الاثنين، 17 يناير 2011
جماليات التجربة بين المخفيات والحضورعند غالب المسعودي-عادل كامل-
موقع القصةالعراقية
المؤسس :
جاسم المطير
الإشراف :
حسن بلاسم
سمير المبارك
عدنان المبارك
فنون تشكيلية
جماليات التجربة بين المخفيات والحضورعند غالب المسعودي
عادل كامل
[1] لامرئيات الاثر وديناميته
ليست دراسته للطب، وتخصصه في طب الاسنان، قاد د. غالب المسعودي لسبر مخفيات حكماء سومر في صياغة ديالكتيك التاريخ المفتوح، فحسب،(1)، بل لرهافته ـ شاعرا ًورساما ً وباحثا ً ـ إزاء التنقيب عن الخامات التي لن تتعرض للتلف، أو للزوال. إنه انشغال فلسفي ـ شعري، قاده للعثور على الحلول ذاتها التي (أكتشفها ـ إخترعها) أسلافه منذ فجر السلالات في سومر: الطين المجفف، والمحروق، وطبقات القصب، والقير في البناء، وصهر المعادن بحثا ً عن الخامة التي تحقق أهداف الفنان التعبيرية ـ الجمالية، وفي الوقت نفسه التي تمتلك ديمومة مجربة.
هذا الانشغال الرمزي، والواقعي، قد يلخص علاقة الانسان بممتلكاته، أشياءه، بصفتها الجسر بين الجهد، وعلاماته، الى جانب هذا الذي يعبر، من زمن الى زمن،لإستكمال كل ما لا يمكن البوح به، هو، العمل الفني، بديالكتيك الخامات وأشكالها.
فليس لا وعيا ً عميقا ً، أو بدوافع نائية، وقد تكون لا شعورية، نفسيا ً، قد إختار الابجدية السومرية، في نصوصه الفنية فحسب، بل قصدا ً سمح له أن يبحث عن خامات هي من صنعه، بالدرجة الاولى.
وهنا يأتي إختيار الفنان لخاماته، ليس بسبب عدم توفرها، أو حتى إمكانية إستيرادها، بل لتحقيق ذات الآليات التي جعلت الفنان الرافديني ينجزها قبل ستة الآف سنة. فإذا كان الطين قد لخص مأوى وحي الآلهة، وهيئة الانسان بعد أن وحدّ (ووازن) ما بين التاريخ المفتوح وبين رسالة الانسان في الوجود، فإن خامة الطين، ستوّحد، وتدمج المرئيات بمحركاتها: عبر تنوع الأشكال، والمعالجات، والابعاد الجمالية.
كما أن اختيار الفنان غالب المسعودي، وهو يستعير من السومرين دوافعه في التجربة الفنية، للمسمار، كعلامة، ليس محض محاكاة أو استعارة لم يجر عليها تحويرات فحسب، بل جعل المسمار علامة اكتسبت حداثتها بالتكوين، في ديناميته، وابعاده التأملية. ففي نصوصه الفنية ـ المكملة للاتجاه الذي ظهر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، عند مديحة عمر، وفي الاربعينيات من القرن نفسه عند جميل حمودي، وفيما بعد اخذ بعدا ً نظريا ً في تجارب شاكر حسن على صعيد الفنان وهو يستلهم الحرف (البعد الواحد)، لا كسطح خال ٍ من الابعاد، بل كبعد رمزي للذي شغل الحكيم السومري في الحفاظ على ديالكتيك المعنى بابعاده البنائية ـ الجمالية.
فإذا كان حكماء العراق القديم يأملون بديمومة معابدهم، (2) كجسر ما بين خلود الالهة، وفناء الانسان الساعي للعثور على مفاتيح يعالج فيها ظلمات عالم ما بعد الموت، فان حكماء ذلك الزمن، قاموا بتثبيت المعابد في الأرض عن طريق تماثيل (الاسس) التي تجمع في شكلها بين رمزية الالهة، وبين هيئة الانسان. ففي (المسمار) الشكل قوة سحرية، إضافة الى عمله الوظيفي في التثبيت. وثمة اعتقاد أن دق المسمار في الجدار يقضي على الأرواح الشريرة، أو يقوم بتسميرها في مكانها حتى ان (الخنجر) مازل يستعمل لهذا الغرض في بعض الحضارات.
والحكيم ـ هنا ـ ليس الملك/ المشّرع/ إلا كوديا المنشغل بتطبيقات الفلسفة البنائية ـ التكاملية، منذ ذلك العهد. والفنان د. غالب المسعودي، لم يغفل أن أحد أقدم ملوك العراق، في سومر، ما أن شيّد امبراطوريته، حتى طلب من وريثه، الابن، تسنم الحكم، فيما أمضى باقي حياته متأملا ً وحيدا ً في البرية،(3) وبهذا يكون قد حقق جوهر الفلسفة التي لن تبلغ ذروتها، كي تهرم، وتزول. (4) هذا اللغز، في خامات الفنان غالب المسعودي، تتوحد وتتداخل بالكتابة، حتى أن الشكل (الرمزي للحروف ـ كانسان وكتجريد ـ يعيد رمزية المسمار المستخدم في حضارة سومر كوحدة بين الالهة (إشارة للمطلق أو اللامتناهي) ـ من الاعلى ـ والانسان في الأرض.
فهل كان لسنوات الحصار، بعد عام 1990 ـ إن كان قد فرض من الخارج أو داخليا ً ـ أثره في تحفيز الفنان في إختيار خامات متنوعة، محلية، ومعالجتها بالنار، والمواد الكيميائية المناسبة، أم أن ثمة لذّة (فلسفية/ خيميائية) سمحت له أن يتأمل في لغز إسحالة الكين ـ بعد مزجه بالدم ـ الى إنسان، كما في الاسطورة البابلية، مثلما يظهر ذلك في الألوان المختارة في نوصه، أم أن الفنان ترك للمتلقي إغفال هذا الايحاء، والعودة الى الأصل: بعيدا ً عن لغز مزج دم (تيامة) بالتراب، وجل (الماء) يتوحد بالتراب في خلق الجسد/ الانسان؟ أيا ً كان التأويل، فإن موضوعات الفنان ل تنتظر الشرح، ولم تتوخ الايضاح، لأنها غير مؤسسة على التتابع، أو السرد القصصي، الحكائي، بل على ما لا يمكن تأويله إلا بالخامات وهي تؤسس أشكالها المستحدثة. فالفنان لم يجد مبررا ً لمحاكاة الأشكال القديمة ـ كما سيحصل ليس باستعارة خامات، ونقش أساليب، ومحاكاة أنظمة الفن الأوروبي الحديث فحسب، بل الانسياق آليا ً في التعبير عن فلسفات بلغت ذروتها، إنما مازال أفولها يستمد ديمومته من مجدها الاقتصادي، والتاريخي تماما ً ـ وإنما لأنها ليست غائبة عنه أصلا ً، فقد منحها ديناميتها بعد اجراء معالجات لها مهارات تحويرها، ومنحها خطابها غير المستعاد، أو المستنسخ، بل الممتد، في إستكمال الدورة. فالأشكال، والألوان، ومعالجة أدق العناصر في ملمسها، ورمزيتها التعبيرية المختزلة الىمسامير، وحروف ترجعنا إلى ابجديات اللغات الاولى: حيث الاصوات تجد معادلها في الايحاء، وفي الثيمات الجمالية.
وهنا لا يخفي الرسام أنه يحفر، ولا يضيف شيئا ً إلى السطح، بل يبني، بمواده المصّنعة، والمعالجة في مختبره الخاص، بالمنحى ذاته على صعيد اكتشاف حكماء وادي الرافدين في الرليف، المتداخلة بجذور اللغة العربية (الجزرية)، في الارباسك، الامر الذي منح الفنان دافعا ً للقراءة المستحدثة لتاريخ الخطوط، بدءا ً بالسمارية، واللغات البابلية، والاشورية، وانتهاء ًبفك اسرار انظمة الخطوط العربية، بصفتها ليست وسيلة نفعية مباشرة ومحددة، وإنما بما تحققه من نظام مقابل لنظام: الدفن ـ البعث. فالتضاريس، والدوائر، والخطوط المتداخلة، لن تنفصل عن الطبقات غير المرئية: ظلمات العالم ما تحت الوعي ـ الموت الذي يؤدي دور الميلاد المؤجل/ المنتظر ـ كي يشتغل المعادل الموضوعي، داخليا ً، ومجفرا ً، بين العلامات ومخفياتها، لتحقيق الجسر بين الازمنة، وبين الدلالات، وأخيرا ً، بعدم منح الفن صياغة الاعلان، او براغميته، وإنما بما تعمل عليه الخامات، وقد وجدت بين أشكالها ومعانيها المستترة، بنائية غايتها ان تحافظ على ديناميتها، وإمتدادها.
[2] الختم: الحافة بين مجهولين
إن تحول الجهد الى عملة، والعملة، ذاتها، الى سلعة، فانها ستعيد للقوة سحرها الملغز: محو الرأفة لصالح ضرب من التجريد يصعب تحديد دوافعه النهائية. فالفنون ـ وليست البصرية منفصلة عنها ـ منذ كفت أن تؤدي دورها التضامني، والروحي بحسب (هيغل)، فانها ستشترك في رسم مسار غدا فيه الفن شيئا ً بين أشياء، كي يتحول الخطاب، من جسر/ علاقة، مرسل ومستقبل، إلى اداة خالصة. فلم تعد آليات إنتاج الفنون تشترط اشباع غائيات نائية للفنان، وللمجتمع، وإنما لحصد المزيد من المنافع، على حساب التعبير ـ والصدق. والفنان غالب المسعودي، لم يهمل ان احد سمات الفن (الحديث) وصولا ً الى (الحداثة)، والدخول في مساحات جغرافية ـ سياسية خالية من الضوابط ، في نظام(العولمة) ان الفنان يعمل باكبر قدر من الاستقلالية، بصفته هاو ٍ، او محترف، وانما لانه يشتغل في اكثر البدائيات امتدادا ً، ودينامية. وهنا كان ارثه ـ والارث البشري للحضارات كافة ـ علامة في الدورة، وليس علامة للتداول ـ الاستهلاك. فلم يجهد اصابعه ـ ولا وعيه بالدخول في سوق الفن، ومضارباته، مع حفنة من تجار صغار، ومزورين، ومروجي اقنعة، بل اعتكف، أسوة باساتذة كبار، كرسول علوان، وصالح القره غولي، وعيدان الشيخلي، ود.نوري مصطفى بهجت، ود. سامي حقي، ومحمد على شاكر..الخ لينجز الرسالة ذاتها الكامنة في الختم ـ في الارسال ـ وفي ديالكتيك ـ علاقة ـ اللامحدود بالأشكال. فعندما كان عمل (الختم)، شبيه بعمل تماثيل الأسس، كوحدة الاجزاء، والحفاظ على رمزية المطلق في الدال البشري، كأشتغال لاواع ٍ أو مجّفر، إلى جانب البعد التقني ـ الوظيفي، للفن، فإن الختم ـ والتمثال، وكل معالجة للسطوح، ستحافظ على هذا الترابط، في إطار يحقق الاشباع والتأمل.
إن الختم هنا ليس (التوقيع) أو: الهوية الخاصة، بل أبعد من ذلك. لأن الفنان سيدفع بالذات لإستقصاء دينامية (الطاقة) وقد تحولت الى لغة لن تتوخى التداول من أجل الربح ـ الاستهلاك، بل للحفاظ على ذات المساحة الت ازدهرت فيها الفنون؛ من المعبد الى البيت، ومن القصر الى المدفن.
إن استعادة الفنان لحرية حواسه، ورهافتها، من عمل الاصابع، الى الومضات البصرية، وانشغاله بمراقة اطياف المخفيات، الشبيهة بعادات افراد احرار بلغ العمل اقاصي نقائهة، وتجردة من التبعية، لأجل مساراتها في التسامي، سيجعل من الفن غاية شبيهة بحضور الإنسان نفسه، لا من أجل أن يغدو شيئا ً، بل على العكس، في إستعادته لهويته (من البعد الجمعي الى الذات، ومن التاريخ الى الفعل، ومن المطلق الى المرئيات)، بصفتها علامة بين علامات، وليس (ماركة) للتضارب، أو غواية في سوق المنافسات، والاشتباك.
فلأسطورة هنا تتزه، ببراءة (شبيه بمن تحرر تماما، باستثناء إستحالة تحرره من قيود حريته، أو براءته) تامة الشروط، ولن تتحول الى أداة غايتهاالقطيعة مع: الأرض ـ الواقع ـ ومآزق الذات في مواجهة المحو ـ والاندماج.
والمسعودي ـ الذي طالما رأى انه آخر السومرين ـ لن يغرد منفردا ً خارج الاشتباك ـ التصادم، وخارج زمن الصدمات، والعشوائيات، الحاصلة في الوسط الثقافي والفني، أو على الصعيدالاجتماعي، بل يرى انه ينتمي إلى إرثه (النحتي) منذ عصر ظهور النقش في فخارات الوركاء، الى الأشكال الهندسية في جداريات بابل، مرورا ً بالعبقرية العربية الاسلامية التي حققت في الارباسك (4)، ذا الديالكتيك بين العلة التي لا علة لها، وبين تحولها الى كيانات جمالية ـ ومعرفية ـ لا يمكن عزلها عن المعمار الاجتماعي، وصولا ً ال التجريد، وهو يشتغل في حقل الاشباات التأملية، بعيدا ً عن تحوله الى علامة في سوق، أو الى كنز في متحف.
فالفنان ـ هنا ـ يحدّث (يجدد) في مسار تداخل التيارات والاساليب،إرثه، كالبنّاءالسومري وهو يجدد معالم معابدها الروحية، وكالحكيم الذي يواصل عمله لا في تقصي تماثيل الاسس التي شيدها قبله حكماء الازمنة السابقة فحسب(5)، بل في (تجديد/ تحديث) الفلسفة ذاتها، وهي تأبى أن تكون تاريخا ً بلغ خاتمته.
فالامتداد: إمتداد استدراج الخامات المحلية، من الحجر الى الطين، الى اللدائن، والى الاخشاب والاصماغ ..الخ وإستحالة تحول المتراكمات الى أشياء ـ سلع ـ لأجل المضاربة، والتنافس، وإمتدادا ً: للعناصر وقد عاصرت حضارة بلا جدران، أو قرى معزولة، وهي تنبني بما يجعل مسارات (الغاية) قائمة على دحض تحولها الى (سلعة/ اشياء)، وإمدادا لهذه العوامل ـ من الخامة الى الرؤية ـ ستجعل النص الفني يشتغل للحفاظ على أعقد إشكالية إنبثقت مع ـ اللغة ـ ألا وهي المعادل بين كل ما لا يمكن تحديد جوهره، وبين التطبيقات التي ستشكل إمتدادا ً له.(6) فالفنان د. غالب المسعودي، كي لا يستجدي (بسبب ان مهنة الفن قد أدركته، كما أدركت بعض زملائه من الادباء وحولتهم الى كتبة وليس إلى كتّاب، وليس الى فقراء بل إلى شحاذين)، سستساعده مهنته كطبيب مميز، وجراح ممتاز، لاداء خدمات توفر له حماية كرامته الشخصية، فيما ستكون مهمات الفن، عنده، انشغالا ً بحماية ذات الرهافة التي صاغ خطابها فنان المغارات، وفنان المعابد في سومر، وحكماء الازمنة السحيقة. لأن (الحكيم) هنا، ليس الملك أو العاهل، أو الخبير في شؤون الاقدار والمصائر، أو سلامة الجسد، أو المكلف ببناء مجتمع تتوفر فيه اسبقيات، وفي مقدمتها العدالة فحسب، بل الصانع، والصائغ لـ (سلع) مضادة لها، ليس في التكنيك بمعزل عن الغاية فحسب، بل في إستحالة تحولها الى (وثن). فالحكيم إذا ً سيختار الدرب الذي لن يختتم بخاتمة، أو يكون وحده نهاية الطريق، وإنما ليشكل واحدا ً من مسارات إغناء الجسد ـ وحمايته ـ بالفكر والرؤية، والمرونة في تتبع المحركات النائية، الى جانب كل ما يمكن ملامسته بالانامل، ومشاهدتها بالبصر، وتذوقه برهافة المجسات التي لم تخمد فيها جذوة الومضات، وإنشغالات المخيال/ الحلم/ والشعر.
[3] الجسد: من المشخص الى الومضات
بحسب خبرة مؤرخي الفنون، فان المليون سنة التي صاغت علاماتها،(7) من الخرز الى الاختام، ومن القلائد الى زخارف جدران المدافن، ومن الاقراط الى رسوما جدران المعابد ..الخ لم تكن منفصلة عن: محنة الجسد. فالجسد الذي غدا مأوى لمكونات العالم باتساعه، والطبيعة بمخاطرها، والمجموعات السكانية ذاتها في تجاورها، وفي تصادمها ..الخ هذا الجسد، المحمي بدفاعات ذاتية ومشفرات بالغة التعقيد ـ والدقة، هو ذاته الذي صاغ ما تضمنته المتاحف من كنوز، والمدن من ممتلكات، والعقول من معارف، والحضارة من حكمة، هو ذاته لخص ديالكتيك: الخطر ـ والديمومة. فالمقاومة ليست كلمة ملتبسة الدلالة، إنما تكاد، لواقعيتها، أن تمتلك أدق تعريف للذي: لا يعّرف: الميتافيزيقا. فالوجود نفسه غدا ـ بصفته لا معقولا ً، ولا يمتلك مفاتيحا ً لفك مغاليقه ـ معقولا ً كضربة نرد لا تحكمها خطة عشوائية. ود.غالب المسعودي، بنزعة شرقية غير مثقلة بالزوائد، يتوهج بما تمتلكه خاماته من لا مرئيات داخلة في تكوين ذرات عناصره الفنية، يعادل، ويوازن، بين جسد (دينامي/ متيقظ) وغير خامل، في استقصاء المسافات وقد كفت أن تكون لها حافات، وبين نصوص فنية عليها أن لا تفقد ذروتها.
إن الفنان غير معني بالجسد، إلا بصفته المأوى تارة، وبصفته قد أكتسب مهارات تؤدي إلى اكتناز مهارات نائية، وبصفته ممرا ً بين القاع والأعالي، ثالثة، ورمزا ًمبنيا ً بالمشفرات وعملها كي لا يرتد، وكي يحافظ على دينامية أنه ليس ابديا ً.
وإذا كان الفنان قد مارس ـ كما رسم شاكر حسن الجسد المجرد في خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم تم التخلي عنه ـ معالجة الجسد بما يمتلك من مرونة، وتعقيدات، وملغزات، فانه ـ بدافع تقصيه للمحركات ـ سيدمجه باشكال اختزلت حد القطيعة مع مصادرها، في رؤيته التجريدية، للنصوص، وقد دمج الرسم بالنحت، والطباعة بما تمثله من واجهات المباني، أو شواهد المدافن، والأثر بتحديثاته ..الخ كي تغدو النصوص، كالأختام، وتماثيل الاسس، والارابسك، دون إهمال ثراء التجريد التعبيري، والهندسي، ودوافعه: التطهرية/ السحرية/ الميتافيزيقية/ والرياضية ..الخ ذات مسار يكون الجسد عليه ـ في ذاته ـ ولكن ليس على حساب التجريب، والمرئيات، ورهافات التداول بين الذات وعالمها المحيطي. فالجسد سيتوارى، ليدفن، حتى يكاد الفنان أن يصنع لنا مواكبا ً احتفالية خالصة، والجسد يكف أن يكون إشكالية وجود، كي يستحيل إلى إشكالية تعبير، لا عن غيابه، بل عن امتداد حضوره هذا في الغياب. فثمة تزامن لوقائع تحدث داخل مكونات النص الفني، ولن يدعها تغادر، لكن الجسد يرفرف، كومضات ضوء في العتمة، وقدام ليل الانسان، ليستكم لغز (الفن) في علاقته مع الصانع، وفي علاقته مع المتلقي. مما سيسمح للفنان أن يستعيد عمليات البناء ـ من الداخل ـ باستعارة الخامات القادرة على تحقيق مقاربة مع غياب الجسد ـ وحضوره. فنصوصه تفصح عن مشاهد أفقية، أختزلت المساحات، واعادت توحيد منبهاتها، داخل السطح، بمتعرجاته، وملامسه المتباينة. فالتجريد الذي غدا كتابة، يحافظ عى مشفرات (الحروف) ذات الأصل: الالهي ـ البشري، معا ً. فهو لم يعلن عن إنحياز لمنهج لا يمكن فصله عنه، بل سيستحدثه في نهاية المطاف، دامجا ً التصّورات، بمسار المشاهدات الواقعية، عبر المعادل ذاته الذي انجزه رسام المغارات، أو صانع الاختام السومري. فالانسان لم يصر شيئا ً منفصلا ً عن تعبيرية المعالجة ومغزاها، بل غاب فيها ـ كما ينزل الراحل إلى اعماق الارض التي لن يعود منها ـ كي يؤدي طقسا ً بانتظار الانبثاق. إننا إزاء تأولات ربما لن توسع مهمات المتلقي كثيرا ً، لكنها لن تدعه يتمهل بلذائذ طالما انها قائمة على أن الفن: ليس تسلية، أو إمتاعا ً بمعزل عن مراراته الأبدية. ففي هذا المعادل قد لا يقول النص الفني إلا ما توارى فيه، كمقبرة سوتها الريح، وكالزمن آتى على ممالك، وامبراطوريات، إنما ـ في الآن ـ هناك المراقب، المتلقي، بكامل وعيه، وحضوره، وبجسده حتى لو كان قد استحال الى ظل، أو رمز، أو ومضة، فانه ليس إلا صانعا ً لوجود يجدد فيه، ذات الطاقة التي تمنحنا إياها الاجساد التي توارت، ليس في التراب، أو في باقي العناصر فحسب، لكن التي أصبحت تسكننا، وكأنها لن تعمل إلا على تحدي الغياب، وبالدرجة الأولى على مجد الثبات، أو المقاومة، كمعادل بين المحو، وإنبثاق ومضات الوجود.
إحالات :
1 ـ يكتب فراس السواح، في حقل المعتقدات في تاريخ بلاد سومر: " تقدم لنا ديانة بلاد الرافدين النموذج الأمثل عن مفهوم التاريخ المفتوح،حيث نستطيع تمييز مراحل للتاريخ المقدس تكشف عنها الأسطورة. المرحلة الأولى هي السرمدية الساكنة عندما كانت الألوهة منكفئة على نفسها مكتفية بذاتها. المرحلة الثانية هي الزمن الكوزموغوني، أو زمن الخلق والتكوين، عندما خرجت الألوهة من كمونها فأطلقت الزمان ومدت المكان وحركت دارة الوجود. المرحلة الثالثة هي زمن الأصول والتنظيم، عندما عمد الآلهة إلى تنظيم شؤون العالم والمجتمع الإنساني، من خلال عدد من الفعاليات المبدعة التي نشطت عند جذور التاريخ الإنساني. المرحلة الرابعة هي زمن البر الفتوح على اللانهاية" أنظر: فراس السواح [الرحمن والشيطان ـ الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات الشرقية] دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة ـ دمشق/2000 ص23
[2]ـ كان من امنيات ملوك العراق القديم ان تبقى المعابد التي يشيدونها خالدة الى الأبد. لذلك قام الملوك بتثبيت المعابد في الارض عن طريق تماثيل الاسس التي تجمع في شكلها بين المسمار والاله أو الملك. أنظر: د. صبحي أنور رشيد [تماثيل الأسس السومرية] وزارة الثقافة والاعلام ـ الجمهورية العراقية 1980 ص6
[3] في تاريخ دولة لارسا تصادفنا ظاهرة نادرة الحدوث في التاريخ العراقي، ذلك أن أحد ملوك هذه الدولة والمدعو (كودورمبوك) الذي كان يقيم في منطقة تقع شرق بابل بعد استيلائه على السلطة في لارسا بتنصيب ابنه (وارادسين) حاكما ً على البلاد " وبقي هو في خيام قبيلته واكتفى بلقب شيخ أو أب لكنه احتفظ من بعيد بالقيادة في يده من خلال تحديد سياسة وارادسين" إذ ليس من المألوف في تاريخ العراق أن يزهد حاكم بالسلطة ويبتعد طواعية ولو على هذا اشكل. انظر: باقر ياسين [تاريخ العنف الدموي في العراق/ الوقاءع ـ الدوافع ـ الحلول] توزيع دار الكنوز الادبية. بيروت ـ لبنان. 1999 ص44
[4] الأرابسك: فنون زخرفية إبداعية تلقائية موحية، إنبثقت من حضارة الشرق القديمة، وتبلورت في الفنون الاسلامية، تناولت الحقائق والجوهر والروح بتعبير رمزي، فأحالت الشكل الخارجي والمظاهر العرضية الى رموز وأسرار، مضامينها صوفية تأملية، واشكالها تعتمد التوازن والتقابل والتناسب والتكرار، استعاضت عن التجسيم بالعمق الوجداني. انتقلت إلى الفنون الغربية المعاصرة كعنصر تزويقي، تستلهم الحروف أحيانا ً. وقد أطلق الجماليون عليها (الفزع من الفراغ). انظر: عباس الصراف [آفاق النقد التشكيلي] وزارة الثقافة والاعلام ـ بغداد ـ 1979ـ ص163
[5] كذلك استمر التقليد راسخا ً في العصر السومري الحديث بنوع يعرف بـ (الحيوان ـ المسمار) الذي استعمل في عصر فجر السلالات الثالث ولكن بكل ثور جالس فوق مسمار. كما واستمر استعمال النوع المعروف بـ (الانسان ـ المسمار) الذي ظهر لأول مرة في عصر فجر السلالات الثاني، حوالي 2600ق.م. أنظر: د. صبحي رشيد [تماثيل الأسس السومرية] مصدر ساب. ص14
[6] ـ بمعنى ان للبشر غاية لا تمحى بالفناء، كما يرد في احكام اقدار الالهة لهم، وإلا لماذا منحوا، في حدود مصائرهم، تعالميها، حتى لو كانت قد كتبت من قبل البشر أنفسهم. فالديالكتك ـ ضمن الزمن المفتوح ـ يسمح باستحالة محو المعنى، أو جعله عدما ً ممتداً.
[7] يذكر هنري هودجز: "هذا، وعلى الرغم من ظهور الانسان الصانع للأداة قبل عدة ملايين من السنين، إلا أننا نستطيع أن نتتبع تاريخ صناعة الادوات إلى مليوني سنة مضت" أنظر: هنري هودجز [التقنية في العالم القديم] ترجمة: رندة قاقيش. الدار العربية للتوزيع والنشر. عمان ـ الأردن. 1988، ص25
الشاعر الفلسطيني سليمان دغش=في ديوانه الجديد-انا
الشاعر الفلسطيني سليمان دغش
في ديوانه الجديد-انا-
إهداء :
إليَّ أنا في أنا
وإليهِ فيَّ
يملؤني بالأنا
ويجعلني أنا... أنا
سليمان
------------
انا الإمام ...
أنا الإمامُ
أنا الإمامُ
أعودُ من سَتري الزّمانيِّ
غيابي حجّةُ الموجةِ في البحرِ ,
ولا حُجَّةَ للماءِ على الماءِ
إذا ما أسلمَ الماءُ لوجهِ الماءِ واستسلمَ
كانَ الماءُ في البدْءِ
وكانَ الروحُ في السُبحَةِ مثلَ الريحِِ
فانثالَ على الأرضِ الغمامُ
أنا الإمام
8
أنا الإمامُ
وفي يَدي مفتاحُ سرِّ الماءِ
قالَ الماءُ كُنِّي ، كُنتُ
لا وَهمٌ عَلى مرآةِ يَمِّي
ذاكَ نجمي
في مرايا الماءِ يهمي
وسراجي في يدي البدرُ التَّمامُ
أنا الإمام
9
أنا الإمامُ
أنا إمامُ الستْرِ
ظِلّي ظاهرٌ في الناسِ
إنَّ السرَّ ما أخفى وراءَ الأفْقِِ
في البرقِ الغمامُ
أنا الإمامُ
10
أنا الإمامُ
أنا إمامُ الدهرِ , روحُ البحر ِ
لا أظهرُ إلاّ في الرؤى
إنّي أنا الرؤيا
وفي الرؤيةِ إيهامٌ ووهمٌ
وسؤالٌ حائرٌ كالسهمِ ,
كم تخطىءُ في الرَميِ ِالسّهامُ
أنا الإمامُ
أنا الإمامُ
عباءَتي روحي
وسَرجي صهوةُ الريحِ على حرفيْنِ
لائيَّينِ :
لا إله إلاّ الله
تنزيلٌ
وتأويلٌ
وما التأويلُ إلاّ جوهر التنزيلِ
إنّ الدرّ ما أخفى وراءَ اللف
في المعنى الكلامُ
أنا الإمامُ
12
أنا الإمامُ
حَمَلتُ قنديلي
وَمِنديلي
إلى نيلي
(وشَطْنيلي)
لكي أبدأَ دوْرَ الكشفِ
فالكشفُ دَليلي
قلتُ للاّهوتِ في النّاسوتِ :
سُبحانكَ
إني عائدٌ للقِبلةِ الأولى
13
هُوَ الإسراء
منْ قدسي إلى قدسِكَ في القدسِ
ومن روحِكَ في روحي
إلى روحي
ومن جرحي إلى جرحي
ومن نفسي إلى نفسِكَ في نفسي
حدودي خمسةُ :
العقلُ في الأوّلِ , والنفسُ
وفي الكلْمةِ نفسُ السابقِ التالي
14
فيا حاكمُ(*1)
طالتْ رحلةُ النورسِ
في الصحراءِ
بينَ الماءِ والماءِ
فلا زمزمُ ترويني
ولا يثربُ تؤويني
ولا البيتُ الحرامُ...!
أنا الإمامُ
15
أنا الإمامُ
أضأتُ مشكاتي على الصحراءِ دهراً
واختفيتُ
قُلتُ :
يكفيها منَ الأنجمِ
ما يقطُرُ من دمّي
دَمي المصباحُ
والمفتاحُ
والصحراءُ لا تقرأُ نَجْمي
16
كانَ سهمي
قبلَ حُلْمي
قلتُ :
تكفيني صلاةُ الفجرِ عند المسجدِ الأقصى
وعند الصخرةِ الأدنى
إلى المعنى
منَ المعنى
إذا ما ارتاحَ بعد الهجرِ
في الغمدِ الحُسامُ
أنا الإمامُ
17
أنا الإمامُ
متمِّمٌ بالماءِ ما بيني وما بيني
وللصحراءِ أن تحلُمَ بالغيمةِ
والنجمةِ
في كفّي
وأن تقرأَ فيها
كلَّ ما تُظهِرُ من سرٍّ وتُخفي
ليسَ للصحراءِ ما تخسَرُ
إلاّ رَملَها
18
إنْ هبَّت الريحُ على زِنّارها
وليسَ للصحراءِ أنْ تكسَبَ
إلاّ نارَها
إنْ أودعتْ في قبضةِ الريحِ
عُرى أزرارِها...
واستنفَرَتْ أسرجة الخيلِ سراطَ الريحِ
إنَّ الروحَ بنتُ الريحِ في الصحراءِ
لا رمحٌ يردُّ الريحَ إن ثارت
ولا يُجدي مع الريحِ اللجامُ
أنا الإمامُ
19
أنا الإمامُ
مُتَيَّمٌ بالماءِ حدَّ الماءِ
لا تمْتَمَةٌ فوقَ فمي
أو في دَمي
رؤيايَ منفايَ
وبيتي رؤيَتي
قدْ تصدقُ الرؤيا مع الرؤيةِ يوماً
ويتمّ الماءُ مجراهُ
ومسراهُ
منَ النهرِ إلى البحرِ
20
كأنَّ الماءَ مرآة المرايا
كيفَ يا ماءُ اكتشفتَ السرَّ
بينَ الذاتِ والمرآة
فاخترتَ المواني آخرَ الرؤيا
وآثرتَ التّأني
والتّداني
كلّما احتدَّ على اللجةِ
موجٌ مثقلٌ بالماءِ
واشتدَّ على البحرِ الزحامُ
أنا الإمامُ
21
أنا الإمامُ
ورايتي خضراءُ
قالَ فيَّ إسماعيلُ للراحلةِ الصحراءِ :
كوني واحتي
أو غيمةً في راحتي
واستلهمي في الريحِ طلحَ الروحِ
كيْ يعلو نخيلٌ في سماءِ الحُلْمِ ,
22
هل في الحُلْمِ من معنىً إضافيٍّ
إذا ما استكمَلَ البدرُ التّجَلِّي
في مرايا البحرِ
واستكمَلَ في فاتحةِ الموجَةِ
رؤياهُ اليمامُ
أنا الإمام
23
أنا الإمامُ
ورايتي حمراءُ ,
فالأحمرُ دَمّي
رايتي صفراءُ
والأصفرُ همّي
رايتي زرقاءُ
والأزرقُ حُلْمي
رايتي بيضاءُ
لا وهمٌ على الأبيَضِ إذ يندى
على الذاتِ الرَخامُ
أنا الإمامُ
24
أنا الإمامُ
على يدي وشم السلالاتِ التي
باعت مرايا الحلم في رؤيا دمي
واستَنكَفَتْ في ساعةِ الرملِِ
فلا خيلٌ على عَتْبَةِ مفتاحِ الأعاصيرِ
ولا رمحٌ يرومُ الشمسَ خلفَ البحرِ
في أندلسِ اللهفةِ
والشهوةِ
واللوعةِ
25
لا سيفٌ
ولا زحفٌ
ولا غيثٌ
ولا ليثٌ
ولا رعدٌ
ولا وعدٌ
نعامٌ يملأُ الصحراءَ تيهاً واختيالاً
ويطُمُّ الرأسَ في الرملِ ليرتاحَ
على الوهمِ النعامُ
أنا الإمامُ
26
أنا الإمامُ
نذرتُ نفسي لاكتمالِ البدر في
وحيِ الهلالِ
قلتُ في الظاهرِ شمسُ الباطنِ المستورِ
والباطنُ قلبُ الظاهرِ المنظورِ
لا المرآةُ تقصيني
ولا المرآةُ تدنيني
إذا ما انزاحت الرؤيةُُ في الرؤيةِ عن رؤيتها
واشتدَّ في الرؤيةِ والرؤيا
الظلامُ
أنا الإمامُ
27
أنا الإمامُ
وفي دَمي يبتدىءُ النهرُ قرانَ الضّفتيْنِ
ليس في الماءِ حيادٌ وَدَمي
لمْ يعترفْ بالجرحِ إلاّ
كي يصيرَ الدَمُ جسراً
لعبورِ الروحِ بينَ الجَسَدَينِ
كَمْ منَ الدمّ سَيَجري هاهنا
حتّى يُتمَّ الشهداءُ الحلْمَ في الموتِ الذي
يقلقهم في باحةِ الصحوةِ حيناًً...
فيَناموا
أنا الإمامُ
28
أنا الإمامُ
عبرتُ مثلَ الريح ِ من مائي
إلى مائي
وفي كفّي الندى
فاستوقفتني خيمَةُ ُالبدوِ التي
طافتْ على زيتِ الخليجِ الفارسيّ..العَرَبيِّ
صِحتُ :
يا سلمانُ(*2 )لا خندقَ حولَ القدسِ
29
والخطّابُ مصلوبٌ على عُهدتهِ
هل من نبيٍّ عربيٍّ يرفعُ الأذانَ
في الكعبةِ فجراً
ثمَّ يسري في رداء الوحيِ ليلاً
مثلما أسرى بثوبِ الماءِ
في الغيمِ الرِّهامُ
أنا الإمامُ
30
أنا الإمامُ
بدأتُ من كُلٍّ وفي كُلٍّ إلى كُلٍّ
أنا الكلُّ الذي لم يتجزأ
وأنا الفردُ الذي يَكملُ في الكلِّ
أنا منزلةُ الواحدِ
منّي يبدأُ العدُّ
ومنّي يبدأُ المدُّ
أنا العلّةُ والمعلولُ بالعِلَّةِ
بي يكتملُ الكلُّ
31
أنا العَقلُ
أنا الواحدُ والزائدُ والفائضُ عن حدّي
أنا السيّدُ والسائدُ والواعدُ والموعودُ والوعدُ
أنا العهدُ
أنا الشاهدُ والمشهودُ
فاشهدني تُشاهِدني
أنا الأزهرُ لا أظهرُ إلاّ
حينَ يشتدُّ على الأفْقِ القتامُ
أنا الإمامُ
32
أنا الإمامُ
دَمي كتابٌ في يميني
فاقرئيني
آهِ .. يا أيّتُها الأرضُ
التي تشربُ من دمّي
لكي يكبرَ عشب اللهِ
في خضرةِ عيْنَيَّ وفي ظلِّ جفوني
واتبعيني
لكِ ظلِّي.. اتّبعيني
33
إنَّ في المرآة شكاً أبديّاً
ودمي وحدهُ مفتاحُ يقيني
كلّما بدّلتُ قمصاني على عروةِ روحي
مسّني البرقُ الإلهيُّ على صخرتهِ الأولى
وناداني إلى القدسِ حنيني
فرمى منديلَهُ الأبيضَ في روحي
وناداني السلامُ
أنا الإمام
34
أنا الإمامُ
أعدّ خطوي
خطوة في الريحِ , ويح الريح ,
كم مرَّتْ على أطرافها
فاستَنفَرَتها قَدَمي
أعدُّ صحوي
ونهاري عتمةٌ في قلمي
35
قالت ليَ البرقةُ :
ألغيمةُ أمّي
وأبي من نطفةِ البحرِ
وضوءُ الشمسِ دَمّي
من ترى يحملُ للوردةِ إسمي
ويسمّي برجَهُ فوقَ الثريّا والثرى
من نُجُمي
36
قالت ليَ الحكمةُ :
في الوردةِ سرّي
فاهْدِها أو فاهْدِني لمن تُحبُّ
أو لمن تكرَهُ
واحفظْ سورتي في صورتي
واخطفْ قناديلي ومنديلي
وحلِّقْ في هديل ِ الصحو ِ حَلِّقْ ..
ثمَّ حَلِّقْ يا حمامُ
أنا الإمامُ
37
أنا الإمامُ
أطلُّ من نفسي التي فاضتْ على كأسي
وهل تعطيكَ مرآتُكَ إلاّ ما لديكَ -؟
أنتَ مرآةٌ لمرآتكَ
لا أسألُ أمسي عن غدٍ
خبَّأتُ في عروتهِ أزرارَ نفسي
قالت الموجةُ للبحرِ : تزَوَّجْني
38
وزَوِّجْني إلى الرملِ على خصركَ
كيْ أفنى
ولا أفنى
أنا المعنى
وأنتَ الوحيُ
منكَ الأمرُ والنهيُ
لكَ الماءُ وكلُّ الماءِ من فيضكَ
يا بحرُ فخذنا كي نعيدَ الماءَ للماءِ
إذا ما طفحَ الكيلُ بنا
وفاضَ عن حدِّهِ في النفسِ الهيامُ
أنا الإمامُ
39
أنا الإمامُ
ونصفُ روحي هاهنا
يبحَثُ عن نصفي هناكَ
إنّما الرّوحُ هيَ الواحدُ في النصفينِ
والضّدينِ
نصفٌ في رداءِ التوتِ من شهقةِ حوَّاءَ
ونصفٌ سابحٌ بالماءِ
إنَّ الماءَ لا يخطىءُ إنْ أخطأَ إلاّ
حينَ يغويهِ الترابُ الآدميُّ
فاحفظ الماءَ لقدّاسِكَ فيها
40
هيَ لا تُخصِبُ إلاّ
حينما يغسِلُها الماءُ على ركبَتِهِ الشقراء
فاحفظْ ماءَها فيكَ
وَعَلِّمها اشتهاءَ الماءِ في مائكَ
إنَّ الماءَ لا يُروى بغيرِ الماءِ
إنْ أنَّ اشتِهاءُ الماءِ تحتَ الماءِ
واشتَدَّ على الماءِ الوِحامُ
أنا الإمام
41
أنا الإمامُ
رأيتُ نفسي في مرايا الماءِ
صارَ الماءُ سَتْري وحِجابي
وسؤالي الأزَليِّ
قلتُ للماءِ : تَوَحَّدْني
ووحِّدني
فوحدي بينَ ماءيَّ انكَسَرتُ
ما الذي يَجعَلُني حيّاً على مرمى
منَ الماءَينِ
42
لا تكسِرُني الريحُ إذا انكَسَرْتُ
لا تأسُرُني الروحُ إذا انتَصَرتُ
في نفسي
على نفسي
بنفسي
وتصالحتُ مع الضّدينِ
والنّدينِ
كُلُّ شيءٍ ضدُّهُ فيهِ
وضدُّ الماءِ في الماءِ الوئامُ
أنا الإمامُ
43
أنا الإمامُ
روحٌ على سرج الزمان الدائريّ
نقطةُ البيكار
بشرى الصحو في لوزةِ آذارَ
احتفاءُ البحر بالأنهار
وعدُ الشمس في الأسحار
وشم الغيم في دفتر تشرين
كتابُ الماءِ في الأسفار
44
مفتاحُ المدى الأزرق
ومضُ البرقِ في المطلقِ
إنْ عدتُ تواريتُ
وإن غبتُ تراءَيتُ
أنا الحاضرُ في الغائبِ
والغائبُ في الحاضرِ
عنواني ضبابٌ يتعرّى كلّما
دغدَغَهُ في خنصر الشمسِ سؤالُ الكشفِ
45
عَنْ عشبٍ حقيقيٍّ
وأرضٍ للنبوءاتِ أضاعتها الأساطيرُ
وأدماها خلافُ الطينِ حولَ الماءِ والأسماءِ
يا آدمُ فارجعْ مرّةً أُخرى إلى أرضِكَ
واذكُرْها لنا الأسماءَ كيْ يخرجَ إبليسُ
منَ الأرضِ التي أورثتها للناسِ
مذْ أغراكَ في الفردوسِ تفاحٌ حرامُ !...
أنا الإمامُ
46
أنا الإمامُ
لغيبتي معنىً مجازيٌّ
حُضوري شهقةُ الظلِّ
ومأوايَ ومنفايَ المدى
لم يعترفْ بالغيمِ عُشبُ الأرضِ لولا
لمسة الماءِ على كفِّ الندى !
والشمسُ لم تغرُبْ إذا مالت
على كْريستالها الجونيِّّ
47
في مرآةِ وجه البحر إلاّ
لتذرَّ الجمرَ والجْلْنارَ في صحنِ الدُّجى
لا شيءَ في الدّنيا سُدى
الليلُ فانوسٌ يضيءُ النفسَ
{ والليلِ إذا عَسْعَسَ }
لا تلعَنْ ظلامَ الليلِ أشعلْ شمعةً في الصدر
واهتِفْ ملءَ ما في النفسِ من ضوءٍ خفيٍّ :
كُنْ خليلي ودَليلي يا ظلامُ
أنا الإمامُ
48
أنا الإمامُ
أطلُّ من نخلٍ سماويّ
على تربةِ ظلّي
رُبّما تسألُ هل في الظّلِّ ما يوحي
بسرِّ الشكلِ
أم في الشكلِ ما يوحي بأنَّ الظلَّ
في المعنى
وفي الأعلى
49
فكُنْ أعلى ليعلو الظلّ في المشكاةِ
بينَ اللهِ والمرآةِ
دَعْ ظِلَّكَ في الدنيا خفيفاً ولطيفاً
أنتَ طيفٌ هاهنا ،
ضيفٌ على الدّنيا
وإنْ طالَ المقامُ
أنا الإمامُ
50
أنا الإمامُ
فلا تكَذِّبْ قُبلةَ الشَّمسِ على خَدِّ الهلالِ
رُبّما تصطادُكَ النّجمَةُ في ليلَةِ كَشْفٍ
وتُعَرّيكَ قناديلُ الفراشاتِ التي
ألقتْ على البَلّورِ ظِلاّ نرجسيّاً
وتماهَت في سَناها
فأضاءَت واستضاءَتْ في أناها
اتّحَدَت في سورةِ الضوءِ بما أوحى لها التأويلُ
والمرآةُ والليلُ , إذا الليلُ سجى
لا شيءَ في الدنيا سُدى
51
فاقرأْ كتابَ الماءِ في غيثِ السماواتِ
وطينِ الأرضِ , صلصالكَ , كي
تكتشف النهرَ الذي يجري إلى البَحرِ
على إيقاعِ قيثاركَ
لا تطلُبْ منَ البحرِ التفاسيرَ ,
هوَ البَحرُ سؤالٌ أزليٌّ
لمْ يُفسّرْهُ لنا ملحُ البداياتِ , هيولى البَدْءِ ,
ماءٌ سابحٌ في اللا زمانِ الأوَّليِّ.. لا
ولمْ يفهَم دواعي الخلقِ في البرقِ
وفي الماءِ الغمامُ
أنا الإمامُ
52
أنا الإمامُ
كَتبتُ إسمي فوقَ كفِّ الماءِ
فاستأنسَ ماءُ النهرِ ما بيني وبيني
قُلتُ للنهرِ : ألم تتعبْ مِنَ الغيمةِ فيكَ ؟!
قالَ : إنَّ البحرَ ميلادي وموتي
وأنا همزةُ وصلِ الماءِ
بينَ الأرضِ والسماءِ
لمْ أغسلْ قميصَ النومِ تحت الريحِ إلاّ
53
لأزفَّ الضوءَ أنثى الليلِ
في حضرةِ قدّاسِ الفراشاتِ التي
أعتقها الضوءُ على سنّتِهِ الأولى
فلم أُكملْ رحيلي هاهنا بعدُ
ولمْ أُكملْ وصايا اللهِ في الحُبِّ
وفي الخصبِ
ضفائري غوايةُ العصافيرِ
ونايي لثغةُ الريحِ على الصفصافِ
والغيمةُ روحي
54
وحريري وخريري كُلُّهُ للبحرِ
يا نورسُ فاهدأْ
وتوضّأْ بالندى قبل صلاةِ البحرِ
لا ظلٌّ على بوابةِ البحرِ سوى ريشكَ
فانعَفْهُ على الشرفةِ تحت الشمسِ
وادخلْ باحَةَ المطلقِ بالمُطلَقِ واكشِفْ
زرقةَ السّرِّ
وسرَّ الزرقةِ الأولى
هل الزرقةُ بَدءٌ قبلَ بَدءٍ ؟
ليس للزرقة بدءٌ
أو ختامُ
أنا الإمامُ
55
أنا الإمامُ
وغايتي كشفُ المرايا في سرابِ الماءِ
والأسماء
كانَ البحرُ أولى بانتصارِ الماءِ
في الأشياءِ
كي تحيا
وكان الغيمُ أولى باختصارِ البرقِ
كي تقتربَ النارُ منَ الأحياءِ
في هندسةِ الميلادِ والأضدادِ
56
كانَ الماءُ حُرّاً سابحاً
في اللا زمانِ اللامكانِ
كيفَ يا آدم علّمتَ المرايا التيهَ
في بحر السرابِ الدُّنيويِّ
وَرْقَةُ التوتِ التي أهدتكَ حوّاءُ
استفزَّتكَ وأغرتكَ قليلاً
فابحث الآنَ عن الجنَّةِ فيكَ
واستَعِنْ بالماءِ
57
إنَّ الماءَ يهديكَ إليكَ أو إليها
ليست الجنَّةُ الاّ متعة الإدراكِ
والشّباكُ مفتوحٌ لمن يبحثُ عن ظلِّ الثريّا
في مرايا الماءِ
كي يكتشفَ الآلاءَ في الأسماءِ
فانظُرْ كم منَ الأسماءِ فيكَ
كُلُّها للماءِ آلتْ
58
واستوى الماءُ على لئلائهِ الكونيِّ
وحياً
كلُّ شيءٍ عائدٌ للماءِ
فاهدأْ ايّها النهرُ الذي يمضي
إلى دِلتاهُ في الدّنيا
لكي يكملَ معناهُ الدَّوامُ
أنا الإمام
59
أنا الإمامُ
بَسَطتُ كفِّي خمسَةً في واحدٍ
وواحداً في خمسةٍ لواحدٍ
أصابعي جداولٌ تستنهضُ النهرَ
إلى غايتهِ الأولى
ولا غايةَ للنّهرِ سوى بسمَلةِ الماءِ
على تميمةِ البحرِ
إذا ما ائتَنَسَ الماءُ على تمْتَمَةِ الموجِ
وصلّى
60
لسَماءٍ هِيَ فيهِ ..
هوَ فيها...
هيَ منهُ..
هوَ منها وإليها...
لم يَعُدْ في الأمرِ شكٌ
رغمَ أنَّ الشكّ مفتاح اليقينِ
والّذي شكّكَ بالماءِ رأى صورَتَهُ
في سورةِ الماءِ فأغواهُ النّدى
اهتَدى
إلى ذاتِهِ في فلسَفةِ المرآةِ
فالمرآةُ بُعدٌ آخرٌ للذاتِ
61
ما ذاتُكَ إلاّ ظلّ ذاتٍ تتجَلّى
في رؤى المرآةِ
فانظرْ
لنْ ترى إلاّكَ فيهِ
لن ترى إلاّهُ فيكَ
كُلُّ شيءٍ ناقصٌ إلاّهُ ...
اللهُ التمامُ
أنا الإمامُ
62
أنا الإمامُ
وفي يدي مفتاحُ سرّ الماءِ
قالَ الماءُ : كُنّي … كُنتُ
لا وهمٌ على مرآةِ يَمّي
لا ظلامُ
أنا الإمامُ
أنا الإمامُ
أنا الإمامُ .....
*(1) الإشارة إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ابن العزيز بن المعز لدين الله الفاطمي في القرن الرابع للهجرة- في مصر
*(2) الإشارة إلى الصحابي الجليل سلمان الفارسيّ
صدر للمؤلف :
1. امرأة على خطّ الإستواء (شعر ) الأسوار/ عكا 1978
2. هويّتي الأرض (شعر ) الأسوار عكا 1979
3. لا خروج عن الدائرة (شعر ) الأسوار عكا 1982
4. جواز الحجر ( شعر ) حيفا 1991
5. عاصفة على رماد الذاكرة (شعر) دار القسطل/طولكرم 1995
6. على غيمتين (شعر) دار الفاروق نابلس 1999
7. زمان المكان (شعر) بيت الشعر الفلسطيني- رام الله2000
8.آخر الماء (شعر) الاسوار عكا 2003
9.ظلّ الشمس (شعر) اأسوار عكا 2004
10. نهاريّة سليمان دغش (شعر) الأسوار عكا 2005
11. أنا (شعر) دار نفرو/ القاهرة 2007
21- سماء للعصافير نهار للفراشة تحت الطبع- وزارة الثقافة الفلسطينية
الناصرة
suleiman_ppsp@hotmail.com
الأحد، 16 يناير 2011
محمد الفرطوسي-الى المشتعل الاول والمشتعل الاخير
الى المشعل الاول
و
المشتعل الاخير
.
.
...الاله الصغير محمد بوعزيزي
***********************
بنار الجسد النحيل
اوقدت
نور الوطن
وبصوت الرغيف الفقير
اسمعت
صمم الحقول العتيقة
احرقت صمت الحقول
صرخت نيرانك
ان قميصك شراع الرياح الوحيد
وان قمحتك
هي الاولى
بدمعنا والاغاني
وان السنابل
سنابل حزنك
هي مانريد لقحط ايامنا
وانك ياعزيز الحكاية
تردد يصمت اللهيب
ماتريد السماء
لكم تريق فيك الشعوب
تراتيل احلامها
ولكم
ايها العزيز القتيل
أطربت شمس التقاويم
بغنائك طائرك المقدس
اطربت تلك العجوز العقيم
التي نامت على تاجيل تاويلها
وتاجيل الحنين
ومن اجل عربة من خضار الحياة
اشتعلت في روحك عاصفة الياسمين
زادت في خضرة تونس
الاحمرار المهيب
الجمعة، 14 يناير 2011
الخميس، 13 يناير 2011
عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن-اللوحة للفنان غالب المسعودي
عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن
من ضيق على الفرح المساحات
حتى ضاقت به الأرض
و اشتد حزنه
و قرر أن يهاجر
فأرض الله .....
واسعة
من وهب الحزن كل هذه
الأراضي
و أعطاه الصك للأبد:
يا حزن هذه...مساحاتك
هاجر الفرح لكوكب..
آخر
وحط على أرضه
و معه ....الحقائب
نام الفرح متعبا في ظل نجمة غافية
استيقظت النجمة و حدقت في فرح...
نائم في ظلها
تعجبت النجمة :
هذا الجمال و بهاء....
و روع
وقعت النجمة في غرام الفرح
قبلته بين عينيه
فاستيقظ..... الفرح
تأبط الفرح ذراع نجمته الحنون
و مضا
نجمة....و فرح
بكى الحزن الأناني
لأنه لم يتلق دعوة لحضور...
العرس
سهير عبد الرحمن
12-1-2011
الأربعاء، 12 يناير 2011
من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي
من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي
( الدواية )، قرية تحيط بها الأهوار، المسكونة بالطيور والاسماك، بيوتها من طين، حين ينزل المساء فيها، تغط في الظلام والنوم، إلا من اضواء فوانيس خافتة، مترددة ومهزولة، وأبخرة دخان يلف بيوتها. لو تطلعت اليها، الى سحنتها عند النهار، لانتابك شعور بالاختناق، وانت تتنفس السخام الذي احال الجدران الى كتل سوداء متناثرة، وفي مدى الرؤية البعيد روائح رز، ونظرات عطش ترسم خطوطاً عميقة من الحيرة.
في اربعينيات ذلك العالم تفتحت احداقنا الصغيرة، على نساء متعبات ينقلن الحطب والماء، ويحصدن الزرع وينجبن، وفتيات مفرطات في الحياء. الى حد مرهق، واطفال حفاة تغوص اقدامهم في اطيان تظل عالقة فيها لايام عديدة، ورجال بوجوه شاحبة تبرز فيها عروق محتقنة، واثار تبغ رخيص صبغ اسنانهم المتآكلة بالسواد، لكن في محاجرهم طيبة ونعاس.
شهدت تلك السنوات من القرن الماضي، افتتاح اول مدرسة ابتدائية في تلك القرية القصية من ريف الشطرة، مجموعة من الاكواخ، تبدو من بعيد كالمقابر، تناثرت على تربة لزجة، لايحيطها سوى اعواد القصب والبردي المتيبسة. كل مايحيط بالمكان يوحي بالأنين والأسى. تشاء الصدف ان ينسب اليها نخبة من خريجي ( دار المعلمين الريفية ) التي كانت معهداً فريداً لاعداد معلمين بمهارات تربوية وفنية، ورياضية متقدمة على عصرها. بسبب من نظامها التربوي الاصيل، وبرنامجها العلمي المتقدم، الذي استعار تجارب اوربية مماثلة للتطبيق، فضلاً عن كادرها التدريسي الكفوء، المتسلح بالعلمية والمهنية.
زير، زيران، ازار أمي ازرق، الكلمات الاولى التي خطتها ايادي أولئك المعلمين القادمين من الشطرة على سبورات سوداء، صنعت من طين، عبد جياد العبودي، حسن العتابي، عبدالحسن عيسى، جواد كاظم جويد، هؤلاء وجدوا في تلك البقعة عالماً يتسع لاحلامهم الكبيرة، وفي شحوب الليل نجوماً مضيئة تورق في مخيلتهم، آماناً وشبابيك تطل على مستقبل تزدهر فيه الارض بالورود، المدرسة الطينية كانت مرفأ تستقر فية الأشرعة، لاترحل، تستيقظ فيهم الرغبات كالينبوع.
ماسر كل ذلك الفرح والسعادة التي غمرت معلمي الدواية ؟ غير ايمان بعدالة قضية، ونظام اعتقدوا انه اسلوب الحياة الوحيد، والطريق الامثل للتطور، ويقين صادق وعميق بالافكار.
كانت عدتهم بضعة كتب، واحساساً مرهفاً بالطبيعة من حولهم وتعلقاً حميماً بالناس واطفال المدرسة، وجدوا فيها الملاذ البديل عن واقع يعتريه الأسى والجوع، حيث الطرقات الخاوية الا من بقايا فضلات الحيوانات الهائمة على وجهها، او كلاب سائبة في تلك النفايات، لكنهم متفقون على تحدي هذا الواقع.
العالم يعيش عصر تحولات كبيرة، نهاية الحرب العالمية الثانية، التي حصدت ملايين البشر، اندحار الفاشية، وهزيمة النازية والمانيا الهتلرية التي تسيدت العالم، ولادات قيصرية لانظمة ( اشتراكية ) في اكثر من بلد اوربي بمساعدة الجيش الاحمر، كانوا يستشعرون تلك التحولات ويلتقطون المتغيرات فقط عبر اولئك القادمين من المدينة في فترات متباعدة. لاصلة لهم بعالم اخر.. سوى تلك البقعة التي تحيطها مياه ظلماء حزينة.. مأخوذين ببهجة هلامية، ومنحازين بالطبع لتلك التحولات.
لم يكن القرويون يعبأون بهم كثيراً، سوى انتظارهم موعد تسليم حصصهم من التمر المجفف الرخيص الذي تبرع به عبد لابنائهم الذين امتقعت وجوهم.. ولم تعد لهم القدرة على حفظ الدروس بسبب الجوع. أخذ المعلمون انفسهم مأخذ الجد المغالي فيه حد الايمان بانفسهم مبشرين بافكار تبدو كالاحلام، مهووسين بالامل. انه نوع من الثراء الروحي ليس سواه في ظل المجاعة واللظى، وسط المستنقعات التي تجفف كل قطرات الانسانية.
يبدو عبد جياد الاكثر مرحاً، وتدفقاً في الحيوية من بين زملائه، وفي سنوات لاحقة، تسعفه هذه الروح في الافلات من سطوة الانظمة الاستبدادية واحكامها الجائرة، كان ساخراً، سريع البديهة، حكيماً، يمتاز برهافة الاحساس والاكتفاء بالقليل من متاع الدنيا , كلماته تنساب بلا ضجيج، تسير بحركة طبيعية مع النظام الخفي للأشياء.
قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية
قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية
أحمد فؤاد نجم
ينصر دينك يا بطل
قتلت ناس عُزًّل كتير
ستات، شيوخ وكمان عيال
ازحت عنا خطر كبير
دي ناس بتقول الله محبه
والمحبه دي شئ خطير
إقتل بطرس وإقتل مينا
اللي إخواتهم ماتوا في سينا
واللي ولادهم رقصوا فـي فرحك
واللي فـ ميّتم بيعزّينا
إقتل ماري وطنط تريزا
دول ناس مافيهومشي ولا ميزه
دايمًا كده يبتسموا في وشك
ويقولوا اهلاً خطوه عزيزه
وإقتل برضه عمّك حنا
في اي خناقه بيحوش عنّا
غاوي يصّلح بين الناس
ولا يمكن يوّرد على جنّه
وإقتل سامي ناجي نجيب
اصل الإسم صراحه مريب
يمكن يطلع واحد منهم
او داقق على إيده صليب
ولا اقولّك...إضرب شبرا
والكيت كات وميدان الاوبرا
فجّر واحده في كل مكان
خلّي جيرانهم يصبحوا عبر
لينا رب إسمه الكريم
ها يجي يوم تعرض عليه
تقف امامه و يسأل الشخص ده عملك إيه؟
بأي ذنب تقتله
وفين ومين وإزاي وليه؟
إبقى قول لي يا بطل
ها ترد يومها..
وتقول إيه؟
الاثنين، 10 يناير 2011
انها لوحات الفنانة المبدعة-Anna Kostenko آنا كوستينكو-عن مجموعة حمورابي
هل تصدق انها لوحات فنية و ليست صور فوتوغرافية؟؟
انها لوحات الفنانة المبدعة
Anna Kostenko آنا كوستينكو
ولدت آنا كوستينكو عام 1975 في مدينة كييف - اوكرانيا, و عاشت وعملت
في مدينة كراكوف - بولندا منذ عام 1991 . و تخرجت من اكاديمية الفنون
الجميلة في كراكوف, حيث درست الرسم للفترة من 1993 الى1998
و قد اقامت ثلاثة معارض لاعمالها الفنية في جورجينسن و رسمت العديد من
اللوحات منذ انطلاقتها في عام 1999 , و كونها مغرمة بمختلف الحضارات
ادى الى سفرها الى العديد من الاماكن التي كانت تلهمها اعمالها التي عُرضت
في بلدان كثيرة و منها بولندا و فرنسا و المانيا و آيرلندا و إسبانيا
و فيما يلي مجموعة من اعمالها الرائعة, و التي لولا ان نعلم بانها قدرسمتها
!!!....لاعتقدنا بانها صـــور فوتوغرافية.... انها فعلاً قمـــــة في الابداع
الأحد، 9 يناير 2011
حسين باجي الغزي-بلبل...في القفص....بلبل خارج القفص
حسين باجي الغزي
بلبل..في القفص!!
بلبل خارج القفص!!!
حسين باجي الغزي
تسمر أبو وسام واضطربت جوانحه وهو يرى جمعا من رجال الشرطة بسياراتهم المخيفة وزيهم القتالي ينتشرون إمام داره المتواضعة يتقدمهم اثنان من الضباط أمرين بقسوة بوليسية إن يفسح لهم المجال لإجراء كشف الدلالة على المنزل .
اعترت الرجل الستيني الرجفة وزغللت عيناه. حين اقتاد الشرطي شاب عشريني الملامح يشع نظارة وبهجة ،تلمع بين معصمية الجامعة الحديدية وتبرق كسيف مسلط على رقبة أثم.وزاد من حيرته وهو يتفرس وجه هذا الشاب وعرف انه ابن الجيران(.....) القاطنين في أخر الشارع .
تمالك الرجل رباطة جأشه وتمسك بأخر قواه قائلا ومؤكدا بان بيته لم يسرق منذ إن سكنه قبل عشرين عاما .
إلا إن الأمر زجره قائلا : نعم لقد سرقت داركم واعترفوا على المتهم .
أنكر أبو وسام وحلف بأغلظ الإيمان من انه يعي مايقول بنفيه الواقعة .ثم أن رجلاه لم تطأ مركزا للشرطة لتسجيل واقعة السرقة.
إلا إن الضابط المرسومة على شفتيه سبورتين سوداويتين كنسر هرم . أزاحه من إمامة وزمجر في وجهه بغضب طالبا منه أن لايعيق تنفيذ العدالة .
توسل أبو وسام واستفهم عن المسروقات وضرب أخماسا بأسداس وأستدرك في نفسه بان لاشي عندهم يستحق السرقة.
هنا اعتلت النبرة الإمرة من المسئول موجها كلامه للمتهم
كيف سرقت البلبل0؟؟؟؟؟؟
هنا انفرجت أسارير الرجل وخاطب الجميع مهللا : هذا هو البلبل في قفصه سيادة الضابط لم يسرق أبدا معافى يغرد كل يوم ونصحو على غناءه وهديله ..... تفضلوا لتروه .
لكن الأمر ذو الشاربين الطويلين نهره ثانيتا وبنبره قاسيه .ماطا شفتيه المختبئتين تحت الغمامة السوداء. هل تكذب التحقيق!!! و هل تستهزئ بالقانون !!!!.
تنحى ابو وسام جانبا وهو يستمع إلى الشاب المكبل بالأصفاد وهو يقسم عشرات المرات من إن رجلاه لم تطأ هذه الدار ولم يسرق أحدا في حياته.رغم تعنيف ووعيد مرافقيه . ليعود ثانيتا إلى السيارة الزرقاء المهيبة والأرجل والأيادي تركله وعيون أم مفجوعة بوحيدها ترقب من بعيد ماحل بفلذة قلبها اثر اعتراف ظالم من رفيق له ادعى مشاركته ل (.....) بسرقة بلبل .
لغاية كتابة هذه السطور .
بلبل أبو وسام يلهو في قفصه سعيدا مرحا يعتنى به كثيرا .يطعم ويسقى ,يغرد بالحان شجيه في قفص امن يحميه من الذئاب البشرية يتمتع بمعنى نسبي للحرية . حر من الخوف . حر من تسويف العدالة وشرعنه القانون . ينام ملئ اجفانة ويحلم بشريكة جميلة يتزاوجان ويغردان سويتا وينقمان على الوشاة والإثمين .
مرت سنة وشهران و(......)حبيس القفص الحديدي يستجدي الرحمة والشفقة ويتوسل إلى ذويه من انه يريد ان يذيق طعم الحرية ونعمة الانعتاق ومن أنة برئ طاهر .والذين لم يألوا جهدا بالدفاع عنة وبيع اخر خرقة ثمنا لأتعاب محامي .مستغربين كيف تلتقم الحيتان الكبيرة ماتحفل به شعاب العراق من اللآلئ والياقوت والمرجان ضاحكة ملئ شدقيها من النزاهة والعفة والأمانة .
ولا يزال أبو وسام يتردد من شهور طويلة على أروقة المحكمة ليدلي بشهادته ويقسم عشرات المرات من انه بلبله صحيح معافى حي يرزق. حاملا ريشة مغمسة بدموع بلبه الحزين من إن عصفورا جميلا مثله كان سببا لتعاسة واحد من بني البشر .
الخميس، 6 يناير 2011
قبائلنا-نص غالب المسعودي
قبائلنا
حينما كانت قبائلنا
تصنع ألهتها من تمر
وأنا على لحم بطني
اصنع لمعشوقتي تمثالا من خمر
ومعشوقتي
طيبة ...لذيذة
شفتاها عسل الغابات البكر
ضحكتها اشتهاء
ذات جوع وصباح
ارسلت معشوقتي
Sms
Don’t wait
هدت احلامي
المصنوعة من....................
نشوة صافية ومكعبات ثلج
لن ارد..........!
كي تبقى احلامها وردية
وترنمت باغنية باخوسية
هذا هو سر الدموع
هذا هو عرس الدم
د.غالب المسعودي