بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 21 يوليو 2010

تشذرات الولد الخجول-بقلم احمد الحلي-تخطيطات عادل كامل



تشذرات الولد الخجول
قراءة أولية في مخطوطة عادل كامل ( الولد الخجول )
أحمد الحلي

" أنا واحد من سكان كوكب قبل الاستيقاظ " ، أو " أنا قارة تعداد سكانها واحد " .
هكذا وعبر ما يشبه المعضلات الرياضية على طريقة المتواليات العددية وربما الهندسة ، يقودنا الولد الخجول ، بصفتنا حشد العميان عبر مسالك لم نعهدها من قبل ، مسالك تعبق برائحة العشب البري ، إلى حيث تسكن الدهشة مفعمة بالتوتر ومغسولة بحبات المطر الخريفي المتألق ، بعيداً عن كل مواضعات التأنق الحضاري التي راحت تحدّق بنا وتبث في مفاصلنا رعبها القطبي المتقن ، ولعل روح المشاكسة ، تلك التي تروق لعيني هذا الولد هي التي تحث قدميه الحافيتين إلى حيث تشع البواطن ، فإن تكن الأشياء قد وارت جذواتها خلف استحكامات الغلق فلا بأس عليه في أن يتسور الجدران ، فإن قوة الإغواء كثيراً ما تتضمن مبررات اقتحامها عنوة .
- ثمة عصور ترقد في ثقب إبرة !
- هبطت من خشبتي ، تنزهت ، ثمة حدائق من فولاذ ، بحار مسورة وآلات ، آنذاك عدت فلم أجد خشبتي !
- خذ ما تشاء إلا وردة تفتحت على مشارف الجرح !
هكذا يتشذر الولد الخجول أمام أعيننا وفي سماواتنا القاحلة ، أنه ثراء الروح والامتلاء الحقيقي لا ذلك السعار الذي يبهظ أرواحنا ويهوي بذواتنا الأعماق السحيقة .
وليس معنى هذا أن بمنجى من كل ما يعصف بالحياة ويتربص بها من شرور وآثام . انه أيضاً ، شأنه شأن الآخرين ، عرضة لأن تعلق به أدران الخطيئة ، لكننا نلاحظ أن الفارق هي أنه سرعان ما يثوب إلى نفسه فينتشلها ، وأن ظلت الأخطاء مخلفة وراءها الجروح الفاغرة ، وهذه هي العبرة التي يمكن أن نستخلصها ، ففي الوقت الذي نشاهد به الآخرين وهم يستمرئون الانجرافات ، بل ويعالجونها بانجرافات أخرى أشد خطورة ، نشاهد هذا الولد نأى بنفسه عن الكدر ثم نراه يأخذ بتقريع نفسه عبر عويل مر وتأنيب شائك ،
- أتبحث عن ملائكة في روحي مزرعة ، غابة ، ثم وجراً للذئاب !
- غرباء يسكنون الروح ، لكني أولهم !
- لم صارت روحي مزرعة ، غابة ، ثم صارت وجراً للذئاب !
- أنى لي أن أصعد إلى السماوات فيما اسمي مثقل بالانحناءات !
- من أي مكان تأتي الأصوات ، تحوم وتغيب فيما أنا مثل مدفن ينمو في وردة ! ذلكم هو الرثاء الحق ، انه الرثاء لحياة تبددت نضارتها بطريقة ما وتركت الروح منخورة مثل وسادة بالية .
وعبر سياق آخر من الفهم ، نراه في تأججات ثمالته قد توغل عميقاً سعياً وراء استخراج لؤلؤته الأثيرة ، تلك اللؤلؤة التي ربما تكون مطمورة في رمال النفس أكثر مما هي موجودة في الأماكن الأخرى ،
- لا تحصى كنوزي ، تفاحة في السماء ، وعشب في الرمال ، وعصفور في الفجر يعلمني الغناء !
- هذا الحصى ، لؤلؤ في الحضور !
- حبة قمح ، هو ذا زادي .
- إن كنت تقطف وردة أو تطلق النار على غزال فإني هنا أراك !
- يحاصرني الفرح كمدية ، توهج توهج ، هذا هو الامحاء !
إنه السليل الحق لذلك النمط من الفهم الذي يتموضع حول التجرد ما أمكن من الأعراض الزائلة ، والتركيز بدلاً من ذلك على محاولة الوصول إلى عمق الدلالة ، ذلك الفهم الذي يتحدر منذ مرحلة ما قبل اشتراع القوانين والأنظمة والعقائد ، تلك المواضعات التي كثيراً ما كبلت الإنسان وأقامت الحواجز المريرة ما بينه وبين بني جنسه ، حيث الإنسان في نصوعه الأولي المشرق عناق وغزل دائمين مع الطبيعة البكر وحيث لم يتم بعد اختراع المداخن ، ومروراً بفيثاغورس وامبادوقليس وديوجونيس وكثيراً من المتصوفة الإسلاميين ، ثم فيما بعد باسكال وروسو ووليام بليك ، وبصورة أكثر حصراً والت وايتمان " سأرقد فوق العشب مثل طفل " ، " وحدي لا امجد المعادن وحدي امجد الريح ، مع لمسة من البوذية الشفيفة ، " أنا شحاذ للرفقة " !
ترى أيمتلك أحدنا مثل هذا الفصام النقي الوهاج الذي امتلك سره في يوم ما الفنان عادل كامل فأودع نزغاته في مخطوطة سماها " ألفية الولد الخجول " من خلال كل ما يضطرم فيها من تمجيد لنقاء السريرة والدعوة الحثيثة للبحث عن خلاص روحي ، ذلك الخلاص الذي لا يتم إلا بالمرور في تدرجات المطهر القاسية ، انه يشير لنا عبر مجساته السابرة الى ان هناك والى جوار هذه الوحول التي تخوض فيها ان ثمة جداول خفية تنساب بعذوبة الماء وان ليس بشيء قادر على طمسها تحت أعتى الظروف .

للاهازيج قصصها-بقلم حامد كعيد الجبوري


حامد كعيد الجبوري وللأهازيج قصصها

عروضيا تعد (الهوسة) من بحر الخبب – حركة الخيل - هكذا صنفها الخليل بن احمد الفراهيدي ، وتعتمد بتفعيلتها على (فعلن) مكررة ، وتسمى لدى الشعراء الشعبيون ب ( الهوسة) ، ومنهم من يسميها (أعكيلية) نسبة لعشائر (العكيلات) ، ومنهم من أسماها ال(طربكة) نسبة لحركة قوائم الخيول (طربك ، طربك) و(طربك) عروضيا تقابل ( فعلن ، فعلن) ،ومنهم من أسماها (الأهزوجة) وهناك خطأ شائع يقع به الشعراء حيث يسمون (الهوسة) ب ( العراضة) ، و (العراضة) قد يكون من معطياتها (الهوسة ) ، و (العراضة) يعرفها أهل الوسط والجنوب العراقي وبخاصة أهالي الفرات الأوسط ، وللعراضة مراسيم
خاصة لسنا بصددها ، كعراضة المتوفى وعراضة الزواج وعراضة (تشييخ) أحدهم لعشيرته ، وقد لعبت – العراضة – فعلها الواضح على رجالات العشائر أبان ثورة العشرين التي مرت ذكراها خجولة يوم 30 حزيران ، أذ سلطت الأضواء على الاتفاقية الأمنية التي وقعها الساسة فقط ، دون عرضها للاستفتاء الجماهيري ، بمعنى أنها مررت علينا وأصبحت واقع حال مفروض وهذا ما أثارني لكتابة هذه الموضوعة .
تكتب ( الهوسات ) بكافة أوزان الشعر الشعبي كالموشح والتجليبة والنصاري وهذه هي الأوزان الشائعة غالبا ، ومنهم من يكتبها بأوزان أخرى ، مع ملاحظة أن الأبيات التي يكتبها الشاعر -المهوال – غالبا لا تزيد على ثلاثة أبيات يختمها بال (هوسة) والتي يجب أن تكون على تفعيلة الخبب ( فعلن) لكي يؤدي المجتمعون مع ( المهوال) الحركات التي تتوائم مع أهزوجته ، وتتخل الإهزوجة حركات راقصة من مؤديها جميعا ، وغالبا ما يحمل الشاعر بيده بندقيته ويرقصها بيده ويطلق الآخرون عيارات نارية من بنادقهم .
1 : ( بالرارنجية أنت ويانه)
الشيخ مرزوك العواد (أبو جفات) شيخ عشيرة (العوابد) والتي يمتد سكن رجالاتها بحوض الفرات الأوسط ، ومضيف الشيخ مرزوك بناحية الشامية حيث مسكنه وعشيرته الأم ، ويعد الشيخ مرزوك من رجالات ثورة العشرين وقوادها ، ومن المعلوم أن ثورة العشرين أجبرت حكومة بريطانيا العظمى بالنظر بجدية لمطالب الثوار بتشكيل حكومة وطنية ، وكانت رغبة بريطانيا جلب ملك لكرسي العراق من غير الثوار المنتفضون عقوبة لهم ، وكان لهم ما أرادوا بدسائس أثبتها المختصون ، وحينما أصدرت بريطانيا العظمى أوامرها باستقدام الملك فيصل الأول من سوريا لمملكة العراق الجديدة ، كان
الشيخ مرزوك العواد من ضمن الوفد الذي ذهب لجلب جلالة الملك ، خلال المسيرة الطويلة من سوريا الى العراق أرتبط ملك العراق الجديد فيصل بعلاقة صداقة حميمة مع الشيخ مرزوك ، وعرف الملك أن الشيخ مرزوك يقول الشعر الشعبي رغم عدم معرفة الملك باللهجة العراقية الجنوبية المحكية ، ودع الشيخ مرزوك مليكه الجديد بعد أن وصل لبغداد وقفل راجعا للشامية ، بعد حين أراد الملك فيصل زيارة الألوية العراقية - هكذا تسمى سابقا – وحين وصوله للشامية كان الشيخ مرزوك باستقباله بمضيف عشيرته ، وكان برفقة ملك العراق كل من رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية ناجي
السويدي ، طلب الملك فيصل من الشيخ عواد أن ( يهوّس) لمقدم صديقه ، أجابه الشيخ مرزوك لست ( مهوالا) جلالة الملك ، وهنا أمر رشيد عالي الكيلاني الشيخ مرزوك قائلا له ، (مرزوك هوّس لجلالة الملك) ، لا حظ الشيخ مرزوك هذا الإسلوب الفض من رشيد عالي الكيلاني حيث لم ينعته بالشيخ ، وحتى لم يكنيه بأبي جفات فكبر ذلك عليه وقال له ، نعم (هسه حلَت وحلت الهوسه) وأنشأ قائلاً وهو يعلم جيدا أن رشيد عالي الكيلاني لم يكن له أسم يذكر بثورة العشرين وإنما جاءته هكذا بالصدفة والعلاقة – كأيامنا هذه (إ يجد أبو كلاش وياكل أبو جزمه) - ، وكما أطلقوها سابقا ( خياركم
بالجاهلية خياركم بالإسلام) ، ويعرف الشيخ مرزوك أن أسم أم رشيد عالي الكيلاني ( عليه) فأنشأ قائلاً
ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكيه
دلالة على جلب الملك فيصل من سوريا
وأبن (عليه) وزير ويامر أعليه
وأدار وجهه صوب وزير الداخلية ناجي السويدي مكملا إهزوجته قائلاً
إ بحضك هم شفت هاي الأفندية
( بالرارنجية أنت أويانه )
والرارنجية قريبة من مدينة الحلة بإتجاه الجنوب – النجف - حدثت بها معركة ضارية مع الإنكليز.
2 : ( خايف منك خاف أ تجيت أعليه)
مرض الشيخ ( حاتم الحسن ) شيخ عموم الحسناوين في الفرات الأوسط ، وهو من سكنة ( الصليجية) ناحية العباسية العائدة لقضاء الكوفة محافظة النجف الأشرف ، وكان مرضه الذي مات به منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، وحاتم الحسن وجه عشائري له ثقله بين عشائر العراق ، ولوالده موقف سجل عليه لا له فترة ثورة العشرين الخالدة يذكره المهتمون بها ، ومن المعلوم أن كل شيوخ العشائر لهم (مهاويلهم) الخاصون بهم ، والشاعر (المهوال) لسان عشيرته بأفراحها وأحزانها وحروبها وغاراتها على العشائر الأخرى ، ويفضل (مهوال) العشيرة على (المهوال) الذي ينتمي لعشيرة أخرى ،
وكان لحاتم الحسن شاعرا (مهوالاً) صديقا له أسمه (فنجان الحسناوي) ويكنى بأبي زيدان ، والشيخ حاتم الحسن مسجى بإحدى مستشفيات العاصمة بغداد منتصف السبعينات تحدث من على سرير موته مع (مهواله) فنجان قائلاً له ، فنجان ، أجابه ( لبيك إمحفوظ آمر) ، قال الشيخ لفنجان لطالما امتدحتني بحياتي في مواقف شتى فما عساك تقول راثيا لي بعد موتي ، أجاب فنجان شيخه ( عمرك إطويل إمحفوظ إنشاالله من عمرنه على عمرك) ، قال الشيخ ( لا فنجان هاي مرضة موت ماظن أكوم منها ، أبروح أبوك شو درثيني) ، أطرق فنجان قليلا ونهض من مكانه قائلا
وراك العمر ما ريده ولا هوّس بعد بحزام
وعليك إنسد مضايفنه يملفه الزلم من تنظام
ي(نيص) الأسد من تجبل أعله ظهره من يريد أينام
خايف منك خاف إ تجيت أعليه
الشطران الأولان معلومان للقارئ الكريم ولكن الشطر الثالث يحتاج للتوضيح كما أرى ، فال(نيص) حيوان بري يقارب الأرنب بحجمه ولكنه بوثبة واحدة ينقض على الأسد ويقضم رقبته من قفاه فيدرك الأسد النزف من الدماء حتى الموت ، فلذا عندما يرى الأسد (نيصا) ينام على ظهره ويرفع أرجله ويداه لكي يتقي قفزة ال (نيص) ، إلا أن ال(نيص) لا يهجم على فريسته وهو نائم على ظهره لأن بذلك حتفه بل ينتظر جزع الأسد من استلقائه ليهجم عليه ويفترسه ماصا دمه .
وأطرق (المهوال) وأردف قائلا
ياميراث الأول حيث الأول عال – من العلو
ويا حلو المحاجي ويا كلب رجال
ترهه أعله السطور ومثل حرف الدال
(خليه يالدنيه أتنومس بيه)
ولا أعرف بماذا يتمييز حرف الدال على بقية الحروف ولم أجد من يفسر لي ذلك ، وقد يكون الشاعر يقصد أن حرف الدال يشبه رأس السهم .
3 : (الشر يتلبد وأحنه أندور أعليه)
يمر القطار النازل والصاعد من وألى البصرة الفيحاء عشائر بل قل قبيلة الظوالم وهي كثيرة البطون ، والتي تمتد من الديوانية وصولا لذي قار ، وكان الوطنيون من الثوار المعارضون لوجود المحتل ببلادهم يعترضون قطار المؤن والمعدات العسكرية الإنكليزية برميه بما تيسر لهم من أسلحة آنذاك ، أستاء القائد الإنكليزي من فعلتهم هذه وأرسل لقسم من الشيوخ المؤازرين للمحتل وما أكثرهم – ما أشبه اليوم بالبارحة - ، جمع القائد الإنكليزي مثل هؤلاء الشيوخ بمكتبه وحدثهم بمكره وأهداهم العطايا فمنهم من استجاب ومنهم من رفض ، أغدق القائد الإنكليزي على من تواطأ
معه وأعطاه مبلغا من المال لأجل مأدبة يقيمها للقائد المحتل ، أكل الجميع من هذه المأدبة المدفوعة الثمن وتحدث القائد مع الجميع قائلا ، لا أريد من عشائركم شيئا ما إلا أخبارنا أو إخبار الشيخ بأسماء من يتعرض للقطار بعد هذا اليوم ، أجاب الشيخ بنعم لك ما تريد أيها القائد ، قال القائد موجها كلامه للجميع إجلبوا لنا قرآنا ليكون شاهدا عليكم ، جلب الشيخ قرآنه وقبل أن يضع يده على القرآن للقسم نهض أحدهم من مكانه مخاطبا الشيخ ، ( على هونك إمحفوظ خليني أهوّس كبل ما تحلف) ، تفتحت أسارير الشيخ معتقدا أن (المهوال) سيطلق عنان لسانه لصالحه أي الشيخ
ليقبض ثمن إهزوجته (هوسته) ، وكانت (نخوة) عشيرة الظوالم هي (ولد جلبه) ، والنخوة هذه يعرفها أبناء العشائر، ولكل عشيرة نخوتها الخاصة بها ، يطلقها أبن العشيرة حينما يظام ولا يجد ناصرا له ، توسط (المهوال) الجمع قائلا
أحنه (أولاد جلبه) وبزرة الشيطان
ويروى
أحنه (أولاد جلبه) وما نهاب الدان - القنابل
نحلف بالترك ما نحلف بقرآن
ونحلف بم (صليب) الجايه من إيران
(الشر يتلبد وأحنه أندور إعليه)
ونحلف ب ( الترك ) دلالة للبندقية التركية التي هي سلاحنا ولا نقبل أن نحلف زورا وباطلا بالقرآن الكريم ، و(أم صليب) البندقية المعروفة والتي كانت تصنع في دولة إيران ويجلبها- (القجخجيه )- المهربون لبيعها للعشائر الثائرة ، وهكذا إستطاع هذا المهوال الذي لا أعرف أسمه من أن يضيع فرصة الفوز بمغنم خائن للشيخ الدخيل ، وخرج القائد الإنكليزي من المضيف خالي الوفاض

الفنان جميل الكبيسي وهو يستعد لاقامة معرضه السادس-حاوره احمد الحلي



وهو يستعد لإقامة معرضه السادس التشكيلي جميل الكبيسي :

أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة

حاوره : احمد الحلي

استطاع الفنان جميل الكبيسي أن يؤسس له حضوراً فاعلاً ضمن خارطة المشهد التشكيلي في مدينته الحلة مثلما هو دائب البحث عن مضامين جديدة في أفق الفن التشكيلي . ولد الفنان في مدينة الحلة في العام 1947 ، أقام معرضه الشخصي الأول على قاعة اتحاد أدباء بابل 1996 ، وأردفه بمعرضه الثاني على قاعة نقابة الفنانين ، ثم توالت المعارض الأخرى وكان آخرها المعرض الذي أقامه على قاعة جمعية الرواد التشكيليين في العام 2005 ، وللفنان الكبيسي اهتمام في مجال التنظير الثقافي والمعرفي حيث أنه يعد من الأقطاب الفكرية والثقافية المهمة في مدينة الحلة ، ومعرضه الأخير الذي يزمع إقامته على إحدى القاعات في مدينته مكرس تماماً لثيمة البورتريت أي الوجوه ، وهو في هذا المعرض منحاز تماماً إلى رسم الوجوه الشعبية العادية جنباً إلى جنب مع بورتريتات لأدباء وفنانين كبار .

في أحد الأمكنة في مدينة الحلة التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار :

بدءاً استطيع القول أن الفن شكل من أشكال النشاط العملي للإنسان ، ولابد أن يستجيب هذا النشاط لحاجات الناس المادية والروحية ، كما لابد أن يتأثر بحركة المجتمع ليعبر عن طموحاته في العمل والحياة وبناء المستقبل ، كما ينبغي أن نعي حصول تحولات جذرية في مجرى حياتنا ، إضافة إلى أن مشكلات العصر وتحولاته أفرزت معايير جديدة وإمكانيات مادية وعلمية في تلبية طموحات الناس وسد حاجاتهم ، إذن يتحتم على الفنان أن يقرأ الواقع قراءة جديدة ويستفيد من هذه المعطيات ، وأن يأخذ بنظر الاعتبار أن المشاهد حين يقف أمام نص بصري يريد أولاً أن يضيف إلى ذائقته شيئاً ، والفن التشكيلي قادر على أن يلعب دوراً حيوياً في إيصال رسائله الجمالية والتعبيرية لكل الناس لاسيما أن الفنان العراقي منذ زمنٍ أخذ ينحو باتجاه تعدد الرؤى وتعدد التجارب ، وقد تأثر الفنان العراقي في بداية مشواره بالتجارب العالمية وأخذ الكثير منها في مساراته الفنية ، ولذلك نجد أن المنجز التشكيلي العراقي خليط من الحداثة ومن التجريب وبعضه واقعي ويومي ومعاش يعكس تجارب من مناخاتنا وبيئتنا المحلية ، إذن فالتأثير لابد أن يحصل لا محالة بفعل سعة النوافذ المطلة على الغير لمنح فنوننا بعداً حضارياً وتفاعلياً ، أما التزمت برؤيا واحدة فذلك يعني الجمود والسكون وهو لا يضيف للعملية الإبداعية شيئاً جديداً ، فالإبداع يولد كالشرارة بالتصادم والاحتكاك وينتقل إلى كافة الجهات ليُحيل الواقع إلى ما هو أجمل وأفضل .

* أيهما أكثر أهمية لديك ، الموضوع أم الشكل أم اللون ؟

* ما هو سر اهتمامك بالموروث الشعبي والحياة اليومية العادية ؟

إن كل شعوب الأرض لها موروثها الشعبي الخاص الذي تستند إليه الرؤيا والتفسير في شؤون الحياة والموت ، وهي تشكل طقوسها في التعبير عن أفراحها وأحزانها ، فرؤية الناس هنا لا تشذ عن هذه القاعدة ، وفي بلدنا موروث شعبي هائل يمنك أن نعده أساساً في بناء تصوراتنا عن الواقع وعن المستقبل ، بالإضافة إلى أن الفنان مخلوق مرهف الحس وله مجساته الخاصة لالتقاط ما هو مؤثر وفعال من مناخاتنا الروحية والبيئية وغالباً ما تتحول لديه تلك المؤثرات إلى عطاء ثر فيه شيء من نكهة الماضي وصورة المستقبل ، لذا أجد أن الموروث الشعبي في كل مكان هو الأرضية المناسبة التي تستند عليها تصورات الناس في تكييف الحياة بما يفتح أفقاً جديداً .

* من المعلوم أنك تستفيد بلوحاتك من الإرث الرافديني القديم ، كيف استطعت أن
توظف ذلك حداثوياً ؟

الفنان كالبحر ، هائج ومتقلب بأمواجه ورياحه ، وهو لا يقيم علاقة أبدية مع الأشياء وأجد أنه مهما توسعت مخيلته في البحث عن الجديد ، فهو لا يمكن أن يغادر بيئته وإرثه العميق .. لابد له أن يتكئ على ما خلفه الأسلاف ويتمثل ما تركوه ، وإلا وجد نفسه أمام حالة من الجدب أو في صحراء تخلو من أي شيء يستعين به ، والفن منذ القدم هو سلسلة من التراكم البصري لا يلغي آخره أوله ولابد للفنان أن يستفيد من الطاقات الهائلة في الفن القديم ، وبنفس الوقت عليه أن يُدرك أن لكل عصرٍ فنونه الخاصة التي تعبر عن حاجاته المادية والروحية ، بمعنى آخر ، يجب أن تخضع اللوحة لمعايير زمانها ومكانها وإلا أصبحت الفنون استنساخاً فجاً مكرراً لا معنى له .

* ما هو موقفك من النقد ، وما يقال في مجال الفن ؟

للأسف إن بعض الآراء النقدية عبارة عن زيف ومجاملة ، فهي غالباً ما تنشر كلاماً لا يتناسب مع حجم الموهبة وحجم العطاء ، وفي أحيان كثيرة تلهث وراء تجارب لكبار الفنانين بغية تكريس شهرتها دون أن تلفت لرعاية البراعم المتفتحة الموهوبة لتزيدها مواصلة وعطاءً ، وارى أن على الناقد أن يكون متوازناً في عمليته النقدية وأن يغادر المجاملة ، وأن يتبنى أحكاماً صريحة وجريئة تزيد من وضوح الرؤيا وتسلط الضوء على نتائج العملية الإبداعية برمتها .

* ما هي مشاريعك الفنية في الوقت الحاضر ؟

أنجزت مجموعة أعمال وجوه ( بورتريه ) لشخصيات وطنية وعالمية من رجال الفكر والأدب والسياسة ، وبعضها وجوه شعبية من وسط الناس ... نفذت بالألوان المائية ، وأنا أجد في الوجه طاقات تعبيرية هائلة تحكي كل شيء عن ملامح الزمن وقسوة أحداثه .

شهادة جديدة للدكتور غالب المسعودي في مجال معالجة الاورام السرطانية في منطقة الوجه والعنق من كلية الجراحين الملكية البريطانية


خمسة رسائل