بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 20 يناير 2012

غالب المسعودي - العبقرية وإبداعات الكتابة

مشهد الشمس ...-حامد كعيد الجبوري



إضاءة
مشهد الشمس ...
والأربعاء الأخير من صفر . !!!
حامد كعيد الجبوري
من المعلوم أن الأشهر الحرم في الجاهلية هي محرم ، رجب ، ذي القعدة ، وذي الحجة ، وحين بزوغ فجر الإسلام أقر حرمة هذه الأشهر التي كان الأعراب يتجنبون الحرب فيها لقدسية يرونها فيها ، وأيام زمان تعمد أمهاتنا لصبغ ملابسهن و ملابسنا ( الدشاديش ) باللون الأسود بداية شهر محرم الحرام ليعبرن عن حزن الجميع لما أصاب عترة آل محمد ( ص ) من قتل وسبا أيام عاشوراء في كربلاء ، ولا ينتهي حزنهن وخلع ملابسهن السود على سبط الرسول الأعظم (ص ) إلا بنهاية شهر صفر ، وأخريات من النساء ينزعن سوادهن بعد ذكرى وفاة الرسول ( ص ) ، ووعيت لطقس يمارس من نسوة الحلة فقط وهو الذهاب الى مقام أمير المؤمنين علي ( ع ) في ( مشهد الشمس ) ، والمقام لا يبعد عن مركز المدينة سابقا إلا بعشرات الأمتار ، أما الآن أصبح جزءا من مركز المدينة ، و ( مشهد الشمس ) معبد لآلهة الشمس عند البابليين ويسمونه ( معبد أدد ) ، حل فيه أمير المؤمنين علي ( ع ) وهو عائد من معركة ( النهروان ) ، ويروي الكثير من المؤرخين بإثبات واقعة رد الشمس لعلي ( ع ) بعد أن فات عليه صلاة العصر ، الأربعاء الأخير من صفر ينهضن أمهاتنا وأخو
اتنا مبكرات ليذهبن الى مقام مرد الشمس في الحلة ، من الليل هيأن مستلزمات الزيارة من أكل وشرب ، وقسم منهن يؤدين دينا من النذور برقبتهن لأن الله قد حقق حلما لهن ، وكل الزوار الى المقام من النسوة فقط ، صبايا ينذرن للنجاح ، الشابات نذرهن للزواج ، الحوامل يردن ولدا ، الأم تطلب لأولادها ما يريدونه ، وهكذا ، يقطع السير للعجلات من الصباح الباكر ، ويحول سير المركبات لطرق أخرى ، حشد لا حصر له من النساء ، وأجمل ما في هذا الطقس ، أو قل العرف المجتمعي الجديد هو صعود قسم من النسوة لباحة المنارة ومن خلال الدرج الحلزوني ورمي العباءات من أعلى المنارة بعد تعليم العباءة أو زرها بشئ يدل على صاحبتها ، أو تطريز طرفا من هذه العباءة بلون مغاير للسواد ، والفأل الحسن أن تطايرت العباءة سابحة في الجو ، ودلالة ذلك أن صاحبة العباءة سوف تحصل على مرادها الذي أتت من أجله ، يستمر هذا الطقس من الصباح الباكر ولبداية أذان المغرب ، وسمعت أخيرا أن قسما من النسوة يضعن تحت وسادتهن شيئا من المال ليتصدقن به في اليوم الموعود لفقراء المدينة ، وحقيقة سألت الكثير من الحليين ليرشدني أحد لمغزى هذا الطقس ولم أجد له جوابا شافيا لحد الآن ، ويرى ال
بعض أن التقاليد المجتمعية التي توطد العلاقات العائلية وتوثقها يقرها الدين والعرف ، وهذه مما أقرها العرف ولم يعارضها الدين ، ونهاية شهر صفر يجوب الصبية أزقة المدينة وهم يرددون ( يا محمد يا شفيع / راح صفر جانه ربيع ) ، للإضاءة ...... فقط .

الخميس، 19 يناير 2012

لو إطﮓ روحك ما أسجنك-كاظم فنجان الحمامي




لو إطﮓ روحك ما أسجنك
لماذا ماضينا أفضل من حاضرنا ؟؟
مقالة طريفة نشرتها جريدة المستقبل بعددها الصادر في 19/1/2012
كاظم فنجان الحمامي
في عام 1988, وفي اليوم الأول الذي وصل فيه المدير الجديد للموانئ العراقية, الأستاذ (عبد الرزاق عبد الوهاب علي *), ليباشر مهام عمله في البصرة خلفا للأستاذ (فالح محمود الموسى), وقف على أطلال الأرصفة التي خنقتها الحرب الطويلة, وشلت حركتها بالكامل, ليقرأ كلمته الافتتاحية, التي كان فيها في قمة الحكمة والوضوح, عندما قال: (أتمنى أن يوفقنا الله جميعا فنرتقي بالموانئ العراقية إلى المستوى الذي كانت عليه في الخمسينيات أو الستينات). .
وكان الرجل على حق, ففي تلك الحقبة ازدهرت موانئنا وتألقت حتى تربعت فوق ناصية المجد, وتفوقت على الموانئ الأوربية والأمريكية بشهادة المنظمات والهيئات الدولية. .
وهكذا نحن دائما, نشعر أننا كلما رجعنا إلى الوراء, وعدنا إلى الماضي وتفاصيله, وشاهدنا ما آلت إليه أحوالنا في حاضرنا المؤلم, قلنا: أن ماضينا كان أجمل وأفضل من حاضرنا. .
فالأمس عندنا أفضل من اليوم, واليوم أفضل من الغد في هذه المتوالية الزمنية المتكررة, وشاءت الأقدار أن نتقوقع في حاضرنا عند التقاء عقارب التردي في النقطة المنخفضة من ذراع البندول المتأرجح في قعر دائرة التعاسة, في الوقت الذي يكون فيه ماضينا هو الأسمى والأجمل والأهدأ والأروع, وما زلنا حتى يومنا هذا, بل في يومنا هذا (على وجه التحديد), نردد حكايات الزمن الماضي, كلما اجتمعنا سوية تحت سقف واحد, لأننا لا نملك من حاضرنا ما يبعث فينا البهجة والسعادة والفرح, ويعيد لنا الطمأنينة والاستقرار. .
من هذه الحكايات الجميلة المعادة, اخترت لكم هذه الطرائف الظريفة من حياة رئيس الوزراء الأسبق (نوري السعيد), الرجل الذي كان أجدادنا يبغضونه, ويشتمونه في الرايحة والجاية, وتبين لنا الآن أنهم كانوا جميعا على خطأ بالمقارنة مع ما آلت إليه الأمور في المرحلة الراهنة. .
كان الباشا نوري السعيد يذهب إلى مكتبه مبكرا, ليكون أول من يدخل المبنى, وكان في طريقه إلى المكتب رجل يبيع الكباب المشوي على الرصيف, وكلما مرّت سيارة الباشا, (سيارة واحدة فقط), يعترضها الكبابجي ويصرخ بأعلى صوته شاتما نوري السعيد بألفاظ قاسية, حتى تكررت الاعتراضات وتصاعدت نبرة الشتائم, فتمادى الكبابجي بالإساءة, ما اضطر الباشا إلى التوقف ذات يوم أمام عربة الكبابجي, والترجل من سيارته, وتوجه بالسؤال إلى الكبابجي: لماذا تعترض طريقي, وتشتمني كل صباح, ما الذي فعلته لك ؟؟, فأجابه الكبابجي باللهجة البغدادية الدارجة: ((باشا آني ما عندي شي ويام, بس آني يوميتي (أجري اليومي) قليلة 250 فلس, وصاحب عائلة كبيرة, وما أقدر أوفر منها المال لزواجي, وعرفت أن الحكومة تصرف بالسجن (400) فلس يوميا لكل مسجون, من غير الأكل والشرب والمنام, فـﮝلت (قلت) أتهجم عليك وأسبك, لعله تدخلني السجن, كسجين سياسي, واستفيد من المصرف اليومي, واجمع لي كم فلس)), فضحك الباشا, وأعطاه خمس دنانير من جيبه الخاص, وأخبره أنه لا يستطيع إرساله إلى السجن, فودعه بروح رياضية وانصرف إلى مقر عمله. وفي اليوم التالي مرّ الباشا على الكبابجي, فناداه من خلف نافذة السيارة مداعباً: ((لو إطﮓ روحك ما أوديك للسجن)). .

حكاية أخرى عن نوري السعيد, تقول: أن الباشا دأب على الاستماع لبرامج الإذاعة العراقية ونشرتها الإخبارية في الصباح الباكر, قبل تناوله الإفطار (الريوق), وكانت قراءة الأخبار محصورة بين الدروبي وموحان بن الشيخ طاغي الطائي. .
وفي يوم من الأيام كان موحان هو الذي يقرأ النشرة الصباحية, ثم بثت الإذاعة أغنية (جبل التوباد حياك الحيا) في نهاية النشرة, وهي من قصائد أحمد شوقي المغناة بصوت الموسيقار محمد عبد الوهاب, وما أن سمع الباشا المقطع الأول من الأغنية, حتى تملكه الغضب, واتصل هاتفيا بالإذاعة, وطلب مديرها (محسن محمد علي), الذي لم يكن موجودا وقتذاك, فتحدث مع موظف في الإذاعة, وسأله: ((منو هذا اللي كان يذيع النشرة ؟؟؟)), فقال له: انه موحان ابن الشيخ طاغي, قال: ((جيبوه أكلمه, قولوا له رئيس الوزراء يريدك)), فأسرع موحان إلى التلفون, وكان مضطربا قلقا, ولم يكن بعد قد تناول حتى استكان شاي يبل به ريقه, فالتقط السماعة, وأجاب: ((نع
م سيدي)), فجاءه صوت الباشا هادرا من الطرف الآخر: ((ولكم وين راح ذوقكم, الناس بعدهم على ريقهم, وانتو تدقوا لهم جبل التوباد, أتريدون تبكّوهم من الصباحيات, يعني ما عندكم أغنية بيها خير من الصبح, أغنية بيها شويه فرحة, بهجة, ابتسامة, حتى تسمعونهم هاذي الأغنية ؟؟)). .
ثم هدأ فجأة, وتغير صوته, وقال: ((أبني موحان خلونا نسمع شي يفرحنا, مثل اعنية: على شواطي دجلة مر, أو خدك القيمر, أو خدري الجاي خدري, شوفولكم بستات توّنس الناس وتفرحهم ؟؟)), عندئذ اعتذر موحان بأدب جم. فبادره رئيس الوزراء بنبرة الأب الحنون: ((أبني موحان أنت تريقت لو بعدك ؟؟)), فأجابه: ((لا والله باشا)), فقال له الباشا: ((طيب تعال, وجيب وياك صاحبك الدروبي, تعالوا تريقوا ويايه, شيعجبكم تأكلون ؟؟)). .

وصل الاثنان (موحان والدروبي) إلى بيت الباشا, الذي كان خلف الإذاعة تماما, وما أن جلسا حتى حضر طبق البيض المقلي, وجبن الضفائر, وقيمر السدة, والكاهي, والعسل, وكانت وليمة فطور لا تنسى, جمعتهم في دار الباشا, فخرجا من البيت فرحين مسرورين, وعادا إلى عملهما في يوم مشرق من تلك الأيام البغدادية الجميلة, وقد تعلما كيف يرسما الابتسامة على وجوه المستمعين. .
كانت النفوس في الماضي طاهرة نقية, لا تعرف الحقد, ولا الكراهية. ورحم الله شاعرنا الجميل محمود درويش عندما قال: ((لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا, ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرُنا أفضل من غدنا. فيا لهاويتنا كم هي واسعة ؟؟)), وبات من المسلم به أن ذكريات ماضينا أفضل من حاضرنا, وسوف تكون ذكريات حاضرنا أفضل من مستقبلنا. .
والله يستر من الجايات. .

حملة حوارية حول تشكيل الحزب العلماني الديمقراطي في العراق

الأربعاء، 18 يناير 2012

من الرابح !!!-حامد كعيد الجبوري


إضاءة
من الرابح !!!
الساسة ، المواطن ، الوطن ؟
حامد كعيد الجبوري
من المؤكد أن الجميع يعرف نتيجة هذا التساؤل الساذج ، و لا ضير في التذكير لننتفع من هذا التذكر ، قبل سقوط صنم الدكتاتورية كنا نؤمل أنفسنا ببحبوحة نفتعلها لنقنع أنفسنا بتغير لابد صائر ، وكنا نقول لأبنائنا ونحن نجلس لمائدة الإفطار أو الغداء أو العشاء أن ما يملكه العراق من خزين نفطي يجعلنا نعيش أفضل من أي بلد آخر ، بشرط أن يدير دفة البلد أبنائه الأصحاء ، ورسمت لنفسي ولعائلتي حلما ورديا لا يحلم به إلا السذج أمثالي ، قلت لهم أن هؤلاء سوف يغدقون علينا بعطايا من مالنا الخاص المستودع لنا في باطن أرضنا وفي البنوك العراقية ، وقلت لهم أن العراق سيضاهي اليابان صناعيا ، وهولندا بالورود والمنتجات الحيوانية ، وستكون لكل عائلة عراقية خادمة أو خادم من الفرنسيات أو الألمانيات أو السويديات ، وأولادي تعلو رؤوسهم لما يستمعون له ، سقط النظام وجاء أبناء البلد المشردون والموزعون بكل بقاع العالم ، أتوا لنا حفاةً لا يملكون شيئا إلا القليل منهم ، فتحنا لهم أبواب قلوبنا ، ونظّرنا لهم ، وتسابقنا لصناديق الاقتراع لنجعلهم سادة وقادة لنا ، تسابقنا سنة وشيعة ومسيح وغيرهم ، تسابقنا عربا وكوردا وتركمان ، أغمسنا أصابعنا بذلك اللون البنفسجي وليتنا لم نفعل – انا والحمد لله كل الانتخابات التي مرت لم تحصل القائمة التي أرشحها لشئ يذكر - ، وكانت النتيجة كما ترون ونرى ، صراع لا نعرف أوله لنحكم متى سينتهي ، اختلاسات وفساد مالي وإداري وأخلاقي لا حصر له ، كنا نحكم لحزب واحد والآن لجملة أحزاب ، كنا نصفق لشخص واحد والآن نصفق لساسة جوف كثر ، كان واحدا يسرقنا واليوم نسرق من الجميع ، رضينا بكل شئ ، رضينا بالفدراليات ، ورضينا بأنصاف المتعلمين ، ورضينا بالقتل والتشريد والتهجير ، قبلنا بالذبح على الهوية ، أجج الساسة لا جزاهم الله خيرا الفتنة الطائفية ، وهدمت جوامعنا و مساجدنا وكنائسنا ومقدساتنا الدينية ، أستأثر الساسة وأقاربهم ومن يخصهم بالمناصب والوظائف والتعيينات والإيفاد والناس صفرات أيديهم من كل ما ذكرت ، يشرعون قوانين ويشرعنونها لمصالحهم الذاتية ، بكل هذا ونحن راضون لا يخرج منا أحد للمطالبة بحقه المغتصب ، والأمر والأنكى من كل ذلك هو تصاعد حدة ووتيرة الصراع السياسي بين هؤلاء لينقلوها الى الشارع العراقي ، الكل من هؤلاء الساسة يخرجون بوجوههم الكالحة على شاشات الفضائيات ليكيلوا الشتائم والسباب كل الى خصمه ، الكل يتهم الكل بالخيانة والحصول على المميزات دون الآخر ، الكل ينادي أين ذهبت حكومة الشراكة الوطنية ، والعجيب أن المساكين أمثالي يظنون أن حكومة الشراكة تعني توزيع الوظائف والوزارات على القوائم في ما بينها ، والحقيقة غير ذلك ، القاتل في الحقيقة أنهم يقتسمون في ما بينهم المغانم التي تركها لهم طاغيتهم المقبور صدام العراق ، والأعجب من كل ذلك لم أستمع لسياسي سني أو شيعي ، أو كردي أو عربي ، وهو يقول للجميع وبملأ فمه أين هو حق المواطن ، لم لا تعطون للمواطن حقه وتقاتلوا أنتم على كيفية القسمة لا حقا ، ولم أستمع لسياسي أو نصف سياسي وهو يقول أين هو العراق من كل هذا الاقتتال والتحارب ، أيها الساسة سوف نطلق لألسنتنا العنان ، ولأقلامنا الحبر ، ولمعارفنا بالنصح ، ولعوائلنا بالتأييد ونقول للجميع أن مثل هؤلاء لا يصلحون لقيادة قطيع فكيف يقودون بلدا لسدة الأمان ، أيها الناس أحفظوا سماء هؤلاء وثقفوا ضدهم في انتخاباتنا القادمة ، فلو أسمعت لو ناديت حيا ، ولكن

الاثنين، 16 يناير 2012

غزة - دنيا الوطن-محمد حسنين هيكل


غزة - دنيا الوطن
أكد الكاتب والمحلل السياسي المخضرم محمد حسنين هيكل بأن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس « ربيعاً عربياً » وإنما « سايكس بيكو » جديد لتقسيم العالم العبي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن 3 مشاريع، الأول غربي « أوربي- امريكي » والثاني إيراني والثالث تركي بالإضافة إلى نصف مشروع اسرائيلي لإجهاض القضية الفلسطينية.. منوهاً بأن الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الاسلوب باعتبارها فعل لا يتم بطريقة « تسليم المفتاح » من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب
لافتاً إلى ان الاعتراف الامريكي الغربي بالاخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم ولا اعجاباً ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين، مضيفاً بأن نشوة الاخوان بالاعتراف الأمريكي الغربي بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف
جاء ذلك في حوار أجرته صحيفة « الاهرام » المصرية مؤخراً مع الكاتب والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل
حيث أشار هيكل إلى أن ما نراه الآن ليس مجرد ربيع عربي تهب نسماته على المنطقة، وإنما هو تغيير اقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث آثاراً عميقة ومحفوفة بالمخاطر أيضاً
وقال: « ما نراه في هذه اللحظة هو مشروع قومي يتهاوى، وبقاياه تجري إزاحتها الآن، ومشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ، بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه ».. وأضاف: « أكاد أرى الآن خرائط كانت معلقة على الجدران ترفع الآن وتطوى، لأن المشاهد اختلفت، فالمواقع العصية تأدبت أو يجري تأديبها والمواقع الضائعة استعيدت أو انها تستعاد الآن، وكل ذلك تمهيد لفصل في شرق أوسط يعاد الآن تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى كما حدث عندما راود العرب حلم مشروعهم القومي، وتبدى لسنوات كأن هذا المشروع القومي العربي هو شكل المستقبل
وأوضح هيكل قائلاً: « على الساحة الآن وبالتحديد 3 مشروعات ونصف.. الأول غربي يبدو مصمماً ولديه فعلاً من أدوات الفعل والتأثير ما يشجع طلابه، والثاني مشروع تركي يبدو طامحاً، والثالث مشروع ايراني يؤذن من بعيد على استحياء، ثم أخيراً نصف مشروع أو شبح مشروع اسرائيلي يتسم بالغلاظة
مشيراً إلى أن المشروع الغربي وهو أمريكي أوربي يزحف على خطين وبحركة كماشة على الجناحين تطوق وتحاصر، الخط الأول مرئي مسموع محسوس ومسعاه اغراق المنطقة في صراع اسلامي – اسلامي، وبالتحديد سني شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات، عندما سقط النظام الامبراطوري في ايران، وحل محله نظام الثورة الاسلامية.. أما الخط الثاني لهذا المشروع الامريكي – الأوروبي فهو الخط الموازي لخط الفتنة والذي يزحف بسرعة لافتة حتى يسبق غيره والمتمثل بتقسيم المنطقة على طريقة « سايكس بيكو » مع تعديل ما تقتضيه متغيرات الاحوال
مبيناً أن « الخرائط الجديدة لا توزع إرث الخلافة العثمانية وإنما توزع إرث المشروع القومي العربي الذي تمكن من طرد الاستعمار الغربي في مرحلة سابقة وحاول أن يملأ الفراغ وعجز.. وأن دولة الخلافة العثمانية لم تستطع أن تحمي أملاكها، وهكذا جرى ارثها، وان المشروع العربي لم يستطع أن يحمي نفسه وهكذا اليوم يتوزع ارثه
واستطرد هيكل قائلاً: « سايكس بيكو الأولى كانت خطاً على خريطة، يصل من (الكاف) إلى (الكاف).. الكاف في عكا والكاف في كركوك ويفصل الشمال.. هذه المرة ليس هناك خطاً فاصلاً، وانما هناك مواقع متناثرة.. التقسيم في المرة الأولى كان تقسيماً جغرافياً وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع، وبوضوح فإن ما يجري تقسيمه الآن هو أولاً النفط وفوائضه.. نفط وفوائض ليبيا بعد نفط وفوائض العراق
وفي رده على سؤال طلب منه إعطاء نموذج لتطبيق سايكس بيكو الجديدة عملياً على ما يجري الآن في ليبيا، أجاب هيكل قائلاً: « نحن نعلم مما نقرؤه الآن أن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلاً، وبنسب أذيعت على الملأ، كانت 30% لفرنسا (شركة توتال) و20% لبريطانيا (شركة بريتش بتروليم)، والحصة أقل لأن بريطانيا أخذت أكثر في نفط العراق.. وليست أمامي الآن نسب التوزيع فيما بقي، لكن ايطاليا تطالب بحق مكتسب (شركة إيني)، ثم ان الشركات الامريكية تلح على دخول قائمة الوارثين.. وبعد إرث الموارد هناك.
ثانياً تخصيص المواقع من خلال قاعدة للاسطول السادس في طرابلس لأمريكا ومركز مخابرات في بنغازي وطبرق لبريطانيا، وإيطاليا تحتج بانها تاريخياً تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها، وفرنسا عبر البحر لها مطالبها.. كل هذا وصوت المعارك لا يزال يدوي، وسيل الدماء لا يزال يتدفق
ونقل هيكل اعترافاً جاء على لسان شخص قريب الصلة بالمجلس الانتقالي في لييبا بأنهم تصوروا بمجرد هبة في بنغازي ان يفعل القذافي مثل ما فعل بن علي في تونس ومبارك في مصر ويمشي، وانهم خرجوا إلى الشوارع وانكشفوا لكن هذا الرجل لم يمشي وبقي في ليبيا ومعه جزء كبير من البلد وجزء كبير من الناس، وكذلك معظم الجيش ومعظم القبائل أيضاً، ولذلك اضطروا إلى قبول أي مساعدة « التدخل الاجنبي العسكري » ولو أن القذافي هرب واراحهم لما وقعوا في هذا المأزق، لكنه لم يفعل
وأشار هيكل إلى أن ما يجري في ليبيا لم يعد ثورة شعبية فقط، وانما يبدو الآن غزواً خارجياً، واستيلاء راح ضحيته حتى الآن أكثر من 30 الف رجل وامراة وطفل من الليبيين، وجرح منهم قرابة 70 الف، وقع تدمير مرافق ومنشآت
وعبر هيكل عن اعتقاده بأن المقاومة في ليبيا مستمرة وان « الذين يقاومون مع القذافي يفعلون ذلك بانتمائهم إلى الوطن الليبي، ليس تمسكاً بالقذافي ولكن لأن هناك غزواً لليبيا، ونفس الداعي سوف يصل بليبيا مدناً وقبائل إلى حافة حرب أهلية
وإذ شدد هيكل على أن نضج عناصر أي ثورة ضرورة لنجاح فعلها، قال: « بكل أمانة فالثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الاسلوب.. الثورات فعل لا يتم بطريقة (تسليم المفتاح)، أعني أنه ليست هناك ثورات تسليم مفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة.. هذه القوى الخارجية تريد مصالحها فقط، ولا يصح ان يتصور أحد انها بعد المصالح تريد تحرير شعب.. ولقد عرفنا مما سمعناه ورأيناه في شبه الجزيرة العربية عن بناء القصور بطريقة مقاولة (تسليم مفتاح) كما يقال في التعبير الشائع- وذلك حدث أيضاً في مجال الموانئ والمطارات، كله مدفوع نقداً ومقدماً برسم التسليم على المفتاح.. لكن الثورات شيء آخر
وقال هيكل: « قرأت قبل أسابيع عنواناً في صحيفة بأن حلف الاطلنطي يفتح الطريق لتحرير طرابلس وأنا لا أعلم أن حلف الاطلنطي يريد أن يحرر شبراً عربياً
وأضاف: « لم يتعلم العرب في الماضي ولا في الحاضر أنه ليست هناك عهود للدول إلا ما تقتضيه أسباب القوة، فكلهم سوف يتنكرون لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه
وفي معرض حديثه عن سوريا قال هيكل بأن التدخل العسكري الاجنبي في سوريا في هذه اللحظة مخيف وأن البديل بالغزو الاجنبي في هذه الظروف يصعب تقدير عواقبه خصوصاً بعد ما جرى في العراق واليمن والسودان وأخيراً ليبيا
وأضاف: لا تتحمل المنطقة من بغداد إلى بنغازي بالعرض، ولا من حلب إلى عدن بالطول، كل هذا الذي يقع وبإلحاح واصرار على انها الازاحة هنا وبواسطة تدخل جيوش وأساطيل أجنبية
وعن المشروعين الايراني والتركي في المنطقة، أوضح هيكل بأن هناك مشروع ايراني وهو محدود في إطاره لأسباب عديدة تضعها الجغرافيا بالمسافات ويصنعها التاريخ بالثقافات، إلى جانب أن هذا المشروع تحت حصار، وعليه فان استراتيجيته الآن دفاع، وهناك أيضاً مشروع تركي لديه حظ أكبر لأن أساسه التاريخي لا يزال في الذاكرة وفي المواريث.. مذكراً بأن تركيا العثمانية كانت هي الضحية التي توزع ارثها على الآخرين في « سايكس بيكو » الأولى وهي الآن امام اغراء ان تكون شريكاً في الارث الجديد بعد ان كانت ضحيته في سابقه
وإذ حذر هيكل من دخول العرب في فتنة المذاهب كون ذلك « سيؤدي إلى كوارث بدايتها ما نراه في اليمن والبحرين ».. وانتقد هيكل وبشدة عدم استيعاب « الاخوان المسلمين » لما يحدث، مرجعاً ذلك لما أسماه « نشوة الاعتراف » بشرعيتهم والتي لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف، بحسب هيكل
وقال بأن: « الاعتراف الامريكي والغربي بالاخوان المسلمين لم يجيء قبولاً بحق لهم، ولا تقديراً تجلت دواعيه فجأة امام المعترفين، ولا اعجاباً ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً – ولو جزئياً- بنصيحة عدد من المستشرقين بينهم « برنارد لويس تطلب مدداً ليستكمل عزل ايران في العالم العربي والاسلامي بالفتنة المذهبية
وأضاف هيكل بأن ما حدث في بداية القبول بنصائح « برنارد لويس » هو أن السياسة الامريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب لتحقيق المطلب، وعلقت أهمية ظاهرة على جهود الامراء والرؤساء في محاولة تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من صراع (عربي اسرائيلي) إلى صراع (عربي فارسي) وأن النجاح لم يكن بمستوى ما يطلبه الكبار في واشنطن وغيرها، فتجددت نصيحة الاستشراق بان الافضل فاعلية للمواجهة لتصبح أقوى، إذا انتقلت من كونها حكومات امام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات، ولتكن المواجهة بين المذاهب الاسلامية كونها عداءً مباشراً وأعمق نفاذاً
وتحدث هيكل عما حدث من تعديل في السياسة الامريكية نحو تشجيع وتوسيع عملية المواجهة بين جماعات سنة وجماعات شيعة.. وأضاف: بهذا القصد طرأت مسألة الاعتراف بالاخوان وبقبول مشاركتهم شرعياً فيما كان محظوراً عليهم من قبل، والاخوان تنظيم سني نشيط، ومن المفيد كذلك أن يرى أصحاب الطلب هذه اللحظة ان يكون للاخوان السنة دور على مستوى الشارع العربي في مواجهة مع الشيعة في قلبه
وأردف قائلاً: كان من حق الاخوان ان يعترف بهم لكن واجبهم بعد النشوة ان يطلوا على بواعث الاعتراف، بمعنى ان حقهم صحيح لكن توظيف هذا الحق في تأجيج فتنة في الاسلام لصالح آخرين خطأً، خصوصاً في هذه الظروف
وفي ذات الصعيد أكد عدد من المحللين والمراقبين ان مشاركة ايطاليا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر وأمريكا في تقاسم ثروات ليبيا قد باتت حتمية وبقوة، مستشهدين بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية كاميرون إلى طرابلس أواخر أغسطس الماضي لحضور ما أسموه « حفلة تقاسم الكعكة النفطية الليبية » والتي خص فيها رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل « الحلفاء والاصدقاء » بان لهم الأولوية في عقود النفط، وبأن كل من ساعدت ليبيا سيكون له الأولوية في جميع الميادين، لا في قطاع الطاقة والنفط فحسب
وقالوا ان ليبيا تشهد حالياً تسريعاً لوتيرة العمل في انتاج النفط بغية تأمين إيرادات الحكومة الجديدة وكونه أيضاً حاجة ملحة لدول الغرب، وخصوصاً انها على أبواب الشتاء وتحتاج إلى كميات من الغاز للتدفئة، وفيما تتأهب الشركات النفطية الأجنبية لاستئناف عملها في الحقول الليبية، تتأهب شركات أخرى تابعة للدول التي شاركت في عملية « الحامي الموحد » لحلف شمال الاطلنطي في ليبيا، للتمتع بامتيازات جديدة كعربون « وفاء » لوقفة دولها مع المعارضين الليبيين في عملية اطاحة نظام القذافي