بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

فيلم يجسد قصة حب أوباما وميشيل


فيلم يجسد قصة حب أوباما وميشيل

لوس انجلوس- يمكن للأميركيين اليوم مشاهدة تفاصيل المواعدة الأولى بين باراك وميشيل أوباما في فيلميرصد تصرفات الرجل الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة وهو يغازل زوجته المقبلة طوال يوم.

2-159
يتناول فيلم «ساوث سايد ويز يو» تفاصيل أول مواعدة بين أوباما وميشيل في صيف عام 1989، وفيه تظهر ميشيل روبنسون (25 عاما) المحامية القادمة من شيكاغو مع تخرج مع باراك أوباما طالب القانون الذي جاء للتدريب في الشركة التي تعمل بها. وطوال الساعات التي قضياها معا، والتي تصر ميشيل على أنها لم تكن مواعدة، يحضر الاثنان معرضا فنيا ومناسبة عامة، ويشاهدان فيلم «دو ذا رايت ثينغ» (افعل ما تراه صحيحا) للمخرج سبايك لي، ويتناولان المشروبات والبوظة خلال مناقشتهما لحياتهما وتطلعاتهما ومخاوفهما.

2_1-6
وقالت الممثلة تيكا سمتر التي تلعب دور ميشيل «ترى في الفيلم أنهما تحديا بعضهما بعضا.. وتحدثا عن أسرتيهما، واعتقد أن كل هذه الأمور واقعية جدا وفي متناول الناس»، فيما قال باركر سورز الممثل الذي جسد شخصية باراك أوباما في الفيلم إنه بدأ «بتقليد قوي» للرئيس، لكنه بعد ذلك ترك التمثيل وأدى الدور بتلقائية.

وتزوج باراك أوباما الذي بلغ عامه الثامن والعشرين في ذلك الصيف ميشيل في عام 1992.

______
*القبس الكويتية

الأحد، 21 أغسطس 2016

أضواء على العولمة في الأدب.. البروفسورة شميم بلاك-*إعداد وترجمة: لطفية الدليمي

أضواء على العولمة في الأدب.. البروفسورة شميم بلاك

*إعداد وترجمة: لطفية الدليمي

” موسيقى البوب الأمريكية تنبعث من مكبّرات الصوت في شمال إفريقيا، والروايات الهندية صارت تقرأ على أرصفة الطرق الخلفية في مدينة نيويورك العملاقة، فهل صار النتاج الثقافي معولماً كما هي حال سلاسل مطاعم البيتزا والهمبرغر؟”.

بهذه العبارات الاستهلالية يفتتح موقع ( Yale Insights ) الحوار مع البروفسورة ( شميم بلاك Shameem Black ) التي تعمل حالياً أستاذة في الجامعة الوطنيّة الاسترالية ANU حيث قدمت إليها بعد خبرة تدريسية حقّقتها في تدريس مادة الأدب مابعد الكولونيالي Post-Colonial Literature في جامعة ييل الأمريكية المرموقة.
حصلت البروفسورة بلاك على شهادة الدكتوراه من جامعة ستانفورد الأمريكيّة وتتنوّع اهتماماتها البحثية والتدريسية في ميادين : العولمة والأخلاقيّات في الرواية المعاصرة، التنوّعات الثقافية في الأدب المعاصر، الأدب مابعد الكولونيالي في القرنين العشرين والحادي والعشرين، الأدب واليوغا، العدالة والمصالحة الانتقالية في المجتمعات التي خاضت حروباً أهلية، السرديّات الرقميّة وسرديات الأزمات الإنسانية.

نشرت البروفسورة بلاك كتابها المعنون ( الرواية عبر التخوم : تخيّل حيوات الآخرين في روايات نهاية القرن العشرين Fiction Across Borders: Imagining the Lives of Others in Late Twentieth-Century Novels) عن جامعة كولومبيا عام 2010 وتحاول المؤلّفة في هذا الكتاب توكيد فكرة أن الروايات من مختلف بقاع كوكبنا الأرضي في نهايات القرن العشرين كانت تسعى لتصوير شخصيات إنسانية وجغرافيات متباينة اجتماعيّاً دون تنميط جاهز أو مثالية زائفة أو محاولة خلع صفات خارجية قسريّة عليها.

لطفية الدليمي
____________

أختام *-عادل كامل
















أختام *



 الختم الثالث

عادل كامل



[11] الختم: الزوال في امتداده/ أعالي الضجات: الصمت!

     بعد ان يقع الحدث، إن كان إطلاق سراح أو إلقاء قبض، فان النتيجة ستقود إلى أسبابها، على أنها النتيجة التي ستصبح سببا ً، لاستكمال حلقة في السلسلة. فما الذي ميزني، ليس ان أفكر، بل الانشغال لا بالبحث عن الأسباب، في جذرها، بل للحفاظ على الفجر بعيدا ً عن الذوبان في غبار النهار، وضجته، بل ما مغزاه كي اسلك هذا الدرب وليس غيره...؟
    في الثانية من عمري، عام 1949 أو في عام 1950 ،لا اعرف لماذا غادرت الغرفة، على عجل، كي يسقط سقفها بعد لحظة، وتنهار الغرفة! لا أتذكر ملامح وجه والدي، بل مازالت أمي تحدق في ّ بشرود تام. ماذا لو كنت قد اندثرت، ولم امضي عمري  أتعقب هذه الأسئلة كـ: هل يحق للمحدود ان يضع المطلق في القفص، ليحاكمه؟ هل كانت الأسباب الأولى في ذاتها، كي تأتي النتائج، كالعدم الممتد، مكملة لها؟ ما الذي حصدته، وأنا لم ازرع شيئا ً عدا هذا الذي واصل إقصائي من الحصاد!  هل كنت، لو مت، امتلك الدافع ذاته، بالحفر في نتائج الأسباب، وفي المقدمات وقد بلغت ذروتها؟
    لن اعزل وجودي عن أي وجود آخر، أو أميزه. فالذين لم يفكروا، كانوا احد أسباب ان توجد زمرة لا عمل لها إلا الاستئناف. فثمة عدالة ـ كهذا الذي سكن الزمن وكان علة له ولم يصر خاتمة ـ لا وجود لها لكنها شغلت المظلوم والظالم معا ً، فجوة بين العبد والسيد، شكلت الحدود والفجوات، لكن هل كنت استطيع استبعاد لماذا لم أمت، ولماذا، قبل لحظة انهيار السقف، غادرت الغرفة؟!
     في حادث مماثل، نجوت من الغرق، أي انتشلت من الماء في اللحظة الأخيرة. كهذا الحادث، بعد نصف قرن، سيقع لولدي سيف؛ لقد سمعت صوت ارتطام جسم ما بالأرض، وأنا كنت اكتب أو ارسم، فقفزت، مسرعا ً إلى الحديقة. لقد صعقه التيار الكهربائي، وهو يشتغل في مبردة الهواء، وسقط من الأعلى إلى الأرض. لم يمت. لأنني ـ بخبرة مكتسبة ـ كسرت لوحا ً خشبيا ً على جسده. آفاق، تحت شرود شقيقته التي قالت لي: لم يمت!
     مرة، قبل أربعين عاما ً، اختطفت من الشارع. وهكذا طلبوا مني ان أتخلى عن راسي. بشرود قلت: ليس لدي ّ رأس ما يستحق التخلي عنه، لا لكم ولا لأية جهة في هذا العالم. كان التهديد بالموت، يفوق الموت، فهو نتيجة أنني كنت لم اقدر ان اقبع بين الجدران!
     في الحرب، مرات لا تحصى، كانت بعض القذائف تسقط على بعد أمتار، وليس فوق راسي. وفي حادث آخر تم سحبنا من ارض المعركة، وإعادتنا إلى بيوتنا، فنجوت من الأسر، أو من الموت!
   إنها نهايات كونتها أسبابها، وأسبابا ً تممت بعضها البعض الآخر، بمعزل عني، مع أنها لم تكن لتحدث لو لم أكن موجودا ً. فالأخير، ليس حالة، أو وضعية، بل حلقة في سلسلة، فما الذي كان يعبر مكملا ً استحالة ان تكون له نهاية، عندما جعلني ـ ومنحني ـ ان أعيد الحفر في قبر لم ُيشغل بأحد، مع انه سيكون شاهدا ً على موتي.
    مع الشاعر فيصل جاسم، في نهاية عام 2006، في طريقنا إلى آفاق عربية ـ حيث عملنا ـ أوقفتنا مفرزة للشرطة، كانت المهمة معروفة لدينا: الذبح العشوائي، تحت غطاء الانتماء الطائفي. عندما كانوا يجرجرون فيصل إلى الصندوق الخلفي لسيارته، كنت اسأل نفسي: كم الزمن الذي تستغرقه الرصاصة كي تحولني إلى جثة، .! ثم كنت منشغلا ً برؤية جسدي فوق تل من النفايات، كان من الصعب حتى ان ادفن ـ كما يدفن الموتى في الظروف الاعتيادية ـ قبل ان تمزق جسدي أنياب كلاب الليل، وقطط النهار!
     ولكنني أدرك تماما ً أنني لست استثناء ً، فالملاين نجو من الغرق، ومن عشوائية الموت في الحرب، ومن عنف عصابات الرصد، والاغتيال بالسمن أو بالكاتم، أو بغيرهما، ملايين كانوا يعيدون ترتيب ربط النهايات بمقدماتها، لأجل ان تكون ـ أنت ـ سببا ً، لنهاية ما من النهايات، وكأن المشهد عبارة عن وثيقة دوّنتن كي تجري أحداثها بحكم أنها ماض ٍ، عدا الاستعادة.
    الختم ـ أو ذلك الذي يجاور ختما ً أو شبيها ً بالختم ـ يتضمن نهاية عملها صناعة المقدمات. فالميت يخرج من الحي، والحي يخرج من الميت. لكن: ما الموت..؟
    ها أنا المحه، كما لمحت ذلك الذي سكن الزمن، بغياب تام، بجعله حاضرا ً في المشهد.
    قبل نهاية القرن الماضي، بأسابيع، عزمت ان أضع حدا ً لحياتي، بدا ً بحضور أو تكّون خلايا الخلق حتى احتفالات أسياد العولمة بتدمير عالمنا من اجل عالمهم، وسرقة أحلامنا من اجل أحلامهم ـ لكن شيئا ً ما شبيه بنسمة فجر، أو ظل صوت، أو لمسات ومضات، أوقفت موتي!  كي اسمع ـ هل سمعت ؟ ـ أم كان راسي مزدحما ً بالأصوات ـ من يقول لي: لست أنت من يحدد ذلك! فدار بخاطري ـ في تلك اللحظات كما الآن ـ إننا نولد في الحزن، كما حكماء الصين، بل نولد في الخوف، ونعيش فيه، ولن يقتلنا إلا الخوف. كي أتساءل، كما تتساءل الأطياف في لحظات تحولها، اذا كانت ثمة قوى الأكوان غير المحكومة بحافة، تأمل ان انحني إليها، وأؤدي  لها الواجب، فلماذا لن تكون النتائج إلا مشروطة بظلم الإنسان للإنسان، حد اللهو، والانتشاء بمحوه حد العبادة؟!
     هل كان اختياري للأختام، شبيها ً بعمل آخرين لا عمل لهم إلا على دفن مصائر أحفادنا، من اجل مصائر أحفاد سكان قارات أخرى، محض نهاية ستنتهي إليها الأسباب، كي تكون نهايتها دورة في امتداد هذا الذي منحني الخوف، وتركني أراقبه، وأنا لا امتلك إلا ان انجذب إليه، كأجزاء أجزاء ذرة لا تمتلك إلا ان تؤدي دورها بنظام اتساع المديات بين الثقوب السود والبيض والمجرات والكوزرات وما لم اعرفه في هذا الضيق! الم ْ يقل منعم فرات: ما الحياة إلا سرداب خال ٍ من السلالم! وهو يرى ما أراه ـ كيف تندمج المقدمات بنهاياتها  ـ كيف تطبق الجدران على ما كنا نعّول عليه!
     يا لها من حرية ان أرى هذا كله، خال ٍ إلا من (حرية) رؤيتها، أو لمس رفيفها، أو تنفس ومضاتها السابقة على الضوء، والممتدة ابعد منه! وقد استحالت إلى مدى بين المديات، وليس بين الحافات!

    فجأة اقرأ لزميل ـ واحد من 999% ـ  يكتب بأنني طالما كتبت ـ مقدمات معارض أو حول تجارب الزملاء ـ بماعون من الفاصوليا! لن ابتسم، فانا لا امتلك قدرة ان افتح فمي، فانا غاطس في الإثم أنني عشت كي اسمع من يتهمني بأنني لم اطلب الأجور التي استحقها! ما الجحيم، ان لم يكن هذا الزميل ـ مع 999% من الآخرين ـ يحفرون بكل الوسائل مدافن للذين لم تحبل بهم العقيم من زوجها المخصي، بعد ..!
     لأنه وحده ـ مع 999% من الآخرين/ وقد وصفهم سارتر بالجحيم ـ يمتلكون إيديولوجية المحو، تحت لافتات البياض، ومقاومة الرداءة، فاترك أصابعي مقيدة باستكمال حريتها، عذرا ً، باستكمال عبورها من الخوف، كي تكون للحافات حافة تسمح لنا بالحفر في أبديتها، لحظة بين زوال لم يدشن بعد، وبين زوال سابق على حضوره، وحضورنا معه أيضا ً!
     هل حقا ً انها، أيها الجرجاني الموقرـ: " ان لفظا ً لا يدل على معنى هو كالضوضاء سواء بسواء" أم لأنك، لم تصغ، إلا لضوضاء خافتة، لامست رهافتك، كي تأتي وتصغي إلى ما بعد (الضوضاء) لا كخاتمة، ولا كمقدمات، بل كاستحالة ان تجد نظاما ً إلا وقد محانا جميعا ً: أصواتنا/ أحلامنا/ أجسادنا/ وأختامنا قبل ان نراه ينبثق للشهادة علينا، بأننا مُنحنا قليلا ً من الضوء كي لا نرى إلا اتساع مساحات أعالي الضجات: الصمت!
[12] الحاضر مرتدا ً ـ مجهولا ً
       كيف اقهر هذا الهاجس: ما أنجزه ليس حاضرا ً، وليس قابلا ً للبقاء، بل لا أراه إلا وقد عاد إلى (المجهول) الذي بزغ منه، ليتوارى، مع زمنه الوجيز: أما يهرب منه، وأما يختفي فيه؟ كيف اقهر، لا موتي، ولا موت تحول الختم إلى أثير، أو إلى جزيئات لا مرئية، بل عندما تبلغ الإرادة خاتمتها: الصفر! كل هذا ماض ٍ، والحلم، هو الآخر، كالغواية، لا يقول شيئا ً يعّول عليه...؟ فانا اعمل في زمن لا وجود له، وحضوره لم يعد مقترنا ً إلا بالذي ينبثق منه: المجهول. وها أنا ـ مع إرادتي ـ اجهل لغز هذه المقاومة. فاكف ـ لبرهة ـ عن العثور عن سياق، عدا الماضي ـ ذاته ـ  وقد غدا مضادا ً لماضيه. فانا لم يخطر ببالي ان استرجعه، أو احّن إليه، ولا هو فعل ذلك، إنما ثمة قوة ما لا زمنية تجعل الماضي طيفا ً لا يقيّد بالحركة، والأصوات، والمعاني: الطيف اللا بشري، لكنني لم اعد اجر مقارنة بين موتي ـ السابق ـ هذا الذي أنا عليه ـ وبين ما انسجه من حبال لا وجود لها إلا بما يتوارى فيها من أطياف، وومضات، وظلمات كفت ان تتركني خارج مساحتها، لأنني تحررت من الماضي، ومن المرور، وأكاد اعبر نحو الماضي ذاته، وهو يتكون بلغز أبديته، فأدرك أنني اصنع ماضيا ً، وليس جسورا ً، وليس لغوا ً، وأنني غير مشغول بالدفن، أو باستجداء العون، أو طلب المساندة، لأن الختم، ان كان بلا لغز، يكون بلا آخر، وعندما يكون بلا آخر، يكون بلا مفتاح. ها أنا في أعيد الاشتغال ـ بكامل إرادتي ـ بالقفل، تاركا ً موتي يؤدي عمله برهافة!
[13] الديمومة: الختم وضده
    فإذا كنت أميز بين ثلاثة أبعاد ـ الأول ينحدر نحو الماضي، والثاني يتتبع مسارات سابقه، والثالث: ماض مؤجل، وإذا كنت استطيع أن أضع الاسم بحذافيره لجدي/ ولوالدي/ ولولدي/ ولحفيدي، وإذا كنت استطيع أن أميز الصمت في الكلام، وان أعزل الكلمات عن أصواتها، وإذا كنت أميز بين جسد: أمي/ زوجتي/ ابنتي، وإذا كنت امتلك بقايا مقاومة لمعالجة ارتفاع درجة الحرارة، في يوم 14 تموز / 2011 ـ التي بلغت 49درجة  مئوي ـ ، وإذا كنت استطيع ان أرى المرآة تحدق في وجهي بالمقلوب، من اليسار إلى اليمين، وهي تنثر ومضات أجزاء وجهي في وجهي، وتعزله عني، عني أنا الذي طالما حاولت استبدال برمجتي بأخرى، أجد أنني لا امتلك إلا حث خطاي الخفية تتبع المسارات ذاتها، فمن يخبرني بان هذا كله ليس إلا ذبذبات مضطربة، وتصادمات لا علاقة لي إلا بحدود ما يتم تنفيذه، تجعلني لا أتمسك إلا بالوهم الذي سمح لي ان اشتغل للعثور على يقين غير الموت: غير ان اصنع هذه الظلال المائلة، المتوارية أبدا ً، والتي طالما صاغت أسلوبي، وهو لن يستطيع قط ان يذهب ابعد من حافته.
     أتساءل: كيف تمضي الومضات (وأنا أمضيت حياتي منشغلا ً بمراقبتها، من انعدام الأسباب إلى اندثارها/ إلى انبثاقها) ومن ذا يبعد عني الضرورة أو الجبر ليجعلني اصدق مرة واحدة ان الحرية ليست أكثر من علامات للمراوغة، وان الأولى وحدها ما هي إلا ترتيب في الرفض أو في القبول!
    ها أنا أرى كيف تجرجرني أختامي ـ وضمنا ً كلماتي ـ إليها، فأغيب. لكن لتبدأ المسيرة ذاتها التي لا أبعاد أخيرة لها، وهويتها غير قابلة ان تسكن في ختم!
[14] مفارقة:عندما تكون اللاحافات حافة

     هل تنعدم ـ أتساءل ـ المسافة بين من يغتصب ختمك ـ أي ماضيك وما هو سابق على هذا المضي/ وعلى مصيرك، وما هو مكمل له ـ وبين ديالكتيك الكون/ والطبيعة جزء منه ـ بصورة يتم الخلط فيها بين حتميات كبرى، وبين سلوك هو من صنع الاشتباك البشري..؟
بمعنى هل لا جدوى من الحديث عن ذلك اللغز الكامن في لغز (الختم): جمالياته وما يتضمن من تقانات متقدمة في الأسلوب..؟ ولا جدوى من مقاومة كل ما سيأخذ منك بعد ما كنت رايته بحكم العدم..؟
     الوعي يناور. فالوعي ذاته يتضمن انشطاراته ـ في خلايا الدماغ وصولا ً إلى أعماق النفس ـ تارة يقاوم اندثاره، وتارة لا يتقدم إلا ليضع أطيافه فيها. هذا الوعي العنيد بجعل الحياة برمتها تبدو (متحفا ً) كونته البصمات؛ من الجسد إلى الطيف، ومن النفس إلى الروح، يخفق للاندماج بوجود سابق على وجوده!
    إنها ليست مناورة لغوية، مع ان الكلمات لها قوة الموت التي تجرجر الضحية إلى حتفها، انما هي حال وجد الساكن سكنه خارجه. فانا أدرك تماما ً أنني لم اعش إلا كي اشهد كيف لم اعش إلا هذا الذي رايته غائبا ً. وهي ـ بالمناسبة ـ تجربة غير قابلة للتعميم. لأنها ـ كما لكل ورقة كيانها في الشجرة ـ تخص هذا الشديد الخصوصية: النائي، الذي لم يشهد إلا حفلا ً لم يدم إلا بومضات حضوره.
    مناورة تفرق بين من يسرق منك حروفك المدوّنة فوق هذه الورقة ـ الختم الكتابي ـ كما تفرق بين من يغتصب مصيرك، وما توهمت انك صنعته، وبين  ذلك الذي سكن الزمن ـ وسكن خارج مسافاتنا المحدودة. فالأخير لم يغتصب، لم ْ يلوث، لم ينبني علة العفن، أو الخسارات، بل هو أنت كما ظهر الوجود في لا حافات المرايا. الم ْ يتحدث نيتشه عن الوجه في المرآة، المبعثر، والغائب عبر حضور الوهم، إنما ليس لدي ّ مرآة (اجتماعية) و (بشرية) قائمة على مكر ان يمحو الإنسان الإنسان الآخر، لا يسرق أحلامه وأصابعه ورأسه ومصيره فحسب، بل يتمتع بإنزال عفنه فيه كي يحصل على أوسمة تقلب المصائر كافة. فعندما تؤول الأمور إلى لصوص يتحكمون بمعايير الجمال، والحقائق، تكون لا حافات مرايا الكون قيد الشك!
    فهل المسافة واحدة، وهل الجزء البشري المنحدر من مستنقعات العفونة، شبيه بالأصل الذي رايته في قلب الشمس! ليس هذا سؤالا ً للتندر، للأسف، بل مشهدا ً للتاريخ ـ من غير استثناء حد الفجيعة ـ لا يمكن التحقق من حضوره إلا وقد توارى بحكم الشمس، وليس بما صنعته في نظامها العنيد!


تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.