيروس الإيمان !!
شامل عبد العزيز
s_abdulaziz5@yahoo.com
في الحروب بين العلم والدين يُعتبر ريتشارد داوكنز بطل أو شيطان – جرايلينج .
المتدين ليس لديه حيله أو حجة سوى الانتقاص من محاوره العقلاني ( غالبية المتدينين ) .
دائماً ما نجد من يحاول أن يلصق تُهماً معينة للذين يقفون مع العلم ضد الخرافة واللاعقلانية .
هناك من يتصور أن داوكنز ومن يؤيده في أفكاره فاقداً لحس الدعابة أو مختزلاً يفتقد إلى روح .. العقلاني بلا مشاعر – بدون أحاسيس – هكذا يفهم غالبية المتدينين ..
هناك من يتصور ان العقلاني يهدد جميع اشكال الجمال والأشراق .
ولكن هل هذا صحيح ؟ أم ان العكس هو الصحيح ..
هناك فريقان :
الأول : الذي يقف ضد العقلانية ويحاول النيل منها ومن أصحابها وبأي صورة حتى لو على حساب ضميره .
الثاني : من يقف مع العقلانية أو يهلهل لها وانا انضم إلى صفوف المهللين مثل ما يقول – جرايلينج
داوكنز في كتاباته بلاغياً وشعرياً .. هو عالم أكثر من روعة من أي شيء أخر يقدمه خيال الدين المحدود .
هل العقلاني عدواني – سيء المزاج ؟ مع ملاحظة ان المتدين هو اكثر قسوة وخصوصاً الإسلاميين الذي يؤمنون بفصل الرأس عن الجسد في سبيل تحقيق الوهم الذي يعيشونه ؟
في إحدى اللقاءات التلفزيونية ظَهر ريتشارد داوكنز بوجه غير مبتسم وغير ودود ..جاء الرد من داوكنز على منتقديه كما يلي :
لا يمكن للمرء إصدار حكم عام من عينة واحدة . فمقابلة مع شخص في مناسبة لم يكن راغباً فيها اجتماعياً ليست أساساً لإصدار حكم على شخصيته .
يُعتبر داوكنز – المتحدث الرسمي – باسم العلم ( هذه هي السلطة التي يمنحه أياها منصبه في جامعة أكسفورد ) .
داوكنز يجد من الباعث على الضجر الشديد أن يقابل ويناقش مراراً وتكراراً وبنجاح غامض عبء وجهة نظر العامة في هذا العالم التي فيما يتعلق بالمزايا النسبية للعلم والدين – جاهلة بشكل عنيد – خرافية – لا تسمح بنقاش عقلاني – متبلدة – ضيقة الأفق – سطحية – متحيزة .
يتقاضى داوكنز راتبه كي يرفع – حجر سيزيف – إلى اعلى جبل اللاعقلانية البشرية .
جهوده لتلقين العلم للعالم ليخرجه من أسلوب تفكير العصر الحجري تبدو له في معظم الأحيان – انها تولد معارضة أكثر مما تولد تنويراً .
شيء عجيب ؟؟ أليس كذلك ؟ لماذا تولد معارضة ؟ لأن الدين هو الهوية أم أن هناك أشياء أخرى ؟ لا نعرفها ويعرفها أصحاب الشان من المتمسكين بالهوية ؟ والجنسية وجواز السفر ؟
أليس هذا التمسك دليلاً على ان تفكيرنا لا زال في العصر الحجري ؟ لا ندري ؟
عند داوكنز يضاعف فيروس الإيمان بنفسه .
اعتاد المدافعون عن الدين على الدفاع من وجهة نظرهم بناءاً على ما يفترض انه أساس علمي ؟
يزعم هؤلاء المدافعون أن الأمر يتطلب إلهاً لتفسير – سبب وجود العالم – سبب وجود الحياة – وان العالم يُعد تعبيراً عن ( التصميم الذكي ) ؟
هناك من يعتبر الدين والعلم غير متعارضين وهذا ما يسميه داوكنز – الهراء – لأنهم يقولون ان مجالات اهتماماتهما مختلفة وهذا ما لا يوافق عليه داوكنز ..
الآراء الدينية تتبخر مثل الندى في ضوء شمس العلم .
إذا كان الدين يقدم نفسه على أنه يقدم تفسيرات تنافس العلوم الطبيعية ( وان الإله هو مخترع قوانين الفيزياء وعلم الأحياء ) فعليه أي الدين ان يقدم تنبؤات قابلة للأختبار وان يقدم الدليل مثلماً يفعل العلم . مع ملاحظة ان الدين فشل فشلاً ذريعاً وواضحاً في هذا الأمر . كذلك الدين فشل في اختبار البساطة .
بمعنى أخر : كي يفسر العالم فإنه ياتي بشيء اكثر غموضاً وتعقيداً من العالم نفسه ( إنها فكرة الإله ) . ثم في نفس الوقت يُعلن انه – أي الدين – انه غير مؤهل لتفسير الإله ..
إنه شيء يدعو للدهشة والاستغراب .. اليس كذلك ؟
بذلك آحبائي الدين يدعو إلى ارتداد ينهيه بصورة استبدادية عند الخطوة الأولى .
وقول الدين إن الإله خلق العالم مثل ان يقال ان فريد جعل المطر يسقط بالأمس ..
بلا تفسير لمن أو ما هو فريد ؟
لعله فريد الأطرش أو فريد شوقي ؟
يقول داوكنز :
ان الكون الذي خلقه وسَيره إله سيكون مختلفاً عن الكون الطبيعي الذي نعيش فيه ..
استوحى البعض فكرة إطلاق اسم إله على احد أساسيات الكون الطبيعي ( كالأوتارالفائقة أو ثابت بلانك ) على أساس انها ألغاز لم نفهمها ( بعد ) ..
ولكن سيداتي – سادتي : مجموعة عشوائية من المصطلحات لا تفعل شيئاً للربط بين الأوتار الفائقة أو ثابت بلانك وبين إله مفترض من النوع التقليدي الذي نشا في العصر الحجري ..
هذا الإله يغفر الخطايا ويستمع إلى الدعاء ويعاقب الناس على عدم محافظتهم على السبت ويهتم إن كنتِ سيدتي ترتدين الحجاب أو يظهر جزء من ذراعكِ ناهيكِ عن ارتداء المايوه ؟
آحبائي "
استمرار المعتقدات الدينية في المجتمعات البشرية يقول عنها داوكنز :
تشبه الطريقة التي تصيب بها الفيروسات مضيفيها وتستخدمها في نسخ ذاتها وتحقيق مزيداً من الانتشار ..
تتطلب هذه الفيروسات والطفيليات من أي نوع أن يكون لدى المضيف المحتمل صفتين مناسبتين :
الأولى " هي الاستعداد لنسخ المعلومات بدقة .
الثانية " هي النزعة لطاعة الإرشادات التي تحتوي عليها تلك المعلومات , والخلايا البيولوجية والحواسيب بيئات ودودة مع الفيروسات .. لماذا ؟ لأنهما بطبيعتيهما تحملان هاتين الصفتين ..
هذا ينطبق على المخ البشري وخصوصاً لدى الصغار ( يتم تعبئة المخ حسب البيئة ) وهذا هو السبب الرئيسي للتمسك بتلك النشأة دون وعي ودون تفكير لدى الغالبية حسب وحهة نظري المتواضعة ..
الصغير الذي يجب أن يكون متفتحاً ولديه القدرة على الاستيعاب وساذجاً ومرناً ويثق بالآخرين كي يكتسب بسرعة اللغة والكم الهائل من المعلومات عن المجتمع والعالم الطبيعي حوله ..
لا يوجد أي سبب اخر .. وهذا واضح وضوح الشمس ولكن المكابرين ..... ؟
داوكنز كَتب فقرة مذهلة عن ذلك :
مثل المرضى الذين يعانون نقص المناعة , فإن الأطفال معرضون بشدة للعدوى العقلية التي من الممكن أن يضرب بها البالغون عرض الحائط بدون جهد , مما يجعلهم فريسة لرجال الدين .
وختامها مسك :
آحبائي .. هذا هو السبب في ان جميع الطفال تقريباً يتبعون دين آبائهم لا ديناً أخر من الأديان الآخرى الكثيرة المتاحة , فليس ما يجذب الغالبية العظمى من أتباع أي دين هو – طبيعة الإله او جمال الطقوس الدينية او التصميمات الرائعة على النوافذ أو نوعية التعاليم الأخلاقية أو عمق الميتافيزيقيا أو أي صفة اخرى لأي دين , ولكن ما إذا كان قد غرس في آذهانهم وهم أطفال عرضة للهجوم على المستوى الفكري عندما كان لا يمكنهم الدفاع عن انفسهم ضد غرس الأفكار ( مساكين ) ..
يقول داوكنز :
إذا كانت لديك عقيدة فعلى الآرجح وفقاً للإحصائيات ستكون هي نفسها عقيدة والديك واجدادك ..
أهم متغير يحدد دينك هو ولادتك , مجموعة المعتقدات التي تعتنقها بعاطفة قوية كانت ستصبح مجموعة مختلفة تماماً من المعتقدات ومناقضة إلى حد بعيد إذا ولدت في مكان مختلف ..
سيداتي – سادتي " هذه حقيقة خاصة بعلم الأوبئة ..
ولادة سعودي في كاليفورنيا والعكس صحيح .
أين يحدث عكس ذلك تماماً ؟ مع العلم .. وكيف ؟ إليكم الجواب :
المكان الذي ولدت فيه ووجهة نظر والديك ليس لها تأثير على ما سيكشفه استخدامك للمنهج العلمي عن جوانب من العالم الطبيعي .
قيمة ثابت بلانك لا تختلف إذا ما كان الذي يقيسها هندوسي أو مسلم .
بينما تختلف مثلاً الأجزاء من الجسد التي يُسمح للنساء في كلتا الديانتين بكشفها .
هذا الرأي بحد ذاته يوضح الفارق بين – الموضوعية والذاتية – العقلانية واللاعقلانية – الحيادية والتحيز , وغير ذلك من مجموعة المتناقضات التي تميز العلم والمنطق عن الفهم العتيق لما كان يعتبر علماً في زمن رجل الكهف ..
فهل سوف نخرج من الكهف ؟
كلمة اخيرة :
داوكنز وعلى غرار سقراط الذي شُبه بذبابة الخيل فإنه يسعى باستمرار للدغ عقول عامة الناس ليخرجها من حالة الجمود التي تسمح بتأثير خطير للدين الذي يؤدي إلى التراجع بإفساد افضل جهود البشرية لفهم الكون ومعرفة حقيقته وحقيقتنا .
كم اتمنى أن يحدث ذلك في عالمنا ..
/ ألقاكم على خير /
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق