بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 16 يوليو 2011

قصص قصيرة جدا ً-عادل كامل-تخطيطات غالب المسعودي

قصص قصيرة جدا ً

عادل كامل
[1] بحث
ما الذي يفعله، وهو، منذ أيام، يحفر في الأرض...؟ قلت: ربما يصنع ملجأ، أو بئرا ً، أو يبحث عن كنز! بعد أيام ... عدت أراقب، فلم أجد الرجل، فذهبت إلى الأرض التي كان يحفر فيها. لقد دفن جسده فيها، لكن جارنا لم يمت بعد، بل قال لي: يا ولد...لماذا أزحت التراب عن رأسي، ماذا تريد، من أرسلك...؟
ـ لا أريد شيئا ً، لكن لماذا تركتننا وغادرت ..؟ لم يجب. فسألته:
ـ هل الحياة لم تعد محتملة؟ لم يجب أيضا ً. بل أومأ برأسه ان لا افتح فمي، وان أعيد التراب إلى موضعه، بهدوء.
منذ ذلك اليوم، وبعد قرون، كلما دفنت جسدي، أجد أنني ... انتظر ان أعود إلى الحفرة ذاتها!

[2] هذا ما حدث تماما ً

لم ْ استطع ان احدد ما اذا كانت بقع الضوء مستطيلة أو مربعة، أو محض مثلثات تراكمت أمامي. أنا لم افعل ذلك لأنني لا أميز أآنا هو الذي كنت امنعها من الاقتراب مني، أم هي التي قد ابتعدت عني، الأمر لم يعد مثيرا ً للفزع، فالخطوط تداخلت نهاياتها وتلاشت في العتمة، لأنني ما ان أفقت لم أر إلا مخلفات أعشاب لم تزل طرية، لها رائحة بذور، وقد جذبتني إليها، ثم لمحت أنني أنا الآخر لم يقاوم الذوبان. لا أحد قال لي ماذا حدث، ولا أنا كنت منشغلا ً ما اذا كانت الحرب قد وضعت أوزارها أم بدأت توا ً. خطوط لها حرارة رماد داكن، وأنا مازلت أقف عند النافذة، لصق سريري الخشبي، عندما توارت. كان ذلك هو الذي حدث، تماما ً، وقد غدا نائيا ً عني، بعد ان أخذني معه. منذ قرون لم أبح بكلمة، لأن فمي انشغل يتتبع رائحة الأعشاب، ويأمل ان يمسك بالبذور، بجوار المثلثات التي استطالت وتكورت حتى استحالت إلى بقع داكنة اللون. أنا قلت أنها لم تكن غير ذلك، مع أنها أصبحت شبيه بالمكعبات، وإنها أصبحت عديمة الشكل، تجاور أشكالا ً تمتد دائرية حول ظلها. منذ ذلك اليوم لم أبح بكلمة فقد كان فمي غادرني معها ولم يترك إلا بقعا ً عديمة اللون.

[3] قصاص
عندما أفقت من الموت، ورفعت راسي قليلا ً، شاهدت صبية يحفرون قبرا ً بجوار قبري. هل تكلمت ...؟ احدهم لمحني فاقترب مني، بهدوء، أعادني إلى الموت، لكني سمعته يخاطبني: لم يحن أوان القصاص منك!


[4] رصاصة
هل ينبغي علي ّ ان اعرف ماذا حدث بالضبط، أم ان الرصاصة التي اخترقت جمجمتي، واستقرت في القاع، لم تسمح لي إلا ان امسك بها، دون النظر إليها، وان أعيدها إلى الثقب الذي انطلقت منه. كانت رصاصة مدببة ليس لها رائحة محددة، فلما أبعدتها عني، رأيتها تعود لتبحث عن رأس إنسان آخر.


[5] زاوية
كان شبيها ً بالهرم، الذي طالما رسمته في درس الرسم، عدا انه يتكون من حبيبات بالغة الصغر شبيهة برؤوس موتى، عديمة الملامح. نظرت إليه من الأسفل إلى الأعلى، وبالعكس، فلم يكن شبيها بالهرم الذي كنت ارسمه في طفولتي، لأنني بعد ذلك اليوم لم أر ْ هرما ً، مثلما لم يخطر ببالي ان ابحث عن رأسي أيضا ً.

[6] الدورة لم تكتمل
أمر قائد المجموعة زمرته بإطلاق سراحي. وقال موجها كلامه لي: اذهب ...! أين يمكنني ان اذهب، وأنا بلا رأس..؟ قلت له: أعيدوا لي راسي، لكنه قال لي: سنعيده إليك في الوقت المناسب. فلم اعترض. لم اشكره. ولم اسأل أحدا ً ما اذا كانوا يعرفون ماذا حدث لنا، لأن احدهم التصق بجسدي، ثم ما ان لمسته، حتى وجدت آخر يقترب منا.
بعد قرون، في ذات صباح، وأنا أغادر البيت، تعثرت بشيء شبيه بصخرة! عندما لمسته ظننت ان خطأ ما حدث، فالرأس ـ هذا ـ لا يعود لي، فأعدته ـ بهدوء ـ إلى موضعه، لكن احدهم لكزني بعصاه، ووضعني في صندوق. آنذاك عرفت ان عملهم، معنا، لم ينته بعد.
وبعد قرون أخرى، لم يعد لي جسد، ولا رأس، ولا ... إلا هذا الشبيه بالذي يصعب رؤية مروره، فسألت ما تبقى مني: أتراه تركني وصرت أتتبع اثر خطاه، أم تركته ولم يتخل عن تتبع ما تبقى مني؟

[7] سكن
أخذونا، أنا وجاري، وعدد آخر من المارة، إلى الإمبراطور. كانت ليلة باردة جدا ً، وثمة عاصفة ترابية كانت تمنعنا من الرؤية. أنا لا أتذكر ماذا قال جلالته، لكن جاري الآخر الذي لم يأخذوه معنا، سألني، في اليوم التالي، ماذا قال لكم الإمبراطور...؟ قلت: قال لنا، نحن الذين نجونا من الموت، يحق لنا ان نبقى على قيد الحياة! ثم سألني جاري: وماذا قال أيضا ً..؟ لا استطيع ان أقول انه قال شيئا ً آخر. أبتسم، وقال لي: لم يجد سواكم كي يبقى في الذروة! لم اجب. لأن جاري لم يجد آخر يستجوبه، غيري. منذ ذلك اليوم وأنا أتدثر بغبار العاصفة، بعد ان وجد البرد سكنه في روحي.

[8] الحرية!
للمرة الثالثة، آن لهم ان يطلقوا سراحه، لكن آمر القلعة طلب منه ان يكتب تعهدا ً يؤكد فيه انه سيكون معهم. سحب أصابعه من الورقة وقال للآمر: ألا ترى ان سنوات السجن كافية! لا، قال الآخر، وأعاده إلى زنزانته.
في المرة السابعة، وجد السجين نفسه بانتظار مغادرة القلعة, تغير الآمر، الذي كرر السؤال نفسه: هل ستتعهد...؟ نظر السجين إليه وقال له: ألا ترى أنكم أخذتم أصابعي مني. أعادوه إلى زنزانته. في المرة التالية، وجد آمرا ً آخر، ولكن السؤال تغير. لم يبتسم السجين، فقد ترك رأسه في القلعة، وخرج طليقا ً. قرون وهو ينشد للحرية، ثم، في يوم من الأيام، وجد حشدا ً من الناس، من النساء والشيوخ والأطفال، بينهم أمراء القلعة، وأمراء سجون أخرى، يحدقون في عينيه، تحت أشعة الشمس، وفي الهواء الطلق، وهم يصغون إليه. كانت كلماته تتناثر مع موجات الريح، وتمتزج برذاذ عطر ورود المتنزه، فيما انشغل أمراء القلعة وباقي سجاني المدينة في حوارات لم يلتفت إليها، ولم تثر انتباهه. احدهم سمعه يقول: لا يمكن للحرية ان تحتجز خلف القضبان، أو داخل الجدران. وسمعه آخر يقول: ولا ان تقبع في تمثال!

[9] مع من ...؟


ـ مع من أنت ...؟
ـ معهم!
بعد سنوات، سمع السؤال نفسه:
ـ مع من أنت ...؟
ـ معكم!
آنذاك تركوه ينزف حد الموت. قرون وهو لا يعرف مع من كانوا، هؤلاء الذين، لم يكن معهم، وقرون أخرى مضت، لم يستطع ان يعرف مع من كان، إنما لم يستطع ان يجد من يكون معه!

[10] هو وهي أيضا ً

عرفها. كان لها صوت مبلل برائحة القداح، ولون امتزجت فيه عطور البراري النائية. قال:
ـ أنا لم اختر الدرب الذي سلكته.
ـ وأنا، يا حبيبي، لم يخترني الدرب الذي سلكته!
فكر انه مازال يجهل هل هو صمتها الذي مكث لا يقدر على محوه، أم فرحها المبلل برذاذ الفجر.. فكر أنها لم تدعه يفكر!
ـ اقسم لك َ، الدرب هو الذي أخذني .. وأنا لم اذهب معه...!
ـ أنا، يا حبيبتي، لم اختر دربي، ولم ادع الدرب يأخذني أيضا ً. فانا مازلت، في كل فجر، أرى الطرق تشتبك بالعابرين، وارى، في كل ليل، الومضات تمضي في طرقها ..! لا احد يمر بالدرب أكثر من مرة! ولا درب سلكته الأقدام ذاتها إلا مسح أثرها.
فكر في نفسه، إنها لم تكن إلا محض حكاية محاها الرجل، وتركها تغيب، لتمحوها الأنثى، وقد أعادت إليها حضورها. لكن المرأة قالت:
ـ أنا لا اقدر ان أمحو محوك.
ـ وأنا ... هو الآخر، لا اقدر ان أمحو هذا المحو!

[11] أوامر
قطعوا اليد التي كان يكتب بها. فدوّن بالأخرى. بتروها. عندما حاول ان يبصر، حجبوا عنه الضوء. ترك قلبه يومض، لمحوه، أوقفوا نبضات القلب. فلم يعد لديه إلا خلايا ذاكرته، ترفرف، لمحوها أيضا ً، نثروا رأسه وتركوه يذهب مع الريح. آنذاك لم يعد يعرف انطق أم ترك صمته يدوّن ان شيئا ً ما يقول لهم: حياة فيها انتم، غير جديرة إلا ان تذهب من غير آسف!
عندما، بعد قرون، حاولوا العثور عليه، لم يجدوه، كي يتم وضعه خلف القضبان، لكن قرار الاتهام، مكث معهم، بانتظار التنفيذ.

[12] لا احد
بعد مسافة لا يقدر مداها التي قطعها كي يصل إلى كوكب لم يجد فيه أحدا ً، قال في نفسه: لو عدت إلى كوكبي، يقينا ً، لن أجد أحدا ً في استقبالي، كي اخبره بالأمر. ثم خاطب نفسه: لن تجد من يشك فيك، ولن تجد من يصدقك أيضا ً. يا لها من لعبة فقدت سلاستها! كان ذلك محفزا ً آخر كي لا يموت، لكنه لم يقل قط، انه انتظر ان يجد شيئا ً آخر!
7/7/2011

الجمعة، 15 يوليو 2011

الفنان دافيد ولكر يطلق آخر اعماله في لندن-ترجمة د.غالب المسعودي



الفنان دافيد ولكر يطلق آخر اعماله في لندن
ترجمة د.غالب المسعودي
يعمل الفنان دافيد ولكر كرسام بورتريت محترف وهو يستعمل اصباغ السبري لانجاز الكثير من اعماله والتي مكنته من تطوير اسلوب خاص به وذلك برش اللون بطبقلت متعددة على خلفية اللوحة وهذا الاسلوب الفريد مكنه من تطوير قاعدته الخاصة التي تدعى لا فرشاة وهو بذلك يدفع العمل الفني الى تحديات ومغامرات لونية وفي اتجاهات متعددة معتمدا على موهبته وجهده المثابر واحيانا مشاكساته ليتلقى الكثير من الدعوات حول العالم لعرض اعماله المثيرة للدهشة,,,,اترككم مع بعض من اعماله وهي رسومات على الحائط.

ادونيس : رسالة مفتوحة إلى المعارضة حول التغيير في سوريا، وبخاصة تغيير الدستور


ادونيس : رسالة مفتوحة إلى المعارضة حول التغيير في سوريا، وبخاصة تغيير الدستور

الأربعاء, 13 يوليو 2011 19:18

لماذا لم ننجح نحن العرب، حتى اليوم في بناء مجتمع مدني، تكون فيه المواطنة أساس الانتماء، بديلاً من الدين (أو المذهب) ومن القبيلة (أو العشيرة والعائلة)؟ فالحق أن ما نطلق عليه اسم «مجتمع»، ليس إلا «تجمعات» من عناصر متناقضة تتعايش في مكان واحد، يُطلق عليه اسم «وطن». وليست السلطة هنا إلا «نظاماً» للغلبة والتسلط في حلف «يجمع» بين مصالح المتسلطين.
والصراع السياسي هنا، هو أيضاً، صراع لتغيير السلطة، وليس صراعاً لبناء مجتمع جديد. وهكذا كانت السلطة في المجتمعات العربية عنفاً مركباً في بنيتها ذاتها، وكانت ممارستها نوعاً من التأرجح بين العنف «الطبيعي»، والعنف الآخر المموّه، ثقافياً، والذي يسمى «التسامح».
من الحاكم؟ تلك هي المسألة الأولى، عند العرب. وهي ترتبط، على نحو عميق، بالمسألة الدينية. مسألة «تطبيق للإسلام» أو «لمبادئ الإسلام الصحيحة»، إشارة إلى أن هناك «إسلاماً» غير صحيح، أو «مبادئ إسلامية غير صحيحة». وهذه طامة دينية ـ سياسية كبرى نرزح في سلاسلها، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً. واليوم نمارس التنويع الحديث على الأسئلة القديمة: هل الإسلام الصحيح هو كما يراه عليّ، أم كما يراه معاوية؟ هل هو في القول بأن «القرآن مخلوق»، أم «غير مخلوق»؟ هل هو في الإيمان بالجنة والنار، حرفياً أم رمزياً؟ هل هو في العقل أم في النقل؟ هل هو في المساواة الكاملة، حقوقاً وواجبات، بين الرجل والمرأة، أم هو على العكس، في أفضلية الرجل وأوليته؟ هل هو في التسنّن، أم في التشيّع؟... إلخ، إلخ.
ومنذ ما سميناه بـ«عصر النهضة» نمارس التنويع على هذه الأسئلة.
واندرجت في آلية هذا التنويع جميع «الثورات» العربية الحديثة، ومن ضمنها «ثورة» عبد الناصر. وتبيّن أنها كانت «ثورات» من أجل السلطة، لا من أجل «المجتمع». وقد وصل هذا «التنويع» إلى ذروته اليوم، بتسمية الأشياء، جرياً على عاداتنا وتقاليدنا، بغير أسمائها: نقول عن الدولة التي يوجهها الدين بأنها «مدنيّة»، ونسمي الصراع على السلطة «ثورة». ونقول عن عبودية المرأة إنها «حرية». وهكذا وهكذا.
والحق أن كثيرين من الكتّاب العرب المهمين مأخوذون بالتعجل: وهم لذلك يعزفون عن المناظرة إلى المهاترة. وتبعاً لذلك يسارعون فيضفون على الأحداث والأشياء رغباتهم وأحلامهم. ويسمونها بأسماء لا تنطبق عليها.
نحن مدعوون، إذاً، إن كنا نعمل حقاً على الذهاب إلى أبعد من تغيير السلطة والسياسة، إلى بناء مجتمع جديد، ـ مدعوون إلى معرفة أنفسنا، وتاريخنا. ولماذا، مثلاً لا يزال انتماؤنا دينياً، يحمل أربعة عشر قرناً أو أكثر من «التمردات» و«الانشقاقات» و«الأهوال» و«المذابح»؟ ولماذا، تبعاً لذلك، لا يزال انتماؤنا العميق قبلياً عشائرياً؟
نحن كذلك مدعوون إلى اكتشاف هذه البداهة وهذه البساطة:
ليس غريباً أن تكون جميع الأنظمة العربية، اليوم، دون استثناء، أنظمة طغيانية. إذ متى كانت لدينا أنظمة حرة وديموقراطية وعادلة، وتؤمن بالإنسان وحقوقه؟ وعلى هذا المستوى، يصح القول إن «الربيع العربي» ظاهرة يصح وصفها بأنها فريدة، وعظيمة. وبأن الذين قدّموا حياتهم من أجلها، قصداً أو عفواً، هم طليعة نضال ضروري مشرّف، بنّاء، وإنساني. لكن علينا في الوقت نفسه أن نتذكر أولئك الذين قدموا حياتهم أيضاً، بدءاً من خمسينيات القرن الماضي، فرادى وجماعات، من أجل بناء مجتمعات عربية، حرة وديموقراطية. وعلينا تبعاً لذلك، وفي ضوء «الربيع العربي» نفسه، أن نتساءل، لماذا قامت الأنظمة العربية، منذ تلك الفترة، باسم الحرية والديموقراطية، لكنها لم تنتج إلا العبودية والطغيان، ولم تكن إلا هوساً بالسلطة وامتيازاتها، ولم يكن الإنسان الذي وقف إلى جانبها أو ضحّى من أجلها إلا مجرد سلّم، ومجرد أداة؟
كلا لا يتم تقدم المجتمع اعتماداً على ما مضى، أو انطلاقاً منه.
التقدم نوع من ولادة ثانية. فلا يمكن بناء الغد بما صار ماضياً، أو بما رفضه، أو وضعه موضع النقد والتساؤل مفكرون وكتاب كثيرون في الماضي، نُبذوا، او سفِّهوا، أو قُتلوا.
أن يكون الإنسان دائماً مع الحرية والعدالة وإلى جانب المضطهدين، المستضعفين، الفقراء، الضحايا، أمر لا يحتاج إلى وصايا وخطب واتهامات وبطولات. يحتاج إلى الوعي بأننا لا نستطيع أن نكون حقاً معهم إلا إذا كنا، بدئياً، نعمل على تخليصهم من الشروط التي تكمن وراء اضطهادهم وفقرهم واستضعافهم. وهي شروط كامنة في هذا الحاضر السياسي ـ الاقتصادي الذي ليس إلا ماضياً متواصلاً: تسييس الدين وتديين السياسة. فهذان هما نواة الحلف السلطوي الذي يحوّل «المجتمع» إلى شركة ترئسها السلطة، ويحوّل «الوطن» إلى «متجر» يقوده أهل السلطة وأتباعهم.
ولماذا إذاً، في ضوء هذا كله، لا نجهر قائلين: تكون الثورة قطيعة كاملة مع هذا الحاضر ـ الماضي المتواصل، في مختلف المجالات، وعلى جميع الصعد، أو لا تكون إلا تحركاً باسمها وإلا استمراراً قد يكون أشد ظلاماً من جميع أنواع الظلام التي «تفضل» بها علينا الصراع القديم على السلطة؟
ـ 2 ـ
استناداً إلى ما تقدم، أوجز الأطروحة التي أنطلق منها في ثلاث نقاط:
1 ـ المجتمع العربي ـ الإسلامي مؤسس، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، على الدين في ارتباطه الوثيق ببنيته القبلية ـ الإتنية، وبالسلطة والصراع التاريخي، العنفي، الدموي غالباً، حولها وعليها. وهو أمر لا يزال قائماً حتى الآن.
2 ـ كل تغيّر في أي ميدان لا يمكن التعويل عليه، إذا لم يكن صادراً عن إعادة نظر جذرية، وعلى نحو شامل، في هذا الأساس. هذا، إذا كانت الغاية من التغيير بناء مجتمع جديد، لا مجرد اختزال يتمثل، على الطريقة التقليدية السياسية في «الإطاحة بالنظام سريعاً وبأي ثمن».
3 ـ المعارضة، خصوصاً في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ العرب، إما أن تكون على مستوى التاريخ والمستقبل: عملاً لبناء مجتمع مدني إنساني جديد، وإما أن تندرج في سياق المعارضات التقليدية: الاكتفاء بتغيير النظام القائم، سياسياً.
وفي هذا تكون موجة قامت باسم التحرر، لكنها ظلت كغيرها من الموجات السابقة، بدءاً من الانقلابات العسكرية السورية المتوالية إلى الموجة الكبرى ـ عبد الناصر، تنويعاً آخر على تعطيل الحياة العربية، وتعطيل الحريات والحقوق التي قامت باسمها.
ـ 3 ـ
يقوم البيان الختامي لاجتماع المعارضة، الأول، في دمشق على شقين:
مبدئي، وعملي. المبدئي هو، كما جاء في البيان: «الانتقال إلى دولة ديموقراطية مدنية، تعددية، تضمن الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية، وحريات جميع المواطنين السوريين، كما تضمن العدالة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن العرق والدين والجنس».
والعملي هو: «إنهاء الخيار الأمني، والتحقيق في جرائم القتل (الموالية والمعارضة)، وضمان حرية التظاهر، وإطلاق سراح المعتقلين دون استثناء، وحرية الإعلام وموضوعيته، وإدانة التحريض الطائفي، وإعادة المهجرين إلى قراهم وبلدانهم، والتعويض عليهم، ورفض التدخل الأجنبي، والسماح للإعلام العربي والدولي بمتابعة ما يجري في سوريا بكل حرية».
ـ 4 ـ
ليس عندي إلا التأييد الكامل للجانب الثاني العملي، بمرتكزاته وتفاصيلها، مضيفاً إليها التحقيق أيضاً في جرائم التحريض الطائفي من أية جهة جاءت. فلئن كانت جرائم القتل العادي ـ المادي «عمياء»، فإن جرائم التحريض الطائفي «بصيرة»، وهي إذاً، أشد هولاً وفتكاً.
لكن بالمقابل، أود أن أناقش الجانب المبدئي، مع أنني نظرياً أوافق عليه كلياً. غير أن «النظري» هنا «تجريدي» ولا يعني شيئاً على المستوى العملي، إلا إذا كان مرتبطاً عضوياً بالأسس التي تتيح له أن يصبح عملياً، أو أن يتحقق في الحياة، وفي المؤسسة، وفي النظام. خصوصاً أن هذا الجانب المبدئي ينهض على كلام عام قيل كثيراً في الموجات التي أشرت إليها، غير أن التجربة أكدت أن قادة هذه الموجات، أنظمة وأفراداً، وفي طليعتها حزب البعث العربي نفسه في دمشق وبغداد، أفرغوا تلك المبادئ من معانيها، وامتهنوها. هكذا أصبح هؤلاء القادة، وهذه الأنظمة جزءاً من «الفساد» القديم.
الأخطر من ذلك: هذا الكلام المبدئي العام تحوّل في الثقافة السائدة إلى غطاء معقد وكثيف لتمويه الاستبداد في جذوره الثقافية والسياسية والدينية والاجتماعية.
النظام السوري، كمثل الأنظمة العربية، إنما هو نتيجة لأسباب وعوامل. مجرد تغييره، مع بقاء هذه الأسباب والعوامل، لن يعني في أفضل الحالات، أكثر من تغيير نظام سيئ بآخر أقل سوءاً. هل سيعني مثلاً تغيير الملك المغربي، اليوم، أو الأردني، أو السعودي، أكثر من ذلك ـ إن لم يكن أقل من ذلك ما دامت «إمارة المؤمنين» والملكية الوراثية، والملكية العائلية، باقية؟
والمهم إذاً هو تغيير الأسباب والعوامل. فهذه بالنسبة إلى النظام السوري قائمة على ثقافة قروسطية، يلعب فيها الدين، مقترناً بالعصبية المذهبية ـ القبلية، الدور الحاسم الأول. يستحيل في هذه الثقافة، مثلاً، التصور بأن يكون رئيس مصر قبطياً، مهما كان الأقباط عظماء، ومهما كان هو عظيماً بشخصه. أو أن يكون رئيس سوريا آشورياً أو كلدانياً أو سريانياً، أو مارونياً، أو أرثوذكسياً أو بروتستانتياً. لكن، بأي حق يستحيل هذا التصور؟ وكيف نقبل بهذه الاستحالة، إذا كنا حقاً «مجتمعاً مدنياً»، وبشراً متساوين؟
إن «أهل الذمة» في سوريا، وهم سكانها الأصليون، لا يزالون يدفعون الجزية، سلبياً: حرمانهم من أن يكون لهم الحق في رئاسة وطنهم الأصلي، (لا بوصفهم الأقلوي أو لانتمائهم الديني)، الذي لا تزال تهيمن عليه ثقافة الفتح والغلبة. فمنطق الفتح والغلبة والصراع الديني الذي ينتمي إلى تاريخ البدايات الإسلامية هو ما يستمر وهو الذي يحكم، لا منطق التآزر ووحدة الانتماء والمساواة في المواطنة، فضلاً عن منطق الكفاءات الفردية.
الخلاص من هذه الثقافة التي تصبح في الوضع الحالي لا إنسانية، والتأسيس للمواطنية وثقافتها الإنسانية، هو ما يجب أن يكون الهاجس الأول الموجّه في أفكار المعارضة وأعمالها. وهو ما لم يعمل له حزب البعث العربي، رغم ادعائه العلمانية، وتلك هي، في رأيي، خطيئته المميتة الأولى.
كيف يمكن إذاً أن تنشأ في سوريا «دولة ديموقراطية، مدنية، متعددة»، إذا كان مستحيلاً أن يُسنّ أي قانون أو تشريع لا يتفق مع «المفهوم الإسلامي الصحيح» وفقاً لعبارة الجامع الأزهر في وثيقته الأخيرة، أو «الرؤية الإسلامية الصحيحة»، وفقاً لما جاء فيها؟
ومن غير المفيد أن نسأل: ما هذا «المفهوم»؟ وما هذه «الرؤية»، وما معاييرهما، ومَن يقرّر ذلك، وباسم أي سلطة؟ وبموجب أي اجتهاد؟ من غير المفيد أن نسأل لأن الجواب جاهز: تلك هي الأكثرية، وتلك هي إرادتها، وذلك هو «مفهومها» وتلك هي «رؤيتها». لكن السؤال الآخر الذي لا يُطرح ولا يُجاب عنه، هو: لماذا تكون الأكثرية السياسية من الدين الأكثري عندما لا يتصل الأمر بالشؤون الدينية، بل بالأمور التي تهم الجميع بلا تمييز؟ ولماذا لا يُبنى الاختيار هنا على أساس الحاجات والمطالب الوطنية وليس على أساس الدين أو الانتماءات العقائدية الخاصة بكل دين؟
ومن أين لسوريا، إذاً، أن تكون مدنية وتعددية؟
والجواب أيضاً يجيء من وثيقة الأزهر: «تطبيق الشريعة الإسلامية هو ضمان للتعددية، وحرية الاعتقاد، وممارسة العبادات لأصحاب الديانات السماوية الأخرى الذين تكفل لهم الشريعة الإسلامية أيضاً الاحتكام إلى شريعتهم في ما يتعلق بشؤونهم وبالأخص في الأحوال الشخصية».
وهو جواب يُحل الشريعة الإسلامية محل الدولة، ويلغي بشكل قاطع «هوية» غير المسلمين بحيث يجعلهم، هم أيضاً، تابعين لهذه الشريعة.
الدولة، إن كانت مدنية، تكون هي نفسها الضمان. ولا يكون لأي دين كثُر أتباعه أو قلّوا، أي سلطان عليها، في أي ميدان. إن سلطة التشريع هي للمدينة، للمدنية، للإنسان المدني، وليست للدين. يجب أن تنتهي ثقافة القرون الوسطى التي كانت تعلّم أن الإنسان خُلق من أجل الدين. نعم يجب أن تنتهي. فالدين هو الذي خُلق من أجل الإنسان.
هكذا لا تعني عبارة «الدولة المدنية التعددية» شيئاً، إلا إذا عنت أن انتماء الإنسان، هو، أولاً، انتماء للأرض، للوطن، للمجتمع، وليس للدين أو القبيلة أو الطائفة أو العشيرة أو العرق، كما هو قائم، فعلياً، في سوريا.
وهكذا يكون للسوري غير المسلم الحقوق نفسها التي يتمتع بها السوري المسلم. المجتمع حقوق وواجبات وحريات، وليس كنائس وجوامع وخلوات. هذه للأفراد. ولكل فرد حقه الخاص فيها. وهو حق يجب أن يُحترم ويُصان. كذلك لكل فرد الحق في أن يرفضها أو «يعتزلها»، وفي أن لا يتديّن. فحق اللاتديّن يجب أن يُحترم ويُصان كحق التديّن. كذلك لا تعني الحرية والديموقراطية شيئاً إلا إذا عنت أولاً، هذا الانتماء. وها هو لبنان مثال حي.
لا أحد يقدر أن ينكر وجود الحرية في لبنان، السياسية والفكرية والاقتصادية والتنظيمية. أو ينكر فيه الممارسة الديموقراطية التي مهما قيل فيها تظل أفضل بكثير من الممارسات التي توصف بها الديموقراطية في البلدان العربية. لكن السؤال هو التالي: ماذا فعلت هذه الحرية وهذه الديموقراطية على الصعيد المدني ـ التعددي، بالمعنى الثقافي الحضاري والإنساني، في لبنان: لبنان ـ الدولة والمجتمع؟
ثم، أليس الدور النبذي ـ الإقصائي الذي يلعبه الانتماء الديني ـ الطائفي العامل الأساس في تعطيل الحرية والديموقراطية في لبنان؟
ـ 5 ـ
ليس النظام في سوريا مجرد شأن سياسي. إنه نظام مركّب سياسي ـ ثقافي، وديني ـ اجتماعي. له «تراثه» وله «أجهزته» الإيديولوجية، وله مؤسساته.
المعارضة التي تعمل على إسقاطه، سياسياً، يجب في الوقت نفسه، أن تعمل على الخلاص من مرتكزاته الثقافية والتاريخية التي تكمن وراء أسباب نشوئه. دون ذلك تكون المعارضة مجرد عمل سياسي يطرد حكاماً ليُحل مكانهم حكاماً آخرين. معارضة لا تهتم بالأسس، وإنما تهتم بالسلطة والهيمنة. وليس لها أي عمق أو بُعدٍ تغييري جذري: ليس هاجسها تغيير المجتمع، بل تغيير الحكم.
وفي مجتمع مركّب كالمجتمع السوري، متعدد الأديان والمذاهب، الإتنيات، ومتعدد الثقافات، لا تكون المعارضة التي تكتفي بإسقاط نظامه إلا تنويعاً آخر على هذا النظام نفسه، لأنها تتكوّن من الطينة ذاتها التي يتكوّن هو نفسه منها. وهي، على هذا المستوى، لا تعني أكثر من كونها صراعاً سياسياً على المصالح. ومن هنا نفهم غياب «الأقليات» عن جسم المعارضة، إلا شكلياً ورمزياً، تماماً كما هو الشأن بالنسبة إلى النظام. المسيحيون، تحديداً، بمختلف فئاتهم، وهم كنز بشري وثقافي فريد، لا مثيل له في العالم، غير «موجودين» في المعارضة، وغير «موجودين» في النظام ـ إلا بوصفهم «ديكوراً»، في بعض الأحيان. وهكذا يُنظر إليهم، موضوعياً، كأنهم «لاجئون أو تحت «الحماية» أو «الوصاية». و«إضاعة» النظام والمعارضة إياهم، تشعرهم أنهم هم أنفسهم «ضائعون». لا «وطن» لهم في وطنهم الأصلي الأول. يعبّر عن هذه المسألة حبيب أفرام رئيس الرابطة السريانية، بعمق صامت ضائع قلق وحزين («النهار»، 3 تموز 2011).
ولا نتحدث عن «الأقلّيّات» الأخرى داخل الإسلام، والتي تعدها الأكثرية الإسلامية، «غير مسلمة»، وهي إذاً، مرشحة لمصائر سوداء ـ استمراراً للسواد الكارثي في تاريخها.
لهذا أقول وأكرر: ليس النظام في سوريا مجرد شأن سياسي، أو مجرد أجهزة قمعية، يصلح كل شيء إذا تم القضاء عليه.
هكذا، أكرر أيضاً: تأخذ المعارضة في سوريا قيمتها وأهميتها، بقدر ما تقرن معارضتها السياسية بمعارضة ثقافية، بالمعنى الواسع الشامل، والجذري. وإذاً، لا بدّ لها، من أن تؤسس اعتراضاتها على الخلاص من الأسس الثقافية للنظام الذي تعارضه، وفي مقدمتها الفصل الكامل بين الدين والدولة، وبين القبيلة والمجتمع، على جميع الصعد، وفي مختلف المستويات.
ـ 6 ـ
أسوأ ما يشوّه المعارضة، هو أن تبدو كأنها منساقة، باسم تصفية حسابات معينة، مع نظام استبدادي يجب أن ينتهي، ـ منساقةً في تيار «أكثري»، تيار عقول ذكورية بطركية، لا تزال تؤمن أنها «الأب»، وأن المرأة لا عقل لها. عقول قدِر أصحابها تاريخياً ويقدرون الآن، استناداً إلى أسباب وعوامل كثيرة، أن يخلقوا نساء يقنعونهن حتى بالدفاع عن استحسان عبوديتهن، واختيارها، والبقاء فيها، وصيانتها. وهي ظاهرة لا وجود لها إلا في العالم الإسلامي: هذا العالم العظيم بإمكاناته وطاقاته وعبقرياته، لكن الصغير بأنظمته وخططه وسياساته. وفي مثل هذا المجتمع يستحيل أن تكون الحرية والديموقراطية إلا كلمات جوفاء وأقنعة.
وقبول المعارضة بهذا الانسياق يموّه جذور الطغيان، ويختزلها في السياسة ـ النظام. وهي نظرة جزئية، وغير كافية. بل تبدو المعارضة هنا، كأنها هي نفسها تعِدّ نفسها لكي تكون النظام اللاحق لخلافة النظام السابق.
هكذا لا يجوز أن تكون المعارضة السورية مجرّد تصفية لحسابات متنوّعة مع نظام مستبد، قلت, اكرر أنه يجب أن يتغيّر. المعارضة هي أولاً، العمل على إزالة العقبات التي تحول دون نشوء مجتمع ديموقراطي حر وعادل. والقضاء على النظام الاستبدادي جزء ضروري، لكنه لا يختزل المشكلة كلها.
لدينا أمثلة: ماذا أفادت إيران من القضاء على نظام الشاه الاستبدادي، باسم الليبرالية، وإحلال نظام آخر محله، استبدادي هو أيضاً، لكن باسم الدين؟
الاستبداد باسم الدين، أشد خطراً لأنه شامل: جسمي وروحي. ولعلنا أخطأنا جميعنا نحن الذين وقفنا إلى جانب الثورة الإيرانية ظناً منا أنها ستعمل من أجل الحريات حقاً. لكن، كان هذا الظن، في المحصّلة، إثماً.
وما يُقال عن إيران يُقال عن الأنظمة العربية كلها.
أكرر هنا للتوكيد، متسائلاً:
ما جدوى المعارضة السورية على سبيل المثال، إذا كان لا يحق للسوري، امرأة أو رجلاً، المسيحي أو الكردي أو الآشوري، أو الكلداني، أو غير السني أن يترشح لمنصب الرئاسة السورية؟ أو لا يُعترف بالحقوق اللغوية والثقافية لجميع من يندرجون تحت اسم الأقلية؟ ألن تكون المعارضة هي هنا كذلك عنصرية كمثل النظام الذي تثور عليه؟
ـ 7 ـ
هكذا تواجه المعارضة عملياً مهمة التأسيس للمواطنية، حيث يزول مفهوما «الأكثرية» و«الأقلية»، إلا بالمعنى السياسي الانتخابي. وهذا يعني النظر إلى سوريا بوصفها مجتمعاً واحداً تنصهر فيه جميع الانتماءات المذهبية والإتنية والثقافية، في «سلالة تاريخية» واحدة، في ما وراء الإتنيات والأديان.
وصولاً إلى هذه الغاية، ولأوضاع تاريخية واجتماعية معينة، ينبغي البدء بالتأسيس لمرحلة انتقالية يُنص فيها صراحة، بوثيقة تاريخية على حقوق الأقليات الإتنية واللغوية والمذهبية، وهي كثيرة في سوريا: إسلامياً، ومسيحياً، عرباً وأكراداً وشراكس وتركماناً... إلخ. ويجب الحرص بخاصة على حقوق الجماعات التي تمثل الجسر الحضاري بين حديث سوريا وقديمها: الصابئة، الكلدان، الآشوريين، السريان... إلخ.
هكذا تنهض المعارضة على مبادئ إعادة تأسيس المجتمع. وتقوم هذه الإعادة على الأسس التالية:
أ ـ احترام الدين في ذاته. غير أن الدين للفرد، وليس للمجتمع.
ب ـ حق اللاتديّن مصون كحق التديّن.
ج ـ المجتمع مدني، يتساوى فيه أفراده جميعاً، واجباتٍ وحقوقاً. ولا أولية في ذلك للدين، بل للعقل والحرية والكرامة البشرية وحقوق الإنسان.
د ـ الديموقراطية، حرية وسياسةً وعدالةً، نظراً وعملاً.
هـ ـ مدنية الثقافة، في معزل كامل عن التحليل والتحريم الدينيين.
و ـ لا فكر، لا إنسان إلا بالحرية الكاملة، دون أي قيد.
ز ـ مدنياً وإنسانياً، لا يجوز أن ينص الدستور على دين الدولة أو دين رئيسها.
ليست المسألة، إذاً، أن نصلح الدين، أو أن نعيد تأويله، بحيث يتلاءم مع الحياة الاجتماعية. المسألة هي أن نعيد الدين إلى طبيعته الفردية، بوصفه تجربة خاصة. تكون الحياة الاجتماعية مشتركة ومدنية، ويكون الدين شأناً فردياً خاصاً لا يُلزم إلا صاحبه. الدين للفرد، وحده، وليس للمجتمع بوصفه كلاًّ. لا يُفرض الدين وراثياً، أو سياسياً وإنما يكون اختياراً حراً بوصفه حقاً فردياً. ولا يفرض بالأكثرية العددية في المجتمع. ومن حق الفرد ألا يتديّن، وأن يختار الدين الذي يشاء، دون أي إكراه. الدين حرية فردية. والمجتمع حرية مدنية. لكن ليس للدولة أو المجتمع أن يدين إلا بالإنسان وحقوقه.
في القرنين الماضيين (التاسع عشر والعشرين)، عشنا ما سميناه «نهضة». وكانت سِمتُها الأساسية: الإصلاح وبخاصة الديني. وسواء اتخذ هذا الإصلاح منحى اجتماعياً أو سياسياً أو دينياً، فقد أدى في النتيجة إلى تجزئة الفكر، وحتى إلى منعه. وصارت الحركة الفكرية العربية حشداً من المتوازيات، كل منها ينبذ الآخر. متوازيات لا تتلاقى. وكان الدين في هذا كله المعيار، والحكَم، والفصل.
والنتيجة أننا وصلنا إلى نتائج كارثية، على جميع المستويات. لقد انتهى عصر الإصلاح. ذلك أنه انطلق من إيمان كامل بالمسبّق الديني. والتغيّر يحتاج بدئياً إلى نقد هذا المسبّق والى نقد المسبّقات كلها، والى الخروج منها.
كل مساومة أو مسايرة للإيديولوجيا الدينية، بحجة أو بأخرى، ولو كانت التحرر من الخارج، إنما هي مساومة على مصير الإنسان في هذه المنطقة من العالم. فالعودة إلى الدين ـ سياسياً واجتماعياً هي، في أقل ما توصف به، في إطار الثقافة الإسلامية ـ المؤسسية، عودة إلى سلاسل أخرى وسجون أخرى.
الأصولية الدينية، إنما هي إخضاع للآخر أو استتباع، أو إلغاء. هي أمور لا تخرج من «المادة» وحدها، وإنما تخرج كذلك من «الروح». الكتاب هنا يصبح أخاً للقنبلة، وتصير الكلمة أختاً للرصاصة. على هذا المستوى، تحديداً، يمكن القول إن القتل لا يجيء من الرصاص وحده، وإنما قد يجيء كذلك من الكلمات.

الأربعاء، 13 يوليو 2011

أختام عراقية معاصرة-تجارب-عادل كامل







أختام عراقية معاصرة
تجارب


عادل كامل
[1] لغز الخامة

تستدرج الخامة ـ إن كانت بكرا ً أو مركبة ـ موضوعها، في الغالب، قبل أن ينشغل وعي (الصانع/ الحرفي/ الفنان) بانتقاء موضوعه. على أن هذا لا يعني أن الخامة (بمجموع عناصرها الطبيعية/ أو المصنعة/ والمستحدثة) تفكر!، أو لديها قدرة القرار، الاختيار، والحسم، إنما ستمتلك جسرا ً لا مرئيا ً مع لا وعي الفنان السحيق، أو الآني، المباشر، في تحويل (الفكرة) إلى علامات مشتركة بينها، وبين صانعها. فالخامة تجد مأواها في ما سينشده الصانع/ الفنان، بل تجدها تحرر زمنها، كي تقع اسر زمن آخر. ولعل دراسة أقدم الخامات المستحدثة، في الأعمال الشبيهة بالفن، من خرز، وأساور، وقلائد، وتماثيل، ومجسمات خالية من التشخيص، تحكي العلاقة التي تحول الخامة من وضعها البكر ـ الزاخر بما لا يحصى من تأثيرات العوامل الخارجية/ الزمنية/ والإنسانية ـ إلى وضع تغيب أو تدفن فيه حريتها ـ كما غابت أو دفنت سابقا ً ـ في الهيآت الجديدة، وفي الوقت نفسه، شخصية الصانع، ولا وعيه، وختمه في الأخير.
فالحزوز التي وضعها إنسان البرية/ المغارات، فوق العظام والصخور، لا يمكن تكرارها، أو استنساخها، مرة ثانية، إلا لوظائف مغايرة. فالحزوز الشبيهة بشخابيط طفل لم يبلغ سن الثانية بعد، تحكي، لا وعيه تماما ً، وهو وعيه الآخذ بمغادرة مخبأه ومناطقه الدفينة، النائية. فهي قد تبدو عشوائية، أو لا علاقة لها بما يخص وعيه، ولكنها، في سياقها ـ ومن منظورنا بعد زمن طويل ـ تحكي كم أسهم الأثر (العظم/الصخرة/ الخشبة)في ذلك الضرب من التعبير: حزوز شبيهة بالحروف، والأرقام، بما تمثله ـ في وجودها ـ من انتقالها من مادتها البكر، إلى علامة للتداول.
والحزوز الغائرة، المبعثرة، أو المنتظمة، فوق الصخور، لا تحكي ما نفذ فوق الخشب، أو الجلد، أو حتى خامات المعادن البكر، ففي كل خامة خصائصها الدالة عليها، أولا ً، والدال على عصرها، ثانيا ً، وعلى صانعها، ثالثا ً، وعلى ما تخفيه رابعا ً، وعلى ما هو مشترك بين دماغ الصانع، وعناصرها الدفينة، أخيرا ً.
فهل كانت تلك العلامات الدالة على المكان، والعصر، وعلى البيئة والإنسان (الايكولوجيا الشمولية)، وعلى بواكير الإحساس بالزمن، والفقدان، وتكون المخيال، والذاكرة، توثق بواكير الرهافة بما كانت تمثله من حيازة وتملك، فهي، في هذا السياق، ستصبح أول توقيع أبدعته الأصابع ـ في الانتقال من العشوائية إلى نظام الأثر ومكوناته البنيوية ـ وهي أول تدشين لمعالم مسار (طريق/ درب) سينتهي بموت الفن ـ وموت الإنسان بتحوله إلى مجموعة عناصر/ أشياء ـ لصياغة يصعب تحديد ما اذا كانت ستستعين بموضوعات غير التي جعلتها تنتمي إلى عصر الطين، مثلا ً، كي تجد انجذابها ـ كما وجدناه ـ مع بيئتنا، وعصرنا، أم أنها لم تكن ـ بتزامنها المتداخل/ المركب/ والمنصهر ـ إلا حلقة في مسار، بلا مقدمات، وأخيرا ً بلا خاتمة.

[2] العلامات ـ والمشفر
ما الذي يستدل عليه عالم الآثار، أو المشتغل بالمخلفات، والمتخصص بفك المشفرات، خاصة التي تتضمن ازدواجيات بين دراسة المقاصد المباشرة، وبين ما فيها من غايات غير مباشرة، وهو يدرس حزوزا ً فوق عظم لحيوان قتل ـ أو مات ـ قبل مليون سنة، وما الذي باستطاعته أن يعلنه عن فك خطوط ـ ليست منتظمة في أشكالها الخارجية ـ حزت فوق صخرة، أو حفرت فوق خشبة قاومت عوامل الزوال لقرون طويلة، أكثر من الاشتغال ذاته الذي ميز عددا ً من علماء وفناني، شعراء ومتخصصين في الإنسانيات المعاصرة: ذلك الحفر في فك الظواهر، والبحث عن محركاتها النائية، في نظام الإشارات ـ ومن ثم في العلامات بصفتها دالة بما تريد التعبير عنه.
لن استبعد تماما ً نسق الدوافع غير الواعية، والأخرى، المتصلة بالحركة الكلية لمجموع الأجزاء ـ مهما اتسعت أو تحولت إلى مصغرات لا مرئية ـ في فهم سياق: اللا متوقع ـ واللا قصدي، وهو مغاير للعبثي، أو لمفهوم العشوائية. فالا متوقع يمثل ـ في حالة دراسة أقدم العينات الشبيهة بالأختام، والشبيهة بالفن ـ متوقعا ً ضروريا ً لاستكمال ذاتيته الموضوعية، وهي موضوعيته، أخيرا ً، في هذه الذاتية.
ربما ـ بدراسة خطوط مشوشة، مكررة، متعاكسة، مائلة، متقطعة ـ يستدل الباحث قدرة عمل الدماغ في مغادرة مركزه، حيث المسافات، ما بين الأشياء، ستغدو امتدادا ً لأقدم مفهوم كون نزعة الانحياز ـ والتملك ـ والثروة البدئية. صحيح أن الجهد المبذول وحده لن يعرف (الرأسمال) ألبدئي، أو المبكر، بما حقق، ولكنه سيفصح ـ في هذا الاحتمال ـ عن أقدم نزعة للتراكم بما فيها من قصدية ـ ولا قصدية معا ً. فالحزوز، والرسومات، والمجسمات، والبصمات التي تركها إنسان الكهف فوق الجدران، ليست علامة دالة لعمل سحري فحسب، بل انها ـ بالدرجة نفسها ـ دالة على صانعها. فالصانع لم يوثق حدود ذلك الزمن السحيق، ولا تجمعاته، وتبلور نظام العثور على تجاوز العشوائية فحسب، بل اللا قصدية كممارسة خاصة بالختم ـ: الهوية/ التوقيع، بما يتضمنه من (أنا) بين المكونات الأخرى. فالأنا وجدت في وجود كونه الصراع ـ التنازع ـ والترقب. ولعل التوقيع ـ المنجز ضمن اللا قصد ـ لم يعلن عن قصديته الخاصة بالأنا فحسب، بل لتكامل رسم شبكة الاتصال الكلية للأجزاء كافة.
ان عالمنا ـ وفنانا ـ المعاصرين، وهما يعيدان قراءة ما لم يدوّن، لأجل التدوين المعرفي، يعلن عن امتداد اللا متوقع في ديمومته الراهنة. فالمعنى لم يعد محدودا ًبالنفع، أو بجماليته، بل ببناء أنظمة لا تحذف منها عمليات التصادم، والنفي، والإضافات في الأخير.
أتراني كنت أتقمص ومضات باثات قلب ذلك الفتى، وهو يحز، فوق الصخرة، ويحفر فوق الطين، نداءات ذهبت ابعد من الصوت، وابعد من قانون الاندثار، والموت.
ان مفهوم المشفر ـ العلامة لنظام لم تفك أسرار عمله ـ سيبقى يشفر نظامه باليات تجرجر، حقبة بعد حقبة، (المشتغل) نحو ديمومة طرفي المعادلة: الموت ـ انبعاث. فأنا قد لا اعتقد أني سأرجع إلى العناصر التي كونت جسدي، بالبديهية الواقعية ـ من غير قصد أو بقصد ـ اللا متوقع ان يدفع بأصابعي للحفر فوق خامات شبيهة بالعظام، وبالصخور، كي تمسك بمحركات العلامات المشفرة ذاتها. انه ضرب الدخول في مساحات تحاول الحفاظ على ما فيها من بدائيات ـ وخصائص لا مشاعية تماما ً. فألانا البكر ـ إن كانت جمعية، كما هي أنا النحلة أو النملة أو الجرثومة ـ أو كانت تعمل نحو عزلتها، ليس باستطاعتها مغادرة قوانين دوافعها المجاورة ـ أو البعيدة ـ عن مقاصد الأنا الجمعية، أو الفردية الخالصة. فالعلامات الشبيهة بالختم ـ التوقيع وصولا ً إلى خصائص الهوية وتميزها عبر أسسها البدئية في التعبير ـ تكون دافعا ً لغواية المغامرة، ومغادرة الانغلاق نحو حافات ترسم حدود الأنا ـ وهي علامات الختم ـ بمشفراته، القابلة للإفصاح عن المعنى، والأخرى، التي جرجرتنا إلى محاولات فك ما فيها من غائيات ـ لا غائية ـ متجاوزة حدود المعلن، نحو دراسة شبكة المقدمات بنهايتها، وهي شبكة النهايات بجذور مقدماتها.

[3] النائي ـ انشغالات مبكرة


سأنشغل ـ بدل قلب المعادلة إلى نفع ـ بما لا يمكن الإمساك به. ليس هو الماضي، ومتراكماته على صعيد المخلفات، وليس هو تقبل صدمات الحاضر، وليس هو الغد، إن كان بديلا ً عما أراه يأخذ طريقه إلى الاندثار فحسب، بل كيف تتجمع التصّورات في كيان لن يهدر لغز ما أنا عليه/ وفيه.
ففي كل لحظة اكتمال، وتدهور، تنبثق تأملات لا معنى لسترها بالتصورات، ولا معنى للحفاظ عليها بعيدا ً عن الهدم أيضا ً. ففي هذه الفجوة ـ لبن ماض ٍ يصعب على الوعي أن يضع له مقدمات/ وإزاء غد ٍ خارج حدود الحافات، تتكون رهافة شبيهة بالتي أنتجت آلاف الدمى، والأختام، رهافة قائمة على إيمان مزعزع، وشك لن يساوي بين العدم والوجود، لأنها ـ رهافة ـ تحول الصانع إلى علامة خارج ثوابتها. لان (الصانع) هنا وجها لوجه ـ أمام مرآة لا يرى فيها الا غيابه. ان الآخرين لن يلتفتوا الى هذا الأثر ـ المصّنع ـ بقدر ما سيرى هو نفسه بثقة ما عبر أثره. لكن (أنا) الصانع لن تكف عن مقاومة وضعها في فراغ مقيد. ولنأخذ مثال النمل أو النحل أو الطيور، فإنها صاغت مصيرها بنظامها الجمعي واكتفت بالمضي من غير وثبات. وحتى انقراضها ـ كانقراض آلاف أو ملاين الأنواع لم يعد مثيرا ً للأسى أو القلق ـ لأنها عملت ـ وتعمل ـ بمرآة كبرى خالية من التصدعات. إنها مرآة كلية، كالتي تجعل مشهد الملاين تهرول في مارثون محكوم بلعبة الجوائز. لكن صانع العلامات لن يركن إلى نموذجه إلا بصفته عملا ً مغايرا ً لعمل النحل، فاعقد الأعشاش، وكاتدرائيات النمل، والمعمار الهندسي الصارم البناء عند النحل، لا تساوي ـ ولن تقارن ـ بعمل لا متوقع ـ يبلغ حد اللا معقول وربما الفائض عن الحاجة المباشرة ـ تنجزه الأصابع. فليس لدى تلك الكتل الجمعية ما سيسمى بالعمل، لأنها لا تمتلك (أنا) شاردة أو خارج على سياق الدافع الجمعي.
هل حقا ً باستطاعتنا اكتشاف ذلك بمقارنة حزوز فوق عظم، بخلية نحل مذهلة البناء، دون أن نتقدم خطوة أخرى في تفكيك مفاهيم لغوية ـ فلسفية أو ذات جذر سحري ـ كالعدم، وكالوجود، من غير أن نزعزع الرأي الجمعي، ونحدث شخطا ً مائلا ً أو معوجا ً في مرآة الجماعة؟ نعم ـ لان ذاتية فنان مثل جايكوماتي، أو هنري روسو، أو فان كوخ ـ وكل منهم مغاير للآخر في التفكير وفي الأسلوب ـ ستعمل بنهج مغاير لقطيع يهرول باتجاه الماء، أو بالهرب من لهب بركان! ذلك لان ذاتية الفنان لا تكمن في نموه العقلي فحسب، بل في رهافة يصعب تقييدها بنظام المرآة الواحدة. هذا الفارق يجعل من كل شخط، وكل حز، وكل خرزة، وكل مجسم، وكل إشارة ..الخ علامة مغايرة لتكنولوجيا الدافع الجمعي. لا لأنها تعمل في الذروة فحسب، بل لأنها تتضمن سفرا ً إلى ماضيها، مثلما هي مشبعة بدوافع الهجرة إلى غد ٍ من غير نهايات. هذا الفارق يجعل الختم ـ الإشارة في تحولها إلى علامة/ والعشوائية بما فيها من مهارات البنّاء ـ نموذجا ً مغايرا ً يصعب استنساخه، بل وحتى شرحه. فالماضي السحري في فكر الصانع ـ وليس في آليات الحرفي ـ ليس دائريا ً، وليس له تمهيدات، فهو يلتقي بما هو آت ٍ، عندما لا يخضع الأخير إلى خاتمة. فكلاهما يجتمعان في دحض الثابت، بمعنى: في تدمير المعنى، عبر الثنائية، والجدل، خارج سياق النظام الجرثومي/ ألنملي/ النحلي، والبشري في الأخير!

[4] الامتداد ـ من اللا نافع إلى اللغز

فهل غير النافع ـ الذي تكّون في عصوره السحيقة ـ كتم وظيفة ما خالصة ـ تخص عمل الأصابع اللا متخصص ـ أم ذات صلة بتكّون المركز ـ الدماغ، أم أن (التغيير) في جذره، وفي نشأته، وساطة (علاقة) تكاملية بين ذات الصانع والبيئة (الايكولوجيا الشاملة)، كضرورة أدت عمل ألتوق، وغواية لا تخلو من مغامرة التوغل بعيدا ً عن الذات، وبعيدا ً عن انغلاقها، كي توسع من حدود سيطرتها على الأرض ـ والفضاء، وضمنا ً، لتلافي الصدمات، واحتوائها، وعدم تركها تعمل بعشوائية، أو على هواها؟ ثمة احتمال آخر يقلب التصّور، أن اللا نافع، تحديدا ً، ليس امتدادا ً، بل حماية للذات. ذلك لان خصائص الأثر (الشبيه بالختم، أو الدمية، أو الرسم، أو أية أداة لها سمات الحرز، والمجسمات، والنقوش) لم تتضمن جاذبية، بل دفاعا ً ذاتيا ًللحفاظ على مكونات الذات وعالمها الداخلي ـ المحمي ـ والمنغلق.
على ان وجودا ً منعزلا ً ـ بمعنى الوجود محاطا ً بفجوات ـ لن يسمح أن يجد توازنه في التفرد، وفي ظهور علامات استثنائية. ليس لاستحالة وجود عزلة فحسب، بل لان جذور اللغة ارتبطت بالحركة، بما كونتها من فعل ورد فعل. فإذا كان الجسم يظل ساكنا ً ما لم يحرك، فان الاحتمال الآخر، أي احتمال الانجذاب سيشكل دافعا ً للحركة أيضا ً. فالأثر ـ هنا ـ دال لمدلولات اجتازت الحركة نحو تراكمها. فالفعل سينتقل من المصادفة إلى التكرار، ومن التكرار إلى تشكل الهيأة: الحزوز والأشكال المنتظمة ـ الهندسية ـ بما توفره الخامات في تعاملها مع رهافة حساسية الأصابع. بمعنى ثمة علامة كونتها عواملها المشتركة: الانتقال من اللا تخصص ـ في عمل الحواس والأصابع تحديدا ً ـ إلى صياغة أشكال محددة، ومختارة، قد لا نجد معنى ما لها، في البدء، إنما ستشكل جزءا ً من عالم (تتجمع فيه الأجزاء) ـ لبلورة وجود النوع الواحد، وعناصره المتقاربة، كالثنائية في ديمومة النوع ـ بما يمثله من إعلان للوجود البيئي ـ مع ـ الذات. فهو (تزاوج) تضمن قدرا ً من الرهافة ـ والقصدية ـ مما سيشكل مقدمة لنظام البناء ـ نحو حدوده الجمالية ـ والروحية.
وليس صعبا ً أن يجد الباحث في قراءة كل اثر ـ في المجموعة الواحدة ـ كي يجدها مختلفة بين المجموعات المتجاورة، أو المتباعدة، ومن ثم وجود قراءات تلخص اختلاف المكان/ البيئة/ والعصور.
فهل صنع الصانع حزوزه كي يدشن ـ ويحتفل ـ بالانتقال من العشوائية/ واللا تخصص، نحو مكونات المجموعة بما تمتلك من حواس، وقدرة على العمل، وزمن استراحات أتاحت فراغاتها لردمها بالأعمال الشبيهة بالفن، والشبيهة بالسحر، أم وجود هذه العلامات سرعان ما سيشكل جزءا ً من ذاتية ذلك الذي وجد حياته تعادل ما أنجزه، وليس كعمل باقي الأنواع، مكثت تعمل خارج علاماتها المدونة، عدا آثار اضافر، ومخالب، أو ما شابه ذلك لن تقارن بدور الأصابع البشرية ـ مع وجود مجسات أرقى من مثيلاتها لدى الثدييات ـ في الانتقال من الصوت إلى الصورة، ومن العشوائية إلى ضرب من البناء المنتظم، ومن الشرود إلى التمركز، ومن التشتت إلى التمركز، ومن المتاهات إلى الوضوح، ومن الفزع والخوف إلى الطمأنينة، للإفصاح ـ على نحو غير مباشر ـ عن ممارسة عملية لبواكير التنمية، في حدود حياة قطعت شوطا ً متقدما ً عما عليه الأنواع الأخرى، كالنمل، والنحل، والطيور. إنها وثبة اقتران الدماغ برهافة ما امتلكت أدواتها: التحسس/ التذوق/ الشم/ الإصغاء، إلى جانب رهافة الأصابع الاستثنائية، ببناء علامات، مهما بدت فائضة، فإنها ـ أكثر فأكثر ـ تضمنت لغز حضورها.
[5] التراكم ـ من الحواس إلى الختم


كلاهما، الحواس والدماغ، لا يمكن فصلهما في التقدم، بأمل أن لا افقد الأمل، نحو مساحات غير مكتشفة. ما الحواس ...؟ إنها [1] الأصابع التي راحت تعيد تمثل العالم، وتستغرق في تأمل اشتباكاته، وومضاته، وتعيد صياغته بما يطرد ـ أو يهذب ـ أي درب يؤدي إلى انغلاقه. [2] فيما حاسة البصر لم تتكون بمعزل عن ما لا يحصى من الومضات (الضوء بصفته لغزا ً بدءا ً من الشمس إلى النار) فكلاهما لا يسهمان بوضع دفاعات معقولة ضد الخارج، بل ينشغلان برؤية البعيد، وما وراء السطح، وهو اكتشاف أبعاد (الروائح) [3] من العفن إلى عطر الورود، بالتفريق بينهما، وانتقاء ما يتكيف مع الجسد. [4] بينما عمل التذوق لن يسمح بمعرفة كم هي مذاقات الموجودات لا تحصى فحسب، بل اكتشاف ما يوازي تعقيدات عمل الدماغ. [5] أما الأصوات فإنها لن تبرهن على عملها بمعزل عن أجهزة الاستقبال، فكلاهما غاية لوسيلة، ووسائل لغاية، كي تظهر نزعة دراسة درجات الأصوات، من الصمت إلى الدوى، لبلوغ فلسفة الإصغاء ـ والكلام (الحوار/ الجدل).
فهل كانت ثمة أبعاد، غير العمق، بعد العرض والطول، كالزمن، وأبعاد تخص تراكيب أكثر تعقيدا ً كالإشعاعات اللا مرئية، والمديات، وتحولات الطاقة، وما سيشكل وسطا ً بين الأجزاء، وصولا ً إلى العلة المكتفية بذاتها، إلى: اللا علة، قياسا ً بمحدودية عمل الدماغ ـ وعمل أدواته.
في مخيالي ألبدئي الشارد، وفي سنوات مبكرة جدا ً، عشتها في مناطق زاخرة بالصخور، وأخرى مع الماء، وثالثة بين الرمال، كان للخامات، مع حواسي المتوثبة، والمتوقدة، أثره في تبلور ولعي بتحليل الانجذاب إلى (الختم) ـ بمعناه الشامل ـ وصياغته بما يعيد السكينة لذات عاشت صدمة الولادة ـ الخروج من العماء إلى الأصوات والمرارات والضروريات ـ إلى: الكد، وصدمات متلاحقة لم تنفك تزداد قسوة، وتعقيدا ً، كي تتحول إلى عناد في الإمساك ـ والتمسك ـ بالأمل، كالإمساك بالمستحيلات، أو بما لا وجود له إلا في حدود زمن اندثاره، وغيابه. لماذا (أنا) أفكر كي أدرك في نهاية المطاف، أني عملت للخسران؟ ساجد الجواب الرادع: هذه هي سنة الأمور، كي تلجم في ّ الأسئلة، وكي أجد موقعي في الجماعة: في شريعة يتحكم فيها نظام لا ينتج إلا ما لا يترك شيئا ً للبقاء. ففي الغابة، لا تنتهك الطرائد وتهلك وتغدو فريسة فحسب، بل الصياد، هو الآخر، مهما صاغ هرمية سلطته، فلن يذهب ابعد من مدفنه. فلماذا علي ّ أن أغلق أدوات الحفر...؟
في هذه اللحظة تبدو الصخور، وخامات أخرى، كالطين، والخشب...الخ ليست فائضة في وجودها بجواري، ولكنها لن تقيم علاقة معي إن لم امتد إليها، واعقد معها علاقة لن ادعها تتكامل إلا مع ذاتي بالمودة، وليس بالعدوان!
فهل كان دافعي هو ذاته لدى الإنسان الذي وجد نفسه في العراء، في الغابات الكثيفة، تحت الأمطار، مشردا ً، محاصرا ً بالأعداء، كي يحز، ويحفر، أو يخط، أثرا ً ما لتعبير ـ وصولا ً إلى مهيمنات السحر ـ ام ان الفراغ لدي ّ، كالذي توفر عنده، سمح للحواس أن تؤدي دورا ً قادها إلى وجود أقدم: علامة مقاربة للعملة. فما بذل فيها من جهد، وما في الخامات من ندرة، باختلاف خصائصها، وما تعنيه، وما فيها من مهارة..الخ فقد تحولت إلى مأوى له، شبيه بالكنز، دماغا ً آخر كونته عناصره، التي لا يمكن عزلها عن أولى أحاسيسه بالسيطرة، بعد كفاح مرير قاوم فيه عوامل انقراضه.
أم كان الموت ـ لطفل أو لرجل في الستين ـ سببا ً لصياغة لغة ما للحد من الصدمات ـ من صدمة الولادة إلى الموت ـ خارج متطلبات الآخرين، أم كان محض أداء محاكاتي لإشباع غريزة التملك، والهيمنة، ولفت النظر، وتدوينها ـ توثيقها ـ وحفظها ـ كما يحتفظ الذكر بالأنثى أو العكس لإدامة كل ما لا يمكن إلا رؤيته يتسرب وينحل، ويغادر، أم أن أقدم الدوافع، كأكثرها حداثة، ستبقى تحت مناطقها المخبأة بعناية، ولا تعمل إلا عبر قوانين الظاهر: حدود الحواس، وانشغالات الدماغ، ضمن الجماعة ، والكل الذي لا أجزاء فائضة في وجوده؟


[6] المدفن ـ ونقيضه


الختم، أو بالمعنى ذاته: الفن، ليس مدفنا ً، مع انه يؤدي دورا ً شبيها ً به، وإنما هو ترك الملغزات تعمل كعمل: الضوء، أو كعمل القلب، وكعمل يتقاطع مع الاندثار. ففي هذا السياق تبزغ فكرة أن (الملكية) تصنع من يغذي تراكماتها! ألا تبدو الرأسمالية ، أي تراكمات الجهد وصولا ً إلى ما بعدها، ولدت قبل أن يولد الرأسمالي الأول: صاحب الغابة أو صاحبتها/ المهمين أو المهيمنة/ الماكر أو الماكرة/ الرائي أو الرائية/ الجبار أو الجبارة/ المنقذ أو المنقذة ...الخ بصفته صاغ ثنائية: الصياد ـ الطريدة، وشيّد نظام من في المقدمة؟ أم هناك ـ على الضد ـ يوتيبيا تنزع نحو العدل؟
ذلك الصانع، وهو يترك أصابعه، كما افعل ـ تعمل كعمل الإلكترون بنظام لم تضبط وثباته، لكنه ـ يعمل ـ بعد ظهور نظرية الذرة ـ إلى عالم تكونه لا مرئياته.. راح يتراكم، بالمعني وبالرموز، من الصوت إلى الكتابة، وبالإشارات، وتنوعها، خلجاته، فوق الصخرة، أو فوق العظم، أو فوق سطوح الفخاريات. كان يمارس الدفن ـ بلا وعي منه تماما ً ـ ولا يتقاطع مع رغباته وضرورياته. فالقلق، كالثقة بالنفس، كلاهما يجتمعان في (الختم). فهو قبر تحت السيطرة. قبر بالجوار، بل هو يقع في مركز الذات ـ وفي إطار المجموعات البكر. يحفر الأشكال المستمدة من الغيوم، ومن الشهب، ومن لمعان أنياب الكائنات المفترسة، ومن خفايا الجسد، ومن ومضات رذاذ الماء، والأطياف، ومن شرر حدقات مخلوقات الليل، وما يخفيه الظلام .. انه يدوّنها، يجمعها، ويدفنها. فهو لن يتركها خارج سيطرته. لأن القبر ـ هنا ـ يؤدي دور القاصة، وكالرحم، كلاهما مأوى للمغادرة. وربما خطر بباله ان لغز عمل الرحم، كأقدم ماكنة للإنتاج، شبيهة بعملية الدفن. فما لن يدفن لن ينبعث. وربما خطر بباله ـ بعد أن بلغ حجم دماغه حجم دماغ اينشتاين ـ أن الموت ليس نهاية. بل دربا ً آخر للحياة. وربما حدس أو تعلم بالتجربة في ذلك الزمن السحيق أن البذور، إن لم يدفنها في الأرض، ويخفيها، لن تتكاثر، ولن يتضاعف عددها، الأمر الذي مهد له مشروع حفظ الجسد (التحنيط)، كي تعود إليه الروح أو النفس، أو أن يجد فردوسا ً في الأعالي. وربما أجرى مقارنة بين عمل الرحم ـ وعمل الأرض ـ فأدرك أن لم يخف البذرة في مكان آمن، لن تحافظ الحياة على ديمومتها ...؟

فهل كنت ـ بسبب هذا اللا وعي ـ وليس بسبب الإرادة العمياء التي تحدث عنها شوبنهاور، أحاول تلمس طريقي وأنا لا استطيع مغادرة حياة داخل سرداب ـ كما قال منعم فرات ـ إنما بسرداب خال ٍ من السلالم؟ أم ـ مع استحالة دحض مثاله ـ كنت أجد في (الختم) حماية رمزية أتوارى داخلها لأداء دوري في كلية الدورة، أم، في سياق آخر، لتفكيك الموت، وإعادة دراسته كأجزاء خاصة به، وليس كضد أو نقيضا ً للحياة، أي الموت، لان الأخير حركة سالبة، أو كدفاع غير ايجابي، في مواجهة حياة لا تساوي ـ عند الحكيم ـ أكثر من تركها تذهب، مثلما جاءت، كعمل مرور هذا اللامرئي بين الليل والنهار، وبين النهار والليل، وكعمل الدورات الشبيهة بالولادة ـ الشباب ـ الهرم، والموت. أم الختم ذاته يمتلك غواية ما أخرى شبيهة بما يفوق رغبات الانجذاب الجنسي، والضرورات الأولية للبقاء، ليجعل ذاتي مكبلة بحريات قيودها، كالذي اعتقد انه كتم داخل الأسرار سره، أو كالكاتم في الكتمان كتمانه: أدرك ـ في لا وعيه السحيق ـ انه لم يتكون فائضا ً، وان وجوده ليس زائدا ً، أو كمصادفة ما، وإنما حتميا ، بلذّة توق تبقى كامنة في خفايا ألتوق، وملغزاته، وان الختم، ليس إلا علامة أبدية لفناء لا وجود له، إلا عبر تحولات الأشكال، ومرور الزمن.

مقابلات-لودميلا بيتروشيفسكايا - بدلاً من الحديث الصحفي-إعداد كريستينا روتكيرخ



مقابلات
لودميلا بيتروشيفسكايا - بدلاً من الحديث الصحفي

إعداد كريستينا روتكيرخ

ترجمة د. تحسين رزاق عزيز-
تعريف


ولدت لودميلا ستيفانوفنا بتروشيفسكايا في 26 مايس 1938 في موسكو، في عائلة استاذ في جامعة موسكو الحكومية. تخرجت في عام 1961 من كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية. عملت منذ عام 1972 محرراً في الستوديو المركزي للتلفيزون. بدأت في منتصف الستينيات كتابة القصص القصيرة. نشرت أول قصتين في مجلة ((أفرورا)) عام 1972 و صارت منذ منتصف السبعينيات تقدم عروضاً مسرحية. و قد اخرج رومان فيكنوك في عام 1977 مسرحية بتروشيفسكايا ((دروس الموسيقى)). نشرت مجلة ((المسرح)) في عام 1979 ((الحب)) و هي مسرحية من فصل واحد كتبتها بتروشيفسكايا في عام 1974 و عرضها مسرح تاغانكا في موسمهِ المسرحي لعام 1981 – 1982.

تم في عام 1983 عرض مسرحيتها ((قدح ماء)) و ((دروس الموسيقى)) في مسارح موسكو، و مسرحية ((ثلاثة فتيات يرتدين الأزرق)) في مسرح ((لينكوم)) نالت بتروشيفسكايا شهرة كبيرة بعد عرض مسرحيتها على خشبة مسرح ((المعاصر)) في عام 1985. و لم تتمكن لودميلا بتروشيفسكايا من نشر أول مجموعة نثرية لها بعنوان ((الحب الخالد)) إلاّ في عام 1987. و حازت بتروشيفسكايا فيعام 1991 على جائزة بوشكين الألمانية. حصلت الكاتبة على جائزة البوكر الأولى (القائمة النهائية). ألفت الكاتبة مجموعة كبيرة من القصص القصيرة و الروايات و المسرحيات إضافة الى عدد من سيناريوهات افلام الكارتون. قامت دار نشر ((أ س ت)) المسكوفية و ((فيليو)) في خاركوف في عام 1996 بنشر ((مجموعة نتاجات)) بتروشيفسكايا بخمسة مجلدات.
صدرت في عام 2004 للكاتبة رواية ((الرقم واحد، أو في حدائق الأمكانيات الأخرى)).


*


كيف تصبح كاتباً: مهمة الكتابة في الواقع هي الوحيدة من بين كل المهن الأبداعية التي تتطلّب أبسط انواع الأعداد. القضية و ما فيها انك يجب أن تتعلّم القراءة و الكتابة. و لو أن تجتاز دورة الصفّين الأولِيْن في المدرسة الأبتدائية (بينما يتطلّب اعداد الموسيقيين و الرسامين و الممثلين دراسة تخصصيّة).
كان، في الفترة السوفيتية، من يريد ان يصبح كاتباً (أو بالأحرى عضواً في اتحاد الكتاب السوفيت) – بأستطاعته أن يكون كاتباً. كان عليه فقط أن يعرض أفكاره بصورة مترابطة و يكتبها وفق قواعد فكرية محددة.
عادة ما يسبق ذلك حب للقراءة و ميل للكتابة و هوس بها. و غالباً ما يجب على الكاتب الموعود، عندما يذعن لهذه الرغبة أن يجتاز المرحلة الأولية. أي أن يبدأ بتأليف القصائد الشعرية الغبيّة و بعد أن يلاحظ عدم رغبة جميع المحيطين به سماعها – أنذاك يتحوّل الشاعر الفاشل الى النثر. (يمكن اعتبار الفرد شاعراً عندما ما يمدحه الناس الغرباء و عندما يكونون مستعدين لسماع أشعاره، لا أن يقوم بذلك أمه و أبوه).
لكن الحال هنا أبسط. فكل من تُطبع كتاباته يمكن أن يكون كاتباً. طبعاً اذا ما وجد من هو على استعداد للمجازفة و تقديم نثره.
و الحق إننا جميعنا نعرف كم يطول انتظار مثل هذه الفرصة. كافكا، على سبيل المثال، لم يطل به العمر حتى يرى ذلك.
بيد أن الكتاب الموعودون في الزمن السوفيتي كان طريقهم بسيط بما فيه الكفاية فما عليهم إلاّ كتابة رواية عن المصنع او البناء أو عن الحياة العملية للشباب. و يجب أن يبرز في الرواية درو سكرتير المنظمة الحزبية بطيبتهِ و حكمته. و قال بهذا الصدد الشاعر السوفيتي تفاردوفسكي، المضمون يجب ان يكون بسيطاً: ((النائب متخلف، و الرئيس مربي، و الجد يدخل في تنظيم الحزب الشيوعي)) (الكلام هنا يدور عن جمعيّة تعاونية فلاحية - كلخوز-، و رئيس الجمعية و نائبه). كان يمكن جلب هكذا نتاجات الى رئاسة التحرير و بألحاح مُعَيَّن يتم نشرها. بعد نشر روايتين من هذا النوع يصبح الفرد عضواً في اتحاد الكتاب و يكون بأمكانه السفر في مأمورية على حساب الدولة بما فيها الى خارج البلاد، و بأمكانه كذلك ان يسكن في دور المبدعين على البحر و يأمل الحصول على شقة مجانية و سيارة و اثاث و ثلاجة (مقابل ثمن و لكن بدون الانتظار بالدور) و منزل صيفي فضلاً عن الثلاجة، كانوا يقدمون طلباً و بعد ذلك يدخلون في القوائم ثم ينتظرون بالدور لعدة سنوات في اماكن عملهم. و إذ ما غير الفرد مكان عمله كان يتم شطبه من القائمة و يتوجب عليه الدخول بالدور من جديد.
هذه هي فائدة عضوية اتحاد الكتاب السوفيت الذي كانت توزع فيه الخيرات بكرم كبير. كان الكثير من الناس يسعون للانضمام اليه.
أما المؤلف الذي يكتب عن صعوبات الحياة و الحب في الظروف السوفيتية فليس بأستطاعته ان يصبح عضواً في اتحاد الكتاب. أي ان الموضوع و الموقف الصحيح فكرياً كانا السبب الرئيس للاعلان عن كاتب جديد.
حدث امام نظري ان قاص شاب هو (ن.ن.) ألف قصة عن كاهن و جلبها الى مجلة ((العالم الجديد)). و قد استحسن الجميع في القسم هذه القصة لأن الموضوع جديد تماماً في ستينيات القرن العشرين. لكن لم يستطيعوا نشرها لأسباب مفهومة لأن المؤلف الشاب كان يتعاطف مع خدم الكنيسة ( وكأن أحد أقاربه كاهناً). و بعد معاناة و طراد لم يتمكن من إقناع من ينشر قصته. آنذاك فهم الكاتب الشاب القضية و أتي الى مجلة ((العالم الجديد)) بقصة أخرى عن مشاكل الكنيسة و لكن هذه المرّة بانتقاد لها. و كأنه يفضح في نتاجه الأدبي القُسس البخلاء مرتكبي المعاصي سارداً حقائق فضيعة. لكن قسم النشر في ((العالم الجديد)) لم يحبّذ مثل هذا التحوّل السريع للكاتب الجديد و أعادوا له مخطوطته بأستياء و كادوا يلومونه على النفاق و الغش.
الحقيقة أن في ذلك الزمان كان نشر قصّة عن حياة الكنيسة غير ممكن بل مستحيل. بينما هذا الكاتب الشاب لم يفهم الموقف جيداً و كتب عمّا يعرفه هو جيداً.
و كان بمقدوره أن يكتب بنجاح رواية عن حياة بائعات الهوى في الموانئ و لتمت قراءة عملة في رئاسة التحرير لكن لن يجرؤ أحد على نشر ذلك سواءً تعطاف مع بطلاته أو على العكس لو شجب دعارتهن و فسقهنَّ. لأن مواضيع مثل الكنيسة و الحياة الجنسية للشعب السوفيتي كانت مواضيع ممنوعة من النشر حالها حال الاضطهاد و معسكرات الاعتقال و تدمير البيئة و تدهور صحة المواطنين و مشاكل السن و الأيتام و الأمهات الوحيدات و المطلقات و الأطفال و النساء المهجورات و قلة المواد الغذائية و شحة البضائع الاعتيادية مثل الأحذية و الملابس ناهيك عن الباسطرما و الجبن التي كان الناس يصطفون بالدور لساعات طوال للحصول عليها إضافة للتفاصيل المريعة لحياة الأقليات القومية. الحقيقة كلها كانت ممنوعة.
كانت الواقعية الاشتراكية و هي المذهب الرئيسي في الأدب السوفيتي، تفترض رومانسية مزعومة تصوّر الإنسان السوفيتي و ظروف حياته بشكل مثالي تقريباً. و إن أهم ما مطلوب من الكاتب المبدع التعلّق السامي بالحزب و القيادة. و قد حدد الأديب البارع زينوفي بابيرني منهج الواقعية الاشتراكية بأنه ((مدح القيادة بصيغة مفهومة لها)).
لكن لسوء حظنا إن هذا الكاتب الناشئ ن.ن. كان مصّراً إن يصبح عضواً في اتحاد الكتاب. و بعد إن طرق جميع الأبواب و استفسر عن الموقف خطا الخطوة التالية فقد كتب رواية عن الأشخاص التقدميين في المصنع و بطريقة ذكية عمل على إن تقع هذه المخطوطة على مكتب السكرتير الأول لإتحاد الكتاب غ. ماركوف.
و تحقق كل شيء على يد ماركوف و هو شخصية هزيلة ترك الكتابة منذ فترة طويلة و كان يكتب روايات عن حياة الملائكة غير المجنحين، أي عن القادة الحزبيين. قام ماركوف بقراءة هذا النتاج الأدبي الجديد و فرح بتدفق القوى الجديدة الشابة و دخولها في مجال الأدب و سرعان ما سلم الرواية إلى النشر ثم قبل بطلنا في عضوية اتحاد الكتّاب، ثم أرسله بمأمورية إلى سيبريا و من ثم أوفده إلى الخارج، في البداية إلى أفغانستان حيث كنّا في تلك الفترة، بمساعدة الطائرات و الدبابات و المشاة، مُضَحَّينَ بحياة الشباب الروس، نقوم بمساعدة الشعب الأفغاني لتحقيق مستقبله السعيد بوصول حزب طالبان إلى السلطة.

و هكذا قام بطلنا بكتابة رواية عن أفغانستان. و تشجيعاً له أرسلوه إلى أفريقيا إلى أحدى البلدان التي كانت تقاتل من اجل الشيوعية. حيث أصدر كذلك رواية مشابهة بطلب من الحزب و المخابرات. ظهر انه كاتب متمكن جداً. و صار طريقهُ الإبداعي منيراً و واضح المعالم. و من ثم ترأس أحدى دور النشر المعادية للساميّة. إنما ذكرت هذه الحكاية لأبرهن على انه في الفترة السوفيتية كان بأمكان كل فرد أن يصبح كاتباً إذا كانت لديه رغبة كبيرة علاوة على إتمامه الدراسة في الصف الثاني الابتدائي.
أحببت في طفولتي الأدب الروسي جداً لأن المكتبة لم تحوي غير هذا الأدب. و كنت أتمتع بقراءة هذه الروايات الضخمة (لم اعرف آنذاك إن مؤلفيها يزيدون عدد الصفحات لكي يدفعوا لهم أكثر). لقد إلتهمت انواع الكتب حول الزراعة و مصانع التعدين و شعوب الشمال و الرويات التاريخية التي تتحدث عن الملوك الجوجيين و المجلدات التي تصف الحرب اليابانية و خاصة الكتب التي تتناول ملاحم نضال الشيوعيين في الخارج من اجل حقوق شعوبهم ببناء الاشتراكية في باريس و برلين. إما حصولي على كتاب عن الجواسيس فكان يمثل نجاحاً لا يوصف! و كم من مرة نهرتني والدتي محاولة سحب هذه الكتب الشبيهة بكتل الطابوق الثقيلة، التي أخفيتها تحت الوسادة في الليل، لأنها ترى إن الطفل يجب إن ينام مبكراً! و لم يدر بخلدها إن ذلك كان تعليماً ذاتياً لكاتب موعود، لا يتم دون البدء بقراءة الأدب الرخيص. لقد كنت خبيرة في المهن الفنية أمثال عمّال سباكة الصُلب و عرفت المصطلحات الفنية مثل ((فرن الصهر)) و ((قوالب الصب)) و أطلعت على أحوال المزارع التعاونية و عرفت مواسم بذار و حصاد الغلات و إن الحلابات يرتدين صداري بيض. و فهمت التفاصيل الداخلية للحزب، و استطعت تميز السكرتير الأول للجنة المحلية عن السكرتير الأول للجنة المنطقة للحزب.

كنت في طفولتي طلائعية متعلمة. و تعلقت بالكتب بصورة كبيرة بحيث قرأت كل كتاب وقع في يدي. و لم يبعده عني لا مضمون باهت و لا لغة غبية و لا شخصيات كارتونية. و بعد انتهاء الدوام في المدرسة لم أذهب إلى البيت أو اتغدى أو العب مع الأطفال في الفناء بل اذهب إلى مكتبة الأطفال. و لو كانت المكتبة مغلقة كنت أجر قدميَّ إلى ما يسمى ((مكتب التوعية الحزبية)) التابع للجنة المنطقة للحزب في شارع تشيخوف إلى غرفة متربة فيها دورق زجاجي فيه ماء مسموح للجميع الدخول فيها (و لم يدخلها أحد غيري سوى بعض الأولاد اللذين كانوا يلعبون الشطرنج فيها أيام الصقيع القارص). و كان يوجد في هذه الغرفة دولاب يحتوي على كتب و مجلات. و قد قرأتها جميعاً منذ زمان لكني رغم ذلك كنت اختار منها مجلد ما و انكب على قراءته من جديد. و لم يهمني سوى القراءة فقط. إما مجلات ((التمساح)) و ((الشعلة)) فقد كدت أحفظها على الغيب (ولم يدر بخلدي أني شخصياً يوماً ما سأنشر فيها كتاباتي).
بعد إن أنهيت الدراسة الثانوية استمريت الصيف كله بالذهاب إلى مكتبة الأطفال، و أعددت نفسي لامتحان التقديم إلى الجامعة. و مع إن أمينات المكتبة القاسيات عاملنني بتجهم (لم يعطينني كتباً عن الجواسيس للقراءة بل طالبنني إن استعير كتب المناهج المدرسية) – لكن قلب احدهن رقّ لي عندما جئت لتوديعهن بعد دخولي الجامعة. فاخرجت بطاقة استعارة الكتب خاصتي المنتهية صلاحيتها و شطبت السطر الأول الذي يحمل اسمي و أدارتها بيدها دون ان تنظر إلي و قالت: ((هل تعرفين انك قرأت عندنا كتباً أكثر من الجميع منذ إنشاء المكتبة. إذ إننا دائماً ما نجري إحصاءا. زورينا))...
فقد قرأت الأدب السوفيتي كله – قرات لجميع الكلاسيكيين (غوركي بنتاجاته الفضيعة عن نهضة الوعي عند البروليتاريا النسوية، اعني روايته ((ألام))، و رواية ((السعادة)) لبافلينكو التي لا تقل عنها فضاعة، عندما يضطجع البطل و البطلة في المقطع الأخير و تقول له هي: (و سنسمي ابننا ((يوسف))، و في كل مرة تجتاحني الرغبة لإكمال العبارة ((يوسف فيساريونوفج))) ( اسم ستالين يوسف فيساريونوفيج – المترجم) . و قرأت رواية ضخمة بعنوان ((ال جوربين)) لا أتذكر كاتبها، و رواية ((اليتيت يذهب إلى الجبال)) أيضا لا أتذكر كاتبها ألان، و ((موسم الحصاد) لغالينا نيكولايفا عن المزارع التعاونية و كتابها عن عمال صهر الحديد، أما فادييف بصراحة، فلم يعجبني لان كلا روايتيه نهايتهما غير جيدة. و أنا أفضل النهايات السعيدة. لهذا أحببت كتاب فيدين ذا المجلدين الذي لا أتذكر عنوانه الآن. إما ليونيد ليونوف فقد قرأت نتاجاته و أتذكر عبارته ((لقد لحس الملعقة و صارت شفته اكبر من حجمها بخمس مرات)). تراءت هذه العبارة لي كلاماً حاذقاً. و فكرت كثيراً بمغزاها و فهمت منها جوهر اللعب بالكلمات. و تصورت إن إمامي ربما تكون رائعة من روائع الأدب لم أشاهد لها شبيهاً حتى ذلك الوقت بعد ذلك قررّت إن ماياكوفسكي عبقري. حدث لي ذلك و أنا بنت أربع عشرة سنة، عندما يبدأ الشباب بالاهتمام بالشعر. فقد توصلت إلى إن مثل هذه القوافي لا يمكن إن يقولها أي احد! و على العموم حتى لو بذلت اكبر جهد لا يمكن إن أتوصل إلى مثل ذلك – لهذا فهو ليس مثلي أو مثلنا جميعنا لأنه عبقري.
و هكذا فقد نشأت بين نصوص الكبار التي افهمها بصورة مطلقة و لا تثير لدي أي توتر ذهني مهما قلّ. و التهمت هذه النصوص كما يلتهم السمك الماء و كما يلتهم المشاهد الصبور مجموعة المسلسلات في كل مساء.
حيث إن نتاجات بلاتونوف و بابل و بولغاكوف كانت ممنوعة و أخفيت روائع الأدب في مدافن الحزب العميقة أو دفنت تحت المتاريس القذرة و المعتمة لسونامي الحزب مثل ما دفنت أرواح ملايين البشر حَمَلَة الفكر الأخر و الثقافة و الأخلاق الأخرى.
إما الكتاب العمالقة الأجانب المسموح بعرض نتاجاتهم في فترة شبابي – فهم ليسوا كافكا ولا بروست، بل توماس مان و همنغواي، و فيتسجيرالد.
و تعرضت إلى هزة من الصميم عندما تعرفتُ على أليوشا و شكلو فسكي و تينيانوف و قد أسرتني نضريتهم في الغرابة. نعم! أنها تجبر القارئ على الدهشة من أول عبارة و تقلب أفكاره رأسا على عقب و يأخذ بالانشغال بالمجاز و بالمقارنة. و قد كتبت أول قصة قصيرة بصورة مبتكرة لدرجة كبيرة بحيث حشوت في كل عبارة عدة صيغ. فقد صوّرت الرموش المزينة و كأنها براثن الصراصير و شبهت القطار الكهربائي و هو ينطلق إلى الإمام كالخوذة، إما اللفافة حول الايس كريم فجعلتها تنتفخ و كأنها بدله رقص البالية... الخ.
غير إن ذلك كله اعتبرته مرحلة تمهيدية، و كأني ابحث عن طريقي الخاص و أسلوبي. هكذا جرت الأمور. عملت لسنين طوال على النصوص و كنت أطبع و أطبع على الآلة الكاتبة ملازمة بيتي حتى أني لم أغادر البيت في المساء، و في الوقت نفسه كنت اعمل في أحدى المجلات و كانت فيها نشرة جدارية هزلية بمناسبة رأس السنة يكتبون فيها أشياء عن الجميع و ماذا حققوا و قد كتبوا فيها عني أني لم احقق شيئاً سوى أني كسرت حرف ((ب)) في الآلة الكاتبة التابعة لهيأة التحرير!
لكن في أحدى المرات سمعت من زينا و هي مهندسة الصوت عندنا قصة عن جارتها، التي كانت مومساً، قد تعرضت في طفولتها للاغتصاب على يد والدها و غادرت منزلها ثم وقعت في الأيدي القذرة. و هزت مشاعري هذه القصة. كتبت قصة قصيرة بعنوان ((هذه الطفلة)). كتبتها بصورة مبسطة جداً بلا إسهاب و بلا شخصيات. لم تكن بالضبط قصة تلك الطفلة الضحية، بل كانت مونولوجاً لأمراة يخونها زوجها. و لا اعلم لماذا ظهرت القصة بهذا الشكل.
كأن القصة كتبت نفسها. و هذا الأسلوب لا يحتاج أي تصحيحات. حدّد ذلك عملي المستقبلي و صرت اكتب دائماً، من ذلك الوقت، بمنتهى البساطة دون بذل أي جهود لجعل ما هو جميل و بهي يبدو بصورة مغايرة. و لم تظهر عندي أي إشكالات أو صعوبات و توقفات – و أخذت اكتب القصص واحدة بعد أخرى ببساطة و كأن أحدا يمليها عليَّ.
أعود إلى نطاق قراءتي في الطفولة – مفهوم إن ذوقي مع الزمن قد تغير كثيراً، و صرت اهتم بما لم يكن موجوداً ضمن نطاق قراءتي و بالذات صرت اهتم باللغة الدراجة بلغة الناس المحكية.
ربما كان الفرق كبيراً بين ما قراته في الطفولة و بين الحياة الواقعية. إن تربية الإنسان المثالي هذه بمساعدة كتب المنهاج المدرسي للحياة المثالية، ربما أعطت في نهاية المطاف نتيجة مذهلة بقوتها. فقد أرادت أمينات المكتبة تعلمي عن طريق الكتب كيفية العيش على شاكلة أبطال الروايات (الأدب) اللذين كانوا يعضون – ممنوع الكذب و النفاق و يجب الدفاع عن وجهة نظرك مهما كان الثمن. و لو كنت جاسوساً في معسر الأعداء فأثبت حتى النهاية.
و قد رَبَّوني شخصاً متحمساً و مبدئياً و جعلوني عدواً لا يلين و لا يستكين لهذا الأدب و هذا النظام الاجتماعي. و لكوني جاسوساً مُحَنّكَاً، فقد أخفيت حقيقتي لسنوات طوال لم أتحدث في أي مكان و لم اعمل أي مؤتمرات صحفية و عندما أرادوا إن يسجنوني في أحدى المرات لم يستطيعوا إن يثبتوا أني مُنشقّة و لم ارغب بالهجرة بأب ثمن.
و لحد الآن لم اكشف سرّي هذا. و هكذا يمكن اعتبار حديثي هذا أول اعتراف لي.

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

تعساء حتى في أوطاننا -كاظم فنجان الحمامي



تعساء حتى في أوطاننا


جريدة المستقبل العراقية في 11/7/2011

كاظم فنجان الحمامي

أتعس ما نمر به اليوم هو هذا الشعور بالغربة ونحن في بيوتنا وأوطاننا, وهذا الشعور بالخذلان بين أهلنا وذوينا, أما كيف تكون الغربة في الوطن ؟, وكيف يعيش الإنسان غريبا في بلده ؟, فتلك مسألة لا يفهمها, ولا يحس بها إلا الذين يعيشون في البلدان التي اهتزت فيها معايير المبادئ والقيم الوطنية, وانقلبت فيها معاني الإيثار والإخلاص رأسا على عقب.

في العراق نعيش تعساء في نومنا, تعساء في يقظتنا, وكأننا خلقنا تعساء, وكتب علينا أن نعيش غرباء, ونموت غرباء. رافقتنا التعاسة والغربة منذ زمن بعيد, والتصقت بنا حتى صارت اكبر كوابيسنا الثقيلة المزعجة.
تتقاذفنا اليوم تقلبات السنوات الخداعات, التي يؤتمن فيها الخائن, ويخوّن فيها الأمين, ويُصدّق فيها الكاذب, ويُكذّب فيها الصادق, وظهرت علينا تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية, طعنوا العراق في ظهره, وباعوا تربته بثمن بخس في أسواق النذالة السياسية, وانحرفوا عن المسارات الوطنية الثابتة, فكانوا أول من وقف مع الكويت في زحفها الحدودي التوسعي, وأول من تطوع للدفاع عن مشاريعها المينائية الاستفزازية في جزيرة (بوبيان), ومشاريعها النووية المستقبلية في جزيرة (وربة), فالتحقوا بصفوف الذين سبقوهم في تقديم فروض الخنوع والخضوع والتواطؤ, وسبقوهم في السقوط في بورصة الولاءات الرخيصة المعلنة لصالح أعداء العراق والطامعين بثرواته, وظهر علينا في الوقت نفسه طابور آخر من المتخاذلين الذين فقدوا مروءتهم, وفضلوا الصمت والسكوت, واختاروا الهروب من المواجهات والتحديات الخطيرة المحيطة بالعراق, ولم يكترثوا بتجاوزات دول الجوار على مسطحاتنا المائية وممراتنا الملاحية, ولم يقفوا معنا في المطالبة باسترداد حقوقنا السيادية الضائعة في شط العرب وخور عبد الله, أحياناً نرى بعض الأكاديميين وهم يتحدثون بحزن في الفضائيات, ويذرفون الدموع على الدمار, الذي خلفته موجات المد البحري التي اجتاحت اليابان, وضربت جنوب شرقي آسيا, وكانت بعض المراكز العلمية العراقية تتابع بشغف تغيرات قيعان البحار المصاحبة لزحزحة القارات, وتسجل تصدعات الصفيح القاري في المحيطين الهادي والهندي, لكن العاملين فيها لم يعيروا اهتماماً لزحزحة الحدود البحرية الزاحفة نحو سواحلنا في الفاو, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن قنواتنا البحرية, وبحرنا الإقليمي المنكمش تحت ضغط الانتهاكات الحدودية المتكررة.

يتحذلق بعضهم كثيراً في دراساته المعمقة عن جغرافية جبال الأنديز, وتضاريس البحيرات المرة في كندا, وهجرات السلالات البشرية من هضبة التبت, وارتفاع مستويات الرطوبة النسبية في غابات الأمازون, لكنهم يبخلون علينا بكتابة بضعة أسطر عن جغرافية شط العرب, ولا يتطرقون لظاهرة الاختزال الساحلي عند مقتربات رأس البيشة, ويتجاهلون المواضيع المرتبطة بمياهنا الدولية المتقلصة, وممراتنا الملاحية المنكمشة, والأغرب من ذلك كله أنهم يعرفون أدق تفاصيل البحار والمحيطات والمضايق والممرات الملاحية الدولية, لكنهم لا يعلمون أين تقع قناة (الروكا), ولا يعرفون أسماء الجزر العراقية الكثيرة المتناثرة عند منعطفات شط العرب, ولا شأن لهم بما آلت إليه ظروف المسالك الملاحية الضيقة المؤدية إلى موانئنا النفطية في عرض البحر, ولا يريدون التحدث عن أزمات العراق الحدودية والبحرية والسياسية مع الكويت, حتى لا تغضب عليهم وتحرمهم من تأشيرة التسكع في أسواقها, وتحرمهم من تأشيرة السفر لدول مجلس التعاون كلها.
اما نحن الفقراء الذين نذرنا أعمارنا لخدمة قضايانا الوطنية العادلة, فكانت حصتنا التهميش والتسطيح والتسفيه والتكميم والتعتيم والتخويف والترويع بالأدوات التي يمتلكها أصحاب الوجوه الزئبقية في هذا السيرك التنكري الكبير, الذي فقدت فيه القيم, وضاعت فيه المبادئ, وانتهكت فيه القواعد, فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن تكاثرت في جسده الخلايا السرطانية الخبيثة, وشوهت صورته بؤر الفساد , فتعمق شعورنا بالغربة, حتى صارت غربتنا حقيقية, وتعددت مواقف الخذلان لتعتري أنماطا جديدة من حياتنا اليومية البائسة, لكننا وعلى الرغم من ضعفنا لن نخذل العراق أبدا, وسيبقى العراق أقوم البلدان قبلة, وأطهرها دجلة, وأقدمها تفصيلا وجملة. .

أما والذي أعطاك أسمى هِباتِهِ
وأرسى علَيكَ الفُلْكَ والماءُ يَزخَرُ
لو الأرضُ كلُّ الأرضِ شاهَتْ وجوهُها
فبالماءِ في نهرَيْكَ يَوماً تُطهَّرُ

الأحد، 10 يوليو 2011

سفر بطول قصيدتي-سوسن ماس-اللوحة غالب المسعودي


سفر بطول قصيدتي
في واحة الامس
حيث كان الزهر اعزل
مدينة بلا ضفاف
كارخبيل الاماني الضائعة
بعض اوراق صغيرة
كان قلبي حين اذرته الرياح
على اسوار حزن غابر
اشرعت الامي على ذاك الرصيف
فبكى الزهر على تلك الجداول
وهبت الانسام في ركض
خفيف
تقتفي وجه السنابل
الليل انكر عشقنا
فالام تبحث ايها المنسي
في لون دمك
انت الذي كالبحر مسبي
..ومسلوب …هواك
من عالم الازهار طبع العاشقين
والهب الكون سواك
لتمضي الليل متكئا حزين
ترثي الدروب معاتبا
ام ترثي خطاك
ايتها النجوم
في صدر السماء
تعالي نتبادل الاسرار
ان لي ان استريح
بلورة صافية قلبي
غضب العواصف والبحار
من يصلح ذلك المخلوع
رأسي؟
وينفخ فيه الحياة؟
من يشتري ..من يقتني
هذا الشتات؟
من يكتب الشعر
في عصر انتحار الاغنيات؟
مالذي تحتاجه الريح لتفلت من عقالها
من يطلق الفرس الحرون؟
لنبتدي صهيل الامنيات
من يوقد الحب
على شرف العيون
من يقنع الازهار
بالذين لاياتونا

لم يبق إلا أسلمة اليابان..!رشيد الخيون


لم يبق إلا أسلمة اليابان..!
رشيد الخيون


‎التقيت الحاج صالح مهدي السَّامرائي، وهو مِن المقيمين باليابان منذ عقود، وينشط في مجال التبشير بالإسلام هناك. لاحظت معه رجلاً على هيئة متصوف، تركي الأصل، اسمه نعمة الله خليل إبراهيم يرت، ويُلقب نفسه، حسب كارت التعارف الذي يوزعه على من يمر به، بإمام المركز الإسلامي باليابان. تظهر صورته على الكارت حاضناً وردةً حمراء، وهي وردة الجوري لدينا، ووشح كارته بالشَّهادة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، مترجمة إلى اليابانية والإنكليزية.
‎الحاج صالح مثقف ويعرف أكثر مِن لغة، وناشط سابق في تنظيم الإخوان المسلمين العِراقيين، وعلى وجه الخصوص أوان أزمتهم مع حكم الزَّعيم عبد الكريم قاسم (قُتل 1963)، ولا شأن له، على ما يبدو، حالياً بالإسلام الحزبي أو الحركي، ناشط في مجال الدَّعوة إلى الإسلام، وبالتالي يرنو إلى أسلمة اليابان كافة. صنف السَّامرائي كتاباً أنصف فيه اليابان، ويبدي الإعجاب بأهلها، وما بلغته مِن تطور تعدى الدُّول والشُّعوب التي سبقتها إلى مجد الصِّناعة والمدنية، لكنه كإسلامي يرى أن ذلك يكتمل بأسلمة اليابان.
واليابان، كنظام سياسي، يُقرُّ دستورها الآتي: «لا ينبغي أن تحصل أي هيئة دينية على أي امتيازات مِن الدَّولة أو تمارس أي سلطة. ولن يرغم أي شخص على المشاركة في أي عمل ديني أو احتفال أو طقوس أو ممارسات عقائدية. ويحظر على الدَّولة وأجهزتها ممارسة التَّربية العقائدية، أو أي نشاط ديني» (المادة 20). وحسب السَّامرائي: «الحكومة لا تُقدم المساعدة لأي شيء يتعلق بالأديان، ولا تُدرس مادة الدِّين في المدارس والجامعات. لكن حُرية الأديان مكفولة للجميع» (السامرائي وخان، الإسلام في اليابان)، تطبيقاً لمبدأ «الدِّين لله والوطن للجميع».
‎وجد الحاج السَّامرائي في الشَّعب الياباني، وفق نظام بقاء الدِّين خارج نطاق أو اهتمام الدَّولة، وعدم تدريسه في المدارس الآتي: نسبة عالية مِن الرَّفاهية، والمرأة متساوية مع الرجل تماماً، لديهم أربعة عشر عيداً: عيد توقير كبار السِّن، وعيد الثَّقافة، وعيد الشُّكر للعمال، وعيد الدُّستور... (المصدر نفسه).
‎ويتقن الياباني المهنة أو الحرفة بحذاقة، ولديه شعور بالرَّقابة الذَّاتية، أي لا طريق للفساد بأموال الدَّولة ولا تهاون في ساعات العمل، ويحب العمل الجماعي، ولا يتظاهر ولا يتسلق. ولديهم مجلس شيوخ ومجلس شورى (حسب عبارة السَّامرائي)، أي مجلس عموم. وعلى الرَّغم مِن عظمة بلادهم إلا أن وزاراتهم عشرون لا 42 وزارة، ولا نواب ثلاثة لرئيس الجمهورية. وإمبراطوريتهم دستورية، أي مشروطة بدستور بلا ضجة مثلما حدث لدينا في العام 1906، ولا نظنهم طالعوا كتاب «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» للشيخ النائيني (ت 1936)، أو طبائع الاستبدادي والشكوى من الاستبداد الديني الأخطر مِن السياسي حسب «طبائع الاستبداد» للكواكبي (ت 1902).
‎بعد هذا سألت الحاج السَّامرائي وصاحبه المبشر التُّركي: هل تسمحان لبوذي ياباني التَّبشير بديانته بسامراء أو بأنقرة مثلاً؟! ولا يُطبق عليه، وعلى مَن بَشره وبوذه (مِن البوذية) حكم الرَّدة! وهنا نلفت النَّظر: ما الذي مكنَّ السَّامرائي وزميله مِن التَّبشير بحرية سوى النِّظام العَلماني أو المدني؟!
‎هذا أولاً، وثانياً هل حُلت مشاكلنا بأسلمة مجتمعاتنا، وخلط الدِّين بالدولة، وانتهازية الدَّولة والسِّياسة لكسب الناخبين أو ود الجماهير باسم الدِّين! أقول: لو تُركت اليابان، على ما هي عليه، فنحن أحوج إلى علومها وصناعاتها، بدلاً مِن نقل مصائبنا إليها، فإذا أسلمت فستُشغل بالخلاف حول الأُصول، فمثلما وصلها الحاج السُّني أسرع إليها الشيخ الشِّيعي. دعوا اليابان تعيل نفسها وتُعيلنا بصناعاتها وعقولها.

العراق بين فكي ايران وتركيا!-عماد رسن




‫العراق بين فكي ايران وتركيا!

يقول الدكتور علي الوردي إن العراق كان مركزا ً للنفوذ والإستقطاب بين الدولتين الصفوية والعثمانية لمدة ثلاثة قرون, حتى أن المثل العراقي كان يقول (بين العجم والروم بلوة ابتلينا), أي أبتلينا بالفرس والأتراك الذين كانوا يسمون بالروم من قبل العرب لأنهم جاءوا من جهة الروم. لقد عبر هذا الصراع السياسي عن نفسه من خلال النزاع الطائفي بين السنة والشيعة, فقد كان الشيعة يعتبرون ايران حامية المسلمين الشيعة والسنة يعتبرون تركيا حامية السنة في العراق, فلا وجود لأفكار كالأمة والوطن والإستقلال وماشاكل ذلك. فالصراع في جوهره سياسي للسيطرة على منطقة مهمة ضمن سياقات التحالافات الدولية آن ذاك.
حتى بعد ظهور العراق كدولة لها كيان في بدايات القرن العشرين لم يخفت النفس الطائفي الا قليلا ً بعد أن بنيت الدولة على أكتاف من درسوا مختلف العلوم في اسطنبول مقابل عزوف الطرف الآخر من الدخول في بناء الدولة, ومنها عدم الدخول في المدارس أو في الحكومة إلا بمشاركة وزير واحد فقط. ولكن, لابد من التذكير بأن النفس الطائفي خفت كثيرا ً بعد ظهور الحركات القومية في الشرق الأوسط فتحول الصراع إلى صراع بين الفرس والعرب وفيما بين العرب أنفسهم. فقد كان نظام الشاه يسمى شرطي الخليج بمباركة أمريكا, فما كان من العراق إلا أن أخذ دور حامي الأمة العربية الحلم. وليكون كذلك لابد للعراق أن يكون قويا ً بما يكفي ليكون حامي تلك الأمة, بالخصوص بعد إنسحاب مصر من دور الريادة بعد إتفاقية كامب ديفد مع الإسرائليين. وعلى هذا الأساس بدأ العراق يبني جيشا ً ويسلحه تسليحا ً حديثا ً مستعينا ً باموال النفط الذي أممه من سيطرة الشريكات الأجنبية. لقد كانت القوة العسكرية هي الركيزة التي اعتمد عليها العراق ليبقى قويا ً. وكحال جميع الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية يؤدي فشل العقل السياسي وترهله وفساده وغياب الإستراتيجية الواضحة البعيدة النظرضمن السياقات الإقليمية والدولية إلى توجيه تلك القوة العسكرية لحماية الحزب والفرد الواحد ليتخذ من الشعب عدوا ً وندا.
لقد وجهت ماكنة القوة العسكرية في العراق بإتجاه الشعب العراقي لتقتل وتهجر مئات الآلاف من كرد وعرب وسنة وشيعة. ومن ثم وجهت لدول الجوار لتدخل في حربين طاحنتين ليعقبها حصار وحرب مرة أخرى. لقد أضاعت مغامرات النظام السابق تلك القوة العسكرية وصار العراق ضعيفا ً ومفككا ً بعد سلسلة من الحروب والأزمات. وما أن اصبح العراق ضعيفا ً حتى تكالبت عليه دول الجوار تنهش فيه كما تنهش الذئاب بشاة خائرة القوى. فبين قصف لقرى حدودية لقطع مياه وسد منافذ بحرية إلى إقتطاع أراض وحفر آبار بشكل مائل تبدو الدبلماسية العراقية عاجزة عن صياغة خطاب موحد يمثل وجهة نظر الحكومة العراقية تجاه السياسة الخارجية فيما يخص دول الجوار في ظل غياب إستراتيجية واضحة وتخبط غير مسبوق. بل إن الدبلماسية العراقية عاجزة حتى عن إتخاذ مواقف حازمة تجاه تلك الإنتهاكات الغير مبررة. لقد عاد العراق الضعيف وتحول لمنطقة نفوذ بين تركيا وايران مرة أخرى واللتان تريدان من العراق أن يكون ضعيفا ً تبعا ً لمصالحهما, وسط إنقسام طائفي تكرس من خلال المحاصصة الطائفية.
لقد شهد العراق حركة دبلماسية وإقتصادية نشيطة في الآونة الأخيرة من قبل الترك والايرانيين. فما أن تهبط طائرة تركية تدشن خطا ً جويا ً جديدا ً في جنوب العراق حتى تفتح ايران قصنلية في شماله. لقد ازداد حجم التبادل التجاري العراقي مع كلا الدولتين بشكل كبير. فايران التي تبحث عن منفذ لعقوباتها الاقتصادية وجدت في العراق ضالتها, أما تركيا فهي تبحث عن دور سياسي من خلال الاقتصاد بعد أن أدار الإتحاد الأوربي ظهره إليها. إن تلك الدول تبحث عن مصالحها وهذا شيء لاعيب فيه في السياسة ولكن, إلى متى يبقى العراق ضعيفا ً ومعتمدا ً على جيرانه اقتصاديا ًّ
لابد للعراق أن يكون قويا ً لينجو من خطر التقسيم ويكون فاعلا ً على المستويين الإقليمي والدولي, ولكن كيف! نعم, يمكن للعراق أن يكون قويا ً بإقتصاده وليس بالقوة العسكرية. فيمكن للعراق أن يتسلح فقط ليحمي أرضه وسمائه, ولكن وفي نفس الوقت, يمكن للعراق أن يكون دولة قوية في إقتصاده من خلال التركيز على الإستثمارات والإهتمام بالتنمية البشرية. ففي العراق مقومات لاتتوفر عند أغلب الدول العربية والدول المجاورة. ففي العراق ثروة نفطية يمكن أن تكون رأس مال للإستثمار والإنتقال بالعراق خطوة لإيجاد البديل عن المصدر النفطي الوحيد. في العراق يوجد أيضا ً ثروة من الغاز الغير مستثمر, فالعراق يمكن أن يزود أوربا بالغاز من خلال أنابيب تمتد من شمال وغرب العراق مرورا ً بتركيا. أما ثروة العراق البشرية فهي كبيرة ولدية قاعدة لابأس بها من أصحاب المهارات. أما جغرافيا ً فالعراق يقع على مفترق طرق يربط بها قارتين ويمكن من خلال العراق ربط أوربا بالمياه الدافئة عبر القناة الجافة.
لايوجد خيار للعراق سوى الحل الإقتصادي الذي يجعله بمأمن من التدخلات الخارجية من خلال شبكة من المصالح المشتركة. فهناك نماذج كثيرة خرجت من حروب ونجحت إقتصاديا ً ككوريا الجنوبية والمانيا واليابان. أن خيار الديمقراطية والسوق الحرة يحتم على العراق السير تجاه الظهور كقوة اقتصادية تحميه من المخاطر الخارجية. ولكن, على ساسة العراق وخبرائه إدراك هذا الأمر الذي سيغيب المشكلة الطائفية ربما إلى الأبد. أن غياب الإستراتيجية الاقتصادية وعدم توفر شروط النهوض الإقتصادي يعيق هذا التوجه ولابد للسياسيين إدراك ذلك. لابد من خطوات جادة وحاسمة من خلال مكافحة الفساد والارهاب لجلب الاستثمارات الاجنبية والتي يصاحبها اصلاح للنظام القانوني والمصرفي وتقليل قيود البيروقراطية. لابد أيضا ً من بناء البنية التحتية والتركيز على التنمية البشرية من خلال بناء الكفاءات في خارج البلد ومساعدة القطاع الخاص بعيدا ً عن المركزية. على العراق أن يبني من جديد الطبقة الوسطى التي حطمتها الحروب والحصار الاقتصادي والسياسات الغير مسؤولة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاما.

عماد رسن
Imad_rasan@hotmail.com‬