بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 23 نوفمبر 2013

ناثالي كاردون واغنية جيفارا دائما حتى النصر


أغنية جيفارا الشهيرة (Hasta siempre)

ا 

اغنية منتشرة جدا ومتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي للممثلة والمغنية الفرنسية ناتالي كاردو (Nathalie Cardone) وهي من تولد 1967 في فرنسا من اب ايطالي من مدينة صقلية وام اسبانية اول ظهور لها كان على الشاشة الفرنسية عام 1988 وحققت شهرة وحضور كبير باغنيتها عن الثائر الارجنتيني الاسطورة (ارنستوا تشي جيفارا) ،الاغنية قديمة وغناها قبلها عدد من مغني امريكا اللاتينية الثوريين اليساريين وتعود الى العام 1965 عندما الفها الملحن الكوبي كارلوس بويبلا وهي رد على رسالة الوداع التي ألقاها تشي غيفارا حين مغادرته كوبا بعد انتصار الثورة وتولي صديقه فيدل كاسترو الحكم هناك وتأثر بويبلا برسالة غيفارا العاطفية الى صديقه فيدل التي تخلى فيها عن مناصبه الرفيعة في الحكم لمواصلة الثورة ومما جاء في الرسالة “ أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسمياً باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا.إن الثورة تتجمد وإن الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي” .وعنوان الاغنية يعود الى مقولة شهيرة لغيفارا بالاسبانية نصها "Hasta la Victoria Siempre" (دائما حتى النصر). مطلع الاغنية المترجم للعربية ...

تعلّمنا أن نهواك
من مرتفعات التاريخ
حيث شمس بسالتك
وضعتك على حافة الموت 

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

قضايا واراء-برج بابل / زهير صاحب-عن صحيفة المثقف

قضايا واراء

برج بابل / زهير صاحب

zouher_sahebالقى أستاذ الجيل العلامة المرحوم الاستاذ (طه باقر) محاضرة بعنوان (برج بابل): ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للآثار..الذي انعقد ببغداد بتأريخ 15/3/1978 ذكر في مستهلها:
"غدى برج بابل الآن عبارة عن حفرة مليئة بالمياه ونبات الحلفاء.. فقد حمل اهالي الحلة القدماء كل الطابوق الذي بُني به البرج.. وبنوا بهِ بيوتهم.. ففي بيتنا القديم بالحلة.. طالما شاهدت أسم الملك (نبوخذ نصر) محفورا بعلامات مسمارية على سطوح الطابوق الذي شيدنا بهِ دارنا". ونحن نقول: ان الاشكالية بمثل هذا الفعل.. هي مشكلة نوع من (الانيميا) وسمت الثقافة العراقية في ذلك الزمن بظاهرة عدم فهم اهمية الاثر في الفكر الانساني.. فعلى هذا المنوال.. نقلت الروائع الفنية بكل اجناسها من بلاد الرافدين.. لتتوزع على متاحف العالم الشهيرة في عواصم العالم المختلفة.
لم تكن فكرة العمارة العمودية.. غريبة على انظمة العمارة في بلاد الرافدين، فجذرها التاريخي يعود القهقري الى العصر السومري المبكر (3500-2800ق.م)، إذ شيدت المعابد في الوركاء عاصمة البطل (كَلكَامش): فوق دكاك منحدرة الارتفاع.. كانت تُبنى من اللبن او الحجر الكلسي.. ويرقى اليها عادة بمنحدرات ترابية او سلالم من اللِبن.. بلغ ارتفاع بعضها زهاء خمسة عشر متراً. وكان السبب لرفع معبد الإله الى مثل هذا الارتفاع في حينهِ: هو للتسامي به عن بيوت الناس.. إذ ترمز فكرة الارتفاع الى قدسية المكان في بنية الفكر الديني الرافديني .
ثم طور السومريون في عصر نهضتهم الجديدة (2112-2004ق.م) فكرة البناء المدرج.. ليعرف بالزقورة.. اذ اكتسبت هذه الابنية العالية المكونة من ثلاثة طوابق..صفة الانتظام الهندسي.. لتتدرج في ارتفاعها بشكل ايقاعي جميل.. من اكبر الطوابق في الاسفل نحو اصغرها في الاعلى، وقد شُيد هيكلها الداخلي من اللبن.. فيما غلفت من الخارج بالطابوق.. ويرتقى اليها عادة بثلاثة سلالم: احدها محوري يتعامد مع الضلع الامامي ويصل الى الطابق العلوي، أما الآخران فجانبيان ويلتقيان بالسلم المحوري في الطبقة الاولى من البناء، وتطورت فكرة الزقورة لتصبح: بمثابة واسطة للاتصال بين السماء والارض.. فقد صُممت لتسهيل هبوط الزائر السماوي الى الارض: لحل اشكالات الناس المتنوعة او ربما المستعصية.
ويصف لنا ملك بابل القوي (نبوخذ نصر) عملية بناء البرج: "اتمنانكي، البرج المدرج لمدينة بابل، الذي قام بتنظيف موقعه ابي (نبوبلاصر)، ملك بابل والذي،.. وضع حجر اساسه، وجدرانه الخارجية الاربعة. القير والطابوق بارتفاع 30 ذراع، لكنه لم يقم بتعلية قمته،.. لكني جعلت قمته تتنافس وعلو السماء، الأقوام الساكنة في اقاصي البلاد، التي بسط حكمي عليها (مردوخ)، سيدي المنتصر إله السماء، جميع الاقطار وجميع الشعوب من البحر الأعلى الى البحر الاسفل، والاقطار البعيدة، والافراد الساكنين في الأقاصي، وملوك الجبال النائية، والجزر البعيدة في وسط البحر الاعلى والبحر الاسفل، التي جعل مردوخ، سيدي، لجامها بيدي، قد دعوتها للمساهمة ببنائه، وجعلت سلة الطابوق فوق الرأس عند بناء (ايتمنانكي)..." (محمد، 1983، ص108).
تشير مقولة الملك (نبوخذ نصر): ان أبيه لم ينجز من البرج سوى ثلاثين ذراعٍ أي ما يعادل خمسة عشر متراً من علو البرج الكلي.. واستخدم (نبوخذ نصر) رجالاً من البحر الاعلى أي البحر المتوسط.. والبحر الاسفل أي الخليج العربي.. وجلب الخامات كخشب الأرز والذهب والاحجار الكريمة المتنوعة الالوان من اماكن شتى من العالم.
نستدل من المعلومات الواردة في نتائج الاكتشافات، ان برج بابل كان من الابراج المربعة القاعدة، التي كان قياسها 91.55م × 91.55م.. وبذلك يكون ارتفاعه بنفس طول قاعدته أي 91.55م.. ويعادل ارتفاعه علو عمارة معاصرة مشيدة من ثلاثين طابقاً، وبنى هيكله الداخلي باللِبن، وغُلف من الخارج بالآجر بغلاف لا يقل سمكه عن 15م. وكان يتألف من سبع طبقات اكبرها في الاسفل.. واصغرها بالاعلى.. ويتوجها معبد صغير ازرق اللون في القمة: وذلك فعل جمالي.. يُعد بمثابة (التشفير) عن محتوى رسالة.. حاملة لفكرة (اهمية) الشارة القدسية.. المرسلة نحو القوى الماورائية.
يتم الصعود الى البرج بثلاثة سلالم.. احدها محوري يتعامد مع الضلع الامامي للبرج.. ويبلغ طوله 62م وعرضه تسعة امتار، وسلمين جانبيين يتصلان به عند الطبقتين الثانية او الثالثة.. شيدا كحل (معماري) للقضاء على أزمة ازدحام الزائرين عند السلم المحوري.. في المناسبات الدينية المختلفة .
416-babil
عرف برج بابل بالبابلية باسم (اتمنانكي) ويعني: (اسس سلم السماء والارض).. فقد كان البرج يؤلف (منصة) هائلة الارتفاع، كواسطة للاتصال بين السماء والارض.. إذ صُممت لتسهيل هبوط الزائر السماوي الى الارض. فلم يألُ اناس ذلك العصر جهدا في سبيل تهيئة مكان جديد باستقبال آلهتهم، فمعبد الترحيب ينتصب فوق قمة البرج.. ويتصل بالارض بسلالم..تصعد بواسطتها مواكب الزائرين وتهبط.. لتشكل نسقاً دائم الاتصال بين الارض والسماء.. بغية تقريب المسافة: بين الصور المثالية الخالدة العليا.. والصور الفانية الارضية.. للتخفيف من قلق الشعب البابلي الوجودي باحسن الاحوال.
يعتقد المؤرخ الاغريقي (هيرودتس) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد.. وقدّم وصفاً اسطورياً لبرج بابل: "كان الصعود الى قمة البرج يتم من الخارج.. بواسطة سلم يدور حوله وعندما يبلغ المرء منتصف المسافة في صعوده.. فأنه يجد موضعاً للاستراحة.. إذ اعتاد الناس الجلوس بعض الوقت.. في طريق ارتقائهم الى القمة، ويوجد فوق الطبقة العليا معبد فسيح: وضع داخله سرير ذو حجم هائل من الذهب ومزين بزينة فاخرة.. والى جانبه منضدة من الذهب كذلك.. ولا يوجد أي تمثال في هذا المعبد. كما لا يشغل هذه الحجرة خلال الليل.. سوى امرأة: يقول عنها الكهنة.. ان الإله اصطفاها لنفسهِ من بين نسوة البلاد (طه باقر، 1973، ص 570). وكل ذلك مجرد (وهم) ففي واقع الحال.. لم يهبط إله ولم يصعد كذلك.. وذلك هو الحل العظيم.. الذي جاءت به الديانات التوحيدية: بفكرة الله (?): نور السماوات والارض.. الكائن في كل مسامة من مسامات الوجود.
بأختفاء برج بابل من الوجود.. يصعب علينا تصديق رواية (هيرودتس) حول طريقة إرتقاء البرج.. بسلم حلزوني يدور حول البناء.. على طريقة ملوية سامراء.. رغم ان المؤرخ الاغريقي.. قد ادعى بانه زارَ بابل وشاهد برجها المدرج. فمن المنطقي التفكير بتقنية السلم المحوري والسلالم الجانبية.. بوصفها الاسلوب الذي يعقد تواصلا مع طريقة ارتقاء الزقورات السومرية.. التي ما زالت قائمة امام (نبوخذ نصر) في القرن السادس قبل الميلاد. فالفن المعماري في بلاد الرافدين.. وكذلك اجناس الفنون الاخرى: تمثل سلسلة مترابطة الحلقات.. وكم وكيف من الموروث الحضاري الذي تمسكت به الاساليب الحضارية في تراتبيتها التاريخية المعروفة في بلاد الرافدين.
فنظام الشكل في برج بابل.. يُعد ثمرة لجهود هندسية وتقنية.. ممنهجة ومؤسسة ومنظمة فكرياً. فعملية اختيار مساحة الأرض الملائمة لتحمل ثقل البرج بارتفاعه الشاهق.. والفعل الهندسي المنضبط لتربيع القاعدة بمثل هذه القياسات الممتدة لمسافات طويلة.. والايقاع النغمي الموسيقي لتوالي الطبقات من الكبيرة في الاسفل الى الصغيرة في الاعلى: يكشف عن تقدم هام لعلم الهندسة البابلي بشقيهِ المدني والمعماري.
كما ان تغليف لُب البناء بطبقة سميكة من الطابوق (الاصفر) اللون، الذي تتخللهُ منظومة متتالية على شكل نسق معماري منتظم من الطلعات والدخلات: من شأنه ان اوجدَ منظومة من العلاقات الجمالية بين السطوح البصرية للبرج.. وضوء الشمس وكذا نور القمر.. وذلك بمثابة نوع من الحوار الجمالي.. حين تمايز سطح البناء بامواج شاعرية من الضوء والعتمة.. وكأنه إحدى اللوحات الخالدة للفنان (رامبرانت) ذلك المبدع الذي وَلَّدَ أشكالهُ من بين أطياف الظلام: بتقنية لونية عجيبة.
استثناء أبنية الأهرام المصرية.. يُعد برج بابل بمثابة احدى ناطحات السحاب في العالم القديم.. فهو بذاتهِ: انتصارٌ للعمارة العمودية.. على حساب الامتدادات الارضية الواسعة لنظام العمارة الافقية. وفي ملمح آخر: فقد اخرسَ المهندسون البابليون (صلابة) كتلة البناء.. بفعل مضايفتهِ مع الطبيعة.. إذ غرسوا أمامه الاشجار الملونة الباسقة.. كما زينّوا شرفاتهِ بالزهور الملونة.. التي تنوعت الوانها بين طابق وآخر. ولونوا طبقاته السبع بالوان متنوعة.. اذ كان برج بابل بحد ذاتهِ بمثابة (باليت) غني الالوان يؤشر الى لوحة معمارية خالدة. ترى هل من الممكن ان نتخيل جمالية هذا البرج: وهو يطل على فضاءات مدينة بابل المعمارية.. البيضاء اللون.. التي شطرتها زرقة نهر الفرات الى فضائين لونيين.. زادت من ألقها الوان أشرعة السفن الحمراء والزرقاء والصفراء والخضراء.. الراسية في مينائها. هل نحن امام لوحة انطباعية للفنان (بيسارو) رسمها لبحر المانش؟ أم في حضرة لوحة بابلية رسمها (نبوخذنصر) لوحده؟ لاشك ان الخيار الاخير هو الصحيح في كل الأحتمالات.

أ. د. زهير صاحب
كلية الفنون الجميلة – بغداد

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

رافد علاء الخزاعي - يوم المرحاض العالمي عراقيا

سومريون لكننا في مقبرة أخرى-كاظم فنجان الحمامي

سومريون لكننا في مقبرة أخرى


كاظم فنجان الحمامي

ما لا خلاف عليه ولا جدال فيه أننا نحن أحفاد السومريين, الذين أسسوا أول الحضارات البشرية جنوب وادي الرافدين, فحققوا في الألف الثالث قبل الميلاد ما لم يحققه غيرهم في العلوم والفنون والآداب.
وما لا يصدقه العقل ولا يقبله المنطق أننا وعلى الرغم من مرور آلاف السنين نعيش الآن عند مقتربات العاصمة السومرية (أور) وتعني بالسومرية (نور), ونقطن في الأماكن التي استوطن فيها أجدادنا, من دون أن نحقق عشر معشار التحضر والتمدن الذي توصلوا إليه في الأزمنة الغابرة.
نعيش الآن في قرى بائسة خارج أسوار (ذي قار), المدينة التي زعموا أنها (جنة المستثمرين), فعلقوا لوحات الجنة المزعومة على حافات مكبات القمامة خلف جسر (الواحة) عند تقاطع طريق شيوخ والناصرية, ثم نشر الأمريكان ثكنات غربانهم حول مدرجات (الزقورة) المهجورة, فنبشوا الأرض المقدسة بمخالبهم الخبيثة, وغادروها مكرهين بعدما طمسوا اسم (تل اللحم), فصار اسمه (طليل).
لو اطلع القارئ الكريم على ما كتبه الدكتور (صاموئيل نوح كريمر Samuel Kramer) عن ابتكارات أجدادنا في عصورهم الذهبية, لسقط مغشياً عليه من هول الصدمة بسبب هذا البون الشاسع, بين ما توصل إليه أجدادنا قبل مئات القرون في الطب والهندسة والبناء والزراعة والصناعة والملاحة والتجارة والإدارة والتنظيم, وبين مراحل تخلفنا وتقهقرنا وتراجعنا في العصور المظلمة.
لقد كتب (كريمر) قائمة طويلة, شملت نحو (39) اكتشافاً وابتكاراً وانجازاً من الانجازات العظيمة, سبقوا فيها الشعوب والأمم. تطرق لها (كريمر) في كتابه الموسوم (التاريخ يبدأ بسومر History begins at Sumer), نذكر منها:
أن السومريين أول الأقوام الذين ركبوا البحر, وصنعوا السفن العملاقة والزوارق الكبيرة, وغلفوها من الخارج بالقار, ومن الداخل بالجلود السميكة. وأول من صنعوا المرساة (مخطاف السفن), وهم الذين أطلقوا عليه (أنكر), وأول من رسم المسالك الملاحية في عرض البحر, وأول من تعلموا فنون الغوص والغطس تحت الماء بالاستعانة بأكياس الهواء المصنوعة من جلد الماعز, وأول من تعلموا مبادئ علم الفلك, فدرسوا حركة الكواكب وعرفوا النجوم والمجرات, ورسموا القبة السماوية بدقة متناهية وصلت إلى 60% بالمقارنة مع صورتها الملتقطة الآن بواسطة التلسكوبات الالكترونية العملاقة, وأول من وضعوا التقويم الشمسي والقمري, ورصدوا مواعيد الخسوف والكسوف, وشخصوا الأبراج السماوية, وتبثوا مواعيد الفصول الأربعة.
فالسومريون أول الأقوام الذين صنعوا العدسات المقعرة والمحدبة, وصنعوا المرايا العاكسة من الكريستال والرمال البركانية, وهم أول الأقوام الذين اكتشفوا المعادن, وصنعوا منها فؤوسهم ومعاولهم وأدواتهم وأسلحتهم, وسكّوا السبائك الذهبية والفضية, وتفوقوا على بقية الأقوام في صياغة الحلي المرصعة المجوهرات, وصنعوا السيوف الفولاذية البتارة بأجمل صورها, وصنعوا الرماح والخناجر والدروع والأصفاد والسلاسل والبدلات الحربية المنسوجة من الحلقات الفولاذية الصغيرة, وتفننوا في صناعة الأواني النحاسية والفولاذية والمواسير والسلالم.
السومريون أول من وضع أسس علوم الطب, وأوجدوا مبادئ طب الأمراض النسائية, ومعالجة العقم, وطب الأسنان, وجراحة الجملة العصبية, والأمراض النفسية, وطب الأعشاب, وشيدوا المستشفيات التخصصية المنفصلة: للأطفال والنساء, وعرفوا الحجر الصحي.
والسومريون أول الأقوام الذين رتبوا المقامات الصوتية, ووضعوا درجات السلم الموسيقي (دو – ري - مي – فا – صو – لا – سي), وأول من شكل فرق الإنشاد لأداء التراتيل والترانيم في المعابد والاحتفالات.
والسومريون أول من صنع الساعة, وضبطوا التوقيتات الزمنية, ثم صمموا الساعات اليدوية بنقوشها المثبتة في ساعة اليد لسرجون الأول, والإله أينكي. ويؤكد صاموئيل كريمر أنهم أول الأقوام الذين عرفوا الطيران والتحليق في الفضاء, فصمموا الطائرات, واستعملوها في مسوحاتهم الجوية, ثم صنعوا الطائرات الحربية, وقصفوا بها حصون أعدائهم بقنابل مصنوعة من البارود المضغوط في الجرار الخزفية السميكة.
والسومريون أول الأقوام الذين دجنوا الطيور والأبقار والأغنام والجاموس, وأول من دبغوا الجلود وصنعوا الأحزمة والسروج والأحذية والحقائب, وأول من عرفوا غزل الأصواف الحيوانية, وابتكروا معدات الخياطة وصناعة السجاد.
السومريون أول الأقوام البشرية الذين سنوا الشرائع, وكتبوا القوانين, وأرسوا قواعد العدل والإنصاف, ونظموا عقود البيع والشراء, وعقود الإيجار والاستئجار, وأول الذين أبرموا الاتفاقيات الثانوية وبروتوكولات التعاون المشترك مع الأقوام المجاورة لهم, وعندهم أول حكومة ديمقراطية منتخبة في الفترة من 2674 قبل الميلاد إلى 2665 قبل الميلاد, وأول من أسسوا صناديق الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي, وأوجدوا النظام المصرفي, وشيدوا ملاجئ الأيتام, ومنتجعات النقاهة لكبار السن¸ وهم أول من سجلوا البيانات الشخصية للناس, وأول من أصدروا شهادات الميلاد للمواليد الجديدة.
السومريون أول من كتبوا القصائد الثنائية المختصرة (الدارمي), وكتبوا القصائد الرباعية (الأبوذية), وظهرت فيهم أول شاعرة, هي الشاعرة (آن هديوه آنا), التي كتبت أولى قصائدها الوجدانية للتعبير عن حبها لأمها (حنونة) أو (أينونا).
السومريون أول الأقوام الذين نظموا قنوات السقي, وعمقوا ترع الري, وصمموا قنوات تصريف المياه الخفيفة والثقيلة, وأول من شيدوا خزانات حفظ المياه الصالحة للشرب, وأول من استخرجوا المياه الجوفية من باطن الأرض, وأول من اكتشفوا أنظمة العوازل الحرارية والمائية, وأول من حددوا مواعيد البذار في الحقول والمزارع, وحددوا توقيتات حرث الأرض وإعدادها, ومواعيد الحصاد والتسويق.
صفحات خالدة من ماضينا التليد, كتبها المؤرخ الكبير (صاموئيل نوح كريمر) بخط يده, وأعادت نشرها المراكز العلمية الدولية مرات عدة.
هذا هو ماضينا المشرق, وهذه هي انجازات أجدادنا وابتكاراتهم قبل أكثر من ستة آلاف عام, فأين نقف نحن اليوم من عجلة التحضر والتمدن والتطور والرقي, وكيف يعيش أحفاد السومريين الآن في مدن (الفجر), و(القلعة), و(سيد خيل), و(الإصلاح), و(الطار), و(البطحة), و(كرمة بني سعيد), و(الفضلية), و(الغراف), و(الشطرة), و(الجبايش), و(الرفاعي), و(الدواية), و(سوق الشيوخ), و(الفهود), و(النصر) إذا ما قورنت مدنهم البائسة بالمدن الأوربية, التي ظهرت بعد مدنهم بمئات القرون ؟. أو إذا ما قورنت بالمدن الخليجية التي ظهرت على سطح الأرض قبل بضعة عقود فقط؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين




سقوط العرب والعروبة- بقلم : د. لبيب قمحاوي


تم نشر هذا المقال الجديد في جريدة "رأي اليوم" اللندنية 
raialyoum.com)) اليوم الأربعاء الموافق 20-11-2013  .


سقوط العرب والعروبة

                                                                                         بقلم : د. لبيب قمحاوي
التاريخ:19/11/2013
lkamhawi@cessco.com.jo
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         
        مياه كثيرة تجري الآن بين أقدام العرب وهم إما غافلون عنها أو منغمسون في قضاياهم الصغيرة وتبعات الأهداف الأصغر لحكامهم والمحصورة في الاستمرار في الحكم بأي ثمن مهما يكن باهظاً ومهما تضمن من تنازلات مجانية على حساب الوطن،  إلى الحد الذي هانت فيه الأمة على نفسها واستبيحت كرامتها ولم يعد العدو أو الصديق يكترث لما تريد أوما لا تريد.
       إن فشل العرب في تجاوز أوضاعهم السيئة واستسلامهم القدري لواقعهم ساهم بالتأكيد في تخفيف كلفة قهرهم واستغلالهم إلى الحد الذي أفقد القوى الدولية الشعور بالحاجة إلى بذل الجهود إما لإرضائهم أو قهرهم. هذا الوضع شجع تلك القوى على الاهتمام بمناطق أخرى في العالم نظراً للقيمة المضافة التي تشكلها في ميزان المصالح الدولية مقارنة بالعالمالعربي المقهور والمستسلم والمستنزف والمستباح بشكل كامل وآمن.
        علينا الاعتراف أن ما نحن فيه هو من صنع أيادينا ولا جدوى من إلقاء اللوم على الآخرين. إن الاستعداد للقبول بالذل والاستكانة قد لا يكون أمراً موروثاً ولكنه بالتأكيد نتاج طبيعي للموروث الثقافي ولسلوك إنساني تراكمي أساسه الفردية والأنانية وغياب روح الانتماء للمجموع والأرض والوطن وبالتالي غياب الاستعداد للتضحية وترك هذه المهمة للآخرين. وقد فهم حكام العرب ذلك وقاموا باستغلاله على الوجه الأكمل وبشكل بشع أخضع المجتمع إلى حد الاستسلام الكامل وذلك من خلال تنمية عوامل الخوف والخضوع والخنوع والأنانية والفردية الكامنة فيه.
        لقد تجاهل العرب أو تناسوا الحقيقة الأساسية بأن الفرق بين الأمم الصاعدة والأمم الهابطة يكمن في قدرتها على استكشاف مكامن القوة فيها والعمل على تنميتها وتعزيزها بشكل يسمح لها بالنهوض بشكل مستمر. والعرب في العقود الأخيرة نجحوا في قتل كل ماهو جميل وناجح فيهم وقبلوا بالاستكانة والخنوع والتذلل لاسترضاء الحاكم الظالم بدلاً من التصدي له منذ البداية وقبل استفحال الخراب إلى الحد الذي جعل الظلم هو الحقيقة والعدل هو الخيال.
        تشير التطورات الأخيرة إلى حدوث تغييرات إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، تمس مصالح العرب ومستقبلهم ولكنها لن تكون في صالحهم. ولو استعرضنا الوضع العربي الآن لوجدنا معظم الإجابات دون الحاجة إلى الخوض في التحاليل واستقراء الغيب ، فمعظم التطورات تؤكد تفاقم حالة التفكك والانهيارالدخلي والانتقال الحثيث من حالة الخلاف السياسي إلى حالة الاختلاف الديني كأساس للصراع .
       الوضع السوري الخطير هو المسمار الأخير في نعش النظام العربي. فالأمور هناك تسير باتجاه مَد أَمَد الصراع إلى أجل غير منظور وتقديم البعد الديني المذهبي كأساس للصراع عوضاً عن البعد السياسي، مما أدى إلى تدخل أطراف غير سورية وقوى إقليمية غير عربية في الصراع من منطلقات مذهبية وبشكل علني. وابتدأت دول الإقليم الرئيسية وكذلك القوى الدولية بالتعامل مع سوريا باعتبارها دولة شبه فاشلة قيد التقسيم سواء أكان ذلك التقسيم رسمياً أم واقعياً.    
       أما الفلسطينيون، ونتيجة لتكالب السلطة الفلسطينية على المناصب والمكاسب وتنازلاتها الطوعية المجانية ، فقد أفقدوا إسرائيل أي رغبة أو اهتمام لمفاوضتهم أو إعطائهم أي تنازلات بعد أن أخذت من السلطة الفلسطينية كل التنازلات الهامة مقابل مكاسب إجرائية تافهة. وقد فاقم هذا الوضع الفلسطيني السيء إنكفاء حركة  حماس على نفسها وتحولها من حركة مقاومة للاحتلال إلى حركة حاكمة ذات برنامج سياسي عقائدي يمتد خارج الحدود ويتصدر الأولويات الفلسطينية.
         والعراقيون استبدلوا حكماً وطنياً دكتاتورياً قاسياً ومجرماً بتبعية بلهاء لأمريكا وإيران مقابل لا شيء حتى الآن سوى المكاسب والأطماع الشخصية والانصياع لولاية الفقيه وعلى حساب وحدة العراق وشعبه.
       والليبيون تخلصوا من نظام دكتاتوري فاسد ومجنون وانتقلوا إلى حقبة من الاقتتال الداخلي ومحاولة الاستئثار بالثروة النفطية من خلال تقسيم البلد وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
        ومصر التي حاربت الفساد والاستبداد والخضوع لإرادة القوى الخارجية في عهد مبارك ونجحت في الخروج من ذلك النفق لتدخل في حقبة انتقالية من الديمقراطية غير الناجزة أدت إلى وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة ومن ثم حتمية إسقاطهم قبل أن ينجحوا في اسقاط مصر وأخونتها . وعوضاً عن أن ينصب جهد إخوان مصر على الاستفادة من أخطاءهم والاتعاظ من التجربة والعمل على إصلاح المسار ، اختاروا العمل بكافة الوسائل على محاولة استعادة السلطة حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير مصر.
       أما السودان ، فإن نظام الحكم الدكتاتوري هناك وبعد أن دمر اقتصاد البلد وبدد مواردها قام بحل مشكلة جنوب السودان من خلال التنازل عنه وفصله عن الوطن الأم عوضاً عن تلبية مطالب سكان الجنوب من خلال منظومة ديمقراطية تشكل ضماناً للجميع. ولكن ذلك كان يعني بالضرورة نهاية نظام عمر البشير الدكتاتوري ، وكان الثمن الأسهل للنظام تدمير البلد وتقسيمها وبقاء النظام!
       أما اليمن فقد شارف على حرب أهلية كان الدكتاتور علي عبدالله صالح مستعداً للقبول بها مقابل البقاء في السلطة. ولولا مصالح السعودية ودول الخليج والضغوط والإغراءات التي مارسوها مقابل صفقة أبقت النظام دون حكم عائلة علي عبدالله صالح، لكان اليمن الآن يمنان. ومع ذلك، فإن مساعي الرئيس المخلوع ما زالت مستمرة في محاولة للعودة إلى الحكم ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية أو تقسيم اليمن .
       ولبنان المشتت بين إقطاعيات طائفية وسياسية كل منها يتبع لجهة خارج لبنان، ما زال قائماً كعنوان لدولة واحدة بالإسم ودويلات متعددة بالفعل.    
        وتونس ما زالت تركض في مسعى تائه بين الديمقراطية ومكاسب الدولة المدنية التي بَنَتْ تونس الحديثة من جهة ٬وبين الإسلام السياسي الذي يسعى إلى إعادتها قروناً إلى الخلف من جهه أخرى.
         أما السعودية ودول الخليج فهي تخوض حروبها وصراعاتها وتسوي حساباتها وخلافاتها من خلال الآخرين. الصراعات التي تشهدها معظم دول المنطقة الآن وراءها أموال النفط السعودي والخليجي ومصالحه.
         نحن الآن إذاً أمام واقع عربي انتقالي يبدو أنه يسعى إمَّا إلى إعادة استنساخ ما سبقه من أنظمة وأمراض، أو انتقاء الخيارات الأسوأ للخروج من وضع سيء. منطق عجيب لمعالجة الأمور يعكس حالة من الهزال السياسي وتراكم الأمراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى الحد الذي لم يعد فيه الجسم العربي قادراً على الشفاء وفي الوقت نفسه غير قادر على الاستمرار.
       ما نحن فيه ليس موتاً بطيئاً وليس انتحاراً، لأن الانتحار يحمل مضمون الخيار حتى ولوكان ذلك الخيار هو الموت. ما نحن فيه هو حالة ذهنية حضارية ثقافية تعتبر التضحية سلوكاً أهوج .
       العرب لم يتعلموا دروساً من الماضي القريب، ونسوا أو تناسوا أن الفلسطينيين نجحوا في هز ضمير العالم وزلزلة أركان إسرائيل فقط عندما قدموا آلاف الضحايا. وعندما توقفوا عن التضحية تمت هزيمتهم . كما نسوا أو تناسوا أن منطق الرفض والمقاومة والتضحية هو الذي حرر قناة السويس عام 1956 وهزم العدوان الثلاثي. وفي حرب 1973 هزم المصريون التفوق العسكري الإسرائيلي بالرغم من السموم السياسية التي رافقت وأعقبت تلك الحرب.
        ماذا لو قدم العرب مائة ألف شهيد في حرب مع إسرائيل عوضاً عن ذبحهم في وطنهم سوريا؟ ولماذا ننسى عشرات أو مئات الآلاف الذين قتلوا في لبنان والجزائر والعراق. لماذا نحن أقوياء وجبارين على بعضنا البعض حتى الثمالة ٬ وضعفاء وغير راغبين في التضحية أمام العدو؟ هل هو تراث وذهنية وسلوك الأعْراب، أم غياب الحس الوطني العام لصالح الأنانية والانتماء الضيق المتزمت؟ أم الإثنين؟
       إن إحياء منطق التضحية بأشكالها المختلفة هو الجواب على حالة الموت السريري التي يعيشها العرب. لا يوجد انتصار بدون تضحية. وإن أكبر هزيمة يمكن أن تـُمْنَى بها أي أمة على وجه الأرض هي هزيمة الذات.