مطالعة في كتاب الشبك
محمد علي محيي الدين
عن دار الفرات للثقافة والاعلام صدر كتاب
جديد للباحث الجاد نبيل الربيعي بعنوان (الشبك- أصلهم- لغتهم- عقائدهم – عاداتهم-
دراسة أنثروبولوجية) والذي صدر بالاشتراك مع دار سما ، وبلغت صفحاته 300 صفحة من
القطع الكبير.
والشبك من الاقوام التي سكنت العراق، وهم ضمن
الفسيفساء العراقي، ويشكلون واحدة من الاقليات الدينية والعرقية في العراق، وجرى
التعامل معهم بدونية من قبل الحكومات السابقة، لأسباب دينية وقومية، وبرزوا بعد
التغيير في 2003 كقوة لها وجودها في الساحة العراقية ولهم ممثلوهم في البرلمان
العراقي، وفي مجلس محافظة نينوى التي يقطنها الشبك منذ أقدم العصور، لذلك أخذوا
طريقهم للبحث والدراسة من قبل الباحثين.
وينماز الشبك بأن لغتهم تختلف عن اللغة
العربية أو الكوردية، وفيها ألفاظ تفردوا بها، وهم رغم انتماؤهم للمذهب الشيعي الا
أنهم تمزوا بالمغالاة والخروج عن العادات والتقاليد الموروثة عن المذهب، ولكنهم
بعد التغيير أخذ أكثرهم بالرجوع عن غلوهم ، والالتحاق بالمذهب الاثني عشري ليكونوا
ضمن توجهاته العقائدية والسياسية.
يتضمن الكتاب مقدمة وثمانية فصول وملحق ، تناول
الباحث في المقدمة الاسباب التي دفعته لهذه الدراسة، وتعريف بخطته والمباحث التي
يتناولها في فصوله المتعددة، ففي الفصل الأول تناول أصل الشبك، وتسميتهم والخلفية
التاريخية لهم، فهم من المسلمين الذين انقسموا بين المذهبين السني والشيعي،
والغالبية منهم من الشيعة، وبرزوا كفرقة اسلامية منذ اكثر من خمسة قرون، ولغتهم
خليط من الكردية والعربية ومفردات انفردت بها.
واختلف المؤرخون في أسلهم، فمنهم من نسبهم
الى العرب، فيما قال آخرون أنهم فرس أو كورد أو تركمان، وهم آريون ولغتهم قريبة في
مفرداتها الى ما ورد في كتاب زرادشت، وهي بعيدة عن العربية أو الكوردية. وتسميتهم
بالشبك كما انتهى اليه الباحث ، جاءت من تشابك اصولهم ومعتقداتهم ، فمنهم من هو من
العشائر العربية، ومنهم من هو تركماني الأصل، وفيهم الكوردي، ولكنهم يجتمعون تحت
تسميتهم المعروفة بالشبك، ونتيجة المصاهرة والاختلاط مع هذه القوميات ، تألفت منهم
هذه الارومة ، واتخذت هذا الاسم معلما لها.
اما معتقدهم الديني فهو صوفي، حاله حال الطرق
الصوفية الاخيرة التي انمازت بعادات وتقاليد خاصة بها، جعلتها تأخذ مكانها الخاص
بين الطرق الصوفية والمذاهب الاسلامية التي تكاثرت بمرور الايام.
وفي حمى الصراع القومي بين الحكومة العراقية
والحركة الكوردية، وقع الشبك بين نارين، فالحكومة تحاول استمالتهم لجانبها
بتعريبهم، والكورد يحاولون ضمهم اليهم بحكم المساكنة وقرب اللغة، وأخيرا اضطروا
للانتساب للقومية الكوردية ، ما دفع الحكومة لإجلائهم عن قراهم عام 1988 وضمهم الى
المجمعات السكنية للأكراد الذين اجلوا عن قراهم. وتبلغ القرى
الشبكية أكثر من 60 قرية موزعة في مناطق
لا تزال محل نزاه بين الحكومتين المركزية والكردية، وقتل منهم في معسكرات الاعتقال اكثر من 1000
شبكي في منطقة حرير.
وكما قلنا
يحسب الشبك على المذهب الشيعي وبعضهم اتباع الطريقة البكتاشية المأخوذة من شيعة تركيا ولهم مساجدهم وحسينياتهم وتكاياهم المستخدمة للعبادة والصلاة. ويبلغ عدد المسلمون على مذهب أهل
السنة 30% وعلى المذهب الشيعي 70%. وهم عشائر متعددة،
لها فروع في مناطق أخرى من أربيل وكركوك وخانقين وأكثرية في منطقة سهل نينوى في العراق ولهم في كرمانشاه غرب إيران
وجود واضح.
ولا تختلف عادات
وتقاليد الشبك عن باقي المسلمين والعشائر العربية في المنطقة، منها مجالس العزاء وحفلات
الزواج وتقاليده وغيرها من العادات، وتأثرت ثقافة الشبك تأثرت بالعرب الموجودين في
الموصل والكرد الموجودين في إقليم كردستان بحكم منطقتهم الفاصلة بين القوميتين في سهل
نينوى. ولهم خصوصيات معينة تتعلق ببعض العادات والتقاليد والفلكلور وعلاقة الفرد بالعائلة؛
فالمرأة أو الفتاة لها مكانة خاصة في المجتمع،
ويميزهم الزي القديم المختلف عن أزياء القوميات الأخرى، وهذا اللباس اندثر مع
مرور الايام. وزيهم القديم عبارة عن دشداشة (ثوب طويل) بيضاء قصيرة قليلا عن المعروفة
حاليا، والدميري الذي يشبه السترة بطرازه المميز، ويرتدون عمامة بيضاء، تختلف حسب المكانة
الاجتماعية للشخص.
ومن عاداتهم وتقاليدهم
الموروثة رقصتهم الفلكلورية التي يستخدم فيها الطبل والزرنة في الزواج، ويتم رش الحنطة
والشعير كدلالة على البركة، وكسر الجرة تحت رجل العروس أثناء حفلات الزفاف. ويرفعون
الأعلام الملونة بألوان قوس قزح كدليل على وجود عرس وفرح في ذلك البيت، ولا يتكلفون
في طلبات الزواج من العريس، وتنخفض لديهم قيم المهور، اما طقوس الدفن والموت فهم يختارون التلال العالية لتكون مقابر، ويطلقون عليها
"التبه" (التلة قليلة الارتفاع). ونظامهم اجتماعي خاص بهم، ومشابه لما هو
موجود في مجتمعات متمدنة ومتحضرة أخرى، ويقوم على البيوت وليس النظام القبلي.
ومن عقائدهم الخاصة
الاحتفال ببعض الليالي المقدسة مثل ليلة رأس السنة، وهي عندهم الليلة الأولى من شهر
كانون الأول، والاحتفال بليلة التعاذر وتكون ليلة الجمعة لحل النزاعات، حيث يرأس البابا
الاحتفال الذي له مراسيم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصاً، أولهم البابا أي الشيخ وهو
رأس الشبك يسبقه البير ثم الرهر وهو الدليل ومقامه أدنى من البير ثم حامل الجراغ أي
حامل المصباح أو الشمعة ثم حامل المكنسة ويتولى كنس دار البير ثم السقا الموكل بسقاية
المجتمعين وأربعة خدم وبوابان يلازمان باب دار البير ثم ليلة الاعتراف وفيها ينشد البابا
التراتيل الخاصة بالاعتراف ويجاريه الرهبر ذلك. كل من أراد الدخول إلى طريقتهم الصوفية
ينبغي عليه أن يفتش عن شخص ليصاحبه هو وزوجته ليكونا أربعة مدة أربعين أو سبعين يوماً
ضمن مراسيم خاصة.
وهناك من يرى ان
عباداتهم خليط من مبادئ الإسلام وشعائر سكان آسيا الوسطى، مع نفحات من الديانة المسيحية،
تسربت لهذه الجماعات من فلاحي الأناضول. هذا الرأي يؤكده أحمد حامد الصراف في كتابه
الشبك. من فرق الغلاة في العراق، حيث ذكر أن معتقدات الشبك تأثرت بالمسيحية في كثير
من طقوسها ، ومنها الاحتفال بليلة رأس السنة، التي تعد من الليالي المقدسة عندها، وتكون
بالنسبة لهم في الليلة الأولى من شهر كانون الأول/ ديسمبر كل سنة. حيث يأمر "الرهبر"،
والذي يعد الرجل الثاني في الطائفة بعد "البير"، أن يُجمع سكان القرية رجالا
ونساء عصراً، ويدخلهم إلى الغرفة الجالس فيها "البير" عشرة بعد عشرة، وعند
الدخول يسجدون على عتبة الغرفة ثم يولون وجوههم نحو السراج أو الشمعة المعلقة في الحجرة
فيسجدون جميعهم. وعلى كل من أراد الحضور في دار "البير" أن يجلب معه ديكًا
وخمرًا وثلاثة أرغفة من الخبز، وتُسلم إلى الأشخاص المنوط بهم استلامها من الاثني عشر
(العدد له علاقة بالأئمة الاثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الإمامية) الذين لا يتم أي
احتفال إلا بحضورهم، ثم يمسح "البير" على ظهورهم مرددًا بعض الأدعية، .
وعندما يجن الظلام
ينهض شخصٌ يسمَّى "صاحب السكينة المقدسة" ويذبح الديوك، ولا يجوز أن يذبحها
غيره، وإذا ذبحها غيره أصبحت نجسة محرمًا أكلها، ثم تشوى وتشرب الخمور وتؤكل الطيور
وهو ما يسمى ب"التناول"، وتنشد الاشعار على نغمات الطنبور حتى منتصف الليل
وهم يضحكون ويغنون ثم يخرجون معلنين عن نهاية الاحتفال، ومن حضر هذه الليلة جاز له
أن يحضر صلاة الجمعة، ومن لم يحضر لا يُسلم عليه وليس له أن يصلي الجمعة. ومن التأثيرات
المسيحية ليلة الاعتراف حيث يمثل الشبكي بين يدي البابا ليعترف بخطاياه وذنوبه.
والشبك لا يؤدون
فريضة الصلاة كسائر المسلمين، وإنما يصلون صلاة واحدة في ليلة الجمعة وهم قعود على
شكل حلقة، ويكون الاجتماع في دار "البير" وهو الرأس عند الشبك، ويلقب بالبابا
الذي يملك في يده مقاليد أمورهم. وصلاتهم تتم بحضور اثني عشر شخصا، ويقوم البير بقراءة
ما يحفظ من الادعية وما يحفظ من اناشيد ، ثم يأمرهم بالسجود ويردد على مسامعهم بعض
الادعية. وهم لا يصومون في شهر رمضان، بل يصومون تسعة ايام من العشرة الاولى لشهر محرم
، ويقيمون مراسم العزاء، وترديد الاهازيج الحزينة ويلطمون، هم لا يؤدون الزكاة ويدفعون
خمس حاصلاتهم الى السادة من نسل الرسول.
ويمكن القول أن الشبك تخلوا عن كثير من
عاداتهم وطقوسهم الدينية وأخذوا بالميل الى الطقوس الشيعية بعد تغيير النظام ليكونوا
ضمن التركيبة الشيعية الحاكمة بما وفرت لهم من دعم بحكم وجودها على رأس السلطة في
العراق.
وتزخر الثقافة
الشبكية بالكثير من الشعراء والأدباء والكتاب، من أمثال سيد حر، والصوفي عزيز آغا،
وخليل المهجر مشختي، وسالم الشبكي. وأشهر شخصياتهم التاريخية حسين آغا الضابط الكبير
في الجيش العثماني، والإخوان خورشيد ورشيد آغا اللذان قادا حركة تشبه الثورة ضد الإقطاعيين،
والكاتب الشاعر ملا حسن بن محمود، واللواء الطبيب عبد الله زينل، وشاهر فندي آغا، وعلي
سليمان بهار وغيرهم.
أخير لابد من القول بأن الباحث قد اعتمد كثير
من المصادر التي تناولت هذه الطائفة وناقش الآراء المختلفة حولها مبينا وجهة نظره
في كثير من المفاهيم التي طرحت وكان له اجتهاده الخاص الذي لم يخرج عن الاطر
المطروحة من الاخرين ، بتأييده لبعضها ونقضه لاخرى، وهي وجهات نظر تنم عن تتبع
دقيق لكل ما كتب عنهم وما صدر من دراسات حول طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم.