بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الخميس، 29 يوليو 2010

رسالة من انتيجون-نص وتخطيطات غالب المسعودي


(إذا اشتبك الحب في نزاع....
كسب المعركة لامحالة......
وليس في وسع الآلهة إن تفر من سلطانه...فكيف بنا نحن الذين لاتطول حياتهم أكثر من لحظة)
أيتها الراجيات..الصافحات..الضارعات...
طريدا مهدور الدم...
تتعقبه ربات الانتقام...يلقي روحه فوق مذبح الآلهة....
وتحت الثرى يحتج الاكيكيكي..
فتى من جوهر النار جنانه...
كمله العذاب
يؤرقه الغياب
جاب غابة خمبابا
عبر جيحون
يترجى عطف الانوناكي...
أن لا تجافي
د.غالب المسعودي

الأحد، 25 يوليو 2010

محمد شكري يستعيد تاريخ الاسى في رواية الشطار-كتابة احمد الحلي





محمد شكري يستعيد تاريخ الأسي في رواية الشطار
مخاوف البوح في السيرة الذاتية

أحمد الحلي
غالباً ما يُثار لدينا السؤال ؛ كيف يصل الأديب إلي مرتبة النجومية الحقة، وبمعني آخر كيف يحصل علي الاعتراف الجماهيري والنخبوي، غير الآني أو المرحلي في آنٍ معاً؟ فكثيرة هي الأعمال الأدبية التي أحدثت دوياً في زمن ظهورها ولمعت أسماء أصحابها، ولكن بعد مرور زمنٍ معين نراها تفقد بريقها ويقل تحمس الناس لها ولاسيما الأجيال اللاحقة التي ليس لها بالضرورة أن تكون واقعة تحت نفس المؤثرات. وفي مجال الرواية العربية بوصفها الفن الأدبي الأكثر ديناميكية وفاعلية في الاستجابة لمتطلبات ومقتضيات العصر، ظهر العديد من الروايات إبان القرن العشرين
وفي مرحلة ما تم وصف بعضهم بالروائيين الكبار، ولكن ما أن دار الزمن دورته التي لا تحابي حتي تبدي هزال هؤلاء الذين سرقوا الأضواء خلسة، ثم تواروا إلي الظل الذي أتوا منه.
غير أن عدداً محدوداً جداً من الروائيين استطاع أن يثبت وجوده وحضوره بفعالية جيدة، مع أنهم لم ينتجوا لنا إلا أعمالاً قليلة جداً، ومن بين هؤلاء الطيب صالح في روايته " موسم الهجرة إلي الشمال "، ونجيب محفوظ في رواية أو روايتين من رواياته الكثيرة، وإبراهيم الكوني في " التبر "، والعراقية بتول الخضيري في " كم بدت السماء قريبة "، والروائي المغربي محمد شكري موضوع دراستنا هذه، والذي نحسب أنه قد ترك بصمته التي لا تمحي علي فن الرواية العربية، وعلي الرواية والأدب المغربيين بوجه خاص، فرواية مثل " الخبز الحافي " حرية بأن توضع جنباً إلي جنب مع رواية
" زوربا اليوناني " لنيكوس كزانتزاكي، أو أن تكون فصلاً في كتاب " ألف ليلة وليلة ". وعلي الرغم من قساوة الأجواء المتبدية فيها، وجهامتها، إلا أن بوسع المتتبع أن يلتقط بين ثناياها موسيقي ساحرة عذبة وخفية تنطق بحال الإنسان في شتي تحولاته...

سيرته الشخصية
ومنذ أمد ليس بالقصير، أتيح لنا أن نسمع باسم الروائي المغربي محمد شكري وروايته " الخبز الحافي " التي كانت معالمها غائمة علينا خاصة وان الحكومات العربية وجامعتها العتيدة كانت قد أعدت قائمة بالكتب التي لا ينبغي تداولها وتقديمها للقارئ العربي، وكل ما عرفناه والتقطناه عن محمد شكري وروايته التي تحكي سيرته الشخصية هو أن بطلها شكري تعلم القراءة والكتابة في سن متأخرة وانه كان يأكل طعامه من القمامة...
وبعد فترة طويلة من الزمن، وانطلاقاً من المقولة الشعبية الرائجة التي تقول إنك لا تستطيع أن تخدع الجميع كل الوقت، أتيح لنا أن نقع علي نسخة مصورة بطريقة الاستنساخ من الرواية، وأول ما طالعنا فيها عنوانها " الخبز الحافي/سيرة ذاتية روائية 1935 ــ 1956 "، وفي الصفحة الثالثة نقرأ اسم الدار التي قامت بطباعتها وهي دار الساقي في بيروت، وأن هذه هي طبعتها الخامسة وقد تمت في العام 1999.
يوضح محمد شكري في كلمته الافتتاحية المقتضبة أن الرواية تمت ترجمتها قبل سنوات عديدة إلي الانجليزية والفرنسية والإسبانية قبل أن تعرف طريقها إلي القراء في شكلها الأصلي العربي. ثم وبعد مرور وقت آخر أدركنا أن للرواية جزءاً آخر يكملها وهو بعنوان " الشطار "، وبالفعل فقد أتيح لنا أن نحصل عليه، علي الرغم من الشك الذي انتابنا حول مدي قدرة شكري علي الإمساك بنا مثلما فعل في " الخبز الحافي " التي كان سحرها غريباً وبمالا يقاس.
ومن المفيد هنا أن ننوه إلي أننا سنكرس دراستنا هذه للجزء الثاني من هذه الرواية ونعني به " الشطار "، معتبرين أن جزءها الأول " الخبز الحافي " قد تم إشباعه درساً وتحليلاً وتمحيصاً من قبل النقاد، وسنستعين بطبيعة الحال بالدراسة القيمة المطولة الملحقة بـ" الشطار " وهي للناقد المصري المعروف صبري حافظ والذي تربطه كما سيتضح مع شكري أواصر علاقة عميقة، حيث سيكشف الروائي لصديقه الناقد سراً يتعلق بتأليف رواية " الخبز الحافي "، ففي جلسة جمعته وصديقه الكاتب الأميركي بول بولز الذي اختار طنجة وطناً له بالإضافة إلي عدد من المثقفين والصحفيين الأجانب
في طنجة، اقترح عليه أحدهم أن يكتب سيرة حياته التي كان يروي تفاصليها لهم شفاهاً، وتعهد بأن ينشرها بالإنجليزية لو فعل، بينما تحمس بولز لترجمتها، فقال لهم محمد شكري علي الفور ؛ لقد كتبتها بالفعل إنها موجودة في البيت، وتحمس الجميع للمشروع، فتواعد شكري مع بولز بعد أيام علي أن يأتي له بالفصل الأول ليشرع في ترجمته ما دام قد تعهد بذلك، وفي الموعد المحدد جاءه فعلاً بالفصل الأول الذي كتبه في أيام قلائل اختلي فيها بنفسه في أحد المقابر كما يقول لنا في " الشطار "، وفي اللقاء التالي جاءه بالفصل الثاني، وهكذا كتبت " الخبز الحافي " عام 1972، وصدرت
بالانجليزية ثم الفرنسية قبل أن تصدر طبعتها العربية بعشر سنوات.
وبحسب الناقد صبري، فإن " الشطار " التي ؛ رقّت فيها الكتابة وشفّت وازدادت تركيزاً تبدأ بفصل بعنوان " زهرة من دون رائحة "، حيث سيتضح أن عنونة الفصول من سنن هذا الجزء لأن " الخبز الحافي " اكتفت بترقيمها دون عنونتها، والعنونة هي أولي سمات هذا الاستقرار الجديد علي الصعيد النصي وعلي صعيد الفعل معاً، فقد أصبح للراوي ( شكري ) مستقر وعنوان ثابت بعدما عاش كل مرحلة " الخبز الحافي " دونما مقر، فقد أخذ النص يعي نصيته بطريقة أبرز من تلك التي تبدت بها تلك النصية في الجزء الأول الذي كانت فيه الكتابة معايشة وحلولاً محل الواقع وفيه قبل أي شيء آخر، ولا
غرو فـ" الشطار " هي سيرة الرحلة صوب الكتابة والقراءة والتعبير عن النفس بالكلمات، ومن هنا كثر فيها ( الشطار ) الحديث عن هموم الكتابة وترصعت صفحاتها بالقصائد، وذلك عائد، وبحسب حافظ، لأنه إذا كانت " الخبز الحافي " تقدم لنا الإنسان الطالع من القاع الاجتماعي، فان " الشطار " تقدم لنا سيرة الكاتب مع الكتابة، ومع التجربة المعرفية كلها.

حياته الجديدة
يبتدئ النص بنزول الراوي من رحم الحافلة إلي ساحة العرائش حيث واجه منذ اللحظة الأولي رديفه وصورة ماضيه المتمثل في هذا الطفل المتسخ الذي كانه ولكنه انفصل عنه الآن ؛ " قدام الحافلة التي نزلت منها، اقترب مني طفل متسخ، حافي القدمين، في حوالي العاشرة من عمره.. "، ثم بمشهد البئر التي صادفها في طريق العودة من المدرسة ( التي يقرر الدخول فيها مع أن عمره شارف الآن علي العشرين عاماً ) وسيلقي حجراً في البئر يختبر به عمقها، واستهواه العمق واحتمال السقوط المدوخ، علي ما في ذلك من ترميز واضح لما هو مقبل عليه في حياته الجديدة، وسنراه وهو يحتال علي
فارق السن بينه وبين زملائه ولكي يكون أكثر مقبولية لديهم ؛ " منذ تلك اللحظة صرت أتعلم من التلاميذ أكثر مما أتعلم من المعلمين "، ولكي يمارس عملية حرق المراحل للتعويض عما فاته نراه يقول ؛ كنت استعجل تعلمي بجنون في جميع الظروف القاسية، وهو يستشهد بمقولة لرامبو ؛ ليس من الخير أن نبلي سراويلنا علي مقاعد الدراسة، حتي صارت القراءة والكتابة عنده هوساً في الحلم واليقظة : " أتخيل نفسي، أحياناً، حرفاً كبيراً أو قلماً "، وحين يسخر منه مدرس مادة اللغة العربية لإخفاقه في حفظ بيتين لصفي الدين الحلي، ينتهره قائلاً " حمار.. غبي.. أأنت ستدرس؟ عد إلي
طنجتك مع أولاد السوق بدلاً من أن تضيع وقتك هنا وتضيع وقتنا معك "، ويتعرض للضرب علي يدي هذا المعلم، وستحدوه رغبة في " عض إذنه الحمارية حتي أبترها وابصقها في وجهه، ولكن سيكون آخر يوم لي في المدرسة "، ويصل إلي حل ؛ " سأترك إذن الحمار لأسنان الحمير ". وهو يصف لنا وضعه الجديد وينبه إلي أنه لم يكن منفصلاً تماماً عن وضعه السابق ؛ لم يكن لي مكان قار أنام فيه، كنت أتبع خطي السكاري، والحشاشين، وطوافي الليل، أجد لي دائماً مكاناً بينهم، لقد كانت لنا نفس الذكريات واللغة، إن السكاري والحشاشين وطوافي الليل، يتشابهون، ويتآزرون، أينما كانوا، في أي
زمان ومكان، إنهم يرفضون الدخيل عليهم والوسيط، إذا لم يعتنق لعنتهم.
وجنباً إلي جنب مع شغفه بالتعلم والاستزادة منه نراه يستمر في غشيان المواخير الليلية وتعاطي الحشيشة التي كانت محظورة ويحاسب عليها القانون، كان معه رفيق اسمه حميد، الذي سرعان ما يمسك به أحد رجال الشرطة فيما شرطي آخر يتوجه نحوه ؛ فقصدني يرعد ويصرخ، جريت بكل قواي، دخلت في زقاق، هناك باب ثانوي لمسجد الجامع الكبير، خطر لي الاحتماء في المقدس، دخلت راكضاً بحذائي، في المتوضأ انزلقت ولم أسقط، التفت ورائي، ولد القحبة يخلع حذاءه، لا مكان للاحتماء هنا، لم أخلع حذائي، صلاة الظهر، أقفز علي ظهور المصلين راكضاً بينهم، تبلبلوا، خرجت من الباب
الرئيسي، وجدتني في ساحة سوق الكبيبات، صحت في أولاد الزانيات ؛ عودوا إلي الصلاة، لم يحدث شيء.

قتل أنبل الناس
وضمن أجواء بوهيمية شبيهة بأجواء ألف ليلة وليلة، وبدافع العوز الشديد نراه يدمن الوقوف عند منزل الإيطالية الشابة ؛ التي كنت أنتقي من قمامتها قدام بابها أعقاب سجائرها المصبوغة بأحمر الشفاه القاني، أدخنها بلذة جنسية، فاجأتني يوم أنبش زبلها بحثاً عن الأعقاب، فلم تعد ترميها.
وبحكم عامل السن والخبرة الحياتية فقد رضي التلاميذ أن يتخذوه حكماً بينهم لاسيما وأن الدراسة كانت مختلطة، في أحد الأيام يعمد أحد التلاميذ إلي تقبيل زميلته ؛ باس تلميذ تلميذة، فكانت مشكلة، ولكي أرد لها الاعتبار، أمرتها أن تبوسه هي أيضاً فكفت عن البكاء.
إنّ " الشطار " حافلة بكل شيء، وهي تقدم لقارئها وجبة طازجة وفورية متي شاء من دون أن يحس بالشبع بل العكس هو الصحيح، وهذا هو شأن الروائيين العالميين الكبار، وفي أحد مراحل الرواية سنراه يسكن في بنسيون جديد ؛ يحاورني في كوخه الخشبي توماس الروخو، وهو أحد الهاربين من الحرب الأهلية الإسبانية ويصفه بأنه يعيش حياة عنكبوت، يكره فرانكو مثلما يكره المرء دم أسنانه، لم يكن فرانكو ماهراً في قتل الأرانب والخنازير، كما يقال عنه، بل كان ماهراً فقط في قتل أنبل الناس، كان رفاقه في الصيد وأعوانهم هم الذين يقتلونها ويضعونها عند قدميه فتؤخذ له الصور
مزهواً، وحينما يغرق في عالم القراءة والمطالعة يجد نفسه ممزقاً بين مختلف التوجهات الفكرية والفلسفية، غير أنه يجد العزاء عند روسو ؛ اعترافات روسو علمتني العزاء في ملك الأشياء الصغيرة التي يهملها الآخرون، سيري حياة فان كوخ تبدأ بالحلم وتنتهي باليأس، في الجنون لا أرض غير السماء الوهمية نتعلم فيها كيف نطير بأجنحة مقصوصة.
وعلي طريقة سرد حكاية المقامات القديمة، نراه يورد مقاطع حوارية ؛ لقد رأيت حمالاً يثقل عربة حماره بكيس تلو الكيس حتي انهارت العربة وانهار الحمار، كان يريد أن يقتصد في العودة إلي الشحن، خطوة، انها خطوة، ولكن من يستطيع أن يخطوها، إن كل إنسان يتخيل أمامه هاوية وهمية.
ويبدو أنه أفاد أيضاً من تجارب المتصوفة ؛ الإنسان وحيداً قديس، ومع المرأة شيطان، من يحصي أيامه كمن يحصي نبضات قلبه، إن أجمل ما في العالم يتدمر ويتلاشي، هذه هي الحقيقة التي سمعتها من أبكم، يا حكيم الشفاه، لماذا أنت مصاب بالبرص، يا طبيب العيون، لماذا أنت أعمش؟ وسيطل علينا نيتشه أو جبران ؛ لا تنتظر من يواسيك، اعتبر نفسك خالداً ولو في الوهم، لا يقهر الموت إلا حب الحياة.

تحولات المدينة
يري صبري حافظ أن النص يعد في مستوي من المستويات قراءة للتاريخ السري لطنجة بمواخيرها وحاناتها وبارات الأجانب فيها، والتاريخ الشفهي لثقافتها التحتية ولروادها من صعاليك المغرب والعالم معاً، وسجل تحولاتها وأوجاع بنيها، ولا يمكن الفصل في هذا المجال بين تحولات المدينة وتحولات الراوي، فقد ادغم كل منهما في الآخر، وأصبح ابن الحانات والليل والشوارع اللاهثة يحب ليل بيته فيها لا ليل الحانات، ويصل إلي القول وفيها أي في طنجة واجه الجنون والانهيارات العصبية وعرف سلام الروح لما اكتشف سر المكان.
وفي الختام نود أن نشير إلي أن جميع المنجزات الروائية التي تشكل علامات فارقة قد تضمنت حبكتها، بهذا القدر أو ذاك ثيمة الصراع مع الآخر أو التماهي معه، وبذلك تمّ إذكاء الشرارة



المكان الاول هو الحب الاول-كتابة وتخطيطات غالب المسعودي


المكان الاول هو الحب الاول
اقول ان البيت الاول هو الرؤية التي ترسخت في الذاكرة، بين غربة المكان واغتراب الذات مسافة شاسعة، فالسائر بين عذابات الروح ومقامات الجسد لا بد ان يغتسل بتراب الالفة ويستنشق الارض ليستنطق القلب الذي يخذله بعد المكان وتعذبه غربة العش الذي زق بين جدرانه طعم الفرحة البكر وتباشير الصبح الندي في احضان غاباته الجميلة ليفرد جناحيه ويبدأ الطيران فوق الغيوم ويعود الى رائحة الورد وطلاسم امه كمن يهتدي لأضرحة الصالحين ليفسر رؤياه العجيبة، الرؤية التي ترسخت في الذاكرة منذ طفولته الاولى، عندما كانت مثل صفحة بيضاء كماء النهر المنساب امامه، ها هو المكان الاول يظل يلمع في الذاكرة بألوان الطيف وانعكاسات اشعة الشمس على صفحة الماء، انه الالفة مع كل ما في الطبيعة من مخلوقات، لذا عندما نكبر نشعر بأننا قد طردنا من الجنة، نصبر لأنه العشق الاول، فالعصافير لا تترك اعشاشها وحتى الطيور المهاجرة لا تنسى عشها الاول

اللغة السومرية-كتابة د.زهير صاحب-عن موقع كتابات-تخطيط د.غالب المسعودي


- د. زهير صاحب

ليست اللغة السومرية من عائلة اللغات السامية، ولا من عائلة اللغات الهندو –أوربية. فقد وصفها المرحوم الأستاذ (طه باقر): "بأنها من نوع اللغات المعروفة باللغات الملصقة، فمن مظاهر الألصاق في اللغة السومرية، أنها تجمع أو تركب الجمل الفعلية بطريقة إلصاق الضمائر والأدوات الدالة على الزمن إلى جذر الفعل في الجمل اللغوية، فتصبح الجملة الفعلية وكأنها كلمة مركبة واحدة. كما إنها تلصق الأدوات النحوية مثل الأدوات المعبرة عن الأضافة والجر والجمع والفاعلية إلى أواخر الأسماء، مع إجراء التغيرات الصوتية من دمج وإسقاط لبعض الحروف" (طه باقر، 1973، ص59).

والغالبية العظمى من مفردات اللغة السومرية قوامها مقطع واحد، مثل "لو" (Lu) رجل، و "كال" (Gal) عظيم، و "كا" (Ka) فم، و "شو" (Shu) يد، و "كي" (Ki) أرض، و "آن" (An) سماء، و "إي" (e) بيت، و"دو" (Du) شَيَدَ، و "تُم" (Tum) رفعَ ... الخ.

وتؤَلَف بطريق الألصاق مفردات مركبة كثيرة أخرى مثل "لوكال" (Lugal) أي الملك، و "آن- كي" (An- Ki) الكون أي السماء والأرض، و "إي – كال" (gal – e) القصر، و "دب – سار" (Dub – Sar) الكاتب. الى غير ذلك من الكلمات الكثيرة.

وكان للغة في الفكر السومري قوة سحرية أوجدها الأنسان للسيطرة على عالمهِ حسب ما أوحى إليه منطقه الأسطوري. فكان ذلك المنطق الأسطوري (فكراً) حققه الشعب السومري بفاعلية الممارسات السحرية، التي تتفعّل بقوة (الكلمة)، "وكأن تأثير قوة الكلمة قد فاق تأثير التصوير والتشكيل والتمثيل" (تليمة، 1979، ص42). فاحتلت الكلمة في تلك الممارسات والطقوس دوراً مهماً بوصفها قوة مؤثرة في التعامل مع القوى الماورائية، ففعَّل السومريون حيوية الكلمة بالتوجه الى الماورائيات بالضراعة والرجاء وبالأمر والنداء.

ولتوضيح أهمية الكلمة في الشعائر والطقوس الدينية نقول: أن أحد المواطنين المصريين القدماء إشتكى إلى أحد الكهنة من جسامة القرابين المقدمة في الفعاليات الجنائزية المتصلة بعالم ما بعد الموت، فأجابه الكاهن: من الآن فصاعداً عليكم أن ترسموا أشكال القرابين على جدران المقابر بدلاً من جلبها، فالصورة هنا تمتلك فاعلية سحرية تجعل منها بديلاً للأشياء الحقيقية التي تمثلها. وبعد فترة من الزمن أوضح مواطن آخر لسيدهِ الكاهن، من أن الرسامين يطلبون المزيد من الأموال، بغية رسم صور الأشياء التي أوصى بها. فكان جواب الكاهن هذه المرة: عليكم الآن أن تتفوهوا بكلمات تدلّل على تلك الأشياء فتكون موجودة. أليس فعل الكلمة يتمثل بفاعلية في أحد إتجاهات ما بعد الحداثة المعروف باسم (الفن لغة)، فقد أبدع أحد فناني هذا الأسلوب تشكيله الفني، حين وقف في وسط قاعة العرض، وصاح بأعلى صوتهِ "أطلقوا النار على شلالات نياكارا"، وربما تحقق ذلك في ذهنية المتلقين من نموذج النخبة السعيدة. أما خارج القاعة فإِن ذلك مجرد هراء وشعوذة.

ورغم البعد التاريخي للسومريين ولغتهم الجميلة عَنّا، إلا أنه ليس من دواعي العجب، أن نعرف أننا ما زلنا نتفّوه يومياً بكلمات ذات أصول سومرية مثل: أكو – ماكو، بارية، بستوكة، تالة، تبلية، جمّار، دبس، إقليم، أرجوان، إسفين، ثوم، جير، خَردل، حنطة، رمان، زعتر، دلو، سوسن، شريان، عدن، عرش، قانون، كتان، نفط، مشط، بخار، والقائمة طويلة.

* أستاذ مادة تاريخ الفن

كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد