بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 29 أغسطس 2014

لا مانع لدينا من دخول الحرامي- كاظم فنجان الحمامي


لا مانع لدينا من دخول الحرامي


كاظم فنجان الحمامي

هذه حكاية طريفة من حكايات العصر الجلكاني، وقعت أحداثها في ميناء أم قصر قبل بضعة أعوام، وكان بطلها مدير الميناء الأسبق الدكتور محمد خلف الصوافي.
حتى نفهم الحكاية لابد من التطرق إلى ميول مكاتب السيارات في العراق نحو استعارة بعض المسميات، أو اشتقاق بعضها أو ابتكارها، أو اللجوء إلى التشبيهات الساخرة، ومن ثم إطلاقها على السيارات والعجلات الحديثة، حتى تصبح هي التسمية الشائعة في عموم البلاد، فهم يطلقون اسم الفنانة (ليلى علوي) على الطراز المنتفخ من سيارات اللاندكروز، وهنالك مجموعة من التسميات الأخرى، من مثل: سيارات البطة، ورأس الثور، والأرنب، وجنون البقر، والانفلاونزا، والأوباما، والأدوات، والقردة، والجمرة، والجمجمة، والخروف، والأزبري، والعقرب، والملكة، وكيا منغولي، وكيا شبوط، وسوناتا صابونة، وجحشة. وما إلى ذلك من المسميات العجيبة، التي تبتكرها معارض السيارات في البصرة، ثم تصدرها إلى المدن العراقية الأخرى، حتى صارت هي الصفة الملازمة لسلسلة طويلة من موديلات السيارات والرافعات ومعدات الطرق وشاحنات النقل.
في يوم من الأيام فوجئ مدير ميناء أم قصر بمذكرة تحمل عنوان (السماح بدخول حرامي)، قدمها له رجل من التابعين للقطاع الخاص في مجال الشحن والتفريغ. كانت المذكرة تتضمن طلب السماح بدخول عجلة من طراز (الحرامي)، والمقصود بالحرامي هنا، هو نوع معروف من الشاحنات الصغيرة الجوالة المجهزة برافعة هيدروليكية، يوجهها سائق الشاحنة لالتقاط بعض المواد ورفعها وتحميلها، والانطلاق بها من مكان إلى آخر. كان واضحاً أن صاحب الطلب على قناعة تامة أن نوع شاحنته هو (الحرامي) لأنه الاسم الشعبي المتداول بين أصحاب الشاحنات.
ضحك مدير الميناء بعدما اتضحت له الصورة، ثم أبدى موافقته على دخول هذه الشاحنة من نوع (الحرامي)، ولم يفته التعليق على الموضوع، وهو المعروف بمواهبه الأدبية والكتابية، فقام بكتابة تعليق ساخر في ذيل المذكرة، قال فيه:-
(على الرغم من كثرة الحرامية. لا مانع لدينا من دخول هذا الحرامي)
مما يثير العجب ويبعث على الغضب، أن حراميتنا في العراق صاروا اليوم أساتذة في تطوير نظريات السطو الليلي والنهاري، التي برعوا في تنفيذها بأساليب حنقبازية، كانت فيها هذه الشاحنة هي الأداة الطويلة المُعوَّل عليها في غارات النهب والسلب، وعلى وجه الخصوص بعد انهيار المؤسسات الحكومية عام 2003.
لقد نالت هذه الشاحنة لقبها بسبب امتلاكها لمؤهلات السرعة والكفاءة، وخفتها في نقل المواد المسروقة وتحميلها وتفريغها، وكانت هي المفضلة بين عامة اللصوص والحرامية، الذين نهبوا المخازن، واستحوذوا على محتويات المراكز التجارية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها باعتبارها من أهم أدوات علي بابا والأربعين ألف حرامي.
فاستحقت لقب (الحرامي)، لكنها تُعرف خارج العراق باسم (Self Loading Lorry)، ومن المحتمل أن تصل إلينا أنواع حديثة منها بعد اتساع عمليات السرقة وتمددها بالطول والعرض، وذلك في ضوء تزايد الطلب على الشاحنات المجهزة بأذرع أخطبوطية.

غالب المسعودي - حلاوة روح...فلم سياسي بامتياز

الاثنين، 25 أغسطس 2014

رؤساؤنا بين التخوت والتابوت-كاظم فنجان الحمامي

رؤساؤنا بين التخوت والتابوت


كاظم فنجان الحمامي

أما التخوت أو التابوت. هذا هو المبدأ الذي تمسك به الرؤساء العرب منذ القرن الماضي، والنهج الذي سار عليه الملوك والأمراء، فكان التسلط على رقاب الناس دينهم وديدنهم منذ العصر الأموي وحتى عصرنا الدموي.
التخوت: ومفردها (تخت)، هو الاسم العراقي الدارج لسدة الحكم، وهو الكرسي والأريكة والعرش والمنبر الخشبي المخصص للرئاسة والرياسة، فالتهافت على التخوت والتشبث بها حتى الرمق الأخير خصلة عربية متأصلة في نفوس حكامنا على مر العصور والدهور. لم يستثن التاريخ منها سوى الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف في العراق وعبد الرحمن سوار الذهب في السودان.
لقد وصل بعض الرؤساء إلى أرذل المراحل الذهنية والجسدية، وبلغوا من العمر عتيا، ففقدوا القدرة على النطق والمشي، بل فقدوا ذاكرتهم ووقعوا تحت رحمة أمراض العجز والشيخوخة، وتحولت قصورهم ومنتجعاتهم إلى صيدليات وردهات ومشافي صحية، لكنهم لم يفكروا بترك السلطة ولم يخطر ببالهم التنازل عنها لغيرهم.
سجل بعض الرؤساء العرب أرقاماً قياسية في الدكتاتورية بكل أبعادها الطغيانية والاستبدادية والتعنتية، وكانوا سبباً مباشراً في تردي أحوالنا وضياع مستقبلنا. فجلبوا لنا المصائب والويلات والنكبات، لكنهم لم يفكروا بالتنحي والتراجع، فكانت المقابر بانتظارهم، وكان الموت الطبيعي أو المدبر هو الخاتمة المتوقعة لهؤلاء، وكانت التوابيت هي الوسائط التي نقلتهم من القصور إلى القبور.
لا ريب أننا أكثر الشعوب تداولاً وتقديساً لمصطلحات (القائد الضرورة)، و(الزعيم الأوحد)، و(الرئيس الفذ)، و(الملك المفدى)، و(الأمير المُلهم). وما إلى ذلك من النعوت والألقاب، من مثل فخامته وجلالته وعظمته ومعاليه وسموه. في الوقت الذي تحررت فيه أقطار الأرض من قيود الدكتاتوريات البغيضة، وقفزت شعوبها نحو محطات الحرية والديمقراطية بألوانها الشفافة وتحولاتها المرنة، بينما قام رؤساؤنا بالالتفاف على الديمقراطية، فتنافسوا في الانتخابات مع أنفسهم وفازوا بنسبة 100%، وكأنهم ملائكة هبطوا علينا من فضاءات العفة والنزاهة والورع والتقوى، فالتصقوا بتخوت الحكم والتسلط، على الرغم من علمهم المسبق بحتمية الاستقرار في التوابيت التي تنتظرهم عندما تحين آجالهم وتخمد أنفاسهم حتى لو كانوا في بروج مشيدة.
نحن الآن في طليعة البلدان القابعة في كهوف الفساد والتخلف، وفي طليعة البلدان التي مزقتها خناجر الطائفية، وهشمتها عبواتها الناسفة، وتكاثرت فيها الميليشيات المسلحة، والخلايا الإرهابية، حتى ضاع الخيط والعصفور في متوالية التخوت والتابوت.