الشاعر الحاج زاير الدويج رحمه الله وبعضا من نوادره وسرعة بديهته :
حامد كعيد الجبوري
العراق / بابل
امتاز الشاعر الحاج زاير عن بقية شعراء عصره بشدة ذكاءه وكثرة نوادره وسرعة بديهيته، ومما ينقل عنه الكثير من النوادر والطرف والقصائد التي تبرهن على صحة ما ذهبنا اليه :
١ :
صباح يوم الغدير كما هو معلوم يذهب الكثير لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام , والناس تتسابق لدخول الصحن الشريف ومعهم الحاج زاير وهو يهم بالدخول سقط عقاله للأرض ولم يقدر على الانحناء لغرض استخلاصه خوفا من أن تسحقه أقدام الزائرين فقال مرتجلا
يامن ابابك ركاب الكاصدين اعكال
وبيوم صفين سيفك للجيوش اعكال
لاعاد جفك لعند التايهات عكال
جيت اشتكي الحال واطلب من كنز مالك
واللي يودك فلا ايمسه لظه مالك
اليوم يابا الحسن مني عذر ما إلك
السبب شنهو ابابك ايروح مني اعكال
٢ :
كان الحاج زاير والشاعر السيد مرزه السيد سليمان الحلي يترافقان لزيارة شيوخ العشائر العراقية لإقامة شعائر عاشوراء الحسين عليه السلام ، وتعد تلك خدمة يحصل عليها الخطيب والشاعر على مبالغ مالية تعين على متطلبات الحياة ، وربما يحصلون على هدايا لهم من شيوخ العشائر آنذاك ، وحقيقة كان السيد مرزه خطيبا وشاعرا له حضوره في الحلة والنجف وكربلاء ، ذات مرة رافق السيد مرزه صديقه الحاج زاير لأن الأخير يذهب لاحد مشايخ ال فرعون في ريف مشخاب الديوانية كعادته أثناء حصاد الرز – العنبر - للحصول على ما يسمى ( شكاره) وهي الهدية , وتكون اما رز او حنطة او شعير او تمر ، الغريب ان الشيخ مضيفهم لم يستقبلهم بحفاوة ويولم لهم ويدعو أبناء عشيرته لمقدهم كعادته كل سنة، استفسرا من الشيخ عن سبب همه وانشغاله عنهم فقال لهم معتذرا ان ابنه وريث المشيخة يعشق امرأة تبيع اللبن بسوق المشخاب، معلوم ان أإلب بائعات اللبن ينتمين إلى قبائل المعدان ويطلق العامة عليها ( دبيه) ، ومعلوم أيضا ان هذه القبائل تعود جذورها لدولة الهند ، قالا يا شيخ هذه مسألة بسيطة ونحن سنتحدث مع المحروس ولدك ونقنعه بالعدول عن فكرته، وفعلا جلسا مع ابن الشيخ ليقنعاه بما عزم ابن الشيخ عليه، إلا أن الشاب ابن الشيخ أصر وبشكل غير طبيعي بوجوب زواجه من تلك المرأة، حاولا مع الشاب كثيرا ولم يفلحا ابدا، قرر الحاج زاير والسيد مرزه ان يطلبا من الشاب ان يريهما تلك الفتاة فإن كانت جميلة يحاولا اقناع الشيخ بزواج ابنه، فرح الشاب بهذا العرض لأنه على ثقة ان حبيبته جميلة جداً ، أما الحاج زاير ورفيق سفره أضمرا في داخلهما ان الفتاة لابد وأن فيها عيبا ما، ربما يجدا العيب في انفها او فمها او لونها او طولها، صباحا اصطحب الشاب ضيفا والده لسوق المشخاب وكانت الفتاة تفترش ارض منتصف السوق لتبيع منتجاتها من الحليب، صاروا جميعا قبالتها وقال لهم الشاب هذه حبيبتي ( صبحه)، تسمر الرجلان بمكانهما وبدأ أحدهم ينظر للآخر وينظرا للفتاة وينظرا للشاب العاشق، صفق الحاج زاير يده على الأخرى وقال مخاطبا صديقه السيد مرزه الحلي ( داده خي عونه الشبكها)، واردف قائلا ( من تطب السوك صبحه / تصيبه للدلال فرحه / جيت اعاملها الوكحه / غطت الروبه ابطبكها / داده خي عونه الشبكها)، لم يتأخر السيد مرزه بالإجابة فأرتجل وقال ( من تطب السوك تصدع / والحجل بالساك يلمع / يا رفاكه شلون تشبع / دورة المحبس حلكها / داده خي عونه الشبكها)، عادا لصديقهما الشيخ وقالا له ( شيخنه يا شيخه يا حلال يا مال هذي اذا انت شفتها لازم تتزوجها)، ولم نقف على نهاية القصة ولا نعرف هل تزوج الشاب من حبيبته ام لم يتزوج .
ملاحظة :
يعد هذا الوزن او الطور من مبتكرات الحاج زاير الدويج واخذه منه الشعراء ونظموا على غراره، ومن المعروف ان المبتدأ بالوزن او الطور وبعد أن ينشأ المطلع عليه أن يردفه ببيت اخر كما لمسنا ذلك في مطلع الحاج زاير والبيت الذي يليه.
٣ :
في النجف الاشرف آنذاك اشتهر الحاج زاير بحفلات السمر وصار مطلوبا للعوائل النجفية وعوائل الالوية المجاورة للنجف الاشرف ، ويطلب منه أحياء حفلات الاعراس وحفلات ختان الأطفال، واغلب القصائد التي كان يرددها مع مصاحبة فرق شعبية تستخدم الطبول والدفوف ( الرق) وتعد من لوازم الحفل، نهي الخبر للمرجع الديني السيد كاظم اليزدي ان الحاج زاير رجل لهو وطرب وقصائد تتغزل بالمذكر لذا أصدر تعليماته – فتوى - بحرمة استدعاء الحاج زاير لأي حفل يقام، ومرت أشهر وهو على هذه الحال ، مقاطع من قبل الناس التزاما برأي المرجع حتى ضاق به العيش .
احد الليالي سمع الحاج زاير ان احد علماء الدين من آل الحمامي لديه حفل وليمة عشاء لمناسبة زواج احد أولاده، استغل الحاج زاير الدويج هذه المناسبة وحضر لها مع من حضر من أهالي النجف الاشرف، وكان السيد الحمامي قد هيأ مكانا لعلية القوم من رجال دين ورجال مجتمع، وهيأ مكانا اخر لعامة الناس، وكان السيد الحمامي يرتدي ( دشداشة حرير) ويتجول بين المدعوين عامة، تحرك نحوه الحاج زاير وقال له، (سيدنا هاي خوش مناسبة وأريد اذكر ال البيت عليهم السلام شنو رايك)، قال له حسن تفعل تفضل، والحقيقة ان السيد لم يكن يعرف من هو هذا الرجل، وبدأ الحاج زاير يصفق بيديه ويقول ( جدك عبرها بذرعانه)، ويعني الحاج زاير ان جد السيد الحمامي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلّغ برسالة السماء ونقل الناس من ظلمات الجاهلية لنور الإسلام ، بعض الناس الحضور سارع للسيد وأخبره ان هذا الشاعر قد نهى السيد المرجع من الاستماع له ولقصائده الماجنة، قال السيد الحمامي لا أجد في كلامه الا مدحا لرسول الله ولآله الأطهار، صباح اليوم التالي استدعى السيد اليزدي بعد أن نمي له خبر حفلة العرس التي احياها الحاج زاير، وبعد أن اخبره السيد الحمامي ان الشعر الذي قاله الحاج زاير ما هو الا اهازيج تتغنى بحب رسول الله وعترته الطاهرة فما كان من السيد اليزدي إلا أن يرفع الحضر عن حفلات الحاج زاير طالما هي هكذا وبهذا السياق.
٤ :
(اكعدي كعود يم طنه)
من المهن التي زاولها الحاج زاير هي ضمان بساتين النخيل من الملاكين الكبار، وكان الحاج زاير يذهب لبساتين النخيل ويتفحص التمر ونوعه وكميته ويقدر كم يكون الناتج، وعلى ضوء ذلك يعطي مبلغا معينا يتفق فيه الطرفان الضامن ومضمن البستان، فترة جني التمر والذي يسمى ( الكصاص)، يستأجر مجاميع من النساء يجمعن التمر الذي يسقط للأرض بعد أن يجنيه شخص يتسلق النخلة يطلق عليه ( الكاصوص)، واصطلح الناس على تسمية مجاميع النساء ب ( الطواشات) ، وحين تكون البستان كبيرة يستأجر اكثر من مجموعة لذلك الغرض، وكان شخصيا يشرف ويشارك الجميع بهذه المهمة، وحدث ان أحدى الطواشات أحدثت - خرج منها ريح سمعه الجميع- وكذلك سمعه الحاج زاير الذي لم يتمالك نفسه من الضحك ولم يستر فعلة الطواشة بل أنشأ يقول ومجاميع النسوة يرددن معه ( اكعدي كعود يم طنه)، وهذا يعد المطلع للقصيدة ومن ثم يردد من المجموعة – الطواشات - بعد كل بيت شعري يقوله، ( اكعدي كعود ونهابج / لعنة امج عله الجابج / حركتي البيت بطوابج / الماي منين اجيبنه / اكعدي كعود يم طنه).
٥ :
في زيارة الأربعين ينطلق زوار سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام سيرا على الأقدام من المحافظات المحيطة لكربلاء المقدسة، وكان الحاج زاير يمارس هذا الطقس وينطلق من مسقط رأسه في برس مع مجاميع الزوار من الرجال والنساء، ويروى انه وفي أحد السنين انطلق وهو يردد قصيدة واحدة وصولا لكربلاء الحسين، والعجيب انه اختار قافية نادرة وصعبة الحصول على مفرداتها، ( نحسب على حسين اخطو)، ولم تقع بيدي بعض ابياتها ويقال ان الشيخ الخاقاني قد ذكر بعضا من ابياتها بمجموعته الشهيرة، واستطعت الحصول على بيت واحد لا غير حيث يقول ( جيته ودموعي تتره/ كضينه عمرنه ابحسره / والروح يدري كشره / تنظر الذوله الحطو / نحسب على حسين خطو).
٦ :
جلس الحاج زاير بمقهى عامة مع صديقه الشاعر محمد آل غضب وهما يحتسيان الشاي ، مرت من أمامهم امرأة تدعى (ثجيله) تحمل بيدها وردة، وربما كانت تتعمد السير وبيدها الوردة وأمام مقهى عام ، وأمام شاعران تعرفهما جيدا، بعد أن اجتازت المرأة المقهى قال الشاعر محمد آل غضب هذا البيت من الابوذية مرتجلا :
خشف هذا محله ومحل ورداه
رمه چبدي بسهم العين ورداه
شفت ورده تشم يا ناس ورداه
شفتها عد ثجيله هل السجيه
..
فرد على ابوذيته الحاج زاير بهذا البيت من الابوذية والذي هو أكثر عمقا وأكثر ترافة ورقة من قول صاحبه :
ثجيله احلفت يمحمد بيدها
وتشجي من كثر همك بيدها
جذبت يومن كلت وردتها بيدها
عيونك سوربت والورده هيه
...